ضیاء الناظر فی احکام صلاه المسافر

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، - 1308

عنوان و نام پديدآور : ضیاء الناظر فی احکام صلاه المسافر/ تالیف جعفر السبحانی

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الصادق(ع)، 1418ق. = 1376.

مشخصات ظاهری : ص 463

شابک : 964-6243-20-713500ریال

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه: ص. [441] - 450؛ همچنین به صورت زیرنویس

موضوع : نماز مسافر

شناسه افزوده : موسسه امام صادق(ع)

رده بندی کنگره : BP187/4/س2ض9 1376

رده بندی دیویی : 297/353

شماره کتابشناسی ملی : م 77-13066

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه الذي جعلَ الصلاة على المؤمنين كتاباً موقُوتاً، و عموداً للدّين، و قرّة عين لسيّد المرسلين، و سبباً للإقرار بربوبيته، و إظهاراً للذل و المسكنة لديه.

اللهمّ اجعل شريف صلواتك و نوامي بركاتك على محمد عبدك، و رسولك، الذي عبَدك حتى تورّمت قدماه، و نزل في حقّه قولك:

(طه* مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ* إِلّٰا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشىٰ) (طه/ 31) و على أهل بيته الطيّبين الطاهرين الّذين إن نطقوا صدَقوا و إن صَمَتوا لم يُسبَقُوا، صلاة نامية و زاكية. أمّا بعد:

فقد طلب منّي حضّار بحوثي الفقهية بعد ما انتهيت عن البحث في القضاء و الشهادة إلقاء محاضرات في أحكام صلاة المسافر، لكثرة الابتلاء بمسائلها فنزلت عند رغبتهم، و جعلت المحور كتاب العروة الوثقى، للسيد الفقيه الطباطبائي رضوان اللّه عليه مع الرجوع إلى أُمّهات الكتب و مصادر الأحكام. عسى أن ينتفع بها الإخوان. فنقول:

يقع الكلام في فصول:

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 7

الفصل الأوّل في أنّ التقصير عزيمة

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 9

اختلفت كلمة الفقهاء في أنّ التقصير عزيمة أو رخصة، و اتّفق أئمّة أهل البيت و تبعهم فقهاؤهم على أنّه عزيمة و الأصل في ذلك قوله سبحانه:

(وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكٰافِرِينَ كٰانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) (النساء/ 101).

و معنى الآية:

«إذا سافرتم في الأرض فليس عليكم إثم أن تقصروا من الصلاة» و المعنى المعروف للتقصير هو الإتيان بالرباعيات ركعتين، و هذا ما فهمه أكثر الفقهاء من أهل السنّة و عامة مشايخنا من الشيعة و هو مذهب أهل البيت. و روي عن ابن عباس أنّ المراد هو القصر في صفة

الصلاة و أنّها تصلّى إيماءً، و السجود أخفض من الركوع، فإن لم يقدر على ذلك فالتسبيح المخصوص كاف عن كلّ ركعة.

و هو خيرة ابن عباس و طاووس اليماني. «1» يلاحظ عليه بوجهين:

1. انّها رواية شاذة مخالفة لما هو المشهور عند المسلمين.

2. انّ القصر يقابل الطول، فطول الصلاة عبارة عن كثرة ركعاتها و أجزائها قبال القصر، و أمّا التخفيض و الإيماء مكان الركوع و السجود فلا يُسمّى قصراً، و إنّما هو انتقال من فرد إلى فرد آخر.

______________________________

(1). الطبرسي: مجمع البيان: 3/ 153.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 10

و بذلك يظهر ضعف التفسير الثاني و ان اختاره الجصاص

«1» من أهل السنّة، و المرتضى «2» و القطب الراوندي في فقه القرآن من الشيعة. «3» و قبل الورود في شرائط القصر نوضح مفاد الآية و نذكر ما يستفاد منها فنقول:

يستفاد من الآية و لو بضميمة الإجماع أُمور:

1. انّ الآية لا تدلّ على جواز القصر إلّا في صورة الخوف، و تعميم حكمها إلى غيرها ثبت بفعل النبي و سيرة المسلمين و كلمات أئمّة أهل البيت.

2. انّ الصلاتين: التامة و المقصورة متحدتان ماهية، و مختلفتان قلّة و كثرة، و وظيفة الضارب في الأرض هو تقصير نفس الصلاة المأمور بها الحاضر، بشهادة قوله: (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ) فما يأتيه المسافر ليس إلّا نفس ما يأتيه الحاضر من الصلاة إلّا أنّها مقصورة.

3. انّ هنا أمراً واحداً متعلقاً بطبيعة الصلاة متوجهاً لعامة المكلّفين و لها فردان، و الحاضر مأمور بإيجادها في الفرد التام، و المسافر مأمور بإيجادها في غيره. و يستفاد ذلك كلّه من قوله: (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ)، أي قصر الصلاة المعهودة لعامة المكلّفين.

4. انّ الأصل في الصلاة هو التمام

و القصر أمر طارئ، فلو شكّ في مورد أنّ الوظيفة هو التمام أو القصر و كانت الشبهة حكمية كان المرجع هو التمام إلّا أن يدلّ دليل على القصر.

5. انّ الآية ليست بصدد تشريع القصر بل هي في مقام رفع الحظر

______________________________

(1). أحكام القرآن: 2/ 252.

(2). الانتصار: 53.

(3). الينابيع الفقهية: 4/ 516.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 11

و الاستبعاد و إنّما دلّ على أصل الحكم شي ء آخر من كلام الرسول، و عمله، نظيره قوله سبحانه:

(إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّٰهَ شٰاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 158). كان للمشركين صنمان على جبلين فكانوا يسعون بينهما، فلما جاء الإسلام استغربَ بعضُ المسلمين كون السعي من أجزاء الحج، و توهموا انّه من مبتدعات المشركين لأجل تكريم صنميهم فجاءت الآية لرفع ذلك التوهم.

روى ابن أبي عمير، عن الحسن بن علي الصيرفي، عن بعض أصحابنا قال:

سئل أبو عبد اللّه عن السعي بين الصفا و المروة، فريضة أم سنّة؟ فقال: فريضة. قلت: أو ليس قد قال اللّه عزّ و جلّ: (فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا)؟ قال: كان ذلك في عمرة القضاء. انّ رسول اللّه شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا و المروة فتشاغل رجل، ترك السعي حتى انقضت الأيّام و أُعيدت الأصنام، فجاءوا إليه فقالوا: يا رسول اللّه إنّ فلاناً لم يسع بين الصفا و المروة و قد أُعيدت الأصنام. فأنزل اللّه: (فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا) أي: و عليهما الأصنام. «1» و نظير ذلك مورد القصر حيث إنّ تقليل الركعات صار مورد استغراب و استبعاد، فنزلت الآية لرفعه، و لأجل

ذلك قال النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في روايته:

«صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته». فإن قلت:

إذا لم تكن الآية بصدد التشريع فلما ذا تجب الإعادة على من أتم في السفر إذا كان ممن قرأت عليه آية التقصير و فسّرت كما في صحيح محمد بن مسلم؟ «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 9، الباب 1 من أبواب السعي، الحديث 6. و لاحظ الكشاف: 1/ 247، في تفسير الآية.

(2). الوسائل، الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 12

قلت:

إنّ الحديث دالّ على خلاف المطلوب بقرينة انّه لم يكتف بقراءة الآية، بل أضاف عليها تفسيرها، و المراد من تفسيرها تبيين كون رفع الجناح في الآية مثل رفع الجناح في آية السعي بين الصفا و المروة، فلا ملازمة بين رفع الجناح و الرخصة، بل هو أعمّ من الرخصة و العزيمة، و أمّا عدم التعبير بما هو نصّ في العزيمة، فلأجل انّها ليست بصدد بيان أصل الحكم، حتى تأتي بما هو نصّ فيه، بل هي بصدد رفع توهم الحظر الموجود في الأذهان. و الحاصل أنّ استخدام لفظة «لا جناح»، بدل الأمر بالقصر و السعي، لأجل عدم كونهما بصدد التشريع بل لرفع توهم الحظر، و إلّا كان المتعين هو الأمر بالقصر و السعي.

و بذلك يعلم انّ الآيتين ساكتتان عن كون كلّ من القصر و السعي عزيمة أو رخصة، و إنّما يعلم حكمهما من الدليل الخارج، فليس لأحد أن يتمسك بهما في إثبات أحد الأمرين و سيوافيك تفصيله. 6. اختلف فقهاء أهل السنّة في وجوب القصر و عدمه إلى أربعة أقوال:

الأوّل:

انّ القصر هو فرض المسافر المتعين عليه. ذهب إليه أبو حنيفة و

أصحابه و الكوفيون بأسرهم. الثاني:

انّ القصر و الإتمام كلاهما فرض مخيّر له، كالخيار في واجب الكفارة. و به قال بعض أصحاب الشافعي. الثالث:

انّ القصر سنّة. و به قال مالك في أشهر الروايات عنه. الرابع:

انّ القصر رخصة، و انّ الإتمام أفضل. و به قال الشافعي في أشهر الروايات عنه و هو المنصور عند أصحابه. و نقل هذه الأقوال ابن رشد القرطبي في «بداية المجتهد» «1» و ذكر

______________________________

(1). ابن رشد: بداية المجتهد: 1/ 161.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 13

انّ اختلافهم ناشئ من اختلاف الأدلّة، فالآية ظاهرة في الترخيص، غير أنّ بعض الأدلّة دلّت على العزيمة، أعني:

حديث عائشة الثابت باتّفاق قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرَّتْ صلاة السفر، و زيد في صلاة الحضر، كما يخالفه دليل الفعل، فإنّ المنقول انّ النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم كان يقصر في كلّ أسفاره، و انّه لم يصح عنه عليه السَّلام انّه أتمّ الصلاة قط. أقول:

اتّفقت الإماميّة على أنّ التقصير في السفر واجب لا غير. قال الشيخ:

التقصير في السفر فرض و عزيمة و الواجب من هذه الصلوات، الثلاث: الظهر و العصر و العشاء الآخرة، ركعتان، فإن صلّى أربعاً مع العلم وجب عليه الإعادة. «1» و قد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام على ذلك و نذكر منها: 1. روى عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب ثلاث». «2»

2. روى حذيفة بن منصور، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السَّلام أنّهما قالا: «الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء». «3»

3. روى الحلبي قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: صلّيت أربع ركعات و أنا في سفر. قال: «أعد». «4»

*** و أمّا أهل السنّة فقال ابن قدامة:

أمّا السنّة فقد تواترت الأخبار انّ رسول

______________________________

(1). الطوسي: الخلاف، كتاب الصلاة، المسألة 321.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 16 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2 و 1.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 16 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2 و 1.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6 و لاحظ عامة روايات الباب.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 14

اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم كان يقصر في أسفاره حاجّاً و معتمراً و غازياً.

«1» و قال ابن القيّم الجوزيّة:

و التقصير في الرباعية فيجعلها ركعتين من حين يخرج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة، و لم يثبت انّه أتم الرباعية في سفره البتة. «2» أقول:

لقد تضافرت رواياتهم على أنّ عمل النبي كان على القصر و لم يُرَ منه التمام طيلة عمره، و قد تبعه الخلفاء الأوّل و الثاني و حتى الثالث إلى السنة السادسة من خلافته، و أتمّ بعدها، فهو أوّل من أتمّ في موضع القصر باتّفاق الفريقين. روى الكليني بسند صحيح عن زرارة، عن أبي جعفر قال:

حجّ النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فأقام بمنى ثلاثاً يصلّي ركعتين، ثمّ صنع ذلك أبو بكر، و صنع ذلك عمر، ثمّ صنع ذلك عثمان ست سنين، ثمّ أكملها عثمان أربعاً فصلى الظهر أربعاً، ثمّ تمارض ليشد (ليسد) بذلك بدعتَه، فقال للمؤذن: اذهب إلى علي عليه السَّلام فقل له: فليصل بالناس العصرَ، فأتى المؤذن علياً عليه السَّلام فقال له: إنّ أمير المؤمنين عثمان يأمرك أن تصلّي بالناس العصر، فقال:

إذن لا أُصلي إلّا ركعتين كما صلّى رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فرجع المؤذن فأخبر عثمان بما قال علي عليه السَّلام، فقال: اذهب إليه و قل له: إنّك لستَ من هذا في شي ء اذهب فصلّ كما تؤمر، فقال عليه السَّلام: لا و اللّه لا أفعل، فخرج عثمان فصلّى بهم أربعاً». فلمّا كان في خلافة معاوية و اجتمع الناس عليه و قُتِل أمير المؤمنين عليه السَّلام حجَّ معاوية فصلّى بالناس بمنى ركعتين الظهر، ثمّ سلّم فنظر بنو أُمية بعضهم إلى بعض و ثقيف و من كان من شيعة عثمان، ثمّ قالوا:

قد قضى على صاحبكم و خالف و أشْمتَ به عدوّه، فقاموا فدخلوا عليه فقالوا: أ تدري ما صنعتَ؟ ما زدت على أن قضيتَ على صاحبنا و أشمتّ به عدّوه و رغبتَ عن صنيعه و سنته،

______________________________

(1). ابن قدامة: المغني: 2/ 209.

(2). ابن القيم: زاد المعاد: 1/ 158.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 15

فقال:

ويلكم أما تعلمون أنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم صلّى في هذا المكان ركعتين و أبو بكر و عمر و صلّى صاحبكم ست سنين كذلك فتأمروني أن أدع سنّة رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و ما صنع أبو بكر و عمر و عثمان قبل أن يُحدِث، فقالوا: لا و اللّه ما نرضى عنك إلّا بذلك، قال: فاقبلوا فإنّي متبعكم و راجع إلى سنّة صاحبكم فصلّى العصر أربعاً، فلم يزل الخلفاء و الأُمراء على ذلك إلى اليوم. «1» و رواه مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد يقول:

«صلّى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد اللّه بن مسعود فاسترجع ثمّ

قال: صليتُ مع رسول اللّه بمنى ركعتين، و صلّيتُ مع أبي بكر بمنى ركعتين، و صلّيت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات، ركعتان متقبلتان. «2» و هل استرجاع ابن مسعود إلّا للظاهرة التي طرأت آنذاك أول مرّة و هي عدم الاكتراث بسيرة النبي، و الّتي استمر عليها الشيخان و نفس عثمان في صدر خلافته.

ثمّ قد استدل القائل بالرخصة بوجوه أتمّها أمران:

1. ظاهر الآية: أعني قوله سبحانه: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ ...) (النساء/ 101) فإنّ الجناح هو الإثم و هو ظاهر في الجواز لا في الوجوب، فتكون النتيجةُ أنّ القصر رخصة، و المكلّف مخيّر بين الفعل و الترك كسائر الرخص.

يلاحظ عليه:

أنّ الآية ليست بصدد بيان انّ القصر رخصة أو عزيمة، بل هي بصدد بيان رفع توهم الحظر، و كأنّ المخاطب يتصور انّ القصر نقصان في الصلاة و هو أمر محظور، فنزلت الآية لدفع هذا التوهم لتطيب أنفسهم بالقصر،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9.

(2). مسلم: الصحيح بشرح النووى: 5/ 204.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 16

و أمّا انّه واجب أو سائغ فإنّما يطلب من دليل آخر، و الآية لا تصلح للاستدلال لواحد من القولين.

2. ما استدل به ابن قدامة من أنّ ابن أُمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) و قد أمن الناس، فقال: عجبتُ ممّا عجبتَ منه، فسألت رسول اللّه فقال: صدقة تصدق اللّه بها عليكم فأقبلوا صدقته. أخرجه مسلم «1»، و هذا يدل على أنّه رخصة و ليس بعزيمة و انّها مقصورة.

يلاحظ عليه:

أنّها على خلاف المقصود أدلّ،

حيث إنّ الرسول أمر بقبول الصدقة، و الأمر ظاهر في الوجوب، فكيف تحمل الآية على الرخصة؟! أضف إليه:

انّ قياس صدقة اللّه بصدقة الناس قياس مع الفارق، فإنّ صدقته ليست أمراً اعتباطياً، بل هي ناشئة من الحكمة البالغة الإلهية، فيصبح القبول أمراً واجباً. على أنّ الظاهر من أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام أنّ رد صدقته محرم حيث قال الصادق عليه السَّلام:

«إنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ تصدّق على مرضى أُمّتي و مسافريها بالتقصير و الإفطار، أ يسرّ أحدكم إذا تصدّق بصدقة أن تردّ عليه». «2» فتلخص انّ القصر عزيمة، و الإتمام في موضع القصر غير صحيح إلّا ما خرج بالدليل.

إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أنّ لوجوب القصر شروطاً ذكرها الفقهاء في كتبهم، و إليك بيانها.

______________________________

(1). ابن قدامة،: المغني: 2/ 209، و لاحظ صحيح مسلم بشرح النووى: 5/ 196.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 22 من أحكام صلاة المسافر، الحديث 7.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 17

الفصل الثاني في شروط القصر

اشارة

1. المسافة و هي ثمانية فراسخ.

2. قصد قطع المسافة.

3. استمرار قصد المسافة.

4. أن لا يكون من قصده إقامة عشرة أيّام قبل بلوغ الثمانية أو المرور على الوطن.

5. أن لا يكون السفر حراماً.

6. أن لا يكون ممن بيته معه.

7. أن لا يكون ممن اتخذ السفرَ عملًا و شغلًا.

8. الوصول إلى حدّ الترخص.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 19

الشرط الأوّل: المسافة

اشارة

اتّفق الفقهاء إلّا داود الظاهري على أنّ مطلق السفر غير كاف في التقصير، بل تعتبر فيه المسافة الخاصة، و اختلفوا في حدّها.

فقالت الشيعة الإماميّة و الأوزاعي من أهل السنّة:

إنّه تكفي مرحلة واحدة، و تقدَّر بثمانية فراسخ. و قال أبو حنيفة و أصحابه:

السفر الذي تقصر فيه ثلاث مراحل التي تقدر بأربعة و عشرين فرسخاً، و روي ذلك عن ابن مسعود. و قال الشافعي:

مرحلتان، و تقدر بستة عشر فرسخاً. و قال داود الظاهري:

أحكام السفر تتعلق بالسفر الطويل و القصير. «1» و قد فسرت ثمانية فراسخ في رواياتنا بالبريدين و بأربعة و عشرين ميلًا، و على ضوء ذلك فالعناوين الأربعة التالية واحدة:

1. مرحلة واحدة

2. ثمانية فراسخ

3. بريدان

24. 4 ميلًا

و لنقدم شيئاً في توضيح هذه العناوين الأربعة:

______________________________

(1). الطوسي: الخلاف: 1/ 320، صلاة المسافر.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 20

[وحدة هذه العناوين الأربعة]

الأوّل: المرحلة

و هي ثمانية فراسخ، و كانت القوافل بعد نزولها على رأس ثمانية فراسخ يستريحون ثمّ يرحلون، و لأجل ذلك أطلقت المرحلة على نفس المسافة.

و قد عرفت نص الشيخ الطوسي في الخلاف على أنّ المرحلة مصطلح في ثمانية فراسخ.

الثاني: الفرسخ

قال ابن منظور:

الفرسخ: ثلاثة أميال أو ستة أميال سُمِّي بذلك لأنّ صاحبه إذا مشى قعد و استراح من ذلك كأنّه سكن، و هو واحد الفراسخ فارسي معرب. «1» و قال الطريحي:

الفرسخ بفتح السين فارسي معرب، و قُدِّر بثلاثة أميال. «2» أقول:

إذا كان اللفظ فارسياً معرباً، فلعلّه معرب پرسنگ أو پارسنگ. «3» و المراد من پارسنگ هي الأحجار المتراكمة بعضها فوق بعض حتى تصير كتلة واحدة، و تكون علامة لمقدار السير.

و المعروف انّ كلّ فرسخ ثلاثة أميال، و ما ذكره في اللسان من كون كلّ فرسخ ستة أميال فهو قول غير مشهور.

و لعلّ كلّ ميل كان يوم ذاك نصف الميل المعروف، فتصير ستةُ أميال مساويةً لثلاثة أميال.

الثالث: البريد

قال في اللسان:

البريد ما بين كلّ منزلين بريد، و البريد الرّسل على دوابِّ

______________________________

(1). اللسان: 3، مادة فرسخ.

(2). مجمع البحرين، مادة فرسخ.

(3). انظر فرهنگ فارسي للدكتور محمد معين، ص 743.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 21

البريد و الجمع بُرُد.

و في الحديث انّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: «إذا أبردتم إليَّ بريداً فاجعلوه حسن الوجه و حسن الاسم»، البريد: الرسول، و إبراده: ارساله، و قيل لدابة البريد بريد أيضاً. «1» و على ضوء ذلك فأصل البريد هو الرسول، ثمّ أطلق مجازاً على ما بين المنزلتين و نفس الدابة.

و يمكن أن يقال انّ البريد من البرد إمّا بمعنى النوم، أو ضدّ الحرارة، و الأصل في ذلك في أنّ الحضارات القديمة كالمعاصرة تهتم بالبريد و كان على رأس كلّ منزل، مأمور يسمى بالبريد يستلم الرسالة ليوصلها إلى منزل آخر و هكذا تتكرر العملية عند كلّ منزل حتى تصل الرسالة إلى محلها، و بما انّ حامل الرسالة كان

ينام أو يتبرد حين وصوله بالمنزل سمي بريداً، ثمّ تطور فأطلق البريد على مركبه و المسافة التي يقطعها.

قال ابن إدريس:

و أصل البريد انّهم كانوا ينصبون في الطرق أعلاماً، فإذا بلغ بعضها راكبُ البريد، نزل عنه و سلّم ما معه من الكتب إلى غيره فكان ما به من الحر و التعب يبرد في ذلك، أو ينام فيه الراكب و النوم يسمى برداً، فسمي ما بين الموضعين بريداً، و إنّما الأصل الموضع الذي، ينزل فيه الراكب، ثمّ قيل للدابة بريد، و إنّما كانت البرد للملوك ثمّ قيل للسير بريد. و قال مزرّد بن ضرار يمدح عرابة الاوسي:

فدتك عراب اليوم نفسي و اسرتي و ناقتي الناجي إليك بريدها

«2» و أمّا مقدار المسافة بين البريدين فقد قال الطريحي:

البريد بالفتح على فعيل أربعة فراسخ اثنا عشر ميلًا، و روى فرسخين ستة أميال و المشهور الذي عليه

______________________________

(1). لسان العرب: 3/ 86، مادة «برد».

(2). السرائر: ج 1، كتاب الصلاة، باب صلاة المسافر، ص 328.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 22

العمل خلافه.

و في الحديث عن الصادق عليه السَّلام:

البريد ما بين ظل عير إلى في ء وعير ذرعته بنو أُميّة ثمّ جزّءوه اثني عشر ميلًا، فكان كلّ ميل ألفاً و خمسمائة ذراع، و هو أربعة فراسخ. «1» و ما ذكره في تفسير الميل من أنّ كلّ ميل ألفاً و خمسمائة ذراع هو خلاف المشهور كما سيوافيك.

الرابع: الميل

قال في اللسان:

و قيل للأعلام المبنية في طريق مكّة أميال، لأنّها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل و كلّ ثلاثة أميال منها فرسخ. «2» و قال الطريحي:

الميل مسافة مقدّرة بمدّ البصر أو بأربعة آلاف ذراع، بناء على أنّ الفرسخ اثنا عشر ألف

ذراع «3». قال ابن إدريس:

و حدّ السفر الذي يجب معه التقصير بريدان و البريد أربعة فراسخ و الفرسخ 3 أميال و الميل 4000 ذراع على ما ذكره المسعودي في كتاب مروج الذهب «4»، فإنّه قال: الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود، و هو الذراع التي وضعها المأمون لذرع الثياب و مساحة البناء و قسمة المنازل، و الذراع أربعة و عشرون اصبعاً. «5» بقي الكلام في أمر خامس و هو الذراع و هو من المرفق إلى أطراف الأصابع،

______________________________

(1). مجمع البحرين: 3/ 13، مادة «برد».

(2). اللسان: 11/ 639 مادة «ميل».

(3). مجمع البحرين: 5/ 476، مادة «ميل».

(4). مروج الذهب: 1/ 103 ط دار الأندلس بيروت، و في المطبوع مائة مكان أربعة و هو تصحيف.

(5). السرائر: 1/ 328.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 23

و يحدد بست قبضات و القبضة أربعة أصابع.

«1» قال الفيومي:

الذراع اليد من كلّ حيوان، لكنّها في الإنسان من المرفق إلى أطراف الأصابع، و ذراع القياس ست قبضات معتدلات و يسمى ذراع العامة. «2» و على ذلك فالمسافة الشرعية هي ثمانية فراسخ أو بريدان، و كلّ بريد أربعة فراسخ، و كلّ فرسخ ثلاثة أميال، و كلّ ميل

4000 ذراع. نعم يظهر من بعض الروايات انّ الميل أقلّ من

4000 ذراع، ففي مرسلة محمد بن يحيى الخزاز عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في حديث: انّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم لمّا نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: في كم ذاك؟ فقال: في بريد قال: و أيّ شي ء البريد؟ فقال: ما بين ظل عير إلى في ء وعير قال: ثمّ عبرنا زماناً

ثمّ رأى بنو امية يعملون أعلاماً على الطريق و انّهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر فذرعوا ما بين ظل عير إلى في ء وعير، ثمّ جزّءوه على اثني عشر ميلًا فكانت ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع كلّ ميل. و في مرسلة الصدوق:

فذرعته بنو أُميّة، ثمّ جزّءوه على اثني عشر ميلًا، فكان كلّ ميل ألفاً و خمسمائة ذراع، و هو أربعة فراسخ. «3» و قال الفيض في الوافي:

«عير» و «وعير» جبلان بالمدينة معروفان. و إنّما قال ما بين ظل عير إلى في ء وعير، لأنّ الفي ء إنّما يطلق على ما يحدث بعد النّور من فاء يفي ء إذا رجع و لعلّ عيراً في جانب المشرق و وعيراً في جانب المغرب، و إنّما العبرة بالظّل عند الطلوع و الغروب. «4»

______________________________

(1). الطريحي: مجمع البحرين: 4/ 327، مادة «ذرع».

(2). الفيومي، المصباح المنير، مادة «ذرع».

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 13 و 16.

(4). الوافي: 5/ 124.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 24

و هاتان الروايتان مع تعارضهما في تعيين حدّ الميل لا يعتد بهما.

و ما نقلناه من المعاجم هو الظاهر من روايات الباب.

المسافة الشرعية في لسان الأدلّة

إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أنّ المسافة الشرعية الواردة في النصوص عبارة عن الأُمور التالية:

1. ثمانية فراسخ.

2. البريدان.

24. 3 ميلًا.

4. مسيرة يوم أو بياض يوم.

و مرجع الجميع واحد، فهذه العناوين مختلفة مفهوماً متحدة مصداقاً.

و الروايات تارة تقتصر بذكر واحد منها، و أُخرى تثنّي و تجمع بين العنوانين، و ثالثة تثلّث و تذكر ثلاثة منها، و إليك نماذج من كلّ واحدة.

أمّا القسم الأوّل:

أي ما يعتمد على عنوان واحد، و هو: إمّا ثمانية فراسخ فرواها الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السَّلام في كتابه إلى

المأمون:

«و التقصير في ثمانية فراسخ و ما زاد، و إذا قصّرت أفطرت». «1» أو البريدان و يدل عليهما صحيح عاصم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال:

«خرج رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إلى ذي خُشب فقصّر و أفطر» قلت: و كم ذي خشب؟ قال: «بريدان». «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 12.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 25

أو أربعة و عشرون ميلًا، فقد ورد في رواية عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في حديث قال:

«في التقصير، حدّه 24 ميلًا». «1» أو مسيرة يوم، ففي رواية علي بن يقطين، قال:

سألت أبا الحسن الأوّل عن الرجل يخرج في سفره و هو في مسيرة يوم، قال: يجب عليه التقصير في مسيرة يوم، و إن كان يدور في عمله. «2» و أمّا القسم الثاني أي ما اجتمع فيه العنوانان:

فتارة جمع في الروايات بين بريدين مع أربعة و عشرين ميلًا، و أُخرى بين بريدين و بياض يوم، ففي رواية الكاهلي أنّه سمع الصادق عليه السَّلام يقول في التقصير في الصلاة بريد في بريد، أربعة و عشرون ميلًا.

«3» و في صحيحة أبي أيّوب عن الصادق عليه السَّلام قال:

سألته عن التقصير، قال: فقال: «في بريدين أو بياض يوم». «4» و أمّا القسم الثالث أي ما اجتمع فيه العناوين الثلاثة:

فتارة يشتمل على مسيرة يوم و بريدين و ثمانية فراسخ، و أُخرى على مسيرة يوم مع بريدين و أربعة و عشرين ميلًا.

ففي رواية سماعة قال:

سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم و ذلك بريدان و

هما ثمانية «5» فراسخ. و في مرسلة الصدوق قال:

و قد سافر رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إلى ذي خشب و هو مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان، 24 ميلًا فقصّر و أفطر فصار سُنّة. «6» و بذلك يمكن القول بأنّ العناوين الأربعة متحدة مصداقاً.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14، 16.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14، 16.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3، 7.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3، 7.

(5). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8، 4.

(6). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8، 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 26

نعم هناك روايات تعارضها و هي إمّا محمولة على التقيّة أو مؤوّلة، ففي رواية زكريا بن آدم، انّ الرضا كتب:

«التقصير في مسير يوم و ليلة». «1» و لعلّ الواو بمعنى

(أو) أو محمولة على من يسير ثمانية فراسخ في يوم و ليلة. و في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام:

«لا بأس للمسافر أن يتمّ الصلاة في سفره مسيرة يومين». «2» و هي محمولة على التقية.

و قد عرفت انّ الشافعي يقول بشرطية المرحلتين و هما مسيرة يومين، و مع ذلك يجوّز الإتمام و لعلّه كانت لهذه الفتوى أصل قبل الشافعي.

و في صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السَّلام في جواب كم يقصر، فقال:

«في ثلاثة برد» «3» فهو محمول على التقية أيضاً. و أمّا ما رواه سليمان بن حفص المروزي قال:

قال الفقيه عليه السَّلام: «التقصير في الصلاة

بريدان، أو بريد ذاهباً و جائياً، و البريد ستة أميال و هو فرسخان، و التقصير في أربعة فراسخ». «4» فتفسير البريد بالفرسخين مخالف للمشهور، و لعلّ المراد من الفرسخ هو الفرسخ الخراساني و هو ضِعف الشرعي، و يقرّبه انّ الراوي خراساني.

و يؤيد ذلك انّه جعل البريد ستة أميال مع أنّ المشهور انّ البريد اثنا عشر ميلًا، و هو يقرب انّ كل ميل خراساني ضعف الميل المشهور، و لأجل ذلك قال:

و البريد ستة أميال. فعلى من يريد أن تصير المسألة حسّية، فعليه القيام بأُمور ثلاثة على وجه

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، 9، 10.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، 9، 10.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، 9، 10.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 27

مانعة الخلو:

1. ذرع ما بين المدينة وذي خشب الذي قصّر فيه الرسول حسب ما ورد في الرواية.

2. ذرع ما بين الجبلين في المدينة: «عير» و «وعير».

و يظهر من خارطة المملكة السعودية انّ المسافة بين الجبلين

20 كيلومتراً و نصف، و الظاهر أنّ المحاسبة على الخط الجوي المستقيم، و هو أقصر الفواصل، و لعلّ السير كان يوم ذاك على غير الطريق المستقيم. 3. ذرع ما بين بغداد القديمة و النهروان على ما في بعض الروايات.

هل الموضوع هو المسافة أو السير الزمني؟

لا شكّ انّ العناوين الثلاثة الأُول لا تختلف، فثمانية فراسخ تعادل بريدين و تعادل

24 ميلًا أيضاً. نعم يتصوّر الاختلاف بين التحديد بالمسافة و التحديد بالسير الزمني. فلو افترضنا انّه قطع في مسيرة يوم أقلّ من بريدين،

هناك احتمالات ثلاثة:

1. أن يكون كلّ موضوعاً مستقلًا، فأيّهما تحقّق يكفي في الحكم بالتقصير.

2. أن يكون الموضوع هو التحديد بالمسافة، غير انّه لما لم توضع علامات على كلّ الطرق، جعل السير الزمني أمارة على قطع المسافة الشرعية، ففي موارد الشكّ يتمسك بالأمارة إلّا إذا علم التخلف.

3. عكس الثاني بأن يكون الموضوع هو السير الزمني غير انّ القوافل ربما تسير في أوقات مختلفة فتأخذ بالسير تارة من أوّل الفجر، و أُخرى من طلوع الشمس، و ثالثة من انتشار ضوئها، فجعل التحديد بالمسافة أمارة إلى السير

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 28

بياض يوم.

و لا طريق للاحتمال الأوّل لأنّه عليه السَّلام جعل التحديدين موضوعاً واحداً، فعن سماعة قال:

سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم و ذلك بريدان و هما ثمانية فراسخ. «1» و الأمر مردّد بين الاحتمالين الأخيرين، و الأقوى هو الاحتمال الثاني، و انّ الموضوع في الواقع هو قطع المسافة الشرعية، و لما كان الوقوف على مقدار المسافة أمراً متعسّراً في الأزمنة الغابرة لعدم وجود الاعلام في أكثر الطرق، جعل السير الزمني أمارة على تحقّق المسافة الشرعية، و ذلك بالبيان التالي:

إنّ التحديد بالمسافة تحديد حقيقي قطعي عرفاً، و هو أليق بأن يكون موضوعاً للحكم الشرعي خلافاً للسير الزمني، إذ ربّ قافلة تسير في بياض يوم أربعة فراسخ، و في يوم آخر ستة فراسخ، و في ثالث ثمانية فراسخ، و هو يختلف حسب قصر النهار و طوله، و حسب سهولة الطريق و وعورته و حسب خروجها من أوّل الفجر، أو أوّل الطليعة، أو بعد انتشار ضوء الشمس كما هو المشهود.

فاللائق في مقام التحديد، هو الحد الدقيق العرفي، و أمّا السير في

زمن خاص فيجعل طريقاً إليه و يؤخذ بها إذا لم يعلم التخلف، كما هو الحال في الكرّ فإنّ المقياس هو الوزن، و المساحة طريق إليه يؤخذ بها ما لم يخالف الأوّل. ربما يتصور بعض الجدد انّ الموضوع هو السير بياض يوم، و على ذلك لا تقصر في مثل أيّامنا هذه إلّا إذا استغرق السفر بياض يوم بمعنى أن يسير بياض يوم و إن تخللت بينها قسطاً من الراحة.

يلاحظ عليه:

أنّه مبني على أن يكون موضوعه بياض يوم، و قد عرفت انّ

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 29

الموضوع هو السير ثمانية فراسخ، و أمّا التركيز على بياض يوم في بعض الأحاديث فليس لأجل كونه موضوعاً و إنّما الغرض هو رد العامة الذين لا يقصرون إلّا عند مسير يومين

(16 فرسخاً) أو ثلاثة أيام (24 فرسخاً). و الإمام يردّها بأنّه إذا لم يكن السير بياض يوم موجباً للقصر، فلا يكون موجباً له حتى في يومين أو ثلاثة أيّام لأنّ كلّ يوم موضوع مستقل مغاير لليوم اللاحق.

نقل الفضل بن شاذان عن الرضا انّه يقول:

«إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم، و لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة، و ذلك لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم فما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما». «1» أضف إلى ذلك إنّ لازم ما ذكر هو عدم

جواز التقصير لمن سافر من طهران إلى جدة بالطائرة، فإنّ السفر لا يستغرق إلّا ساعتين و نصف الساعة، و ليست الطائرة من وسائل النقل النادرة، بل أصبحت وسيلة رائجة خاصة في عصرنا هذا و هو كما ترى.

و أمّا ما يقال انّ تشريع التقصير كان لأجل الحرج في السفر، و أمّا السفر في زماننا هذا فترافقه الراحة في غالب الموارد، فلا وجه للقصر.

يلاحظ عليه:

أنّ ما ذكر من قبيل حكمة الحكم لا ملاكه، فكم فرق بين ملاك الحكم و حكمته، فلو قال: الخمر حرام لإسكاره، فهو ملاك الحكم، فلو تبدّل خلًا يكون طاهراً، بخلاف ما إذا قال: وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ

______________________________

(1). وسائل الشيعة: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 30

قُرُوءٍ، و علم من الخارج أو دلّ الدليل على أنّ سبب التربص استبراء الرحم و العلم بانّ المطلّقة حامل أو لا؟

و الشاهد على أنّه من قبيل الحِكَم، انّه لو علم انّها ليست بحامل، أو كان الزوج غائباً طيلة سنة يجب عليها التربص.

و الحرج في المقام من قبيل حكمة الحكم على أنّ عدم الحرج في مطلق السفر في زماننا أمر غير مقبول، كما انّ اشتمال كون جميع الأسفار على الحرج حتى السفر القريب ليس صحيحاً.

مبدأ المسافة

إذا كان السير بمقدار بريدين موضوعاً للقصر يقع الكلام في مبدأ المسافة، فهل هو فناء الدار، أو آخر المحلة التي يقطنها، أو آخر البلدة، أو حدّ الترخيص، أو يفرق بين المدن الكبيرة و غيرها؟

ففي المدن الكبيرة يكتفى بآخر المحلة و في الصغيرة منها بسورها وجوه و أقوال:

و قد ذكر الشهيد في الذكرى الأقوال على الشكل التالي:

قال الصدوق:

الاكتفاء بالخروج من منزله و هو

قول ابن بابويه في الرسالة، و رواه ولده مرسلًا عن الإمام الصادق عليه السَّلام: إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه. و قال ابن الجنيد:

إنّ المسافر في خروجه يقصر إذا فارق منزله و انقطع عنه رؤية أبيات قريته. «1»

______________________________

(1). الذكرى، كتاب الصلاة، الشرط السادس من شروط قصر الصلاة و المطبوع غير مرقم.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 31

و لا يخفى انّ قول ابن الجنيد ينطبق على القول الأخير و هو الوصول إلى حدّ الترخيص.

و قال الشهيد في الروضة:

و المعتبر آخر البلد المتوسط فما دون و محلته في المتسع. «1» و المسألة من الفقه المستنبط لا المنصوص.

فلا حاجة إلى تتبع الأقوال. فلا بدّ من استنباط الحكم من الأدلّة فنقول:

من اعتبر فناء الدار فلأجل انّه يصدق عليه السفر، و مثله من اعتبر آخر المحلة إذا كانت كبيرة.

يلاحظ عليه:

أنّ صدق السفر و المسافر أحد ركني التقصير، و الركن الآخر كون السفر بمقدار البريدين، فيقع الكلام انّ مبدأ المسافة هل هي فناء الدار، أو آخر المحلة؟ فما لم يحرز الشرط الثاني فلا يكفي صدق السفر أو المسافر. و أمّا القول بأنّ المعيار هو الوصول إلى حدّ الترخص، فلأنّ الشارع لم يرخص الإفطار و التقصير إلّا بعد الوصول إليه، و هو يعرب عن عدم اعتبار هذا المقدار من السير.

يلاحظ عليه:

بأنّه قياس لا نقول به، فإنّ عدم الاعتداد بهذا المقدار من السير في عدم قصر الصلاة و إفطار الصوم لا يكون دليلًا على عدم الاعتداد به في المسافة الشرعية. و الحقّ انّ المعتبر هو آخر المدينة و سورها و ذلك لوجهين:

الأوّل:

انّ التحديد الرائج في جميع الأزمنة هو سور المدينة، فيقال بين بغداد و الحلة كذا فرسخ، و

المقياس بين المبدأ و المنتهى هو سور المدينتين.

______________________________

(1). زين الدين العاملي: الروضة: 1/ 154.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 32

و الشاهد عليه انّهم ينصبون الإشارات أوّل المدينة أو آخرها لا في داخلها.

الثاني:

انّه المتبادر عند أصحاب الأئمّة و إليك بعض ما يمكن الاستئناس به. قال الصادق عليه السَّلام:

و قد سافر رسول اللّه إلى ذي خشب و هو مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان، أربعة و عشرون ميلًا، فقصّر و أفطر فصار سُنة. «1» فالمتبادر من الحديث كون المقياس سور المدينة حتى يصل إلى ذي خُشب.

و مرسلة إبراهيم بن هاشم، عن رجل، عن صفوان، قال:

سألت الرضا عليه السَّلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلًا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان، و هي أربعة فراسخ «2» من بغداد. فبما انّ الراوي يقول «خرج من بغداد» ثمّ يقول و هي «أربعة فراسخ من بغداد» يريد كونها كذلك من المبدأ إلى المنتهى.

و رواية أبي ولاد قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: إنّي كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة، و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخاً في الماء. «3» و المتبادر من هذه الروايات انّ المبدأ للحد المذكور فيها هو سور البلد و نهايته.

نعم ربما يفصل بين المدن الكبيرة و غيرها بكون المبدأ هو السور في غير المدن الكبيرة، و المحلة في المدن الكبيرة كما قال المحقّق الهمداني:

بأنّه لا ينبغي الاستشكال في صدق تلبّسه بالسفر من حين خروجه من محلّته، و لا في اندراجه في

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 4 من أبواب صلاة المسافر،

الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 5 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 33

إطلاقات أدلّة التقصير من مثل قوله:

«إذا ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه» فإنّ تقييد مثل هذه المطلقات بما إذا ذهب بريداً بعد خروجه من البلد خصوصاً في مثل هذه البلاد يحتاج إلى دليل، و دعوى انّه لا يصدق عليه اسم المسافر ما لم يخرج عن البلدان فهي غير مجدية في ارتكاب التقييد في مثل هذه المطلقات، لأنّها مسوقة لبيان ما به يتحقّق السفر الموجب للتقصير لا ما يعتبر من المسافة بعد اندراجه في مسمّى المسافر، فلو لم يساعد العرف أو الشرع على تسميته مسافراً إلّا بعد قطعه مقداراً معتداً به من هذه المسافة بل جميعه فليس منافياً لإطلاق هذه المطلقات. «1» يلاحظ عليه:

أنّ الشك إنّما هو في شمول ما أشار إليه من المطلقات لهذا النوع من السير، فإنّ قوله: «إذا ذهب بريداً و رجع بريداً» إذا ضمَّ إلى ما هو المتعارف في ذلك الزمان من نصب الإشارات خارج البلد ينصرف إلى قطع البريدين ذهاباً و إياباً من خارج البلد فلا فرق بين المدن الكبيرة و غيرها. أضف إلى ذلك انّه يلزم أن يحكم على شخص بحكمين متغايرين، فلو افترضنا انّ المقيم في شرق طهران إذا خرج من محلته قاصداً السوق للتجارة فهو يتم و يصوم، و لكنّه إذا خرج عازماً السفر إلى قم فهو يقصر و يفطر في السوق حين وصوله إليها، و هو حكم لا يرتضيه الذوق الفقهي.

و بعبارة أُخرى انّ المقيم في شرق طهران حينما يتجوَّل في شوارعها لشراء السلع لا يحكم عليه بالقصر، و لكنّه إذا عزم السفر إلى منطقة

نائية يفطر و يقصر في الشارع الذي كان بالأمس يشتري منه السلع.

نعم فرق المحقّق البروجردي بين الصورتين قائلًا:

بأنّ السير في شوارع البلد من دون أن يكون مقدمة للخروج عن البلد لا يوجب صدق عنوان المسافر، و أمّا

______________________________

(1). المحقق الهمداني: مصباح الفقيه، كتاب الصلاة، ص 724.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 34

إذا وقع في امتداد السير إلى خارج البلد كان المجموع ملاكاً لصدق عنوانه كما يشهد بذلك إطلاق العرف هذا العنوان على من خرج من منزله قاصداً للثمانية.

يلاحظ عليه:

بأنّ ما ذكره ادعاء محض، فإنّ إطلاق السفر و المسافر على المتجوّل في شوارع البلد الكبير من باب المجاز و المشارفة خصوصاً بعد وقوفنا على أنّ السفر خلاف الحضر. و بمعنى البروز خلاف الستر، و كأنّ البلد كالمخيَّم ساتر للإنسان و الخروج منه إلى الصحراء موجب للبروز و السفور. قال الأزهري:

و سمّي المسافر مسافراً لكشفه قناع الكنِّ عن وجهه، و منازل الحضر عن مكانه، و منزل الخفض عن نفسه، و بروزه إلى الأرض الفضاء. «1» و معنى ذلك هو ترك البلد بتاتاً، و كأنّ البلد بمنزلة الساتر، و هو بتركه البلد يكشف الستر و يبرز، كما هو الحال في النساء السافرات.

بقي هنا ما يستظهر منه كون المبدأ هو فناء الدار

؛ ففي حديث سليمان بن حفص المروزي «و التقصير في أربعة فراسخ. فإذا خرج الرجل من منزله، يريد اثني عشر ميلًا ...» «2» و في رواية عمار: «لا يكون مسافراً حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة». «3» و لعلّه إليهما يشير الصدوق في «الفقيه»:

«روي عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام أنّه قال: إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه».

«4» قال الطريحي:

المنزل واحد المنازل: و هي الدور، هذا و لكن الرائج في التعبير عن المسكن هو الدار، أو البيت، قال سبحانه: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ وَ لٰا عَلَى

______________________________

(1). اللسان، مادة سفر.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 4 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 7 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 35

الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لٰا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لٰا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ.

..) (النور/ 61) و قال سبحانه: (تمتعوا في داركم ثَلاثة أيّام ذلِكَ وعدٌ غير مَكذُوب) (هود/ 65) و الظاهر انّ المراد هو محل النزول المعادل للبلد، و يؤيده قوله في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «إنّ أهل مكة إذا خرجوا حجّاجاً قصّروا، و إذا زاروا و رجعوا إلى منزلهم أتموا». «1» فإنّ المقصود إذا دخلوا مكة بقرينة صدرها. أو يحمل على منازل الأعراب، حيث إنّ مفارقة البيوت فيها مفارقة للمنطقة كما لا يخفى.

ما هي الحجّة لإحراز الموضوع

إذا كان الموضوع للتقصير هو قصد المسافة المحدودة، فما هو الطريق لإحرازها؟

أقول:

إنّ هناك طرقاً لإحرازه كسائر الموضوعات. 1. العلم بالمسافة.

2. البيّنة: و هي حجّة لإثبات الموضوعات مطلقاً، من غير فرق بين موضوع دون موضوع، و لا باب دون باب؛ و توهم اختصاص حجّيتها لباب التداعي و الترافع، كما هو المحكي عن صاحب الذخيرة، غير تام، لإطلاق أدلّة حجّية البيّنة، مثل قوله في رواية مسعدة بن صدقة: «و الأشياء كلّها على هذا، حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة». «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 3

من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8.

(2). الوسائل: الجزء 12، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 36

و الاستبانة هي الحجّية العقلية، و البيّنة هي الحجّية الشرعية.

نعم البيّنة في القرآن تطلق على كل ما يتبيّن به الشي ء، قال سبحانه:

(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّٰى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (البيّنة/ 1). و لكنّها في لسان الصادقين، هي الشاهدان، و يدل على ذلك روايات:

منها:

انّه جاء لفظ: «الشاهدين» مكان البيّنة في مثل الحديث السابق. قال عليه السَّلام: «كلّ شي ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان انّ فيه ميتة». «1» و منها:

ما ورد في مورد القسامة في صحيح بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال سألته عن القسامة فقال: الحقوق كلّها البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه إلّا الدم خاصة، فإنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلًا منهم، فوجدوه قتيلًا، فقالت الأنصار: إنّ فلاناً اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيدوه برمّته، فإن لم تجدوا شاهدين، فأقيموا قسامة خمسين رجلًا أقيدوه برمّته. «2» ترى أنّ الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يطبق البيّنة الواردة في صدر كلامه على رجلين عدلين في ذيل كلامه.

و منها:

ما في مرسلة يونس عمّن رواه قال: استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين، فإن لم يكن رجلين فرجل و امرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه. «3»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 17، الباب 16 من أبواب الأطعمة

المباحة، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 18، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2، لاحظ في الوقوف على تمام الحديث تعليقة المحقّق.

(3). الوسائل: الجزء 18، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 37

فقوله:

«البيّنة للمدّعي» ضابطة كلية و الرواية مبينة للصغرى، فلاحظ. 3. العدل الواحد: فإنّه و إن لم يكن حجّة في باب الترافع و في مثل رؤية الهلال، لكنّه حجّة في الموضوعات، و يمكن استنباط القاعدة الكلية مما ورد من حجّية العدل الواحد في موارد مختلفة و قد جمعنا ما ورد في ذلك المجال في كتابنا «كليات في علم الرجال». «1»

4. الاطمئنان: و هو علم عرفي يسكن إليه العقلاء في معاشهم و حياتهم، و جرت السيرة على العمل به و لم تردع، و هذا كاف في حجّيته.

5. الظن: و الأصل في الظن و إن كان هو عدم الحجّية من غير فرق بين الأحكام و الموضوعات، لكن قام الدليل على حجّيته في المقام، و يمكن استظهارها من وجهين:

الأوّل:

روى الصدوق في «العلل» و «العيون» عن الرضا عليه السَّلام، أنّه قال: و إنّما جعل مسير يوم، ثمانية فراسخ، لأنّ ثمانية فراسخ هو سير الجمال و القوافل، و هو الغالب على المسير، و هو أعظم المسير الذي يسيره الحمّالون و المكاريّون. و يستفاد من الحديث أمران:

1. انّ الموضوع الواقعي هو ثمانية فراسخ، و إنّما جعل مسير يوم أمارة على مسير ثمانية فراسخ، فإنّ معنى قوله: «و إنّما جعل مسير يوم ثمانية فراسخ» هو جعل الأوّل علامة للثاني و أمارة له.

2. فإنّ قوله: «و هو الغالب على المسير» يدل على أنّ قسماً من الجمال و القوافل يسيرون أقلّ من ثمانية فراسخ و

إن كانت قليلة، و مع هذا التخلّف جعل مسير القوافل بياض يوم دليلًا على طيّ المسافة و هذا آية انّه لا يشترط العلم بطيّ

______________________________

(1). لاحظ ص 160159.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 38

المسير بل يكفي دونه مطلقاً.

الثاني:

انّ الاشارات المنصوبة في عصر الأئمة في الطرق لم يكن على وجه الدقة و إنّما كان على التخمين و الحدس. 6. الشياع: و قد حقّقنا في باب القضاء أنّ الشياع حجّة في موارد خاصّة و ليس المورد منها. قال عليه السَّلام: «خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحكم: الولايات، التناكح، المواريث، الذبائح، الشهادات». «1» إلّا أن يكون مستلزماً للظن فلا يكون أمارة مستقلة.

***

في تعارض البيّنتين

: لو تعارضت بينتان فمقتضى الضابطة في سائر الموارد هو تقديم بيّنة المثبت على النافي، في جميع الموارد، و ذلك لأنّ المثبت يدّعي الاطلاع على ما لم يطلع عليه النافي، و لكن الضابطة غير منطبقة على المقام، فانّ الظاهر انّ كلًا من البيّنتين تدعي الاثبات.

انّ احداهما تقول ذرعت و المسافة ثمانية فراسخ، و الأُخرى تقول ذرعتُه و هي أقلّ من ذلك، و على ضوء ذلك فتسقطان، فيرجع إلى القواعد المقررة في باب التعارض، فيدخل في القسم الآتي، و هو الشكّ في المسافة. و لو شكّ في مقدار المسافة بين المبدأ و المنتهى، فهل عليه الجمع بين التمام و القصر، بحجّة العلم الإجمالي بوجوب أحدهما، أو يجب التمام؟

الظاهر هو الثاني، لدخول المقام تحت الدليل الاجتهادي، حيث إنّ المستفاد من جمع الأدلّة هو انّه يجب التمام على كلّ مكلّف إلّا المسافر، أو غير

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 8، الباب 22 من أبواب كيفية الحكم، برقم 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص:

39

المسافر على نحو المعدولة و يمكن إحراز عنوان العام بالأصل و يتمسك بالدليل الاجتهادي.

بيانه:

قد تقدم انّ الآية تدل على أنّ الأصل في الصلاة هو التمام، و القصر أمر طارئ، فكأنّه سبحانه يقول: يجب على كلّ مكلّف الإتيان بالصلاة تماماً إلّا إذا كان ضارباً في الأرض و مسافراً، فالموضوع هو المكلف غير المسافر، و من المعلوم انّ المكلّف كان على يقين بأنّه غير مسافر، و شك في بقاء الموضوع، و الأصل بقاؤه على الوصف السابق، و هذا التقرير أسهل ممّا جاء في مصباح الفقيه، أو في تقريرات سيدنا المحقّق البروجردي. هذا هو الاستصحاب الموضوعي الذي ينقح به وجود الموضوع للعام

؛ و يمكن أن يتمسك بالاستصحاب الحكمي، و هو استصحاب وجوب التمام على الشاك، و الأصل بقاؤه. و لكن لا تصل النوبة إلى الاستصحاب الحكمي مع وجود الأصل الموضوعي المنقّح لوجود الموضوع العام، الذي هو دليل اجتهادي.***

هل يجب الفحص عن مقدار المسافة؟

ثمّ إنّه يقع الكلام في أنّه هل يجب الفحص عن مقدار المسافة أو لا؟

ربّما يقال بعدمه، تمسكاً بما هو المشهور منذ عصر الشيخ الأنصاري من عدم وجوب الفحص عن الموضوعات، في الشبهات التحريمية، و الوجوبية، إلّا في موارد ثلاثة كالدماء، و الأعراض، و الأموال.

يلاحظ عليه:

أنّه على خلاف السيرة، فلو شكّ في انّه مستطيع أو لا، أو في انّ ما يجب فيه الزكاة بلغ حدّ النصاب أو لا؟ قد أفتوا بوجوب الفحص إذا لم

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 40

يكن حرجيّاً، و سيرة العقلاء تدعمه، و لأجل ذلك ذهبنا إلى وجوب الفحص عند الشكّ في وجود الموضوع للحكم الشرعي الإلزامي، إلّا إذا كان مستلزماً للحرج.

و في نهاية المطاف نقول:

لو صلّى اعتماداً على الدليل، فظهر الخلاف، فالأقوى

هو الإجزاء من غير فرق بين كون الدليل هو الأصل العملي، أو الأمارة، لما قلنا في محلّه من أنّ معنى الأمر بالأصل و الأمارة في تشخيص الوظيفة يلازم عرفاً باكتفاء المولى في تحصيل أغراضه بما يؤدى إليه الدليل. و ما يقال من أنّ حجّية البيّنة أو الأمارة من باب الطريقية، و هذا يدل على أنّ الملاك هو الواقع، فإذا تخلّف عن الواقع تجب عليه الإعادة أو القضاء، غير تام، لأنّ معنى اعتبارها من باب الطريقية، ليس إلّا انّ الشارع لاحظ انّها تطابق الواقع في أغلب الموارد و تخالفها في أقلّها، فصار ذلك سبباً للاعتبار على وجه الإطلاق و الاقتصار في تحصل الأغراض، بالأغلب مطابقة، و صرف النظر عن بعث المكلف إلى تحصيل العلم لما فيه من الحرج، و قد أشبعنا الكلام في باب الاجزاء من علم الأُصول.

في المسافة التلفيقية

لا شكّ في وجوب التقصير إذا كانت المسافة ثمانية فراسخ فما فوقها، إنّما الكلام فيما إذا كانت المسافة دون الثمانية فراسخ و إن كان المجموع ذهاباً و إياباً ثمانية فراسخ أو أزيد، و لنذكر صور المسألة و الأقوال فيها:

الأُولى:

أن يكون كلّ من الذهاب و الإياب أربعة فراسخ. الثانية:

أن يكون الذهاب خمسة فراسخ و الإياب ثلاثة فراسخ. الثالثة:

أن يكون الذهاب ثلاثة فراسخ و الإياب خمسة فراسخ. و على جميع التقادير فإمّا أن يكون الذهاب و الإياب في يوم واحد أو ليلة

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 41

واحدة أو الملفق منهما مع اتصال إيابه بذهابه و عدم قطعه بمبيت ليلة فصاعداً في الأثناء، أو يكون الذهاب في يوم و الإياب بعد المبيت.

و اعلم أنّ اشباع جميع الصور يتوقف على الكلام في مقامين:

الأوّل:

فيما إذا لم يكن كلّ من

الذهاب و الإياب أقلّ من أربعة فراسخ. الثاني:

فيما إذا كان أحدهما أقلّ من أربعة فراسخ و لكن المجموع لا يقل عن ثمانية فراسخ. فإليك الكلام في المقام الأوّل، فقد اختلفت فيه كلمة الأصحاب إلى أقوال أنهاها بعضهم إلى سبعة:

الأوّل:

تعيّن الاتمام مطلقاً. و قد نسب إلى الحلبي في «الكافي»، و المرتضى في «الانتصار»، و ابن زهرة في الغنية. قال الحلبي:

و فرض التمام يختص الحاضر، و المسافر في معصية، و المسافر للّعب و النزهة، و المسافر أقلّ من بريدين و هما أربعة و عشرون ميلًا. «1» و قال المرتضى في «الانتصار»:

و ممّا انفردت به الإمامية تحديدهم السفر بالذي يجب فيه التقصير في الصلاة ببريدين، و البريد أربع فراسخ، و الفرسخ ثلاثة أميال، فكانت المسافة أربعة و عشرون ميلًا. «2» و قال ابن زهرة في «الغنية» عند البحث عمّن يجب عليه التمام:

أو كان في سفره أقلّ من بريدين و هما ثمانية فراسخ. «3» و لا يخفى دلالة العبائر الثلاث على وجوب التمام في المسافة التلفيقية لأجل

______________________________

(1). الحلبي: الكافي: 116.

(2). المرتضى: الانتصار: 50.

(3). ابن زهرة: الغنية: 73.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 42

تخصيص القصر بالمسافة الامتدادية و هي قابلة للتأمل، لأنّها منصرفة إلى الامتدادية.

الثاني:

تعيّن القصر مطلقاً سواء قصد الرجوع أم لم يقصد فتكون نفس الأربعة تمام الموضوع لتعين القصر. نسب هذا القول إلى الكليني لأنّه اقتصر في مقام بيان المسافة على ما تدل على أربعة فراسخ و لم يذكر مما يدل على اعتبار الثمانية. «1» و هو عجيب جدّاً. و قال في «الحدائق»:

حكى ذلك بعض مشايخنا من متأخري المتأخرين. «2» الثالث:

تعيّن القصر إذا أراد الرجوع سواء رجع في يومه أو بعده و هو خيرة الصدوق في

«المقنع»، قال: و الحدّ الذي يجب فيه التقصير مسيرة بريدين ذاهباً و جائياً و هو مسيرة يوم. «3» و هو أيضاً خيرة السيد الطباطبائي في «العروة الوثقى».

«4» الرابع:

التقصير إذا أراد الرجوع ليومه و الإتمام فيما إذا لم يرد و هو خيرة ابن إدريس في «السرائر» و المحقّق في «الشرائع». قال ابن إدريس:

و إن كانت قدر المسافة أربعة فراسخ للمارّ إليها و نوى، و أراد الرجوع من يومه عند الخروج من منزله لزمه أيضاً التقصير، فإن لم ينو الرجوع من يومه و لا أراده وجب عليه التمام و لا يجوز له التقصير. «5» و قال المحقّق:

و لو كانت المسافة أربعة فراسخ و أراد العود ليومه فقد كمل

______________________________

(1). الكافي: 3/ 432.

(2). البحراني: الحدائق: 11/ 316.

(3). الصدوق: المقنع: 125.

(4). العروة الوثقى، فصل في صلاة المسافر.

(5). ابن إدريس: السرائر: 1/ 329.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 43

مسير يوم و وجب التقصير.

«1» الخامس:

التقصير إذا أراد الرجوع ليومه و التخيير بين القصر و الإتمام إذا لم يرد الرجوع نسبه المحقّق البروجردي إلى المشهور بين القدماء من أصحابنا «2» نقله ابن إدريس عن بعض أصحابنا و قال يكون مخيراً بين الإتمام و التقصير في الصوم و الصلاة و هو مذهب شيخنا المفيد. «3» و قال الشيخ:

فمتى ما كانت المسافة أربعة فراسخ و أراد الرجوع من يومه وجب أيضاً التقصير و من لم يرد الرجوع فهو بالخيار في التقصير و الإتمام. «4» و قال سلّار:

فإن كانت المسافة أربعة فراسخ و كان راجعاً من يومه قصر واجباً و إن كان راجعاً من غده فهو مخير بين التقصير و الإتمام. «5» و عليه «فقه الرضا»، و الصدوق في «أماليه». قال في الأوّل:

«فإن

كان سفرك بريداً واحداً و أردتَ أن ترجع في يومك قصّرت، لأنّ ذهابك و مجيئك بريدان» ... «فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ و لم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار إن شئت تممت و إن شئت قصرت». «6» و قال الصدوق في «الأمالي»:

من انّ المسافة إن كانت أربعة فراسخ و لم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار إن شاء أتم و إن شاء قصّر و لو كانت أربعة فراسخ و أراد الرجوع ليومه وجب القصر فانّه من دين الإمامية. «7»

______________________________

(1). المحقّق الحلي: الشرائع: 1/ 101، منشورات الاستقلال.

(2). البدر الزاهر: 70.

(3). السرائر: 1/ 329.

(4). النهاية: 122.

(5). ابن سلار: المراسم: 75.

(6). المستدرك: الجزء 6، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(7). الصدوق: الأمالي: 383، الطبعة الحجرية.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 44

السادس:

التخيير مطلقاً سواء رجع أو لم يرجع نسب إلى الشيخ في التهذيب. «1» السابع:

تعيّن القصر لمن أراد الرجوع قبل العشرة و تعيّن الإتمام لغيره. نقل عن ابن أبي عقيل كما في المختلف

«2» و الوسائل «3». و أظنّ انّ هذا القول نفس القول بتعين التقصير مطلقاً سواء رجع في يومه أو لا و ليس شيئاً مغايراً له، فتكون الأقوال ستة لا سبعة.

إذا علمت ذلك فاعلم أنّ الروايات في المقام على طوائف ثلاث:

الطائفة الأُولى:

ما تدل على كون المسافة ثمانية فراسخ. الطائفة الثانية:

ما تدل على كفاية أربعة فراسخ. الطائفة الثالثة:

ما تدل على كفاية كون الذهاب و الإياب ثمانية فراسخ.

فإليك عرض الروايات

الطائفة الأُولى:

ما تدل على أنّ القصر إنّما هو في ثمانية فراسخ أو بريدين أو بياض يوم أو مسيرة يوم أو أربع و عشرين ميلًا على اختلاف التعبيرات، و قد قلنا انّ مآل الجميع واحد

و هي بصدد بيان المسافة الواقعة بين المبدأ و المقصد، و قد تعرّفت على الروايات فلا حاجة للتكرار، و الهدف الأساسي للأئمّة من نقل فعل رسول اللّه من أنّه قصر عند مسيره إلى ذي خُشب. «4» أو بين الجبلين، أو جعل حد

______________________________

(1). الطوسي، التهذيب، ج 3، الباب 23 من أبواب الصلاة في السفر ذيل الحديث 3، ص 208 و مختاره في هذا الكتاب يغاير مختاره في النهاية.

(2). العلّامة: المختلف: 3/ 102.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، ص 502.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 45

الأميال من ظل عير إلى في ء وعير

«1» إنّما هو ردّ ما اشتهر بين العامة في ذلك الزمان حيث كانوا يشترطون المرحلتين كما عليه الشافعي، أو ثلاث مراحل كما عليه أبو حنيفة فالإمام يرد فتاواهم بأنّ رسول اللّه قصر في مسافة أقلّ ممّا اعتبروه. «2» و بما انّ النزاع بين أئمة أهل البيت و سائر الفقهاء كان في مورد السفر الامتدادي دون التلفيقي فلا تكون ناظرة إلى السفر التلفيقي.

الطائفة الثانية:

ما تدل على التقصير في أربعة فراسخ أو بريد من دون تقييد بالذهاب و الإياب على وجه لو أخذ بإطلاقها لكانت معارضة للطائفة الأُولى و هي كثيرة. 1. صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السَّلام، قال: «التقصير في بريد، و البريد أربعة فراسخ». «3»

2. صحيحة زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السَّلام يقول: «يقصّر الرجل في مسيرة اثني عشر ميلًا». «4»

3. صحيحة إسماعيل بن الفضيل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن التقصير قال: «في أربعة فراسخ». «5»

4. صحيحة أبي أيوب قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ قال: «بريد». «6»

5. موثقة عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن القادسية أخرج إليها أُتم أم أُقصر؟ قال: «و كم هي؟» قلت: هي التي رأيت، قال: «قصّر». «7»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1312.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 3، 7، 6، 12، 13.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 3، 5.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 3، 5.

(5). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 3، 5.

(6). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11، 7.

(7). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11، 7.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 46

و القادسية موضع بينه و بين الكوفة خمسة عشر ميلًا.

6. رواية أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر: في كم التقصير؟ قال: «في بريد». «1»

و هذه الروايات بظاهرها تنافي الطائفة الأُولى حيث إنّ الأُولى تدل على أنّ المسافة المرخصة للقصر هي ثمانية و هذه الطائفة تدل على أنّها أربعة، فلولا الطائفة الثالثة التالية لبقي التعارض إلّا أنّه يعالج بالطائفة الثالثة و هي الآتية.

الطائفة الثالثة:

ما تدل على التحديد بأربعة فراسخ مع التقيد بأنّ ذلك لأجل ضم الإياب إلى الذهاب حتى تحصل منها جميعاً ثمانية فراسخ و هي: 1. صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام أدنى ما يقصّر فيه المسافر الصلاة؟ قال: «بريد ذاهباً و بريد جائياً». «2»

2. صحيحة زرارة قال: سألت

أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن التقصير فقال: «بريد ذاهب و بريد جائي».

و كان رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إذا أتى ذباباً قصر، و «ذباب» على بريد، و إنّما فعل ذلك، لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ».

«3» 3. موثقة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: سألته عن التقصير، قال: «في بريد» قلت: بريد؟ قال: «إنّه إذا «4» ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه».

4. رواية سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه عليه السَّلام: «التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد ذاهباً و جائياً». «5»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 14 و 15، 9، 4.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 14 و 15، 9، 4.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 14 و 15، 9، 4.

(5). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 14 و 15، 9، 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 47

5. رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السَّلام في كتابه إلى المأمون قال: «إنّما وجبت الجمعة على من يكون على رأس فرسخين لا أكثر من ذلك، لأنّ ما تقصر فيه الصلاة بريدان ذاهباً، أو بريد ذاهباً و بريد جائياً، و البريد أربعة فراسخ». «1»

6. مرسل «تحف العقول» عن الرضا عليه السَّلام في كتابه إلى المأمون قال: «و التقصير في أربعة فراسخ بريد ذاهباً و بريد جائياً اثني عشر ميلًا، و إذا قصّرت أفطرت». «2»

7. خبر صفوان عن الرضا

في حديث انّه سأل عن رجل خرج من بغداد، فبلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد، قال: «لو انّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار. فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك». «3»

8. رواية محمد بن أسلم: هل تدري كيف صار هكذا؟ قلت: لا، قال: لأنّ التقصير في بريدين و لا يكون التقصير في أقلّ من ذلك، فإذا كانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير، و إن كانوا ساروا أقلّ من ذلك، لم يكن لهم إلّا إتمام الصلاة. «4»

أقول:

لا شكّ في وجود التنافي بين الطائفتين: الأُولى و الثانية حيث تركِّز الأُولى على ثمانية فراسخ، و الثانية على كفاية أربعة فراسخ، غير انّ الذي يرفع التعارض و يوجد الوفق بينهما هو الطائفة الثالثة حيث تدل على أنّ المقصود من الثمانية فراسخ، هو الأعمّ من الامتدادية و التلفيقية و الاكتفاء بالبريد، لأجل انّه مع الرجوع يكون ثمانية. إذا عرفت ذلك يقع الكلام في مقامين:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 18، 19، 8.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 18، 19، 8.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 18، 19، 8.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 48

[إذا عرفت ذلك يقع الكلام في مقامين]

المقام الأوّل: في عدم اشتراط قصد الرجوع في يومه في المسافة التلفيقية
اشارة

لا يشترط في طي المسافة الامتدادية وقوع السير في يوم واحد، بل يكفي وقوعه في يومين أو أكثر ما لم يخرج عن كونه مسافراً

و ضارباً في الأرض، كما إذا سافر كلّ يوم كيلومتراً واحداً للتنزه، و حينئذ يقع الكلام في طي المسافة التلفيقية، هل يشترط قصد وقوعها في يوم واحد أو لا؟

و بعبارة أُخرى:

يقع الكلام في شمول الروايات الدالة على كفاية كون الذهاب و الإياب ثمانية فراسخ لمن لم يرد الرجوع ليومه، أو اختصاصها بما إذا قصد الرجوع في يومه؟ و التحقيق عدم الاشتراط و ذلك لوجوه:

الأوّل:

إطلاق ما تضافر عنهم عليهم السَّلام من أنّه يكفي بريدان ذاهباً و جائياً من دون تقييد للرجوع في يومه، و إليك بعض النصوص: 1. رواية زرارة: بريد ذاهب و بريد جائي. «1»

2. رواية الفضل بن شاذان: لأنّ ما تقصر فيه الصلاة بريدان ذاهباً أو بريد ذاهباً و بريد جائياً. «2»

3. رواية معاوية بن وهب: بريد ذاهباً و بريد جائياً. «3»

4. رواية سليمان بن حفص المروزي: بريدان ذاهباً، أو بريد ذاهباً و جائياً. «4»

فلو كان الرجوع شرطاً لزم التعرض به مع كثرة الابتلاء، فإنّ المسافر تارة يبيت في المقصد و أُخرى يرجع.

مضافاً إلى ما سيوافيك من رواية إسحاق بن عمّار

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14، 18، 2، 4.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14، 18، 2، 4.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14، 18، 2، 4.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14، 18، 2، 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 49

من إطلاقها للراجع في يومه و عدمه في الوجه الثالث.

الثاني:

ما يدل على أنّ أهل مكة عليهم التقصير إذا خرجوا إلى عرفات. 1. ففي صحيحة معاوية بن عمار المروية في

كتب المشايخ الثلاثة بالاسانيد الصحيحة انّه قال لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: إنّ أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات، فقال: «ويلهم أو ويحهم و أي سفر أشد منه، لا تتم». «1»

2. موثقة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: في كم أقصر الصلاة؟ فقال: «في بريد أ لا ترى انّ أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير». «2»

3. خبر إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام في كم التقصير؟ فقال: «في بريد، ويحهم كأنّهم لم يحجّوا مع رسول اللّه، فقصَّروا». «3» و المراد أهل مكة بقرينة الرواية السابقة.

4. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «إنّ أهل مكة إذا خرجوا حجاجاً قصّروا، و إذا زاروا و رجعوا إلى منزلهم أتمّوا». «4» و المراد من منزلهم هو بلدهم.

5. صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى عرفات (منى ن ل) وجب عليه التقصير» «5» و الرواية عند المشايخ دليل على أنّ الإقامة قاطعة لموضوع السفر لا قاطعة لحكمه بشهادة انّ الإمام نزّل المقيم منزلة أهل مكة، و سيوافيك الكلام فيه.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 5، 6، 8.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 5، 6، 8.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 5، 6، 8.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 5، 6، 8.

(5). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3.

ضياء الناظر في

أحكام صلاة المسافر، ص: 50

6. و في رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «أهل مكة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم، ثمّ رجعوا إلى منى أتموا الصلاة، و إن لم يدخلوا منازلهم قصّروا». «1»

وجه ذلك انّه إذا لم يدخلوا منازلهم فهم مسافرون، لأنّهم خرجوا يوم التروية للوقوف في عرفات و لما ذهبوا إلى منى و رجعوا يوم العاشر لأداء مناسك الحجّ فقد دخلوا أوطانهم، فإذا خرجوا إلى منى للبيتوتة في ليلة الحادي عشر فقد خرجوا إلى ما دون المسافة.

إنّ دلالة هذه الطائفة من الروايات لفظية بخلاف دلالة الطائفة الأُولى فإنّها بالإطلاق، و لذلك لو دلّ شي ء على اشتراط قصد الرجوع ليومه يمكن تقييد الطائفة الأُولى بخلاف الطائفة الثانية فلا يمكن تقييدها، بل يقع التعارض بينها و بين الطائفة الثانية.

الثالث:

الروايات المنزلة للمسافة التلفيقية مكان الامتدادية. إنّ الروايات المنزلة للمسافة التلفيقية منزلة الامتدادية توجب وحدة الحكم في كلا الموردين.

بيان ذلك:

انّ القسم الأوّل من الروايات، أعني: ما دلت على اشتراط قصد ثمانية فراسخ، أو بريدين، أو أربعة و عشرين ميلًا، أو بياض يوم، ظاهر في المسافة الامتدادية. و لا يتبادر منه التلفيق بين الذهاب و الإياب غير انّ الطائفة الثالثة كشفت عن مصداق كان خفياً على العرف، و هو انّه إذا بلغ الذهاب و الإياب ثمانية فراسخ، فهو أيضاً من مصاديق الطائفة الأُولى، و هذا ما نسمّيه بالحكومة.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 51

روى الصدوق، عن زرارة بن أعين، قال:

قال سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن التقصير، فقال: «بريد ذاهب و بريد جائي». قال:

و كان رسول اللّه صلَّى

الله عليه و آله و سلَّم إذا أتى ذباباً قصر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك، لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ». «1» إنّ لسان الحديث لسان الحكومة حيث يعلل بأنّه إذا رجع يكون سفره من مصاديق الموضوع الواقعي

(بريدان أو ثمانية فراسخ). و على ضوء ذلك فالمسافة التلفيقية و الامتدادية مصداقان لموضوع واحد، و كأنّ الموضوع هو السير ثمانية فراسخ بأيّ وجه اتّفق، أو بياض يوم كذلك، و لهما مصداقان:

أحدهما:

أن يسير ثمانية فراسخ امتداداً، و الثاني: أن يذهب أربعة و يرجع أربعة، و عند ذلك يتّحد المصداقان في الحكم، فكما انّه لا يشترط في كون السير مستغرقاً لبياض يوم بل يمكن أن يستغرق أيّاماً، فكذلك الفرد الثاني لهذا الموضوع لا يشترط فيه الرجوع ليومه أيضاً. و مثل رواية زرارة خبر إسحاق بن عمّار قال:

سألت أبا الحسن عن قوم خرجوا في سفر فلما انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصّروا من الصلاة، فلمّا صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو على أربعة تخلّف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلّا به ... قال: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصروا ثمّ قال: هل تدري كيف صار هكذا؟» قلتُ: لا، قال: «لأنّ التقصير في بريدين و لا يكون التقصير أقلّ من

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14 و 15.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 52

ذلك، فإذا كانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير».

«1» و

دلالتها على التنزيل واضحة مضافاً إلى إطلاق قوله «أم انصرفوا» الشامل للراجع من يومه و عدمه، كما أوعزنا إليه في الوجه الأوّل. و مثله مرسل إبراهيم بن هاشم، عن رجل، عن صفوان، عن الرضا عليه السَّلام في حديث:

«لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار». «2» و الاستدلال لأجل التنزيل. نعم في سند رواية إسحاق بن عمار:

محمد بن أسلم حيث لم يوثق. فتلخص من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى هو القصر من غير فرق بين قصد الرجوع و عدمه.

دليل من اشترط قصد الرجوع

استدل على شرطية الرجوع و عدم تخلل الفصل بوجهين:

1. موثقة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: سألته عن التقصير، قال: «في بريد»، قلت: بريد؟ قال: «إنّه إذا ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه». «3»

فإنّ المتبادر من الحديث هو شغل اليوم و هو يتوقف على عدم الفصل بين الذهاب و الإياب غير المتعارف.

و حاصل الاستدلال انّ هنا ظهورين ظهور لصدرها و ظهور لذيلها.

أمّا الصدر، أعني قوله:

«إذا ذهب بريداً و رجع بريداً»، فهو شامل لمطلق الرجوع أي رجع في يومه أو بعده. و أمّا الذيل فإنّ قوله: فقد شغل يومه فله فردان، الشغل الشأني و الشغل الفعلي إلّا انّ الظاهر هو الثاني، فيتعارض الظهوران فيقدم ظهور الذيل على ظهور الصدر لكونه من متمماته. يلاحظ عليه:

مضافاً إلى أنّه لا يتجاوز عن حدّ الإشعار بأنّ الرواية بصدد دفع تعجب الراوي من افتاء الإمام بكفاية البريد الواحد مع أنّ الضابطة عندهم عليهم السَّلام هو البريدان، أو مسيرة يوم، فأجاب الإمام عليه السَّلام بأنّ إيجاب التقصير هنا لا ينافي الضابطة السابقة، لأنّه إذا رجع يكون سيره

بريدين أو مقدار مسيرة يوم.

فالرواية بصدد دفع التعجب و انّ المورد غير خارج عن الضابطة و أمّا كون السير متصلًا أو منفصلًا فليست ناظرة له.

و إن شئت قلت:

إنّ قوله: «فقد شغل يومه» بصدد إدخال المورد إمّا تحت البريدين، أو بياض يوم، فقوله: «إذا ذهب بريداً

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 10.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 53

و رجع بريداً» بصدد إدخاله تحت البريدين و قوله:

«فقد شغل يومه» بصدد بيان انّه داخل تحت بياض يوم و مسيرته، من دون نظر إلى كون السير متصلًا أو منفصلًا، لأنّهما ليسا مطروحين للمتكلم في المقام، حتى نأخذ بأحدهما. و عند ذلك لا وجه لحمل الشغل، إلى الشغل الفعلي، و لا وجه للقول بكونه ظاهراً فيه لما عرفت من أنّ مصب الرواية شي ء آخر.

و بعبارة أُخرى يريد الإمام بيان انّ المشقة الموجودة في السير الامتدادي موجودة في السير التلفيقي، و أمّا شرطية الاتصال و عدمه فليس بصدد بيانه.

و لأجل ما ذكرنا نقل عن السيد السند في «المدارك» إلى أنّها غير صريحة في المدعى، بل ربّما لاح منها انّ التعليل بكونه إذا ذهب بريداً و رجع بريداً شغل يومه، إنّما وقع على سبيل التقريب إلى الافهام.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1418 ه ق ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر؛ ص: 54

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 54

الثاني:

ما ورد في «الفقه الرضوي»: فإن كان

سفرك بريداً واحداً و أردت أن ترجع من يومك قصرت، لأنّ ذهابك و مجيئك بريدان. «1» و يلاحظ عليه:

أنّ «الفقه الرضوي» ليس كتاباً حديثياً، و إنّما هو كتاب فتوى لأحد العلماء السابقين، و هو مردّد بين كتاب التكليف للشلمغاني، أو كتاب الشرائع لوالد الصدوق. و بذلك تبيّن قوة القول المختار و ضعف بقية الأقوال.

أمّا القول بتعيّن القصر مطلقاً سواء أراد الرجوع أم لم يرد، فهو منسوب إلى الكليني، لأنّه اكتفى برواية البريد و لم يذكر من الثمانية شيئاً.

و لا أظن انّ الكليني يفتي بذلك، فانّه لم يقل به أحد من علماء الإمامية. و أمّا انّه لم يذكر من روايات الثمانية شيئاً، فلم أقف على وجهه.

و أمّا القول بتعيّن القصر مطلقاً بشرط قصد الرجوع، سواء رجع من يومه أو بعده، فهو القول المختار، و قد عرفت دليله القاطع، و عليه مشايخنا العظام.

و أمّا التفصيل بين الرجوع في يومه فيقصر و الإتمام إذا لم يرجع فقد استند إلى رواية محمد بن مسلم و الفقه الرضوي، و قد عرفت عدم دلالة الأُولى و عدم حجّية الثانية.

و أمّا القول بالتخيير مطلقاً سواء رجع في يومه أو لا، فهو الظاهر من الشيخ في كتابي التهذيب و الاستبصار، و لعلّ وجهه انّه قدَّس سرَّه وجد الروايات متعارضة فأفتى بالتخيير بين القصر و الإتمام عند قصد الرجوع سواء رجع ليومه أو بعده، فالتخيير، تخيير في المسألة الأُصولية لا في المسألة الفقهية و إن كان ينتهي إليها أيضاً.

و لكن التعارض فرع عدم الجمع الدلالي، و قد عرفت بإمكان الجمع بين الروايات.

______________________________

(1). مستدرك الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 55

و أمّا القول

بالقصر عند الرجوع في يومه و التخيير إذا رجع بعده، فلعلّ القائل استظهر ملائمة الروايات للراجع من يومه و اختلافها للراجع بعده فأفتى بالتخيير.

يلاحظ عليه:

إمكان الجمع بين الروايات في كافة الصور. و أمّا القول المنسوب إلى ابن أبي عقيل فهو ليس قولًا مغايراً للمختار، و قد أفتى بالقصر إذا لم يقصد الإقامة في المقصد، و معنى ذلك انّه إذا رجع في ضمن عشرة أيّام يجب عليه القصر.

هذا كلّه حول عدم اشتراط قصد الرجوع في المسافة التلفيقية، و إليك الكلام في المقام الثاني:

المقام الثاني: فيما إذا كان واحد منهما أقلّ من أربعة
اشارة

إذا كان الإياب أو الذهاب أقلّ من أربعة فراسخ مع بلوغ الكلّ ثمانية فراسخ، فهل يحكم بالتقصير أو بالإتمام، كما إذا كان الذهاب خمسة فراسخ و الإياب ثلاثة، أو بالعكس، و هذا يتفق فيما إذا كان للبلد طريقان أحدهما أقرب من الآخر؟

فهنا أقوال:

1. التقصير مطلقاً. اختاره العلّامة الطباطبائي في العروة و إن كان الأحوط استحباباً عند ما كان الذهاب أقلّ من أربعة مع كون المجموع ثمانية فراسخ الجمع. و نقل عن الشيخ الأعظم في صلاته «1» لو لم يقم إجماع على خلافه.

2. القول بالإتمام. و هو الظاهر من شيخ مشايخنا العلّامة الحائري في

______________________________

(1). لاحظ صلاة الشيخ: 318، الطبعة الحجرية. و ليس في عبارته ما حكي عنه صريحاً.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 56

صلاته،

«1» و هو الظاهر أيضاً من تعليقة السيد الحكيم و السيد الگلپايگاني على العروة، حيث قال: بل الأقوى اعتبار كل من الذهاب و الإياب أربعة. 3. التفصيل بين كون الذهاب أكثر من بريد و الإياب أقلّ منه و عكسه، فيقصر في الأوّل دون الثاني. و هو خيرة سيدنا المحقّق البروجردي في تعليقته على العروة.

4. الجمع بين القصر و

التمام. و هو خيرة الفقيه الهمداني، قال: فالإنصاف انّ الحكم موقع تردّد، فلا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام في جميع الموارد التلفيقية الذي يكون ذهابه أو إيابه أقلّ من أربعة فراسخ و إن رجع ليومه. «2»

أمّا القول الأوّل، فتدل عليه التعليلات الواردة في الروايات.

ألف.

التعليل الوارد في مرسلة الصدوق: «و كان رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إذا أتى ذباباً قصّر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك لانّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ». «3» و مورد النص و إن كان كلّ من الذهاب و الإياب أربعة فراسخ، لكن التعليل دلّ على أنّ الموضوع للتقصير واقعاً هو كون السفر بريدين، و هو متحقّق في كلتا الصورتين. ب.

التعليل الوارد في موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر، قال: سألته عن التقصير، قال: «في بريد». قلت: بريد؟ قال: «إنّه ذهب بريداً و رجع بريداً، فقد شغل يومه». «4»

______________________________

(1). كتاب الصلاة: 403.

(2). مصباح الفقيه: 730، كتاب الصلاة.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 15، و لو كان الحديث متحداً مع ما ورد تحت رقم 14 ينتهى الحديث إلى زرارة، و هو موضع تأمّل.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 57

و كيفية الاستدلال مثل ما سبق و انّ المعيار هو كونه سائراً بياض يوم، و هو حاصل بالفعل في كلتا الصورتين إذا رجع من يومه و بالتقدير إذا رجع من غده.

نعم لا نقول بمطلق الشغل حتى الفعلي إذا لم يرافق سير بريدين، كما إذا سار فرسخين في يوم واحد.

ج.

التعليل الوارد في رواية إسحاق بن عمار

التي رواها الصدوق في العلل التي مضى لفظها. «1» لا شكّ انّ ظاهر هذه التعليلات تقودنا إلى القول بالقصر في كلتا الصورتين، لكن الذي يصدنا عن الاستناد إليها هو انّها وردت لعلاج التنافي بين الميزانين:

بريدين و بريد، فدلت على أنّ المدار هو الثمانية الأعمّ من الامتدادية أو التلفيقية. و أمّا كونها بصدد بيان أزيد من ذلك و انّ المقياس هو سير بريدين بأيّ نحو كان و إن كان الذهاب أو الاياب أقلّ من بريد و إن كان المجموع بريدين فغير معلوم.

و الحاصل انّ التعليلات ليست بصدد إعطاء الضابطة لجميع الموارد، بل انّها بصدد بيان أمر خاص و هو رفع استبعاد أصحابهم من كون البريد موجباً للقصر.

و ذلك لأنّه إذا ضمّ الإياب إلى الذهاب يكون بريدين. و أمّا بيان حكم أقسام التلفيق فليست بصدده. و أمّا القول الثاني، أي الحكم بالاتمام مطلقاً فلوجوه:

1. انّه الأصل في الصلاة، و التقصير يحتاج إلى دليل و حاصل العمومات و الإطلاقات انّه يجب التمام على كلّ مكلّف غير المسافر الشرعي، و قد كان

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 10.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 58

مصداقاً لهذا العام فيستصحب كونه كذلك و ليس بمثبت، لكون المستصحب على مفاد كان الناقصة كان متحقّقاً فيه قبل الذهاب و الأصل بقاؤه.

2. صحيحة معاوية بن وهب: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: أدنى ما يقصر فيه المسافر الصلاة قال: «بريد ذاهباً و بريد جائياً». «1»

يلاحظ عليه:

أنّه محمول على الغالب، لأنّ الغاية مساواة الذهاب و الرجوع في مقدار المسافة فلأجل ذلك قال: بريد ذاهباً و بريد جائياً، و لو لا هذه الغلبة كان من المحتمل أن يقول

ثمانية فراسخ ذاهباً و جائياً. 3. وجود العناية بالبريد بحيث يستظهر من الروايات انّه ملحوظ في مقام الموضوعية.

ففي مرسلة الخزاز انّ رسول اللّه لما نزل عليه جبرئيل بالقصر، قال له النبي:

في كم ذاك؟ فقال: في بريد، قال: و أيّ شي ء البريد؟ فقال: ما بين ظل عير إلى في ء وعير. «2» و في رواية الفضل ممّا كتبه الرضا إلى المأمون، قال:

«إنّما وجبت الجمعة على من يكون على رأس فرسخين لا أكثر من ذلك، لأنّ ما تقصر فيه الصلاة بريدان ذاهباً أو بريد ذاهباً و بريد جائياً، و البريد أربعة فراسخ». «3» و فيه انّه لا يتجاوز عن حدّ الاشعار، و لا يمكن أن يكون مثله دليلًا على الحكم بوجه قاطع.

و المضمون محمول على الغالب. و أمّا القول الثالث، أي القول بالتفصيل أي التقصير فيما إذا كان الذهاب مشتملًا على البريد دون العكس، فقد استدل عليه المحقّق البروجردي بما هذا

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 13 و 18.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 13 و 18.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 59

حاصله:

إنّ هناك طوائف ثلاث من الروايات:

1. اخبار الثمانية.

2. اخبار البريد الواحد.

3. اخبار التلفيق الرافع للتعارض بين الطائفتين الأوّليتين.

إنّ الطائفة الأُولى دلّت على كون الحدّ للتقصير هو كون المسافة ثمانية فراسخ امتدادية، لكن رفعنا اليد عن الامتدادية لأجل اخبار التلفيق و بقي أصل الثمانية محفوظاً.

إنّ الطائفة الثانية دلّت على كون الحدّ هو الأربعة الامتدادية، فرفعنا اليد عن كون الملاك هو الأربعة، بواسطة اخبار التلفيق و بقي كونها امتدادية بلا معارض.

«1» و حاصله:

انّ الطائفة

الثانية من الروايات دلت على أنّ الحدّ هو الأربعة الامتدادية، و لما كان المدلول الأوّل (الأربعة) مخالفاً لأخبار التلفيق رفعنا اليد عن كفاية كون السير أربعة و التزمنا بثمانية فراسخ، و أمّا المدلول الثاني (كون المسافة امتدادية) فلا تخالفها اخبار التلفيق فنأخذ بها. ثمّ أورد على نفسه بأنّ أخبار التلفيق متضمنة للذهاب و الإياب، فلو كان الامتداد شرطاً في الذهاب فليكن كذلك في الإياب، و هو مخالف للتفصيل المختار.

فأجاب عنه ما هذا حاصله:

أنّ الكلام ليس في اخبار التلفيق بل في اخبار البريد، فهو قبل حكومة اخبار التلفيق عليه دالّ على أمرين:

______________________________

(1). البدر الزاهر: 81.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 60

1. كفاية كون السير أربعة.

2. أدنى البعد و الامتداد بين المبدأ هو الأربعة.

أمّا المدلول الأوّل فقد رفعنا اليد عنه باخبار التلفيق، فلو لم نأخذ بالمدلول الثاني و قلنا بكفاية الأقلّ من الأربعة في الذهاب إذا بلغ المجموع ثمانية فراسخ، لم يبق للطائفة الثانية من الروايات أيّ محمل صحيح.

«1» يلاحظ عليه أوّلًا:

أنّ معنى ذلك انّ الطائفة الثانية من الروايات وردت لإفادة شرطية كون السير امتدادياً فقط. فلو كانت الغاية هذه، فلما ذا يعبر عن ذلك المعنى بلفظ غير ظاهر فيه، و هل يصح لنا أن نقول إنّ أبا جعفر عليه السَّلام يريد من قوله: «التقصير في بريد» أو إنّ أبا عبد اللّه عليه السَّلام يريد من قوله: «التقصير في أربعة فراسخ» انّه يشترط أن يكون السير في هذا الحدّ امتدادياً مع انّ هذا المعنى لا يتحمله اللفظ. و ثانياً:

قد تقدم منّا انّ الطائفة الثالثة مفسّرة للطائفة الأُولى، و معنى ذلك انّ قول أبي جعفر عليه السَّلام: «التقصير في بريد» بمعنى أنّ التقصير في بريد ذاهباً

و جائياً، و عندئذ يكون حكم الطائفة الثانية كحكم الطائفة الثالثة في ظهور كون كلّ من الذهاب و الإياب امتدادياً، فلا وجه لأخذ الظهور في الامتداد في مورد الذهاب دون الإياب. و أمّا القول الرابع، أي القول بالاحتياط فللشكّ في كون المورد من مصاديق الطائفة الثالثة.

يلاحظ عليه:

لا وجه للاحتياط بعد شمول العام للمورد و هو وجوب التمام على كلّ مكلّف غير المسافر.

______________________________

(1). البدر الزاهر: 82.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 61

و قد عرفت انّ عنوان العام مركب من جزءين أحدهما محرز وجداناً أي المكلّف، و الآخر بالأصل، و المستصحب هو النسبة الناقصة أي «المكلّف غير المسافر» و قد كان موصوفاً به و الأصل بقاؤه في كلتا الصورتين، فلو لم يكن دليل على القصر فالاتمام هو المحكم.

فتلخص انّ القول الثاني هو الموافق لظاهر الأدلّة إلّا انّه يمكن دعم القول بالقصر. إنّ الأصحاب يتعاملون مع الروايات المشيرة إلى التقصير معاملة العبادة، فكما انّها أُمور توقيفية لا يمكن التجاوز عنها إلّا بالسماع عن الصادقين، فهكذا تلك الروايات.

و لكن الناظر في تلك الروايات يقف على أنّ الإسلام أراد تذليل الصعاب على المسافر الذي سار ثمانية فراسخ مستغرقاً بياض يوم، و كان هذا منّة من اللّه سبحانه لعباده.

فعن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال:

«قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: إنّ اللّه عزّ و جلّ تصدّق على مرضى أُمّتي و مسافريها بالتقصير و الإفطار، أيسر أحدكم إذا تصدّق بصدقة أن ترد عليه». «1» و عنه عليه السَّلام في حديث عن رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم:

«إنّ اللّه أهدى إليَّ و إلى أُمّتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأُمم كرامة من اللّه

لنا، قالوا: و ما ذاك يا رسول اللّه؟ قال: الإفطار في السفر، و التقصير في الصلاة، فمن لم يفعل ذلك فقد ردّ على اللّه عزّ و جلّ هديته». «2» فهذا التعليل الوارد في الروايتين، و ما ورد في سائر الروايات من التحديد ببياض يوم أو مسيرة يوم أو ثمانية فراسخ أو بريدين أو

24 ميلًا يشرف الفقيه على

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 22، أبواب أحكام المسافر، الحديث 7 و 11.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 22، أبواب أحكام المسافر، الحديث 7 و 11.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 62

القطع بأنّ المناط هو قطع الطريق في هذا الحد دون فرق بين كون الذهاب و الإياب أربعة فراسخ، أو كون الذهاب أكثر و الإياب أقلّ، أو بالعكس.

نعم هذه هي الضابطة فيخرج منها ما دلّ الدليل على الخروج، كما إذا سافر في يومين نصف البريد و رجع أو تردد بعد اجتياحه حد الترخص في فرسخ ذهاباً و إياباً حتى بلغ المجموع ثمانية فراسخ.

فلو كان ما ذكرنا من الوجه مقنعاً للفقيه و موجباً للافتاء بالقصر في جميع الصور فنعم المطلوب، و إلّا فالأصل هو التمام في كلتا الصورتين عملًا بمفاد الآية و الضابطة المنتزعة من العمومات، و هي انّه يجب التمام على كلّ مكلّف ليس بمسافر و كان الحكم بالتمام ثابتاً قبل الأخذ بالسفر و الأصل بقاؤه على ما كان كما مرّ سابقاً.

حكم المسافة المستديرة

هل تلحق المسافة المستديرة بالمسافة الامتدادية، أو تلحق بالمسافة التلفيقية، أو يفصل بين صورها؟

فإنّ لها صورتين:

الأولى:

تفرز الحركة مستديرة على البلد. الثاني:

تفرز مستديرة على جانب منه بحيث يلاصق البلد نقطة منها فتكون مع البلد شبه الدائرتين المتلاصقتين، و ربما يقال لا ينبغي التأمل في وجوب

القصر في الثانية لإطلاق النصوص و الفتاوى و صدق السفر معه و يشهد به ما ذكروه في البلد إنّما الكلام في الأولى. «1» و أوّل من تطرق إلى هذه المسألة بين الأصحاب هو شيخنا الشهيد الثاني في

______________________________

(1). السيد الحكيم: المستمسك: 8/ 23.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 63

المسالك

«1» و بسط الشيخ الأعظم الكلام فيه في كتاب الصلاة. «2» و حقّق أحكام صورها شيخ الشريعة الاصفهاني على ما في تقريراته. «3» ثمّ إنّ الحركة المستديرة تارة تفرض حول البلد بحيث يكون البلد داخل الدائرة، و أُخرى تفرض من آخر البلد، على وجه يكون البلد خارج الدائرة، و تكون الحركة المستديرة بالنسبة إلى البلد كدائرتين متلاصقتين في نقطة واحدة و هي مبدأ الحركة، و محل الكلام هو الصورة الثانية بأن تأخذ بالحركة من جانب البلد و يكون هو نقطة الالتقاء ثمّ يدور في دائرة خارج البلد، و إليك أحكام الصور بوجه موجز:

الأُولى:

إذا لم يقصد بالسير إلّا طي المسافة الشرعية كما لو تعلق غرضه بمعرفة خصوصيات الأرض لغاية البناء حولها، قال في المصباح: ففي هذه الصورة حيث لم يتعلق غرضه بالسير إلى موضع خاص، بحيث يقال: سار إليه و رجع عنه، بل كل جزء من أجزائها على حدّ سواء من كونه مقصوداً بالسير و التعدي عنده تبعاً لمقصده الأصلي الذي هو الإحاطة بمجموعها من السير فقد يقوى النظر بكونها ملحقة بالمسافة الامتدادية في الحكم، فيجب التقصير فيها إذا بلغ مجموعها ثمانية فراسخ و إن لم يرجع ليومه سواء اعتبرنا الرجوع من يومه في الملفقة أم لا، إذ ليس لها رجوع مستقل بملاحظة العرف كي يستقل عندهم بحدّ، بل مجموعها عرفاً و عقلًا مسافة واحدة

محددة بثمانية فراسخ تشملها الروايات الدالة على وجوب التقصير في الثمانية أو بريدين أو بياض يوم، و انصرافها إلى المسافة الممتدة إن سلم فبدوي منشؤه غلبة الوجود. «4» و لكنّ في المقام إشكالًا و هو انّه إذا فرضنا انّ محيط المسافة المستديرة ثمانية

______________________________

(1). زين الدين: مسالك الافهام: 1/ 240.

(2). الأنصاري: كتاب الصلاة: 413.

(3). محمد حسين السبحاني: أحكام الصلاة: 242238.

(4). مصباح الفقيه: 730.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 64

فراسخ فيكون قطر الدائرة أكثر من فرسخين و نصف و أقلّ من ثلاثة فراسخ، فلو فرضنا انّه بدأ بالسير في مجموع الدائرة، فكلما تقدم فيها حتى وصل إلى النقطة المسامتة لشروع الحركة تكون الفاصلة بين بلده و النقطة المسامتة أقل من ثلاثة فراسخ.

فيقع الكلام في أنّ الموضوع هل هو السير ثمانية فراسخ أو الابتعاد عن البلد بمقدار المسافة الشرعية، فلو كان الموضوع هو الثاني يجب عليه التمام في جميع الصور.

نعم إذا كانت المسافة المستديرة أكثر بحيث تكون نقطة المسامتة من الدائرة بالنسبة إلى مبدأ الحركة أربعة فراسخ أو أزيد كما إذا كان محيط الدائرة اثني عشر فرسخاً يتم ما ذكر

«1» و هذا الإشكال جار في هذه الصورة و في الصور التالية. الثانية:

أن يقصد قوساً من المسافة المستديرة لأجل وجود ضيعة له على رأس ذلك القوس، فإذا كانت مسافة الدائرة ثمانية تكون مسافة القوس أربعة، فعندئذ يحتسب ما قطعه ذهاباً و الباقي إياباً، و يأتي فيه ما سبق استلزامه من البعد من البلد، أقل من أربعة فراسخ و ما مرّ في المسافة التلفيقية من اشتراط الرجوع ليومه أو لا. الثالثة:

أن يقصد أقواساً متعددة من المسافة المستديرة لوجود مقاصد متعددة له على رءوسها، فالظاهر انّ منتهى

الذهاب آخر المقاصد فيكون حكمها حكم المقصد الواحد. هذا إذا كانت الحركة المستديرة، لا على البلد، و أمّا إذا كانت حوله و فوق حدّ الترخّص فربما يدعى انصراف النصوص و الفتاوى عن هذه الصورة، و فيه تأمّل خصوصاً إذا كان الابتعاد عن البلد بمقدار الأربعة و سيوافيك الكلام فيها فانتظر.

______________________________

(1). كما لو كانت المسافة المستديرة 12 فرسخاً فستكون الفاصلة بين نقطة المسامتة إلى مبدأ الحركة أربعة فراسخ.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 65

الشرط الثاني: قصد قطع المسافة

اشارة

المراد من هذا الشرط هو انّ قطع المسافة بما هو هو بأي صورة تحقّقت ليس تمام الموضوع، فلو قصد ما دون المسافة ثمّ تمادى به السير إلى أن كملت المسافة لم يقصِّر مع انّه قطع المسافة لكن لا عن قصد.

و بذلك يعلم انّ الشرط الأوّل

(اعتبار المسافة) لا يغني من الشرط الثاني، و أمّا العكس فهو أيضاً كذلك، فلو افترضت انّه قصد مسافة بزعم انّها ثمانية ثمّ بان خلافه، فلا يقصِّر لعدم قطع المسافة و إن قصد الثمانية، و هذا يدل على لزوم اعتبار كلا الشرطين. فإن قلت:

فلو كان الشرط مركباً من قطع المسافة مع قصدها يلزم عدم جواز التقصير و الإفطار إلّا بقطعها مع أنّهما يجوزان عند حدّ الترخص، فكيف يمكن أن يقال بكون طي المسافة شرطاً وراء قصدها؟ قلت:

هاهنا جوابان: الأوّل:

انّ مقتضى القاعدة عدم جوازهما إلّا بعد طي المسافة خرج منها جوازهما عند الوصول لحدّ الترخّص، فيكون جوازهما على خلاف مقتضى الشرطين. الثاني:

انّ الجواز في حدّ الترخص مشروط بطي المسافة على نحو الشرط المتأخر، و لأجل ذلك لو صلّى أو أفطر بعد حدّ الترخص و قبل قطع المسافة ثمّ بدا

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 66

له الرجوع يجب عليه إعادة الصلاة و قضاء الصوم، و تدلّ عليه صحيحة أبي ولاد

«1» و خبر المروزي. «2» ربما يقال بأنّ الروايتين معرض عنهما، و سيوافيك الكلام فيهما.

و يدل على اعتبار قصد المسافة مرسلة إبراهيم بن هاشم، عن رجل، عن صفوان قال:

سألت الرضا عليه السَّلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلًا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد، أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصر؟ قال: «لا يقصر و لا يفطر، لأنّه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه، و لو انّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينوِ السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصر و لم يفطر يومه ذلك». «3» و عليه يحمل ما رواه عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال:

سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستة فراسخ، و يأتي قرية فينزل فيها، ثمّ يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أُخرى أو ستة فراسخ لا يجوز ذلك، ثمّ ينزل في ذلك الموضع، قال: «لا يكون مسافراً حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة». «4» و قوله:

فليتم الصلاة، أي ذلك الموضع، أي رأس الاثني عشر فرسخاً ما دام هناك إلّا إذا أنشأ السفر منه إلى بيته.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 5 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث

4.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 4 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 4 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3. و قوله: لا يجوز ذلك يريد لا يتجاوزه.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 67

و أمّا روايته الأُخرى، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن الرجل يخرج في حاجة له و هو لا يريد السفر، فيمضي في ذلك فتمادى به المضي حتى تمضي به ثمانية فراسخ كيف يصنع في صلاته؟ قال: «يقصّر و لا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله». «1» فلعلّ المراد انّه يقصر في الرجوع لأنّ المفروض انّ المسافة ثمانية.

و على ضوء ذلك تبيّن حكم الفرعين اللّذين ذكرهما المحقّق.

1. لو قصد ما دون المسافة، ثمّ تجدد له رأي فقصد أُخرى لم يقصر و لو زاد المجموع على مسافة التقصير، فإن عاد و قد كملت المسافة فما زاد قصر.

أمّا عدم القصر في الذهاب و إن زادت عن الثمانية فلأجل عدم القصد.

و أمّا القصر في الرجوع فلبلوغ المسافة ثمانية.

و كذا لو طلب دابة شردت له أو غريماً أو آبقاً و قد علم وجهه في الفرع السابق.

2. و لو خرج ينتظر رفقة إن يسيروا سافر معهم فإن كان على حدّ مسافة قصر في سفر و موضع توقفه، و إن كان دونها أتم حتى يتيسر له الرفقة و يسافر.

أقول:

إنّ لهذا الفرع صوراً أُشير إليها في المسالك: أ.

إذا كان منتظر الرفقة على رأس المسافة فصاعداً فهو يقصر، لأنّه قطع المسافة إلى محلّ الانتظار عن قصد. ب.

إذا كان على ما دون المسافة و قد وصل حدّ الترخص، فإن علم مجيئهم أو جزم بالسفر من دونهم على تقدير عدم مجيئهم فيقصر، لأنّه لم يعدل عن قصده.

ج.

ما لو غلب على ظنّه مجيئهم أتم و ذلك لعدم الجزم بالسفر.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 4 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 68

فروع

اشارة

قد ذكر السيد الطباطبائي تبعاً لغيره فروعاً لا بأس بالتطرق إليها

1. لا يعتبر قصد المسافة

إذا قصد المسافة فلا يعتبر اتصال السير فيقصر و إن كان من قصده أن يقطع الثمانية في أيّام من غير فرق بين كونه مختاراً في هذا العمل، أو مضطراً لأجل عدو أو برد أو انتظار رفقة أو نحو ذلك.

و الدليل على ذلك إطلاق الأدلّة من غير تقيد ببطء الحركة أو سرعتها، إنّما الكلام فيما إذا قطع كلّ يوم شيئاً يسيراً جدّاً للتنزه.

فقد ذهب السيد إلى الجمع في هذه الصورة على الأحوط.

يلاحظ عليه:

أنّ الملاك كونه ضارباً في الأرض و كون السفر للتنزه أو للتجارة أو لغير ذلك أو كون السير سريعاً أو بطيئاً لا مدخلية له في القصر فيصدق عليه السفر كما يصدق عليه انّه مسافر فيقصر. 2. كما يتحقّق القصد مستقلًا كذلك يتحقّق تبعاً كالعبد و الزوجة إذا قصد المتابعة و علما بقطع المتبوع مسافة و إن لم يُعْلمِ المتبوعُ ذلك و الدليل إطلاق الأدلّة الشامل للقصد الاستقلالي و التبعي.

و لا فرق بين أن تكون التبعية لأجل الوجوب الشرعي كما في المثالين أو للاضطرار العرفي أو للإكراه، و ذلك لانّ المضطر و المكره من أقسام الفاعل المريد غير انّ الإرادة ربما تكون نابعة من صميم الذات كما هو الحال في المريد المختار و ربما تكون نابعة لضغط خارجي كالاضطرار و الإكراه، و لأجل ذلك ذهبنا إلى صحّة بيع المضطر و المكره

(بالفتح) إذا رضيا فهما مريدان و إن لم يكونا مختارين

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 69

بالأصالة.

«1» فيدخل في ذلك الخادم و الأسير و المكره (بالفتح) مع العلم بقصد المتبوع. نعم لو كان التابع فاقداً للإرادة الأصلية و التبعية كمن

أُلقي في سفينة أو أُركب على دابة من دون إرادة فهل وظيفته التمام أو القصر؟ وجهان مبنيان على أنّ الموضوع هو قصد المسافة و إن كان تبعياً أو العلم بطي المسافة الشرعية و إن لم يقصد.

و الظاهر انّ الموضوع هو الأوّل لأنّ قصد المسافة أُخذ شرطاً فيه، قال السيد الطباطبائي:

«ففي وجوب القصر، مع العلم بالايصال إلى المسافة إشكال و إن كان لا يخلو عن قوة» و قد قوّاه بعض المعلقين على العروة و لم يعلم وجهه، و سيوافيك بيانه. و هل يجب على التابع الاستخبار مع الإمكان، أو لا؟ الظاهر عدم الوجوب و إن قلنا بوجوب الفحص عن الشبهات الموضوعية التحريمية أو الوجوبية و ذلك للفرق الواضح بين المقام و الفحص عند الشبهة.

و ذلك لأنّه إذا كان الحكم مترتباً على الموضوع الواقعي كحرمة الخمر و كان العلم و الظن طريقين إليه، ففي ظرف الشكّ يجب عليه الفحص عن الموضوع لئلّا يخالف الحكم الواقعي المنجز على القول بلزوم الفحص في الشبهات الموضوعية.

و أمّا إذا كان هنا حكمان مترتبان على موضوعين لكل حكمه، أعني: 1. قاصد المسافة يُقصِّر.

2. غير القاصدُ يتم.

فهو بما انّه غير واقف على قصد المتبوع لا يتمشّى منه قصدُ المسافة فيدخل في الموضوع الثاني و لا دليل على لزوم اخراج نفسه عن ذلك الموضوع المتحقّق

______________________________

(1). هذا القيد لإفادة انّهما مختارين بالتبع و ذلك لانّه يرجح تبعية المكرِه، على الضرر الذي يتوجه إليه عند عدم التبعية فيختار ما يريده المكره لكن اختياراً بالتبع لا بالأصالة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 70

بالفعل و ادخالها تحت الموضوع الآخر، و لذا لا يجب عليه الاستخبار، فإذا لم يجب الاستخبار لا يجب الجواب

2. طروء المانع عن المتابعة

قال السيد

الطباطبائي:

«إذا علم التابع بمفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة و لو ملفقة بقي على التمام، بل و لو ظنّ ذلك فكذلك. نعم لو شكّ في ذلك فالظاهر القصر خصوصاً إذا ظنّ العدم.

لكن الأحوط في صورة الظنّ بالمفارقة و الشكّ فيها، الجمع». الفرق بين هذه المسألة، و المسألة التالية هو انّ جهة البحث هو طرو مانع علماً أو ظنّاً أو شكّاً أو ظنّاً بالعدم، يمنع عن التبعية كعروض المرض و الخوف على نفس التابع و ماله.

مع بقاء ملاك التبعية كالزوجية و الرقية قطعاً، بخلاف المسألة الآتية، فإنّ متعلّق العلم و الظن و الشك بقاء نفس ملاك التبعية قبل قطع المسافة الشرعية و لو ملفقة، كالزوجية بالطلاق و الرقية بالعتق، و غير ذلك. و أمّا أحكام الصور المذكورة في المسألة:

إمّا مع العلم بالمفارقة أو الظنّ بها فيُتم، لعدم إمكان قصد المسافة معهما، فلأجل ذلك قال بقي على التمام.

إنّما الكلام في الفقرة الثانية من كلامه حيث قال:

«نعم لو شكّ في ذلك فالظاهر القصر خصوصاً إذا ظن العدم». و ذلك لأنّ مقتضى القاعدة، هو التمام لأنّ الشكّ إذا كان أمراً معتداً به عند العقلاء، يمنع عن انعقاد القصد، فكان عليه أن يقول يبنى على التمام دون أن يقول: «الظاهر القصر» إلّا أن يحمل كلامه إلى الشكّ غير المعتد به عند العقلاء كما فسّره به السيد المحقّق البروجردي قدَّس سرَّه فإنّ أكثر الأسفار غير خالية عن هذا النوع من الشكّ، و منه يظهر حال الظن بالعدم

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 71

الذي عطفه على الشك و أفتى فيه أيضاً بالتقصير، فلو كان المراد، مجرّد الرجحان فهو كالشكّ المعتد به عند العقلاء فيبنى على التمام و إن كان المراد

هو المرتبة الخاصة منه الذي يُعبّر عنه بالاطمئنان الذي هو علم عرفي، بعدم المفارقة فالحكم بالتقصير في محله

3. في زوال سبب المتابعة

إذا كان التابع عازماً على المفارقة مهما أمكنه، أو كانت المفارقة معلقة على حصول أمر كالعتق و الطلاق و نحوهما، فهنا صور:

ألف.

العلم بعدم الإمكان أو عدم حصول المعلّق عليه. ب.

إذا ظنّ إمكان المفارقة أو حصول المعلّق عليه. ج.

إذا احتملهما احتمالًا معتداً به عند العقلاء. د.

إذا احتملهما احتمالًا بعيداً لا يعتدّ به عندهم. فقد أفتى السيد في الصور الثلاث الأُول، بالتمام، و هو الموافق للقاعدة لعدم تمشّي القصد فيها، و لذلك لا أرى وجهاً لقوله:

«و أمّا مع ظنّه فالأحوط الجمع». و أمّا الصورة الرابعة:

فيُتم لأنّ المفروض كون الاحتمال غير معتدّ به خصوصاً انّ أغلب الأسفار لا يفارق مثل هذا الاحتمال، و عندئذ لا وجه لقوله: «و مع ذلك أيضاً لا يترك الجمع». و الحاصل انّ الاحتياط بالجمع في ثانية الصور و رابعتها لا وجه له

4. فيما إذا خالف اعتقادُ التابع مع المتبوع

إذا اعتقد التابع انّ متبوعه لم يقصد المسافة أو شكّ في ذلك و في الأثناء علم

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 72

انّه قاصد لها فقد أفتى السيد بوجوب القصر عليه و إن لم يكن الباقي مسافة، و علّله بأنّه إذا قَصَدَ ما قَصَده متبوعه فقد قصد المسافة واقعاً، و هو كما لو قصد بلداً معيناً و اعتقد عدم بلوغه مسافة فبان في الأثناء انّها مسافة فيكفي ذلك في القصر.

و أورد عليه شيخ مشايخنا العلّامة الحائري قدَّس سرَّه بأنّ مجرّد قصد المصاحبة و عدم مفارقة المتبوع، مع اعتقاده تفصيلًا بأنّ قصد المتبوع دون المسافة لا يوجب القصر، و إلّا لوجب القصر على طالب الآبق، لو علم في الأثناء أنّ ما بقي من سيره بانضمام ما مضى منه يكون بمقدار المسافة، فإنّه قاصد من أوّل الأمر إجمالًا إلى السير

إلى أن يصل إليه، و تنظيره بمن قصد بلداً معيناً يعتقد انّه دون المسافة فبان انّه بمقدارها في غير محلّه، فإنّ من قصد ذلك، فقد قصد مسافة تبلُغ ثمانية فراسخ، و إن لم يقصد عنوان الثمانية، و الظاهر من الأدلّة اعتبار قصد المسافة الواقعية، التي تكون ثمانية فراسخ في نفس الأمر، و فيما نحن فيه قصد واقعاً السير إلى مادون المسافة واقعاً، لاعتقاده بانتهاء سير المتبوع إليه، و كذا الكلام فيما لو شكّ التابع في مقدار سير المتبوع، مع كونه قاصداً للمتابعة.

«1» و وافقه السيد الحكيم قدّس سرَّه، و نزّل المقام بمن تردد عنده مكان الضالة بين بلاد كثيرة مختلفة بالقرب و البعد.

و قال السيد الاصفهاني، في الفرق بين المقام و المثال الوارد في كلام السيد الطباطبائي:

بأنّه فرق بين أن يكون المقصود معيّناً و بلوغه مقدار المسافة مجهولًا، و بين أن يكون المقصود مجهولًا، و مجرّد كون مقصود المتبوع في الواقع معيّناً لا يفيد، لصدق تعيين قصد التابع. «2»

______________________________

(1). الحائري: الصلاة: 596.

(2). صلاة المسافر: 57.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 73

و فصل بعض المعلقين على العروة بين ما إذا علم التابع بأنّ مقصد المتبوع و منتهى سيره المكان المعين الكذائي، و لكنّه اعتقد كونه أقلّ من المسافة، أو شكّ في كونه مسافة، ثمّ تبين كونه مسافة فيقصر، و بين ما إذا اعتقد انّ منتهى سيره المكان المعين، الذي لم يكن مسافة واقعاً، ثمّ بان أنّ المتبوع أراد مكاناً آخر أزيد من ذلك المكان ممّا يكون مسافة، أو شكّ في منتهى سيره ثمّ بان كونه مسافة، فيتم.

و مع أنّ جلّ من تأخر عن السيد الطباطبائي خالفوه و أفتوا بالاتمام إذ لم يكن الباقي مسافة

شرعية، لكن الحقّ التقصير، و له نظائر في الفقه، و كلّها من باب كفاية القصد الإجمالي إذا كان أصيلًا.

1. حجّ النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حجّة الوداع، فلما فرغ عن السعي أمر الناس أن يُحلّوا، إلّا سائق هدي، و قد ساق صلَّى الله عليه و آله و سلَّم الهديَ و قد ورد علي عليه السَّلام من اليمن على رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و هو بمكة، فقال: يا رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلَّم إنّي رأيت فاطمة قد أحلّت، عليها ثياب مصبوغة، فقال الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: أنا أمرت الناس بذلك، و أنت يا علي بما أهللت؟ قال قلت: يا رسول اللّه إهلالًا كإهلال النبي، فقال له رسول اللّه: كُنْ على احرامك مثلي، و أنت شريكي هديي. «1»

فقد اكتفى في نيّته، بنية النبي الأكرم فجعل نيته صلَّى الله عليه و آله و سلَّم مرآة لنيته واقعاً و لأجله أمره صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بعدم الاحلال، و أن يبقى على إحرامه و لما لم يكن معه هَدْي جعله شريكاً في هديه.

2. إذا اقتدى بالإمام الحاضر، و زعم انّه زيد فبان انّه عمرو صحت صلاته، لأنّ المقصود بالذات هو الإمام الحاضر، و تخيّل كونه عمرواً لا زيد لا يضر، بعد كون الأصيل هي النيّة الأُولى فإنّ الثانية من باب الخطأ في التطبيق.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 8، الباب 2، من أبواب أقسام الحج، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 74

3. لو صلّى المسافر بنيّة التمام غافلًا عن كونه مسافراً و سلّم في الثانية غفلة أو بزعم انّها الرابعة صحّت

صلاته، لأنّه لم يقم إلى الصلاة إلّا لامتثال أمرها فهو لدى الافتتاح قصد امتثال الأمر الواقعي، لكنّه لأجل الغفلة عن حاله تخيل انّ الأمر الواقعي هو الأمر بالتمام على وجه لو زالت الغفلة لما صلّى إلّا قصراً.

و أمّا المقام فالتابع بحكم انّه تابع، قاصد بالذات السفر إلى ما قصده المتبوع، و هذا القصد مركوز في ذهنه، لا ينفك عنه، لكنّه لما تصور انّ مقصد المتبوع دون المسافة لم يقصد المسافة، و لكنّه قاصد لها بنية إجمالية، و الحاصل أنّ في ذهن التابع إرادة و علم.

أمّا الأُولى فقد تعلقت بالسفر إلى ما يريده متبوعه بلا إشكال، و أمّا الثاني و هو انّ المسافة ثلاثة فراسخ و هذا العلم و إن كان يستعقب الإرادة، لكنّها ليست أصيلة، بل الأصيل هي الأُولى.

و بذلك يظهر الفرق بين مقامنا و من قصد غريمه أو عبده الآبق و هو لا يعلم مكانه، لأنّه فاقد للقصد إلى المسافة الشرعية لعدم وجود طريق إليه كنية المتبوع في المقام فلا يقال انّه قاصد إلى ثمانية فراسخ، و هذا بخلاف المقام، فلو سئل التابع إلى أين تذهب؟ يقول:

إلى المكان الذي يذهب إليه المتبوع. و بذلك يعلم أنّ التفصيل بين من علم مقصد المتبوع و زعم انّه دون المسافة و من لم يعلم أو زعم الخلاف فيقصر في الأوّل و يتم في الثاني ليس بوجيه، لأنّه لو كان الموضوع هو قصد المسافة الشرعية بعنوانه التفصيلي فلا يقصر في الأوّل أيضاً، و إن كان الموضوع هو الأعم من التفصيلي و الإجمالي، فهو موجود في كلتا الصورتين

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 75

5. في حكم المجبور

قال السيد الطباطبائي:

إذا أُركب على دابة، أو أُلقي في سفينة من غير

اختيار بأن لم يكن له حركة اختيارية، ففي وجوب القصر و لو مع العلم بالايصال إلى المسافة إشكال، و إن كان لا يخلو من قوّة. الوجهان مبنيان على أنّ الموضوع هو الابتعاد عن البلد بمقدار المسافة الشرعية، أو قطعها مع الإرادة، و يمكن استظهار الوجه الثاني من قوله:

«ليس يريد السفر ثمانية» «1» و قوله عليه السَّلام: «لكان عليه أن ينوى من الليل سفراً». «2» و ظهور قوله: «إنّه ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه». «3» في الفعل الاختياري. و أمّا الوجه الأوّل فلا وجه سوى التمسك بما ورد من الروايات من انّه تخفيف و هدية من اللّه إلى عباده لتقليل المشقة.

«4» و هو موجود في مطلق الابتعاد من البلد و لو بالعنف و الاركاب و الذهاب به في النوم، و لعلّه ليس ببعيد. استدل السيد الحكيم على القصر برواية إسحاق بن عمار الواردة في قوم خرجوا في سفر و تخلف منهم واحد قال عليه السَّلام:

«بلى إنّما قصّروا في ذلك الموضع، لأنّهم لم يشكّوا في مسيرهم، و انّ السير يجدّ بهم». «5» فإنّه يدل على أنّ تمام الموضوع للتقصير هو العلم بالسفر ثمانية فراسخ. يلاحظ عليه:

أنّ الموضوع في الرواية هو كونهم غير شاكين في السفر مع الإرادة، فالتجاوز عنه إلى مطلق من لا يشك في كون المسافة ثمانية من غير قصد يحتاج إلى دليل. «6»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 4 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 4 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 22 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 7 و 11 و 12.

(5). الوسائل:

الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11.

(6). المستمسك: 8/ 35.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 76

الشرط الثالث: استمرار قصد المسافة

اشارة

من شرائط التقصير، قصد المسافة، حدوثاً و بقاءً، ابتداء و استمراراً، و قد اكتفى المحقّق بالشرط الثاني عن هذا الشرط، فلو عدل عن قصده أو تردد بحيث لم يبق في نفسه قصد مسير ثمانية فراسخ و لو بانضمام الإياب، أتم.

و نقل السيد الحكيم عن الحدائق نسبته إلى الأصحاب أوّلًا و ادّعى اتّفاقهم عليه. و لكن ظاهر عبارة الحدائق غير ذلك قال: و العجب من جملة من الأصحاب و منهم صاحب المدارك حيث إنّهم ذكروا هذا الشرط و لم يوردوا عليه دليلًا حتى قال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل ذلك من الأصحاب: و حجتهم عندي غير واضحة. «1» و تدل عليه رواية إسحاق بن عمار في منتظر الرفقة:

«و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا». «2» و معنى «قاموا» أي ما برحوا في تلك الأرض، أو انصرفوا إلى بلدهم، و ذلك لعروض الشكّ في القصد لأجل تخلف الرفقة، فلم تكن المسافة مسافة شرعية مطلقاً، حتى تعمّ صورة الانصراف.

و في نقل آخر لتلك الرواية من العلل:

«و إن كانوا ساروا أقلّ من ذلك لم يكن لهم إلّا إتمام الصلاة، قلت: أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه

______________________________

(1). البحراني: الحدائق: 11/ 334.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 10.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 77

أذان مصرهم الذي خرجوا منه؟ قال:

بلى إنّما قصّروا في ذلك الموضع لأنّهم لم يشكوا في مسيرهم و انّ السير يجدّ بهم، فلمّا جاءت العلة (الشك) في

مقامهم دون البريد صاروا هكذا». «1» و الرواية مروية عن طريق البرقي عن محمد بن أسلم، عن صباح الحذاء، عن إسحاق بن عمار.

قال النجاشي: محمد بن أسلم هو الطبري الجبلي من بلاد الديالمة، أصله كوفي كان يتجر إلى طبرستان يقال انّه كان غالياً فاسد الحديث، روى عن الرضا. «2» و الظاهر انّ القائل هو الغضائري و هو حاك عن عدم جزمه بما نقله، مضافاً إلى أنّ اتقان الحديث يجبر ضعف السند. و أمّا صباح الحذاء، فهو أخو إسحاق بن عمار و هو من الثقات. و في صحيح أبي ولاد:

«و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً، فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤمّ من مكانك ذلك، لأنّك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت، فوجب عليك قضاء ما قصّرت و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتى تصير إلى منزلك» «3» فانّ الحكم بقضاء ما صلّاه قصراً يدل بالأولوية على وجوب الاتمام لو صلّى أداء كما دلّت على وجوب الاتمام عند الانصراف. نعم الصحيحة مشتملة على أمرين أعرض عنهما الأصحاب:

1. المضايقة في قضاء الصلوات حيث قال: «من قبل أن تؤمّ من مكانك ذلك». و الأصحاب إلّا من شذّ كابن إدريس على المواسعة.

2. بطلان ما صلّاها قصراً عند عدم طروء الشك، و سيوافيك الكلام فيه،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11.

(2). النجاشي: الرجال: برقم 1000.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 5 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 78

و على كلّ تقدير لا يمنع عدم العمل ببعض أجزاء الرواية، عن العمل بغيرها.

فإذا

كان التردد، هادماً للموضوع، فإنّ هناك صوراً أُشير إليها في العروة، و إليك بيانها:

1. إذا عدل قبل بلوغ الأربعة أو تردد.

2. إذا كان بعد بلوغ الأربعة و كان عازماً على عدم العود.

3. إذا كان بعد بلوغ الأربعة و كان متردداً في أصل العود و عدمه.

4. إذا كان بعد بلوغ الأربعة و كان عازماً على العود لكن بعد نيّة الإقامة هناك عشرة أيّام. فيتمّ في هذه الصور جميعها لعدم بلوغ المسافة، الحدّ الشرعي منها، إمّا لأنّه لم يقطع الأربعة، أو قطعها لكن بما انّه عازم على عدم العود، أو شاكّ أو عازم بعد إقامة العشرة.

فلا يكون المجموع داخلًا في المسافة التلفيقية.

نعم يجب القصر في الصورة التالية:

5. بعد بلوغ الأربعة، صار عازماً للعود من غير نيّة الإقامة عشرة أيّام، من غير فرق بين رجوعه ليومه أو غده بل و إن بقي متردداً إلى ثلاثين مع الجزم بالعود فما دام لم يتجاوز الثلاثين يقصر.

6. تلك الحالة لكنّه تجاوز الثلاثين، فهو يتم كما هو واضح.

بقيت هنا فروع نشير إليها:

[فروع]

الفرع الأوّل: كفاية بقاء نوع القصد

يكفي في استمرار القصد بقاء قصد النوع و إن عدل عن الشخص كما لو قصد السفر إلى مكان مخصوص، ثمّ عدل عنه إلى آخر يبلغ ما مضى و ما بقي

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 79

مسافة، و المخالف هو الشهيد في روض الجنان حيث قال بأنّ المدار هو المسافة الشخصية.

«1» و يكفي في الدليل، رواية إسحاق، حيث قال: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا» «2» فأوجب القصر عند العدول من الامتدادية إلى التلفيقية. و مثله رواية أبي ولاد: «إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريداً فكان عليك حين رجعت

أن تصلّي بالتقصير لأنّك كنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك». «3» مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على التقصير في ثمانية فراسخ، أو في بريدين أو بياض يوم، فإنّه شامل للثمانية الشخصية و غيرها، و ليس الموضوع للتقصير أمراً عبادياً يتوقف في تحديده، بل هو أمر عرفي، فإنّ الموضوع هو السفر إلى ثمانية فراسخ، سواء كان بقي على قصده الشخصيّ أو عدل منه إلى آخر.

الفرع الثاني: فيما لو تردد في الأثناء

لو تردد في الأثناء ثمّ عاد إلى الجزم، فهنا صور أربع:

1 و 2. عاد إلى الجزم و كان الباقي مسافة شرعية سواء قطع شيئاً من الطريق أو لا، و ذلك لأنّ المفروض انّ الباقي مسافة شرعية، فهو موضوع للتقصير سواء صحّ ضمُّ السابق إلى الباقي أو لا، إنّما الكلام في الصورتين الباقيتين:

3. عاد إلى الجزم و لم يكن الباقي مسافة شرعية لا امتدادية و لا ملفقة، و لم يقطع شيئاً من المسافة

______________________________

(1). روض الجنان: 385.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 10.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 5 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 80

حال الترديد.

4. عاد إلى الجزم و لم يكن الباقي مسافة شرعية، و قد قطع شيئاً من المسافة حال الترديد.

فالكلام في صحّة ضمّ اللاحق إلى السابق حتى يصير المجموع مسافة شرعية.

أمّا الصورة الأُولى فالظاهر البقاء على التقصير، فإن قصد المسافة و إن زال حسب الدقة لكنّه عاد ثانياً بنظر العرف، و يدلّ عليه إطلاق رواية إسحاق بن عمّار الواردة في منتظري الرفيق الذي لا يستقيم لهم سفرهم إلّا به حيث صاروا مردّدين بين المضي و الانصراف، فقال:

«و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتموا قاموا

أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا» و محلّ الشاهد هو قوله: «فإذا مضوا فليقصّروا» و ادعاء انصرافه إلى ما إذا كان الباقي مسافة بلا وجه. و العجب من شيخ مشايخنا العلّامة الحائري حيث فسّر قوله:

«فإذا مضوا فليقصروا» بأنّ الكلام مسوق لبيان انّ ما مضى لا يضم بالباقي لانقطاعه بالترديد فالسير الذي يحسب من السفر بشرائطه هو السير وقت المضي. «1» فبذلك يعلم عدم الوجه للاحتياط، كما في تعبير السيد الطباطبائي:

و كذا إن لم يكن مسافة في وجه لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط. و أمّا ما ربما يقال انّ حكم ما قطعه أوّلًا زال من جهة العزم على العدم أو التردد، فلو عزم على الذهاب ثانياً يكون هذا سفراً جديداً لا بدّ أن يكون بنفسه مسافة، غير تام، فإنّه حسب الدقة الفلسفية سفر جديد، و أمّا بلحاظ الدقة العرفية فهو امتداد للسفر الواحد بنية واحدة، و الظاهر انّ القائل تعامل مع الموضوع معاملة سفر المعصية، حيث إنّه لو رجع عن المعصية يجب أن يكون الباقي مسافة، أو معاملة الصوم حيث إنّ التردد في المضيّ يبطل، مع أنّ المقام يفارق الموضوعين، للفرق بينه و بين سفر المعصية حيث أُنشئ و لم يكن جزءاً

______________________________

(1). الحائري: الصلاة: 412. و العبارة بعدُ لا تخلو من إجمال.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 81

للسفر الشرعي بخلاف المقام، كما انّه يفارق الصوم حيث إنّه يجب الإمساك مع النية في جميع الآنات دون المقام.

أمّا الصورة الثانية أي إذا قطع شيئاً في حال التردد أو العزم بالعدم، ثمّ عاد إلى الجزم مع عدم كون الباقي مسافة شرعية و لو ملفقة ففيه وجوه:

1. القصر مطلقاً.

2. التمام مطلقاً.

3. التفصيل بين ما يكون ما قطعه أوّلًا

حال الجزم مع ما يقطع بعد العود إلى الجزم مسافة بعد إسقاط ما تخلل بينهما فيقصر و إلّا فيتم.

أمّا وجه الأوّل فلعود ما كان سبباً للقصر، فيكفي في تحقّق المسافة مجموع ما مضى و ما بقي و ما تخلل.

يلاحظ عليه:

أنّ الموضوع ليس قطع المسافة بما هو هو بل مع القصد و معه كيف يلحق به المتخلّلُ الفاقد للقصد إلّا أن يكون شيئاً لا يذكر قابلًا للتسامح في نظر العرف، على تأمّل. أمّا وجه الثاني:

فقد استظهره شيخ مشايخنا الحائري من رواية عمّار «1» و صفوان «2» انّ المسافة المحدودة يعتبر فيها أن تكون مقرونة بالقصد بأجمعها في حال السير و عدمه و احتمال أن يكون القصد معتبراً في حال السير خلاف الظاهر من أُسلوب الكلام. «3» و لو صحّ ما ذكره لزم الإتمام فيما إذا لم يتخلل بينهما سير بلا قصد و هو كما ترى.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(3). الحائري: الصلاة: 412.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 82

و أمّا الثالث أي القصر إذا بلغ ما بقي مع ما سبق بإسقاط ما سار في حال التردد أو العزم على العدم ثمانية فراسخ و إلّا فالإتمام.

فيقال انّه أشبه ببيع صاع من صبرة بصورة الكلي من المعيّن، فالواجب عليه تسليم صاع من هذه الصبرة بين الأصوعة المختلفة، و على هذا فالموضوع سير ثمانية فراسخ مع القصد، و المفروض انّه منطبق على الملفق ممّا مضى و ما بقي بعد حذف المتخلل.

يلاحظ عليه:

وجود الفرق بين المقام و الكلي في المعيّن حيث إنّ نسبة جميع الأصوعة متساوية إلى المبيع و كلّ صاع

يصلح أن يكون مصداقاً له، بخلاف المقام فإنّ هنا مصداقين للموضوع، قطع ثمانية فراسخ على وجه لا يتخلل بينها سير بلا قصد، و قطعها مع تخلله و ليس المصداقان متساويي النسبة إلى الموضوع في الوضوح و الخفاء. و الحقّ هو الإتمام بدعوى قصور شمول إطلاقات الثمانية فراسخ بما إذا تخلّل بينهما شي ء و هذا هو الوجه للإتمام، لا اعتبار القصد في جميع آنات السفر حتى يصح الموضوع كالصوم، بل و الأحوط هو الجمع.

الفرع الثالث: فيما إذا صلّى قصراً ثمّ عدل
اشارة

إذا صلّى قصراً ثمّ عدل عن قصده فهل تجب اعادة ما صلّاه قصراً بصورة التمام أو لا؟ و مثلها القضاء.

قال في الحدائق: المشهور هو الثاني. «1» أفتى به الشيخ في «النهاية»، و ابن إدريس في «السرائر»، و ابن سعيد في «الجامع» قال الشيخ:

فإن خرج بنية السفر ثمّ بدا له و كان قد صلّى على التقصير فليس عليه شي ء. «2»

______________________________

(1). البحراني: الحدائق: 11/ 335.

(2). النهاية: 123.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 83

و قال ابن إدريس:

فإن خرج بنيّة السفر ثمّ بدا له قبل أن يبلغ مسافة التقصير و كان قد صلّى قصراً، فليس عليه شي ء و لا قضاء و لا إعادة. «1» و قال ابن سعيد:

و إذا نوى المسافة و خرج ثمّ بدا له عن السفر فإن كان قطع أربعة فراسخ فعلى تقصيره ما لم ينو المقام عشراً، و إن كان دونها تمّم، و كذلك لو لبث في طريقه ينتظر رفقة و لا يعيد ما صلى. «2» و يدل عليه من النصوص:

صحيحة زرارة قال سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يخرج (مع القوم) في سفر يريده فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا و انصرفوا و انصرف بعضهم

في حاجة له فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة التي كان صلّاها ركعتين، قال: تمت صلاته و لا يعيد. و قال في الحدائق:

إنّ في الوافي في ذيل هذا الخبر «يشبه أن يكون قد سقط لفظ «مع القوم» بعد «يخرج» كما في الفقيه كذلك». «3» و على كلّ تقدير فالضمير في «تمت صلاته و لا يعيد» راجع إلى البعض الذي انصرف فلم يُقض له الخروج، و احتمال أنّ الجملة راجعة إلى الباقي على القصد و لم يبد له العود كما عليه شيخ مشايخنا الحائري، ضعيف جدّاً «4» إذ أيّ شبهة في صحّة صلاته كي يسأل عنها. و الصحّة موافقة للقاعدة أيضاً لأنّه صلّى صلاة مأموراً بها و امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

و المهم اثبات انّه مأمور به:

فهناك احتمالان:

______________________________

(1). السرائر: 1/ 341.

(2). الجامع للشرائع: 93.

(3). الصدوق: الفقيه: 1/ 281. و في الوسائل مثله.

(4). كتاب الصلاة: 410. و قد ذكر في ذيل كلامه وجهاً للسؤال عن صحّة كلامه.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 84

ألف.

الموضوع هو قصد المسافة مع قطعها و إن كان على نحو الشرط المتأخّر، فلو صلّاها في الطريق و قطع المسافة الشرعية، تمت صلاته لحصول الشرط في محلّه، و لو لم يقطع كشف عن عدم الموضوع. ب.

الموضوع هو قصد المسافة و عدم الشك في قطعها حال الصلاة سواء قطعها بعدها أم لم يقطعها. فلو كان الموضوع هو الأوّل، فعليه الإعادة لعدم الأمر، بانتفاء الشرط

(قطع المسافة) في محلّه، بخلاف ما لو كان الموضوع هو الثاني. و يمكن استظهار الوجه الثاني من رواية إسحاق بن عمّار الواردة في غير هذا المقام لكن يمكن استنباط حكم المقام منها أعني:

«أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون

فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه، قال: بلى إنّما قصروا في ذلك الموضع، لأنّهم لم يشكوا في مسيرهم و انّ السير يجدّ بهم، فلما جاءت العلّة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا». «1» توضيحه:

أنّه سئل الإمام عمّن بدا له في أثناء السفر، فأجاب الإمام بأنّ للمسألة صورتين: 1. بدا له بعد قطع المسافة الشرعية و هذا يقصر و لا يضره البداء.

2. بدا له قبل قطع المسافة، و هذا يُتمّ في موضع عروض الشك و بعده، و عندئذ عاد السائل و قال: ما الفرق بين هذه الصورة التي حكمتم فيها بالاتمام و من قصّر قبل قطع المسافة الشرعية كما إذا قصر عند خفاء أذان مصره؟ فأجاب الإمام بالفرق بين الموردين، بإذعانه و يقينه باستمراره في السفر، في المقيس عليه و طروء الشك عليه في المقيس.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 85

هذا هو توضيح مفاد الرواية.

و أمّا استنباط حكم المقام منها فنقول:

إنّ قوله:

«إنّهم لم يشكوا في مسيرهم» يحتمل أحد الأمرين: ألف.

انّ الموضوع هو الجزم حال الصلاة، مع قطع المسافة الشرعية و لو بعدها. ب.

انّ الموضوع هو نفس الجزم حال الصلاة سواء قطع المسافة بعدها أو لا، فعلى الأوّل يكون الأمر في المقام تخيّليّاً، و على الثاني يكون الأمر واقعياً و الرواية و إن كانت ظاهرة في الثاني، و لكن مورد التعليل يشتمل وراء القصد على قطع المسافة، و الاستدلال بالتعليل الوارد في الجازم مع قطعها، على الجازم حال الصلاة مع عدم قطعها بعدُ كما هو المفروض، لا يخلو عن إشكال.

دليل من قال بالإعادة

استدل من قال بالإعادة مطلقاً في الوقت و خارجه بروايتين:

1. خبر حفص المروزي: «و

إن رجع عمّا نوى عند بلوغ فرسخين و أراد المقام «1» فعليه التمام، و إن كان قصّر ثمّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة». «2»

و الفرسخ الخراساني يعادل فرسخين في غيرها، وجه التمام انّه و إن قطع أربعة فراسخ، لكنّه ليس بمسافة شرعية امتدادية و لا تلفيقيّة، لأنّه قصد إقامة عشرة أيّام قبل الرجوع.

______________________________

(1). إقامة عشرة أيّام و بذلك تخرج قطع أربعة فراسخ عن كونها مسافة شرعية لكون الاقامة من قواطع السفر.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 86

2. صحيحة أبي ولّاد في حديث: ... و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً، فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم من مكانك ذلك، لأنّك لم تبلغ الموضعَ الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعتَ فوجب عليك قضاء ما قصّرت. «1»

و هل هناك جمع دلالي، أو ينتهي الأمر إلى الترجيح بالمرجح؟ يظهر من الشيخ في «الاستبصار» وجود الجمع الدلالي و هو حمل روايتي المروزي و أبي ولاد على داخل الوقت، و الصحيحة على خارجه.

«2» و هو غير تام في كلا الطرفين أمّا في صحيح زرارة فقد جاء فيها: «تمت صلاته و لا يعيد» و الإعادة ظاهرة في الفعل داخل الوقت، إلّا أن يقال انّه كذلك في مصطلح الفقهاء دون مصطلح الأئمّة، فهي عندهم أعمّ من الوقت و خارجه. و أمّا في صحيحة أبي ولاد فالمفروض انّه بدا له الرجوع إلى الكوفة، و قد صلّى الظهرين قصراً بشهادة قوله:

«فسرت يومي ذلك أقصر الصلاة ثمّ بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة» فالقضاء في قوله: «فإنّ

عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها ...» محمول على معناه المصطلح. و هناك جمع دلالي آخر و هو حمل الإعادة على الاستحباب لكون صحيح زرارة نصاً في عدم الوجوب، لكنّه يتم في رواية حفص، حيث قال:

«اعاد الصلاة» فيقال أعادها استحباباً، لا في رواية أبي ولاد و قد جاء فيها: «فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم من مكانك ذلك» فإنّ لحن الحديث لا يلائم الاستحباب، على أنّه من المحتمل أن تكون العبارة بمعنى البطلان الوضعي، فكيف يحمل على الاستحباب؟

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 5 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(2). الطوسي: الاستبصار: 1/ 228.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 87

هذا إذا قلنا بوجود الجمع الدلالي بينهما و لو أنكرنا ذلك كما عرفت فالترجيح لصحيحة زرارة لكونها المشهورة، و الترجيح بالشهرة مقدم على سائر المرجحات، حتى الترجيح بالتعليل الوارد في رواية أبي ولاد، أعني قوله:

«لأنّك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير» و لو قلنا بعدم وجود الشهرة و انّها ليست بمثابة تسلب الحجّية عن الأُخرى، فالمرجع هو قاعدة الاجزاء، لأنّه صلّى و قد انطبق عليه عنوان الصلاة قطعاً من دون توقف على قطع المسافة، فيسقط أمره لاتّفاق العلماء على عدم وجوب الصلاتين على مكلّف في يوم واحد. و أمّا كون المرجع هو استصحاب التمام، فليس بتمام، لتخلل اليقين بالقصر بين زمان اليقين بالتمام و زمان الشك فيه كما لا يخفى.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 88

الشرط الرابع: عدم قصد قطع السفر بالقواطع

اشارة

إنّ قواطع السفر ثلاثة:

1. المرور على الوطن.

2. اقامة عشرة أيام في مكان.

3. إقامة ثلاثين يوماً متردّداً، فيتمّ في اليوم الواحد و الثلاثين.

ثمّ إنّ هذا الشرط يذكر

في مقامين:

الأوّل:

في هذا المقام، أعني: تحديد السفر الموجب للقصر، فيكون شرطاً لأصل مشروعية القصر. الثاني:

في باب القواطع أي ما يقطع السفر و يزيل حكمه بعد تحقّقه و إيجابه القصر فيكون شرطاً لاستمراره. ثمّ إنّ المذكور في مبحث القواطع عبارة عن كون نفس المرور، أو إقامة العشرة، أو الإقامة في مكان واحد ثلاثين متردداً قاطعاً للسفر موضوعاً كما في الأوّل، أو حكماً كما في الأخيرين على اختلاف في الإقامة كما سيأتي.

فيكون اشتراط عدم هذه الشروط الثلاثة شرطاً لاستمرار القصر. و أمّا المذكور في المقام هو انّ قصد أحد القواطع من أوّل الأمر شرط لأصل

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 89

الحكم بالتقصير، لا لاستمراره فمن يقصد الثمانية، لكن بقصد المرور على الوطن في أثناء قطعها، يُتمّ من أول الأمر، لفقدان شرط أصل الحكم بالتقصير.

و ليعلم انّ ما يمكن أن يكون عدمه شرطاً في المقام هو الأمران الأوّلان، لا الثالث، لبداهة عدم معنى لقولنا:

«شرطية عدم قصد الإقامة في محل متردداً ثلاثين يوماً» إذ لا يعقل أن تكون الإقامة المترددة، مقصوداً للإنسان من بدو السفر حتى يشترط عدمه. إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انّ هنا صورتين:

الأُولى:

إذا انشأ السفر مع قصد أحد القاطعين من المرور على الوطن، أو إقامة عشرة أيّام، فمرّ عليه أو أقام في مكان عشرة أيّام، فلا شكّ انّه يتم فيهما، و أمّا حكم الباقي من المسافة فيتبع وجود المسافة الشرعية الامتدادية أو التلفيقية بصورها المختلفة و عدمه اتّفاقاً لدى الجميع فانّه ليس بموضع بحث و نقاش حتى عند القائل بعدم الشرطية كصاحب الذخيرة، و شيخ الشريعة قدّس سرّهما «1» لأنّ روح هذه عبارة عن إيجاد القاطع المسلم عند الكل. الثانية:

إذا انشأ السفر مع

نية أحد القاطعين لكن عدل بعد ذلك عن قصده، فهذه الصورة هي التي تظهر فيها ثمرة النزاع فالقائل بالشرطية، لا يحسب ما قطعه مع هذه النية من المسافة الشرعية و إنّما يحسب المسافة منذ عدل عن نيّته، فإن بلغ الباقي الحدّ الشرعي، يُقصِّر و إلّا فلا، و أمّا القائل بعدم الشرطية كصاحب الذخيرة و شيخ الشريعة قدّس سرّهما فنيّة القاطع لم تكن مخلّة من بدء الأمر، حتى يكون العدول عنه مفيداً، فلو كان المجموع من بداية السفر إلى نهايته مسافة شرعية يُقصِّر و إلّا فلا. و بذلك يعلم انّ ما ذكره السيد الطباطبائي في المسألة الخامسة و العشرين

______________________________

(1). على ما في تقريرات الوالد.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 90

هو موضع ظهور الثمرة بين القولين، أعني:

ما إذا نوى أحد القاطعين، ثمّ عدل، لا ما إذا نوى و حقق إذ ليس فيه أيّ شك في انّه يتم إلّا إذا كان الباقي على مقدار المسافة. و يمكن الاستدلال على الشرطية بالأُمور التالية بعد تسليم كون الوطن و الإقامة قاطعين للسفر موضوعاً.

1. انّ الشرطية نتيجة الجمع بين أدلّة قصد المسافة الشرعية، و أدلّة كون المرور على الوطن أو الإقامة في مكان عشرة أيّام من قواطع السفر موضوعاً، و هذا ما يسمّى بدلالة الإشارة نظير استفادة كون أقلّ الحمل، ستة أشهر من الآيتين المباركتين. «1»

توضيحه:

أنّ المرور على الوطن قاطع لموضوع السفر عرفاً و شرعاً، فلا يصدق على المجتاز و المارّ عليه مسافراً إلّا بالعناية و المجاز، لأنّ السفر هو التغرب عن الأوطان، فلا يجامع مع التواجد فيه، و في الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السَّلام:

تغرب عن الأوطان في طلب العلى فسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفرّج

هَمّ و اكتسابُ معيشة و علم و آداب و صحبة ماجد

و مثله الإقامة في مكان عشرة أيام، فإنّه قاطع لموضوع السفر شرعاً، و إن لم يكن كذلك عرفاً لكن الشارع نزّله منزلة الوطن، و قد ورد في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السَّلام قال:

«من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة ...». «2» و بذلك يعلم، انّ المسافر في نظر العرف هو خلاف الحاضر في الوطن فقط،

______________________________

(1). البقرة/ 233؛ الأحقاف/ 15.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 10.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 91

و أمّا في لسان الشارع فهو خلاف الحاضر و المقيم فالأخير غير مسافر، بحكم رواية زرارة و غيرها ممّا سيوافيك في فصل قواطع السفر.

و يمكن استفادته من قوله سبحانه:

(وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعٰامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهٰا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقٰامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوٰافِهٰا وَ أَوْبٰارِهٰا وَ أَشْعٰارِهٰا أَثٰاثاً وَ مَتٰاعاً إِلىٰ حِينٍ) (النحل/ 80) و الظعن هي الحركة و هي كناية عن السفر، فعدت الإقامة مقابلًا للظعن. «1» إذا تبيّن ذلك فمن جانب دلّ الدليل على أنّ المتواجد في الوطن، أو المقيم في مكان ليس بمسافر، و من جانب دل الدليل على لزوم قصد المسافة و إرادة السفر ثمانية فراسخ كما في مرسلة صفوان:

«لأنّه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ» «2» و معنى ذلك، انّه يجب عليه أن يكون قاصداً للسفر الشرعي من زمن إنشائه إلى نهايته، و هذا لا يجتمع مع جزمه بأنّه يمر على الوطن أثناء السفر أو يقيم فيه عشرة أيّام، لأنّ هذا القصد حتّى و إن لم يتحقّق يمنع

عن قصد المسافة الشرعية غير المتخلّلة بينها شي ء آخر إذ كيف يمكن له أن يقصد السفر بقطع ثمانية فراسخ مع أنّه يعلم بأنّه ليس بمسافر في أثنائها عند ما مرّ على الوطن أو أقام، في مكان فضم أدلّة الحكمين ينتج هذا الشرط الرابع. و إن شئت قلت:

إذا كان عنوان المسافر على طرف النقيض من المتواجد في الوطن أو المقيم في محل، و معه كيف يصحّ لمنشئ السفر أن يقصد السفر الشرعي، مع انّه يعلم انّه في الأثناء يخرج عن كونه مسافراً و يكون إمّا حاضراً أو مقيماً؟ و مثل هذا يمنع عن تمشي القصد عن بدء الأمر.

______________________________

(1). يقول العلّامة الشيخ مصطفى التبريزي المجتهدي (1298- 1338):

أناخت على قلبي الكآبةُ و الكربُ عشيَّة زمَّ العيس للظعنِ الركبُ

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 4 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 92

و ربما يستدل لها تارة بانصراف أدلّة القصر عن مثل هذا الفرد، و أُخرى باستصحاب التمام

«1». أقول:

ادعاء الانصراف فيما إذا تحقّق المرور أو الإقامة فصحيح، و أمّا إذا لم يتحقق كما إذا نوى في بدء السفر ثمّ بدا، فلا نسلم عدم شمول أدلة القصر له. و أمّا الاستصحاب فهو أشبه بتبدل الموضوع، لأنّه صار مسافراً و إنّما بدا له المرور أو الاقامة فكيف يستصحب حكم التمام المنقوض بقصد السفر قبل البداء و قد عرفت انّ الثمرة بين القولين تظهر فيما إذا بدا له المرور و لكن لم يتحقق لا فيما إذا تحقق، فإنّ الإتمام فيه ممّا لا غبار عليه إلّا إذا كان الباقي على حدّ المسافة الشرعية. ثمّ إنّ المخالف هو صاحب الذخيرة و هو يفسر عبارة العلّامة في إرشاد

الأذهان بالنحو التالي:

إنّ من شرط وجوب القصر أن ينوي مسافة لا يعزم على إقامة العشرة في أثنائها، فلو نوى مثلًا قطع ثمانية فراسخ، لكن يعزم على أن يقيم عشرة في أثنائها لم يجب التقصير لا في موضع الإقامة و لا في طريقه، و قد صرح الأصحاب كالمصنف و غيره بهذا الحكم، و لا أعرف فيه خلافاً، لكن إقامة حجّة واضحة عليه لا يخلو من إشكال، فإنّ النصوص مختصة بالحكم الأوّل (أي من سافر و قطع) لا من نوى القطع ثمّ بدا له. «2»

فروع

الأوّل: لو كان متردّداً في نية الإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية

قال السيد الطباطبائى: يتم، و أضاف: نعم لو لم يكن ذلك من قصده و لا متردداً إلّا أنّه يحتمل عروض مقتض لذلك في الأثناء لم يناف عزمه على المسافة.

______________________________

(1). النراقي: المستند: 8/ 224، الطبعة الحديثة.

(2). السبزواري: الذخيرة: 407.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 93

أقول:

إنّ إخلال التردد في المرور أو الإقامة لأجل انّهما يخلّان بالجزم بالسفر ثمانية فراسخ كالعلم، و أمّا قوله: «إلّا انّه يحتمل عروض مقتض لذلك ...»، فلا بدّ من حمله على احتمال عروض مانع عن تأثير المقتضي كمواجهة اللص أو العدو، و كان الاحتمال بمنزلة لا يعتني به العقلاء، و قد مرّ نظيره أيضاً. «1»

الثاني: لو كان حين الشروع في السفر «أو في أثنائه» «2» قاصداً للإقامة

أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية لكن عدل بعد ذلك عن قصده أو كان متردّداً في ذلك و عدل عن ترديده إلى الجزم لعدم الأمرين. «3» أقول:

هذا الفرع هو محلّ ظهور الثمرة بين القولين: اشتراط عدم نية القاطع و عدم اشتراطه، فعلى القول الثاني يقصر و على الأوّل، يأتي ما أفاده السيد من التفصيل. 1. إن كان ما بقي بعد العدول مسافة في نفسه (أو مع التلفيق بضمّ الإياب إلى الذهاب) فيقصر، لكونه انشاء سفر جديد.

2. لو كان ما بقي بعد العدول إلى المقصد أربع فراسخ و كان عازماً على العود، قصّر لكون المجموع ثمانية فراسخ، و قد عرفت عدم شرطية العود من يومه.

3. لو كان أقلّ من أربعة بل و لو كان فرسخاً يقصر إذا كان الباقي مع العود ثمانية، و قد تقدم عدم شرطية كون الذهاب أربعة بل يكفي إذا كان المجموع ثمانية.

الثالث: لو لم يكن من نيته في أوّل السفر الإقامة أو المرور على الوطن و قطع مقداراً من المسافة

، ثمّ بدا له قبل بلوغ الثمانية ثمّ عدل عمّا له بدا، و عزم على عدم

______________________________

(1). لاحظ المسألة 18، قوله: «نعم لو شكّ في ذلك فالظاهر هو القصر».

(2). الأولى تركه لأنّه يأتي في المسألة التالية.

(3). كان عليه أن يترك هذا القسم، لأنّه نفس الفرع الثالث.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 94

الأمرين، فهل يضم ما مضى إلى ما بقي إذا لم يكن ما بقي بعد العدول عمّا بدا له، مسافة؟

و قد مرّ نظير المسألة في الشرط الثالث

«1» و مناط الحكم في كلا الموردين واحد، و هو إذا قطع شيئاً من المسافة بين العزم المخل، و العزم المصحح، فلا يلحق الباقي بالسابق، بخلاف ما إذا لم يقطع فيكون السير، أمراً واحداً و ليس السفر كالصوم حتى تعتبر

فيه النية في جميع الآنات حتى في غير حال القطع.

______________________________

(1). لاحظ المسألة 23.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 95

الشرط الخامس: أن يكون السفر سائغاً

اشارة

يشترط في وجوب التقصير كون السفر سائغاً، و المراد منه عدم كونه محرماً، سواء أ كان واجباً أم مستحباً أم مباحاً أم مكروهاً، و يقابله السفر المحرم.

ثمّ إنّ المراد منه أحد الأمرين:

1. أن يكون نفس السفر بعنوانه محرماً، كما إذا نهى المولى عن السفر بما هو هو.

2. أن يكون السفر محقّقاً لما هو المحرم كالفرار من الزحف، و نشوز الزوجة، و عقوق الوالد، و الإضرار بالبدن، فإنّ هذه العناوين تتحقّق بنفس السفر، فإنّ المحرم في لسان الأدلّة شي ء، و السفر شي ء آخر، لكن السفر محقق لتلك العناوين حتى فيما إذا نذر عدم السفر إذا كان في تركه رجحان، فإنّ الواجب فيه هو الوفاء بالنذر و المحرم هو نقيضه و هو متحقّق بالسفر.

و بذلك يعلم الضعف في كثير من الكلمات حيث يمثلون لكون السفر حراماً بالفرار عن الزحف و إباق العبد، و سفر الزوجة بدون إذن الزوج، و سفر الولد مع نهي الوالدين، في غير الواجب و السفر المضر، مع أنّ المحرم بالذات ليس نفس السفر، غاية الأمر يكون السفر محققاً له.

3. أو كانت غايته أمراً محرماً، كما إذا سافر لقتل نفس محترمة أو للسرقة، أو للزنا، أو لإعانة ظالم، أو لأخذ مال الناس ظلماً و نحو ذلك.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 96

4. أو كانت غايته أمراً محللًا، كالتجارة، و لكن ربما يتفق في أثنائه أمر محرم كالغيبة، أو ترك الواجب، و هل الشرط هو خلوه من القسمين الأولين أو يعم الثالث أيضاً؟ احتمالات و لنذكر بعض الكلمات:

قال الشيخ الطوسي:

و لا يجوز

التقصير إلّا لمن كان سفره طاعة للّه أو في سفر مباح و إن كان سفره معصية أو اتباعاً لسلطان جائر لم يجز له التقصير، و كذلك إن كان سفره إلى صيد لهو أو بطر لم يجز له التقصير. «1» و قال أيضاً:

المسافر في معصية لا يجوز له أن يقصر، مثل أن يخرج لقطع طريق، أو لسعاية بمسلم، أو معاهد، أو قاصداً لفجور، أو عبد آبق من مولاه، أو زوجة هربت من زوجها أو رجل هرب من غريمه مع القدرة على أداء حقّه، و لا يجوز له أن يفطر، و لا أن يأكل ميتة (إذا اضطرّ). و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق، و زادوا، المنع من الصلاة على الراحلة و المسح على الخفين ثلاثاً و الجمع بين الصلاتين. و قال قوم:

سفر المعصية كسفر الطاعة في جواز التقصير سواء. ذهب إليه الأوزاعي و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه. «2» و قال ابن البراج:

و أمّا المباح فهو مثل سفر التجارة و طلب الأرباح لذلك و طلب القوت لأنفسهم و لأهليهم، و أمّا القبيح فهو مثل سفر متبع السلطان الجائر مختاراً، و من هو باغ، أو عاد، أو يسعى في قطع الطريق، و ما أشبه ذلك، و من طلب الصيد للّهو و البطر. «3» قال ابن إدريس:

السفر على أربعة أقسام: ... و الرابع سفر المعصية، مثل

______________________________

(1). الطوسي: النهاية: 122.

(2). الطوسي: الخلاف: 1/ 587 برقم 349.

(3). ابن البراج: المهذب: 1/ 160.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 97

سفر الباغي و العادي، أو سعاية، أو قطع طريق، أو اباق عبد من مولاه، أو نشوز زوج من زوجها، أو اتباع سلطان جائر في معونته و

طاعته مختاراً، أو طلب صيداً للّهو و البطر، فإنّ جميع ذلك لا يجوز فيه التقصير لا في الصوم و لا في الصلاة.

«1» و قال ابن سعيد:

و يتم العاصي بسفره كاتباع السلطان الجائر لطاعته، و الصائد لهواً و بطراً. «2» و قال المحقّق:

الشرط الرابع أن يكون السفر سائغاً واجباً، كان كحجّة الإسلام، أو مندوباً كزيارة النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، أو مباحاً كالأسفار للمتاجر. و لو كان معصية لم يقصر، كاتباع الجائر، و صيد اللهو. «3» هذه كلمات الأصحاب و آراء المذاهب الفقهية.

لا إشكال في دخول القسم الثالث في مورد الروايات، فإنّ الأمثلة الواردة فيها من هذا القبيل، كالسارق في رواية حماد بن عثمان، و السعاية أو الضرر على المسلمين في رواية عمّار بن مروان، و قصد السلطان الجائر في رواية أبي سعيد الخراساني

«4»، إلّا أنّ الكلام في دخول القسمين الأوّلين اللّذين عدهما المشهور قسماً واحداً و إن جعلناه قسمين، فيمكن الاستدلال على دخولها تحت الروايات بوجهين: الأوّل:

الأولوية فإذا وجب التمام فيما هو مباح ذاتاً، محرم غاية فأولى أن يتم إذا كان بنفسه حراماً. الثاني:

شمول إطلاق قوله: «أو في معصية اللّه» في رواية عمّار بن مروان لهما.

______________________________

(1). ابن إدريس: السرائر: 1/ 327.

(2). ابن سعيد الحلي: الجامع: 91.

(3). نجم الدين الحلي: الشرائع: 1/ 102.

(4). ستوافيك الروايات فانتظر.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 98

و بذلك يعلم عدم تمامية ما ذكره الشهيد الثاني في روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، قال:

و قد عدّ الأصحاب من العاصي بسفره مطلق الآبق، و الناشز، و تارك الجمعة بعد وجوبها، و وقوف عرفة كذلك، و الفارّ من الزحف، و من سلك طريقاً مخوفاً يغلب معه ظنّ التلف

على النفس، أو على ماله المُجحف، و إدخال هذه الأفراد يقتضي المنع من ترخص كلّ تارك للواجب بسفره لاشتراكهما في العلّة الموجبة لعدم الترخص، إذ الغاية مباحة فإنّه المفروض و إنّما عرض العصيان بسبب ترك الواجب فلا فرق حينئذ بين استلزام سفر التجارة ترك صلاة الجمعة و نحوها و بين استلزامه ترك غيرها كتعلّم العلم الواجب عيناً أو كفاية بل الأمر في هذا الوجوب أقوى. «1» و سيوافيك بيان الحال في هذه الموارد. نعم، السفر المباح الذي ربما يترتب عليه العصيان، كالغيبة، و الكذب و غيره فخارج عن مصب الروايات، و إلّا فلو قلنا بدخولها في الأدلّة، لم يرخص إلّا للأوحدي إذ قلّما يتّفق لمكلّف عادي أن يخلو في السفر عن العصيان.

و على أيّ حال فاللازم دراسة الأحاديث الواردة في ذلك المجال حتى نقف على ما هو الموضوع بحده:

1. روى ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، قال: «لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلّا في سبيل حق». «2»

2. و في خبر حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ)* قال: الباغي: باغي الصيد «3»، و العادي: السارق و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، و هي عليهما حرام ليس هي عليهما كما هي على

______________________________

(1). زين الدين: روض الجنان: 388.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 8 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(3). و في الوسائل المطبوعة «الباغي الصيد» و فيه سقط، و نقلنا الرواية عن نفس الكافي.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 99

المسلمين، و ليس لهما أن يقصرا في الصلاة.

«1» 3. و

في صحيحة عمّار بن مروان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، قال: سمعته يقول: «من سافر قصّر و أفطر إلّا أن يكون رجلًا سفره إلى صيد، أو في معصية اللّه، أو رسولًا «2» لمن يعصي اللّه، أو في طلب عدو أو شحناء، أو سعاية، أو ضرر على قوم من المسلمين».

و الرواية حسب نقل الصدوق ينتهي سندها إلى عمّار بن مروان، و على نقل الكليني ينتهي سندها إلى محمد بن مروان، و عمار بن مروان ثقة و لكن محمد بن مروان لم يوثق.

و الظاهر صحّة ما في الفقيه، و انّ الخلط تسرب إلى الكافي المطبوع بشهادة انّ الفيض نقله عن الكافي عن عمّار بن مروان.

كما نقله الشيخ في التهذيب عن عمّار بن مروان، و نقله في الحدائق عن الكافي عن عمّار بن مروان.

«3» 4. روى سماعة قال: سألته عن المسافر، قال: و من سافر فقصر الصلاة و أفطر إلّا أن يكون رجلًا مشيعاً لسلطان جائر أو خرج إلى صيد .... «4»

5. و عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه، قال: «سبعة لا يقصرون الصلاة ... و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا و المحارب الذي يقطع السبيل». «5»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 8 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

(2). و في الوسائل المطبوعة الحديث 3 من الباب 8 من أبواب صلاة المسافر «أو رسول» و هو مصحف.

(3). لاحظ المصادر التالية، الفقيه، ج 2، كتاب الصيام، ص 92، برقم 94؛ الكافي: 4/ 129، كتاب الصيام برقم 3؛ الوافي: 7/ 173، الباب التاسع، باب من كان سفره باطلًا؛ التهذيب: 4/ 219، برقم 640؛ الحدائق: 11/ 380.

(4). الوسائل، الجزء 5، الباب 8 من أبواب صلاة المسافر،

الحديث 4 و 5.

(5). الوسائل، الجزء 5، الباب 8 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4 و 5.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 100

6. و عن أبي سعيد الخراساني، قال: دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه السَّلام بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال لأحدهما: «وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني، و قال للآخر: وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان». «1»

لا شكّ في شمول الروايات للسفر الذي يكون ذا غاية محرمة، و قد ورد فيه فيه نماذج من هذا القسم، أعني:

1. السارق، 2. طلب العدوان، 3. طلب الشحناء، 4. السعاية، 5. ضرر على قوم من المسلمين، 6. المحارب الذي يقطع السبيل، 7. قصد السلطان الجائر.

و أمّا القسمان الأوّلان فهما داخلان قطعاً لوجهين:

الأوّل:

انّ مانعية القسم الثاني يوجب مانعية القسمين الأوّلين بطريق أولى. الثاني:

قوله: مشيّعاً لسلطان جائر، فانّ المحرم هناك نفس السفر لا الغاية، فربما لا تلازم المشايعة مع الأمر الحرام، لكن نفس المشايعة حرام بنفسه، أو لكونه محقّقاً لعنوان الإعانة أضف إلى ذلك انّ قوله في معصية اللّه يعم القسمين الأوّلين أيضاً. و أمّا القسم الرابع أي ما يكون محلّلًا غايةً، و لكن ربما يشتمل على الحرام، كما إذا سافر للتنزه أو الزيارة، و لكنّه يغتاب في أثناء السفر أو يكذب، فهذا القسم خارج عن مصبّ الروايات لعدم انطباق أحد العناوين السابقة على هذا القسم، و لو كان مثل هذا مانعاً لاختص التقصير بالأوحدي من الناس.

بقي هنا بعض الأقسام:

الأوّل:

إذا سافر للفرار عن الدين أو لترك صلاة الجمعة بعد وجوبها، أو

______________________________

(1). الوسائل، الجزء 5، الباب 8 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 101

لترك الوقوف بعرفات ففيه وجوه و احتمالات:

1. يتم

مطلقاً و ذلك لأحد وجهين:

الأوّل:

انّ أحد الضدين مقدمة لترك الآخر فيكون السفر مقدمة لترك أداء الدين المحرم، فيكون محرماً لأجل المقدمية. يلاحظ عليه:

مضافاً إلى أنّ السفر، يلازم ترك الواجب و ليس مقدمة و لا دليل على وحدة المتلازمين في الحكم، انّ المتبادر من قوله: «في معصية اللّه» أن يكون السفر محرماً نفسياً و لو لغاية محرّمة لا مقدمياً. الثاني:

انّه و إن لم يكن مقدمة واقعاً، لكنّه في نظر العرف مقدمة و إن لم يكن كذلك في الواقع فيصدق كون السفر في معصية اللّه حسب ما ورد في صحيحة عمّار بن مروان. يلاحظ عليه:

بما عرفت من ظهور الروايات في الحرمة النفسية و أقصى ما يترتب عليه انّه يكون حراماً مقدمياً. 2. التفصيل بين كون السفر، مقدمة منحصرة للأمر المحرم بحيث لو كان في الوطن، لأدّى الدين و لو خوفاً على عرضه و أتى بالواجب، و عدمها، بحيث لو لم يسافر أيضاً لأخلّ بالواجب فيتم في الأوّل لكون السفر مقدمة محرمة دون الآخر إذ عندئذ يكون، ملازماً للحرام و لا وجه لاتحاد المتلازمين في الحكم.

يلاحظ عليه:

بأنّ المتبادر من الروايات هو كون السفر حراماً نفسياً، لا حراماً مقدمياً. 3. التفصيل بين كون الغاية من السفر، هو الأمر المحرم كترك أداء الدين و عدمه، فيكون السفر في الأوّل حراماً نفسياً لا مقدّمياً، كما إذا أراد أن يتوصل بالسفر إلى ذلك الأمر المحرم فيكون المورد من مصاديق السفر لغاية محرمة، دون ما

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 102

لم يرد بل يكفي نفس الالتفات بأنّه يترتب عليه ذلك، فما في العروة من التفصيل بين ما إذا كان لأجل التوصل إلى ترك الواجب أو لم يكن ففي الأوّل يجب

التمام دون الثاني، ناظر إلى إدخال السفر، تحت الأسفار ذات الغاية المحرّمة فذكر قصد التوصل، أو الالتفات للإشارة إلى القسمين و إلّا فالمعيار كون السفر، ذا غاية محرمة و التوصل و الالتفات طريقان إلى العلم بكونه كذلك.

و على ذلك لا وجه للاحتياط بالجمع في الثاني، حيث لا يكون السفر عنده محرماً.

***

السفر بالدابة المغصوبة

إذا كان السفر مباحاً، لكن ركب دابة غصبية أو مشى في أرض مغصوبة فهل هو يقصّر، أو يُتم، الظاهر التفصيل بين الأوّل فيقصر و الثاني فيتم.

أمّا الأوّل:

فهو يقصر و لا تزاحمه غصبية الدابة، لأنّ المقياس في المنع عن التقصير كون نفس السفر محرماً و لو لأجل غاية محرمة لا ما إذا اتحد مع عنوان محرم أو صار ملازماً معه كما في المقام، فإنّ نفس السفر ليس بحرام أي ليس من الأقسام الثلاثة الأُوَل، و إنّما الحرام هو الاستيلاء على الدابة و هو متحد مع السفر أو ملازم معه، و هذا نظير ما إذا سافر مع لباس مغصوب. و أمّا الثاني:

فلأنّه لا يشترط في إيجاب التمام كون نفس السفر بعنوانه محرماً و إلّا لزم وجوب التقصير في القسم الثاني من الأقسام الأربعة، فإنّ المحرم بالذات فيها هو عبارة عن الفرار عن الزحف، أو عقوق الوالدين، أو نشوز الزوج، أو الإضرار بالبدن، لا السفر بل يكفي كون السفر محقّقاً و ممثِّلًا لما هو المحرم، و مثله المقام فإنّ الغصب و التصرف العدواني، يتحقق بالسير على الأرض المغصوبة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 103

و بذلك يظهر الفرق بين هذا و السفر بلباس مغصوب، فانّ الغصب في الثاني يتحقّق باللبس سواء كان هناك سفر أو لا و ليس السفر دخيلًا في تحقّق ذلك العنوان بخلاف

السير في الأرض المغصوبة فإنّه محقّق للغصب.

و اللّه العالم.***

في بيان حكم التابع

و اعلم أنّ التابع للجائر، تارة يسافر معه، و أُخرى يسافر وحده لكن بأمره، فهناك بحثان:

الأوّل:

إذا سافر التابع مع الجائر، فإمّا أن يكون مجبوراً في التبعيّة بحيث لولاه لانهارت معيشته و لم يكن هناك ما يزيل به علّته، أو مكرهاً، أو قاصداً لدفع المظلمة عن المضطهدين بحيث تكون التبعيّة لأجل الأغراض الصحيحة، ففي جميع تلك الصور يقصِّر لعدم حرمة السفر. و أمّا إذا لم يكن كذلك، بأن اختار التبعيّة طمعاً في مال الدنيا، قال السيد الطباطبائي:

«و كانت تبعيته إعانة الجائر في جوره وجب عليه التمام» و كان عليه أن يعطف عليه أو كونه سبباً لعدّه من أعوان الظلمة، و إن كان نفس العمل حلالًا كالكتابة و المحاسبة، أو موجباً لتقوية شوكته، لكونه من ذوي الجاه، ففي جميع الصور يتم لكون السفر محرماً، و قد مرّ قوله عليه السَّلام: «أو مشيّعاً لسلطان» في رواية عمّار بن مروان اليشكري. و ربما يختلف حكم التابع عن المتبوع، فالثاني يقصر إذا كان سفره مباحاً لكونه قاصداً الزيارة فهو يقصر و التابع يتم، لكون سفره معصية لكونه إعانة للظالم.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 104

الثاني:

في حكم التابع إذا لم يسافر مع الجائر. إذا كان التابع موظفاً في دائرة الجائر و إن كان للخدمة أو الكتابة و المحاسبة فأمره بالسفر.

يأتي فيه التفصيل السالف الذكر في الأمر الأوّل فإن كان سفره إعانة للظالم في ظلمه، كما إذا سافر لإبلاغ رسالته إلى بلد خاص و تحمَّلت الرسالة حكماً جائراً على خلاف الكتاب و السنّة فيتم بلا إشكال، لأنّ السفر محرَّماً، بحرمة غايته، و ما جاء في العروة الوثقى من انّ الأحوط الجمع

لا وجه له. و أمّا إذا لم يعد سفره إعانة للظالم كما إذا استأجره للحج عنه، أو لأمر مباح، فالواجب القصر.

***

السفر للصيد

اشارة

إذا سافر للصيد فله أقسام:

1. سافر لقوته و قوت عياله.

2. سافر للتجارة.

3. سافر لهواً و بطراً، و المراد من اللهو، لهو الاشتغال بما لا ينفع. و البطر، هو العمل الحاكي عن الطغيان.

و هذه المسألة ممّا انفردت بها الإمامية، و أمّا المذاهب الأربعة، فقد اتّفقوا على جواز القصر في الصيد مطلقاً.

و إليك كلماتهم:

قال المفيد:

و من كان سفره في معصية اللّه جلّ و عزّ، أو صيد لهو و بطر، أو

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 105

كان تابعاً لسلطان الجور في المعونة له عليه، فهو داخل في حكم المسافر في العصيان.

«1» قال الشيخ:

أو طلب صيد للّهو و البطر، فانّ جميع ذلك لا يجوز فيه التقصير لا في الصوم و لا في الصلاة، فأمّا الصيد فإن كان لقوته أو قوت عياله فهو مباح، و إن كان للتجارة دون الحاجة روى أصحابنا انّه يتم الصلاة و يفطر الصوم. «2» و قال أيضاً:

و كذلك إن كان سفره إلى صيد لهو أو بطر لم يجز له التقصير، و إن كان الصيد لقوته و قوت عياله وجب أيضاً التقصير، و إن كان صيده للتجارة وجب عليه التمام في الصلاة و التقصير في الصوم. «3» و قال أيضاً:

إذا سافر للصيد بطراً أو لهواً لا يجوز له التقصير و خالف جميع الفقهاء في ذلك. «4» و قال الحلبي:

و فرض التمام يختص المسافر في معصية، و المسافر للّعب و النزهة. «5» و قال ابن البراج:

و أمّا السفر القبيح فهو مثل سفر متبع السلطان الجائر مختاراً و من هو باغ أو عاد

أو يسعى في قطع الطريق، و ما أشبه ذلك و من طلب الصيد للّهو و البطر ... و من كان سفره في طلب صيد التجارة لا لقوته و قوت عياله و أهله. «6»

______________________________

(1). المفيد: المقنعة: كتاب الصوم، ص 349.

(2). الطوسي: المبسوط: 1/ 136.

(3). الطوسي: النهاية: 122.

(4). الطوسي: الخلاف: 1/ 588، المسألة 350.

(5). الحلبي: الكافي: 116.

(6). ابن البراج: المهذب: 1/ 106.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 106

و قال ابن إدريس:

أو طلب صيد للّهو و البطر، فإنّ جميع ذلك لا يجوز فيه التقصير لا في الصوم و لا في الصلاة. فأمّا الصيد الذي لقوته و قوت عياله، فإنّه يجب فيه التقصير في الصوم و الصلاة.

فأمّا إن كان الصيد للتجارة دون الحاجة للقوت، روى أصحابنا بأجمعهم انّه يتم الصلاة و يفطر الصوم.

و كلّ سفر أوجب التقصير في الصلاة أوجب التقصير في الصوم، و كلّ سفر أوجب التقصير في الصوم أوجب تقصير الصلاة إلّا هذه المسألة فحسب للإجماع عليها، فصار سفر الصيد على ثلاثة أضرب، و كلّ ضرب منها يخالف الآخر و يباينه.

فصيد اللّهو و البطر، يجب فيه تمام الصلاة و الصوم

؛ و صيد القوت للعيال و النفس، يجب فيه تقصير الصلاة و الصوم، بالعكس من الأوّل؛ و صيد التجارة يجب فيه تمام الصلاة و تقصير الصوم. «1» و قال ابن سعيد:

التقصير في السفر فرض إذا كان طاعة أو مباحاً و الصيد للقوت من ذلك، فإن صاد للتجارة أتم صلاته و قصّر صومه، و يتم العاصي بسفره كاتباع السلطان الجائر لطاعته و الصائد لهواً و بطراً. «2» و قال المحقّق في الشرائع:

لو كان السفر معصية لم يقصر كاتباع الجائر و صيد اللهو، و لو كان الصيد

لقوته و قوت عياله قصر، و لو كان للتجارة قيل يقصر

______________________________

(1). ابن إدريس: السرائر: 1/ 328.

(2). ابن سعيد: الجامع للشرائع: 91.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 107

الصوم دون الصلاة، و فيه تردّد.

«1» حاصل الأقوال:

1. انّه يقصر و يفطر إذا كان لقوته و قوت عياله.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1418 ه ق ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر؛ ص: 107

2. لا يقصر و لا يفطر إذا كان للّهو و البطر.

3. و أمّا إذا كان للتجارة ففيه قولان:

ألف.

يقصر و يفطر و هو الظاهر من المحقّق و ممن اقتصر بإخراج الصيد لغاية اللهو و البطر و لم يذكر الآخرين؛ كالمفيد في المقنعة، و الشيخ في الخلاف، و الحلبي في الكافي، و ابن البراج في المهذب. ب.

يتم الصلاة و يفطر الصوم، و عليه الشيخ في المبسوط و النهاية، و ابن إدريس في السرائر، و ابن سعيد في جامعه، و ما قيل من الملازمة بين الإفطار و القصر، صحيح لكنّه خرج المورد بدليل. و هل السفر للصيد اللهوي و البطري حرام فيكون كلّ الاتمام و الصوم موافقاً للقاعدة، أو السفر مانع، لأنّ مطلق اللهو ليس بحرام إلّا ما استثنى من القمار و المزمار، و ليس الصيد كذلك بحرام بشهادة كونه جائزاً في الوطن، فلا يكون السفر للصيد لأجل اللّهو حراماً فالحكم تعبديّ.

فلندرس الروايات الواردة في المقام لتنقيح الموضوع جليّاً.

______________________________

(1). نجم الدين الحلي، الشرائع: 1/ 102.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 108

أقول:

يقع الكلام في مقامين:
المقام الأوّل: حكم الصلاة و الصوم في الموارد الثلاثة:
اشارة

فنقول:

إنّ الروايات الواردة على طوائف ثلاث:
الطائفة الأُولى: ما يدل على أنّ السفر للصيد لا يوجب القصر:

1. خبر حماد بن عثمان «1» في قوله اللّه عزّ و جلّ: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ)*. «2»

قال:

الباغي: باغي الصيد، و العادي: السارق «3» و المراد من الباغي، أي طالب الصيد، فلا يجوز له أكل الميتة إذا اضطرّ. 2. صحيح عمار بن مروان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سمعته يقول: من سافر قصر و أفطر، إلّا أن يكون رجلًا سفره إلى صيد. «4»

3. ما رواه الصدوق في الخصال، عن أبي الحسن الأوّل، قال: «قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: أربعة يفسدن القلب و يُنبتن النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر: اللهو، و البذاء، و إتيان باب السلطان، و طلب الصيد». «5» و دلالته على عدم جواز القصر، لأجل كونه من مصاديق سفر المعصية فيتم للضابطة.

______________________________

(1). رواه الكليني عن شيخه «الحسين بن محمد»، و هو الحسين بن محمد بن عمران الأشعري الثقة، لكن في السند معلى بن محمد و هو لم يوثق، و أمّا الوشاء في السند، فهو الحسن بن علي بن زياد الوشاء من وجوه الطائفة.

(2). البقرة/ 173.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 8 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2 و 3.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 8 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2 و 3.

(5). المصدر نفسه: الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 109

الطائفة الثانية: ما يدل على عدم الفرق بين سفر الصيد، و غيره:

1. روى الصدوق، عن العيص بن القاسم؛ و الشيخ، عن عبد اللّه بن سنان، انّهما سألا الصادق عليه السَّلام عن الرجل يتصيّد فقال: «إن كان يدور حوله فلا يقصر، و إن كان تجاوز الوقت فليقصر». «1»

و لعلّ الوقت كناية عن الحدّ، فالدائر حول البلد،

لا يقصر، و المتجاوز عنه يقصر.

و قال في الوسائل: «الفرض هنا اشتراط المسافة». 2. صحيح الحسن بن محبوب، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام، و إذا جاوز الثلاثة لزمه». «2»

و التفصيل بين الثلاثة و غيرها محمول على فتوى أبي حنيفة، حيث اشترط قطع مراحل ثلاث في ثلاثة أيّام.

الطائفة الثالثة: الروايات المفصِّلة بين اللهو و غيره

1. ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السَّلام، قال: سألته عمّن يخرج عن أهله بالصقورة و البزاة و الكلاب يتنزّه الليلة و الليلتين و الثلاثة هل يقصر من صلاته أم لا يقصّر؟. قال: «إنّما خرج في لهو لا يقصر». «3»

2. سألته عن الرجل يشيّع أخاه اليوم و اليومين في شهر رمضان، قال: «يفطر و يقصّر، فإنّ ذلك حقّ عليه». «4»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 8.

(2). المصدر نفسه: الحديث 3، 1.

(3). المصدر نفسه: الحديث 3، 1.

(4). المصدر نفسه: الباب 10 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 110

3. موثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن الرجل يخرج إلى الصيد أ يقصّر أو يتم؟ قال: «يتم لأنّه ليس بمسير حق». «1» و المراد بقرينة الرواية السابقة هو اللهو، لأنّ الصيد لطلب القوت ليس على خلاف الحقّ قطعاً.

4. روى الشيخ باسناده، عن أحمد بن محمد، عن عمران بن محمد بن عمران القمي «2»، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: قلت له: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة يقصر أو يتم؟ فقال: «إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و

ليقصر، و إن خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة».

و هل المراد من طلب الفضول، فضول المال، فيعم الصيد للتجارة، أو يراد منه اللهو كناية؟ و على كلّ تقدير،

«3» فلو عمّ التجارة، فقد أعرض عنها الأصحاب في مورد الصوم، لاتّفاقهم على كونه يفطر. و أمّا ما رواه الشيخ، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد السياري، عن بعض أهل العسكر، قال:

خرج عن أبي الحسن عليه السَّلام انّ صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة، فإذا عدل عن الجادة أتم، فإذا رجع إليها قصر. «4» فالسياري ضعيف للغاية، فحديثه ساقط بلا حاجة لتأويله و إن أوّله صاحب الوسائل بوجه بعيد. و على كلّ تقدير فبفضل الطائفة الثالثة، يعالج التعارض بينها بحمل كلّ من الروايات المانعة و المجوزة على موردهما من اللهو، و تحصيل القوت.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

(2). الأشعري، الثقة.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، 6.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، 6.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 111

بقي الكلام في سفر الصيد للتجارة به

: فهناك قولان و لكن الاحتمالات ثلاثة:

1. التقصير و الإفطار، 2. الإتمام و الإفطار، 3. الإتمام في الصلاة و الصيام.

و الظاهر هو الأوّل أي بقاؤه تحت عمومات القصر، و لم يدل دليل قطعي على خروجه عنها، لأنّ ما ورد في الطائفة الثانية عبارة عن العناوين التالية:

أ.

خرج في لهو. ب.

ليس بمسير حق. ج.

خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة. و من المعلوم عدم شمول الأوّلين للصيد من أجل التجارة، و إنّما الكلام في قوله لطلب الفضول فهو بظاهره و إن كان شاملًا للتجارة بأن يكون

المراد طلب الزيادة، و لكن الرواية مرسلة أوّلًاً، و ضعيفة الدلالة ثانياً، حيث قال:

فلا، و لا كرامة؛ و لذلك لا يمكن تخصيصها بمثل هذه الرواية. و أمّا القول الثاني فليس له مصدر سوى ما نقلناه عن الشيخ في المبسوط و ابن إدريس في السرائر حيث قالا:

روى أصحابنا انّه يتم الصلاة و يفطر الصوم مع أنّه غير موجود في جوامعنا الحديثية و هناك احتمالان: الأوّل:

استنباط التفصيل باعتبارات عقلية ممّا بين أيدينا من الروايات. الثاني:

وجود رواية وصلت إليهم و لم تصل إلينا، و قد استقرب الثاني سيد مشايخنا البروجردي لحسن ظنه بالقدماء، و يؤيده ما في فقه الرضا عليه السَّلام قال: و من خرج إلى صيد فعليه التمام إذا كان صيده بطراً و شرهاً، و إذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و التقصير في الصوم، و إذا كان صيده اضطراراً ليعوده على

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 112

عياله، فعليه التقصير في الصلاة و الصوم.

«1» أنّ فقه الرضا ليس كتاباً روائياً، بل هو كتاب فتوى ألّفه عالم خبير بالروايات و جمع فيه لبّ ما جاء فيها بعد تقييد العام بخاصّة، و المطلق بمقيده و هو يكشف عن وجود الرواية، و مع ذلك لا يمكن الاعتماد على مثله لعدم احراز حجّيته.

و أمّا الثالث فهو احتمال، إذ لا قائل في الصلاة و الصيام إذا كان الصيد للتجارة لكنّه ورد في رواية زيد النرسي، و جاء فيها:

و إن كان ممّن يطلبه للتجارة و ليست له حرفة إلّا من طلب الصيد، فإنّ سعيه «2» حقّ و عليه التمام في الصلاة و الصيام، لأنّ ذلك تجارته فهو بمنزلة صاحب الدور الذي يدور الأسواق في طلب التجارة. و الالتزام

بكلّ من القول الثاني و الاحتمال الثالث مشكل، أمّا ما في الفقه الرضوي، فإنّه يخالف الضابطة الواردة في صحيحة معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، قال:

«إذا قصرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت». «3» و أمّا ما في رواية زيد النرسي منقولًا عن أصله فرفع اليد بها عن عمومات التقصير في الصلاة و الصوم مع كون التجارة أمراً مرغوباً أمر مشكل، و الأقوى كون الصيد لطلب التجارة حلالًا تكليفاً، و الصائد يقصر و يفطر.

المقام الثاني: في حكم السفر اللهوي تكليفاً

قد عرفت اتّفاق الروايات و الفتاوى على الإتمام و الصيام في السفر للصيد اللهوي.

______________________________

(1). جامع الأحاديث: 7/ 61، برقم 6091 و 6090.

(2). جامع الأحاديث: 7/ 61، برقم 6091 و 6090.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 17.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 113

إنّما الكلام في كون العمل حلالًا تكليفاً و انّ عدم جواز القصر و الإفطار حكم تعبدي، أو هو فعل محرم و عدم الجواز على وفاق القاعدة لأنّه من أقسام سفر المعصية.

أمّا الفتاوى فلا تظهر القول بالحرمة من القدماء، إلّا ابن البراج

«1» فإنّه جعله من قبيل السفر القبيح كما تقدم، و أمّا الشيخ فقد جعل السفر للصيد اللهوي قسماً لسفر المعصية، قال: فإن كان سفره معصية، أو اتباعاً لسلطان جائر، لم يجز له التقصير، و لذلك (أي كونه سفر معصية) إن كان سفره إلى صيد لهو و بطر لم يجز له التقصير. «2» و أمّا الخلاف، فقد عقد الشيخ فيه مسألتين، خصّص إحداهما بمسألة سفر المعصية، و الأُخرى بسفر الصيد.

«3» و قال ابن إدريس:

و المسافر في طاعة إذا مال إلى الصيد لهواً و بطراً، وجب عليه التمام. «4» و قال ابن

سعيد:

فإن عدل في طريقه إلى صيد لهو و بطر أتمّ. «5» و أوّل من صرّح بالحرمة التكليفية هو المحقّق في الشرائع، و تبعه غيره

؛ إنّما المهم دراسة الأدلّة. و يمكن استظهار الحرمة من رواية حماد بن عثمان، حيث قال في تفسير قوله:

(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ)* «6» الباغي باغي الصيد و العادي السارق،

______________________________

(1). المهذب: 1/ 106.

(2). النهاية: 122.

(3). الطوسي: الخلاف: ج 1، كتاب صلاة المسافر، المسألة 31 و 32.

(4). ابن إدريس: السرائر: 1/ 343.

(5). ابن سعيد: الجامع 1/ 92.

(6). البقرة: 173.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 114

و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، هي عليهما حرام ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصرا الصلاة.

«1» وجه الدلالة، انّه جعله عِدْل السارق.

و أمّا النهي عن أكل الميتة بالنسبة إليهما، فهو راجع إلى بعض الحالات، كما إذا هجم عليهما الجوع، بحيث لو لم يأكلا لزم الحرج الشديد، ففي هذه الحالة لا يجوز لهما أكل الميتة، ما يجوز لسائر المسلمين، و أمّا إذا كان هناك خوف على النفس بالموت جوعاً فهو جائز قطعاً، من غير فرق بين الصائد و السارق و غيرهما.

و يمكن استظهار الحرمة من قوله:

«لأنّه ليس بمسير حق». «2» و قوله: «إنّ التصيّد مسير باطل» «3» و قوله: «أربعة يفسدن القلب و ينبتن النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر: اللهو و البذاء و إتيان باب السلطان و طلب الصيد». «4» فإنّ المراد من الباطل في المقام ليس الباطل الوضعي، لأنّ المفروض انّ الصائد يتملك إذا كان صيده للّهو، فيرجع البطلان إلى العمل و يساوق الحرمة.

نعم الذي يبعد الحرمة هو كثرة الابتلاء بالصيد اللهوي، مع

عدم ورود رواية صريحة على حرمته، و لأجل ذلك فالأحوط تركه.

نعم لا فرق بين صيد البر و البحر، لإطلاق الأدلّة، و ما ورد في رواية زرارة «من الصقورة و البزاة و الكلاب»

«5» لا يدل على الاختصاص بعد إطلاق الأدلّة. كما لا فرق بعد فرض كونه سفراً، بين كونه دائراً حول البلد، و بين ابتعاده عنه، لإطلاق الأدلّة.

كما لا فرق بين استمراره ثلاثة أيام و عدمه.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 8 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4، 7، 9.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4، 7، 9.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4، 7، 9.

(5). الوسائل: الجزء 5، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 115

و ما ورد في خبر أبي بصير لا مجال للعمل به. «1»

الرجوع عن سفر المعصية

إذا كان السفر سفر معصية لا يُقصر فيه الصلاة، فهل الرجوع عنه بحكم الذهاب أو لا، أو فيه تفصيل؟ فهناك صور:

1. إذا رجع عن سفره بعد ارتكاب المعصية و بعد تخلّل إحدى القواطع كالإقامة أو المرور على الموطن أو غيرهما، فلا شكّ انّ الرجوع يكون موضوعاً مستقلًا يتَّبع حكمُه واقعية السفر الثاني من كونه سفراً سائغاً أو غير سائغ و لما كان المفروض انّه سائغ يقصر.

2. إذا تاب بعد ارتكاب المعصية و هو بصدد الرجوع، فالظاهر انّ السفر الثاني موضوع مستقل لا يدخل تحت روايات الباب، كصحيحة عمّار بن مروان من قوله: «أو في معصية اللّه» أو قوله: «لأنّه ليس بمسير حق» أو قوله: «و مسير باطل» خصوصاً إذا

كان الرجوع لأجل تحصيل القوت لنفسه و لعياله، و ذلك لأنّ تخلل التوبة فصل الإياب عن الذهاب موضوعاً، فقد كان عاصياً حين الذهاب و أصبح طائعاً و تائباً حين الإياب.

3. إذا لم يتب من عصيانه عند الإياب فهل يقصر أو لا؟ فيه وجوه:

أ.

انّ الإتمام و القصر يتبعان كون السفر سفر معصية أو طاعة و المفروض انّ الإياب ليس داخلًا في الأوّل و هو يكفي في القصر، لأنّ المقتضي و هو طيّ المسافة موجود، و المانع و هو العصيان مفقود، فيؤثّر المقتضي. ب.

انّ الاياب يعدُّ من توابع الذهاب، فالعرف يعدّ كلًا من الذهاب

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 116

و الإياب سفراً واحداً محكوماً بالحرمة دون جعل فاصل بينهما.

يلاحظ عليه:

أنّ الموضوع ليس هو السفر الواحد حتى يقال بأنّ الإياب جزء من الذهاب بل هو السفر الواحد الذي ينطبق عليه ابتداءً و انتهاءً انّه سفر معصية، و المفروض انّه ينطبق على الذهاب فقط دون الإياب. ج.

التفصيل بين عدِّ الإياب جزءاً من السفر عرفاً أو سفراً مستقلًا و عليه أكثر المعلِّقين على العروة. يلاحظ عليه:

بما ذكرناه من الملاحظة السابقة، فانّ الموضوع عبارة عن السفر الواحد المنطبق عليه عنوان المعصية، و هو غير حاصل في المقام و الدليل عليه انّ الغاية هي السبب لوصف السفر بالعصيان فما دامت الغاية المترتبة عليه غير حاصلة بعدُ يُوصف السفر بالعصيان و الحرمة، فإذا حصلت الغاية و تمّ الأمر فلا يوصف الجزء الآتي بعدَ الغاية بالحرمة و العصيان، لأنّ الغاية المحرمة المترتبة يوجب كون السفر المترتبة عليه الغاية معصية لا الغاية المتحقّقة التي يعقبها سفر آخر. فالأقوى انّ الإياب موضوع

للسفر المباح، فيقصر إذا كان مسافة شرعية.

شرطية إباحة السفر ابتداء و استدامة

اشارة

لا شكّ انّه إذا كان تمام السفر لغاية مباحة، يُقصّر فيه الصلاة، كما انّه إذا كان تمامه لغاية محرّمة يتم فيه الصلاة، إنّما الكلام إذا كان السفر مباحاً ابتداءً فقصد المعصية في الأثناء، أو كان سفره ابتداءً معصية فعدل في الأثناء إلى الطاعة، و قد خصّ السيد الطباطبائي المسألة الثالثة و الثلاثين لبيان حكم هذين الفرعين مع بعض شقوقهما.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 117

و قبل دراسة أحكام بعض الشقوق و أدلّة الباب، نذكر ما هو المحتمل في هاتين الصورتين، و إن كان التصديق الفقهي يتوقف على الإمعان في الأدلّة، فنقول:

فيهما احتمالات ثلاثة: 1. الأخذ بإطلاق أدلّة الترخيص غاية الأمر خرج عنه ما إذا كان المجموع سفراً محرماً، لا بعضه.

2. الأخذ بإطلاق أدلّة الباب، و انّ وزانها بالنسبة إلى الأدلّة المرخصة وزان المخصص أو المقيد، فيكون موضوع أدلّة المرخصة، المسافر غير العاصي بسفره، و السفر الواحد إذا كان بعض أجزائه سفراً محرماً، يصدق عليه انّه عاص بسفره، أو انّ سفره في غير مسير الحق أو مسير الباطل.

3. انّ الحكم من حيث القصر و الإتمام يختلف حسب اختلاف حالات المكلّف من حيث الطاعة و العصيان، ففي السفر الواحد سواء كان على حدّ المسافة الشرعية أو أزيد يُقصِّر في حالة الطاعة، و يتمّ في حالة العصيان، كما هو الحال عند اختلاف حال المكلّف بالنسبة إلى الحضر و السفر، فإن صلّى الظهر في أوّل الوقت في الحضر، أتم و إن سافر بعده، كما انّه إن صلاها في السفر يُقصِّر و إن حضر بعد الصلاة و كان الوقت باقياً.

هذه هي المحتملات قبل دراسة الأدلّة، و إليك تحليل المسألة مع شقوقها

الواردة في العروة بتقديم و تأخير.

و المهمّ في المقام، هو تبيين أنّ المرجع هل هو الأدلّة المرخصة، أو روايات الباب فقط فنقول: إنّ العدول يتصور على وجهين:

الأوّل: لو عدل في الأثناء إلى المعصية
اشارة

لو كان في ابتداء سفره مطيعاً و صار في أثنائه عاصياً، فله صورتان:

الأُولى:

لو سافر بنية سائغة ثمّ عدل إلى المعصية قبل قطع المسافة انقطع

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 118

ترخّصه و وجب عليه الإتمام فيما بعد، و أمّا ما صلاه قصراً قبل العدول، فمقتضى القاعدة هو الصحّة نظير من صلّى و عدل عن السفر قبل قطعها حيث قلنا بأنّه لا تجب إعادتُها، فهنا دعويان:

إحداهما:

أنّه يتم فيما بعد، لأنّ المرجع هو روايات الباب لا الأدلّة المرخصة، لأنّ موردها ما إذا قطع مسافة بنيّة الطاعة، لا ما إذا قطعها ملفقة بنيّتين. ثانيهما:

صحّة ما صلّى قصراً لما عرفتَ أنّ الصحّة مقتضى القاعدة سواء أ كان هناك نصّ أم لا، لأنّه أتى ما أتى، بأمر الشارع و قد انطبق عليه عنوان الفريضة و قام الإجماع على عدم وجوب صلاتين من فريضة واحدة في يوم واحد، تكون النتيجة هي الإجزاء. غاية الأمر النص موجود في المسألة السابقة (عدل عن أصل السفر) دون المقام و هو غير مؤثِّر. ثمّ إنّ المحقّق الخوئي قدَّس سرَّه استشكل على الصحّة و حاصل ما أفاده:

انّ ظاهر الأدلّة كون الموضوع قطع البريدين عن قصد لا مجرّد القصد فقط و إن لم يقطع المسافة و ليس المقام مثل الإقامة التي يكفي فيها مجرّد قصدها، و إن عدل بعد القصد عن الإقامة عشرة أيّام إذا صلّى بعد القصد و قبل العدول رباعية. يلاحظ عليه:

نحن نفترض انّ الموضوع هو قطع المسافة عن قصد، فلا يكفي أحد الجزءين، لكن تجويز

الشارع أداء الصلاة في حدّ الترخص قبل العدول عن القصد يدل بالدلالة الالتزامية على انّه اقتنع في امتثال تكاليفه بما أتى لكونه وافياً بملاك الواجب الواقعي، و إلّا لما أمر. أضف إلى ذلك انّه من المحتمل أن يكون الموضوع لصحّة الصلاة قبل قطع المسافة هو نفس القصد و إن تعقبه العدول، نعم الموضوع بعد القطع هو البريدان عن قصد.

الثانية:

إذا قطع مسافة شرعية بنيّة الطاعة ثمّ عدل إلى قصد المعصية لسفره

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 119

و كان الباقي مسافة شرعية لكن لم يكن سفراً مستقلًا

(كما إذا ابتدأ به بعد المرور على الوطن أو بعد الإقامة عشرة أيام و إلّا فالتمام متعين بلا إشكال) بل كان الباقي استمراراً لما ابتدأ به من السفر بنية سائغة، فهل العدول إلى المعصية يوجب التمام أو لا؟ فيه احتمالات ثلاثة ماضية. و الأقرب إلى الاعتبار هو الإتمام لما علمت انّ التقصير هدية إلهيّة و إرفاق منه سبحانه للمسافر، و هو يناسب المطيعَ في سفره، فإذا كان السفر مختوماً بالشر و العصيان، فالمناسبة المزبورة تقتضي كونه محكوماً بالإتمام، و لا يكفي وجوده (قصد السفر بنيّة الطاعة) الحدوثي، و كفايته في بعض الأحيان كما في مورد الإقامة على ما مرّ لا يكون دليلًا على المقام، نعم هو صحيح في مورد المحدود و السارق و القاتل، و معنى ذلك كون الطاعة شرطاً ابتداء و استدامة. و الحاصل هل المرجع في المقام هو أدلّة الباب، أو الأدلة المرخّصة للتقصير؟ و الظاهر هو الأوّل لأنّ المناسبة بين الموضوع و الحكم تقتضي كون الطاعة شرطاً في الابتداء و الاستدامة.

و الظاهر من الشيخ الأعظم في تعليقته على نجاة العباد، هو التقصير

«1» و

المرجع عنده هو إطلاق الأدلّة المرخّصة الشاملة للمقام، و قد خرج منها ما إذا كان مجموع السفر معصية للّه تبارك و تعالى. توضيحه:

أنّ الأدلّة المرخّصة قبل انضمام روايات الباب (سفر المعصية) مطلقة يعم جميع أقسام السفر سائغه و محرمه، و أمّا روايات الباب، فقد قيدت الموضوع و جعلته أمراً مركباً من قطع الثمانية بشرط أن لا يكون المسير باطلًا، أو

______________________________

(1). قال صاحب الجواهر في نجاة العباد (ص 100): «فلو كان ابتداء سفره طاعة فقصد المعصية في الأثناء انقطع ترخصه و إن كان قد قطع مسافات» و علق عليه الشيخ بقوله: فيه تأمّل مع قطع المسافة الموجبة للقصر.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 120

يكون المسير حقّاً، أو في غير معصية اللّه من دون أن تتصرف في إطلاق الحكم، و كأنّه قال:

«المسافر في سبيل الحقّ أو في غير سبيل الباطل يقصّر». و المفروض تحقّق الموضوع مع قطع الثمانية فراسخ بنيّة سائغة، و عند ذاك يكون محكوماً بالقصر على وجه الإطلاق ما دام مسافراً و إن كان القطع بعدها في غير سبيل الحقّ. و الحاصل انّ روايات الباب لم تتصرف في إطلاق الحكم، و إنّما تصرفت في الموضوع، و المفروض تحقّق الموضوع في الفترة الأُولى و هو كاف في كونه محكوماً بالقصر على وجه الإطلاق ما دام مسافراً. يلاحظ عليه أوّلًا:

أنّ الالتزام بذلك على إطلاقه مشكل، فلو افترضنا انّه قصد مائة فرسخ، و قد قطع ثمانية فراسخ بنيّة الطاعة ثمّ عدل إلى نيّة المعصية، فالالتزام بالقصر في بقية المسافة بعيد جدّاً و هل العاصي بسفره يستحقّ الإرفاق؟! ثانياً:

أنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كونه قيداً لجميع أجزاء السير لا بالمقدار المحصل للموضوع على الوجه الأقل

لكونه ارفاقاً منه سبحانه للطائع لا للعاصي و تصور كونه مطيعاً في فترة من الزمن سبب للارفاق دائماً و إن انقلب إلى ضدّه بعيد عن الأذهان. ثالثاً:

انّ ما ذكره من الوجه، احتمال في مقابل احتمال آخر فكما يحتمل أن يكون قيداً للموضوع يحتمل أن يكون قيداً لإطلاق الحكم، نعم لو قصرت يد الاجتهاد عن الدليل الاجتهادي و لم يعلم كون المرجع هو روايات الباب أو الأدلّة المرخصة، فالمرجع هو الأصل العملي و مقتضاه هو القصر.

تقريب للمحقّق الخوئي

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي قدَّس سرَّه ذكر وجهاً آخر، للقول بالتقصير، و حاصله:

أنّ السفر بنيّة سائغة مقتض للقصر مطلقاً ما لم يتقطع بقاطع مقتض للتمام، و أمّا

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 121

سفر المعصية فهو ليس بمقتض للتمام، فانّه لا يقتضي القصر و ليس هو كالمرور على الوطن المقتضي للتمام، و على ذلك فاللازم العمل بمقتضى القصر ما لم ينقطع بمقتضى التمام.

«1» إنّ الظاهر من الأدلّة، انّ سفر المعصية من قبيل المانع لاقتضاء السفر للقصر، فلو تمّ الإطلاق في ناحية المانع، فلا يكون فرق بين الحدوث و البقاء، لا أقول إنّ سفر المعصية مقتض للتمام و إنّما هو مانع عن تأثير المقتضي للقصر، فالمرجع بعد ممنوعية المقتضي للقصر، هو أدلّة التمام فإنّه الأصل في الصلاة، و غيره يحتاج إلى الدليل.

***

الثاني: لو عدل في الأثناء إلى الطاعة

هذا هو الفرع الثاني الذي عقدت المسألة لبيانه و حاصله:

أنّه لو سافر بنية المعصية فعدل عنها في الأثناء إلى الطاعة، فإن كان الباقي مسافة فلا إشكال في القصر سواء كانت المسافة امتدادية أو تلفيقية، و سواء كان الذهاب أربعة أو أقل على ما مرّ. إنّما الكلام في مورد آخر و هو ما إذا لم يكن الباقي مسافة امتدادية و لا تلفيقية، فقد أفتى السيد الطباطبائي بالقصر و إن احتاط بالجمع بين القصر و التمام احتياطاً استحبابياً.

وجهه ما ذكره بقوله:

فإنّ المدار على حال العصيان و الطاعة، فما دام عاصياً يُتمّ، و ما دام مطيعاً يقصر من غير نظر إلى كون البقية مسافة أو لا.

______________________________

(1). مستند العروة: 8/ 128.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 122

توضيحه:

أنّ أدلّة الترخيص لها إطلاق إفرادي و إطلاق أحوالي، فما دلّ على الإتمام في سفر المعصية أخرجه

عن تحت الإطلاق الأحوالي لا عن الإطلاق الافرادي، فعلى ذلك فالعاصي في سفره في الابتداء لم يخرج عن تحت عمومات القصر خروجاً موضوعياً، و إنّما خرج عن إطلاقه الأحوالي فقط بمعنى انّ المسافر في حال الطاعة يقصر و في حال العصيان يتم، فإذا كان كذلك فالمسافر بنية العصيان لم يخرج موضوعياً و إنّما خرج أحوالياً، فإذا زال العصيان و عادت الطاعة يشمله الدليل موضوعياً و أحوالياً. و إن شئت قلت:

إنّ الموضوع حَسَبَ الأدلّة هو من قصد الثمانية سواء كان بنية الطاعة أو بنية العصيان، و هذا هو مقتضى الإطلاق الأحوالي. ثمّ إنّ أدلّة الباب خصصت الأدلّة المرخصة في جانب الإطلاق الأحوالي من دون أن تمس كرامة الموضوع فمن كان في ابتداء سفره عاصياً فقد بقي تحت الأدلّة المرخصة و إنّما خرج عن تحت إطلاقه الأحوالي، أعني قولنا:

سواء كان بنية الطاعة أو بنية العصيان، فما دام كونه عاصياً لا يشمله إطلاق الحكم و إن كان باقياً تحت الموضوع، فإذا عاد إلى الطاعة يشمله الدليل المرخص موضوعاً و حكماً. يلاحظ عليه:

أنّ هذه الفروض، فروض ذهنية لا يمكن الاعتماد عليها و الشاهد عليه انّه اسْتُظهِر «1» في مسألة واحدة تارة انّ إباحة السفر مأخوذ في الموضوع و قيد له، و أُخرى انّه قيد للحكم و تقييد لإطلاقه غير مأخوذ في الموضوع. ففي الصورة الأُولى، أعني:

ما إذا كان في ابتداء سفره مطيعاً و قد قطع ثمانية فراسخ بها ثمّ عاد إلى العصيان، جعل الشيخ الأعظم نيّة الإباحة قيداً للموضوع، و لأجل ذلك حكم بالقصر في حالة العصيان احتجاجاً بتحقّق الموضوع في فترة

______________________________

(1). و إن كان المستظهر شخصين، فالاستظهار لمن حاول المستظهر من دعم نظرية الشيخ في الفرع السابق

و المستظهر الثاني هو السيّد الطباطبائي في هذا الفرع.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 123

خاصة، و هو يكفي في بقاء الحكم حتى في حالة العصيان.

و في الصورة الثانية، أي فيما إذا كان عاصياً في ابتداء السفر و مطيعاً في منتهاه، و كان المجموع بمقدار المسافة جعل السيد الطباطبائي نية الإباحة قيداً للحكم و مقيداً لإطلاقه لا قيداً للموضوع من دون أن يخرج العاصي في ابتداء السفر عن تحت الأدلّة المرخّصة، و إنّما خرج عن تحت إطلاق الحكم، فبما انّ العاصي في أوّل سفره و المطيع في آخره باق تحت الأدلّة المرخّصة، فما دام عاصياً يتم، و إذا عدل إلى الطاعة يقصر.

كلّ ذلك يعرب عن أنّ تلك الاستظهارات لا تعتمد على أصل صالح للاحتجاج، و إنّما هي ذوقيات فوق مستوى الأفهام العرفية، فالذي يمكن أن يقال انّ مناسبة الحكم و الموضوع و مقتضى انّه هدية إلهية انّ نيّة الإباحة قيد لجميع أجزاء السفر الواحد.

و بما انّ قسماً منه كان بنيّة المعصية لا تشمله الأدلّة المرخّصة و لو قصرت يد الاجتهاد عن الدليل الاجتهادي فمقتضى الأصل العملي هو التمام.

مسألة: لو كانت غاية السفر ملفقة من الطاعة و المعصية

لو كانت غاية السفر ملفقة من الطاعة و المعصية فلها صور:

1. أن يكون كلّ من الداعيين مستقلين بحيث لو فُقد أحدهما كفى الآخر في البعث.

2. أن يكون داعي المعصية مستقلًا بلا حاجة إلى ضميمة بخلاف داعي الطاعة.

3. أن يكون داعي الطاعة مستقلًا بلا حاجة في بعثه إلى ضميمة

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 124

بخلاف داعي المعصية.

4. أن يكون كلّ منهما جزءاً للباعث بحيث لو لم يكن الآخر لما حصل الانبعاث.

لا إشكال في وجوب الإتمام في الصورة الأُولى و الثانية، لأنّ المسير عندئذ ليس

بمسير حق، و إنّما هو مسير باطل و سفر معصية.

و ربما يحتمل أنّ المستفاد من الأدلّة:

انّ السفر الذي يجب فيه التمام هو السفر الذي يتحقّق بداعي المعصية محضاً، ففي الصورة الأُولى يجب القصر لعدم تحقّق السفر بداعيه لأنّه مستند إلى الداعيين و إن كان كلّ واحد كافياً في البعث إلّا انّه لما اجتمعا يكون السفر مستنداً إلى كليهما. «1» يلاحظ عليه:

انّ ما ذكره مجرّد احتمال و ليس عليه دليل في الروايات و إنّما الميزان كون السفر، سفر معصية و المسير باطلًا أو على خلاف الحقّ، و هذه العناوين صادقة على مثل هذا السفر. أمّا الثالثة أعني:

إذا كان قصد المعصية تبعاً بحيث لم يكن له أثر في ايجاد الداعي إلى السفر في نفس المسافر، فالظاهر انّ التكليف هو القصر لعدم صدق عنوان «سفر المعصية»، فليس السفر بنفسه و لا بغايته محرماً. و إن شئت قلت:

إذا كان أحد الداعيين شديداً و الآخر ضعيفاً، فالسفر في نظر العرف يستند إلى الداعي القوي و إن كان للضعيف أيضاً تأثير بحسب الدقة العقلية، و لأجل ذلك يكون الحكم في الصورة الثالثة على خلاف الصورة الثانية. فالعرف يُسند السفر في الثانية إلى قصد المعصية و في الثالثة إلى قصد الطاعة. ثمّ إنّ المحقّق الخوئي قد مثل لهذا القسم بما يقع في سفر المسافر من باب

______________________________

(1). الحائري: الصلاة: 417.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 125

الصدفة و الاتفاق كالكذب و السبِّ و الغيبة و النميمة و شرب الخمر و نحوها ممّا يقع في الطريق أو المقصد.

«1» و الظاهر خروج هذا النوع من المعاصي الصادرة في أثناء السفر من دون أن تكون مقصودة في بدء السفر و داعية إليه، بل المراد

هو الداعي الموجود في نفس المسافر عند الحركة و لكن داعياً ضعيفاً بحيث لا تأثير له لا في حال الوحدة و لا في حال الجمع إلّا بالدقة العقلية و أمّا ما يتّفق في أثناء السفر أو المقصد من المحرمات غير المقصودة عند انشاء السفر، و المقصودة عند الفعل، فهو خارج عن محلّ النزاع، إلّا أن يكون داعياً من بدء الأمر و هو نادر فيما مثل به.

و أمّا الرابعة:

و هو ما إذا كانت كلّ من الغايتين غير صالحتين للبعث و إنّما يتأتى البعث من كليهما معاً، ففيه وجهان: أ.

القصر لأنّ القدر المتيقن من أدلّة الباب ما إذا كان داعي المعصية صالحاً للبعث بالاستقلال و هو ليس كذلك، لأنّ المفروض انّ كلًا من الداعيين لا يوجب البعث إلى المطلوب حلالًا كان أو حراماً. ب.

الإتمام و ذلك لأنّ المراد من سفر المعصية ما يكون للحرام فيه دخل و المفروض انّ له سهماً من التأثير. و الحقّ أن يقال إذا كان الملاك هو صدق سفر المعصية فهو يقصر، و إن كان الملاك كون السفر على مسير الحقّ أو على عدم مسير الباطل، فالظاهر انّه من مصاديق المسير الباطل.

و إن شئت قلت:

إنّ كون المسير باطلًا و غير مرضي لا يتوقف على أن يكون الداعي إليه الغاية المحرمة محضاً بل قد يكون السير باطلًا مع عدم قصد غاية

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 135.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 126

محرمة أصلًا كما إذا علم انّه إذا سافر و مشى إلى محل خاص يضطر إلى ارتكاب الحرام، و عليه فهذا المسير باطل و إن لم يكن بداعي الحرام.

***

مسألة: إذا شكّ في كون السفر معصية أو لا؟

إذا شكّ في كون السفر معصية أو لا؟

فإن كانت الشبهة حكمية، فاللازم

هو الفحص و النظر في الأدلّة هذا إذا كان مجتهداً، و أمّا المقلّد فيرجع إلى مقلَّده أو يعمل بالاحتياط.

و أمّا إذا كانت موضوعية، فالمرجع أصالة الحل إلّا أن يكون هناك أصل موضوعي ينقح موضوع الدليل الاجتهادي الدال على الحرمة، كما إذا استأذن العبدُ المولى في السفر أو الزوجة من الزوج، فلم يأذنا، ثمّ شكّ في بقاء المنع، فاستصحاب عدم الإذن ينقح الموضوع للدليل الاجتهادي الدال على حرمة سفر العبد و الزوجة بلا إذن المولى و الزوج.

مسألة: ما هو المدار في حلية السفر و حرمته؟

اشارة

ما هو المدار في وصف السفر بالحلية و الحرمة، فهل المدار هو الواقع أو ما يقابله؟

ثمّ إنّ ما يقابل الواقع إمّا الاعتقاد بالخلاف

(القطع المخالف للواقع) أو الأصل العملي المخالف فيقع الكلام في مقامين: الأوّل:

ما هو المدار في الوصف بالحلية و الحرمة، هل الواقع أو الاعتقاد المخالف للواقع؟ و تظهر الثمرة في الموردين التاليين:

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 127

أ.

لو سافر لقتل إنسان معتقداً بأنّه محقون الدم فأتم صلاته فبانَ كونه مهدور الدم، فلو كان المدار هو الواقع، وجبت عليه إعادة صلاته لانّه لم يكن سفر معصية في الواقع، فكان واجبُه هو القصر و قد أتم، و لو لم يصل و فاتته، يقضيها قصراً و هذا بخلاف ما لو كان الميزان هو الاعتقاد، فلا يُعيد ما صلّاها تماماً و يقضي ما فات تماماً، لا قصراً، لافتراض كونه معتقداً بكونه حراماً و انّ وظيفة مثله هي التمام داخل الوقت و خارجه، و بما انّه كان في الواقع سفر حلال و إنّما اعتقد حرمته يعدُّ عمله تجرياً فلو قلنا بعدم حرمته، تظهر الثمرة بين القولين كما بيناها. و أمّا لو قلنا بحرمة التجرّي و أنّ من اعتقد كونَ فعل

حراماً و لم يكن في الواقع محكوماً بالحرمة، يكون الفعل و الحال هذه محكوماً بالحرمة، فلا يظهر أثر بين القولين:

الواقع و الاعتقاد، لأنّ التجري موضوع و حكمه الواقعي هو الحرمة، فيكون السفر حراماً واقعاً. و بما أنّ التجري على القول بقبحه يشارك المعصية في استحقاق العقاب، لا في سريان الحرمة إلى المتجرى به، تترتب على القولين ثمرة.

ب.

ينعكس الحكم في عكس الصورة، فإذا اعتقد انّ رجلًا مهدور الدم و سافر لقتله فقصر و بان انّه محقونه، فلو كان الميزان هو الواقع، يعيد ما صلّاها قصراً، تماماً، و لو لم يصلّ حتى خرج الوقت يقضيها تماماً، بخلاف ما لو كان الميزان هو الاعتقاد، فلا يعيد ما صلاها قصراً، و أمّا القضاء، فيقضي ما فات، قصراً، و لا موضوع للتجري لأنّه تحرك وفق علمه و قطعه هذا إذا كان مقابل الواقع هو الاعتقاد، و أمّا إذا كان مقابله هو الأصل العملي، فإليك بيانه في المورد الثاني. الثاني:

إذا كان مقتضى الأصل مخالفاً للواقع فهل المدار في الوصف هو الواقع أو مقتضى الأصل كما إذا كان مقتضى الأصل العملي الحرمة و كان الواقع

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 128

خلافه، مثل ما إذا كانت الزوجة ممنوعة السفر من جانب زوجها فترة لكنّه عدل عن المنع من دون اعلام لها، فسافرت و معها استصحاب المنع، فهل المدار هو الواقع أو مقتضى الأصل؟

فلو كان المقياس هو الواقع صحّت صلاتها قصراً لا تماماً، و لو كان المقياس هو الأصل فبما انّ مقتضى الاستصحاب بقاء منع الزوج، صحّت صلاتها تماماً لا قصراً، و منه يعلم حال من سافر لقتل إنسان

فلنرجع إلى الكلام في المقامين
: الأوّل: هل المدار الواقع أو الاعتقاد؟

فربما يقال انّ المدار هو الاعتقاد لا الواقع، لأنّ الموضوع للحرمة

في رواية عمّار بن مروان هو «أو في معصية اللّه» و من المعلوم انّ مخالفة الواقع بما هو هو، لا يُضفي على الفعل وصفَ العصيان ما لم يتنجز بالعلم، و التنجز فرع العلم بالحرمة، فيكون هو المدار، لا الواقع.

يلاحظ عليه:

أنّ هذا الشرط كسائر الشرائط من كون المسافة بريدين من الشرائط الواقعية. نعم ماهية الشرط على وجه يتوقف تنجزه على المكلّف على العلم، و على ذلك يكون الشرط هو الواقع المنجز فلا يكفي وجوده الواقعي من دون تنجزه على المكلّف، كما لا يكفي مجرّد الاعتقاد، و هذا بخلاف البريدين، فإنّه شرط تكويني لا دخل للعلم و الجهل فيه. و على ذلك يأتي التفصيل الآتي:

أ.

إذا اعتقد حرمة الشي ء أو حلّيته، و كان الواقع وِفْقَ اعتقاده. فيتم في الأوّل، و يقصر في الثاني. ب.

إذا كان السفر حراماً في الواقع، و لكنّه اعتقد حليته يقصر صلاته

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 129

و يفطر صومه، و ذلك لأنّ الأدلّة المرخصة تعمّ ذلك المورد، و أمّا روايات الباب فبما انّ الواقع لم يكن منجزاً عليه فيبقى المورد تحت العمومات المرخِّصة فلا يتصف السفر بالباطل أو بكونه في معصية اللّه أو انّه على مسير غير الحقّ.

ج.

إذا كان السفر حلالًا في الواقع و اعتقد حرمته كما لو سافر لقتل شخص بتخيل انّه محقون الدم فبان كونه مهدور الدم، فيقصر صلاته و يفطر صومه (إذا لم نقل بحرمة التجري و انّه معصية بالعنوان الثانوي)، لأنّ الأدلّة المرخصة شاملة لهذا المورد و روايات الباب غير منطبقة عليه، لأنّه ليس في الواقع تحريم حتى يتنجّز عليه. فالإتمام و الصيام مختصان بصورة واحدة، و هو ما إذا كان سفره حراماً في الواقع و كان

المكلّف عالماً به، و أمّا إذا كان حراماً في الواقع من دون علم فالواقع غير منجز لعدم العلم، كما انّه إذا كان حلالًا في الواقع و اعتقد حرمته، فليس هناك حرمة حتى يتنجز.

هذا كلّه حول المقام الأوّل.

المقام الثاني: هل المدار هو الواقع أو الأمارة الشرعية و الأُصول العملية؟

و في هذا تأتي الصور السابقة.

1. إذا كان السفر حراماً في الواقع و قامت الأمارة و الأصل على وفق الواقع، يتم و يصوم.

2. إذا كان السفر حراماً في الواقع، و قامت الأمارة أو الأصل على حلّيته، يُقصر و يفطر لعدم تنجز الواقع بالجهل به و إن كان مستنداً إلى الأمارة و الأصل

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 130

العملي، فتشمله الروايات المرخصة، دون روايات الباب.

3. إذا كان السفر حلالًا في الواقع و قامت الأمارة و الأصل على حرمته، فهل المدار على الواقع، أو على الأمارة و الأصل فقد عرفت انّ المدار في مثل هذه الصورة من المقام الثاني على الواقع، إذ لا أمر شرعي في مورد العلم المخالف للواقع حتى يكون امتثاله موجباً للإجزاء، و أمّا المقام فيمكن أن يقال انّ المدار على الأمارة و الأُصول فلو تحرك على وفقهما يجزي ما دام الموضوع (أي الجهل بالواقع) موجوداً، فلو صلّى تماماً أو صام يصحّ دون ما قصر و أفطر، نعم لو لم يصل حتى انكشف الواقع يقضيها قصراً.

فإن قلت:

إنّ الحكم الظاهري المنكشف خلافه لا يغير الواقع، و لا يوجب قلبه عمّا هو عليه، هو سفر حقّ و إن جهل به المسافر. قلت:

الحكم بصحّة صلاته إذا صلّى تماماً أو صام، ليس لأجل كون الأمارة أو الأصل المخالف للواقع يغيّر الواقع، بل لأجل الملازمة بين الأمر بالأمارة أو الأصل، و الاكتفاء في امتثال الأوامر بما أدّى إليه لكونه

وافياً بالمصلحة الواقعية.***

مسألة: إذا كانت الغاية في أثناء الطريق

إذا كانت الغاية المحرمة في أثناء الطريق لكن كان السفر إليها مستلزماً لقطع مقدار آخر من المسافة، فقد أفتى السيد الطباطبائي بالتفصيل بينما إذا كان بين السفرين استلزام، فيُعدّ المجموع سفر معصية و ما لم يكن ملازمة، فلا يكون جزءاً له.

مثلًا إذا كانت محطة القطار التي ينزل فيها الركاب أبعد بميل من الغاية المحرمة التي يرتكب فيها المعصية، فعليه بعد النزول في المحطة، الرجوعُ إلى الغاية

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 131

بالسيارة، فلا شكّ انّ المجموع يعد سفراً واحداً و جزء منه، بل مقدمة للغاية المحرّمة.

و هذا بخلاف ما إذا لم يكن السفر الثاني ملازماً للسفر الأوّل عقلًا، لكن يتبعه سفر آخر عادة، كما إذا سافر إلى نقطة خاصة لعمل محرم، و لكن العادة جرت انّ من سافر إليها، ربما يسافر إلى مصايفها للتنزّه و التفرج، و من المعلوم انّ السفر الثاني، سفر مستقل، لا يعدّ جزءاً من السفر الأوّل.

السفر بقصد التنزه ليس بحرام و لا يوجب التمام

إنّ إطلاقات الأدلّة المرخصة تعم السفر السائغ و الحرام، خرج عنه الثاني و بقى السائغ بعامة أقسامه، و السفر لغاية التنزه، سفر لغاية محلّلة.

قال علي عليه السَّلام: للمؤمن ثلاث ساعات: فساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يرُمُّ معاشَه، وساعة يخلِّي بين نفسه و بين لَذَّتها. «1» و المسألة مورد اتّفاق.

إذا نذر إتمام الصلاة في يوم

قال السيد الطباطبائي:

إذا نذر أن يتمّ الصلاة في يوم معين أو يصوم يوماً معيّناً وجب عليه الإقامة، و لو سافر، وجب عليه القصر على ما مرّ من أنّ السفر المستلزم لترك واجب لا يوجب التمام إلّا إذا كان بقصد التوصل إلى ترك الواجب، و الأحوط الجمع. أقول:

يقع الكلام في أُمور: 1. هل يصحّ النذر المذكور أو لا؟

______________________________

(1). نهج البلاغة: قسم الحكم، رقم 390.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 132

2. إذا فرضنا صحّة النذر، هل تجب الإقامة أو لا؟

3. إذا سافر فهل السفر، سفرُ معصية ليكون المرجع روايات الباب، أو ليس بسفر معصية، ليكون المرجع الأدلّة المرخِّصة، أو سفر معصية و لكن المرجع هو الأدلّة المرخصة أيضاً كما سيوافيك بيانه.

4. و على جميع التقادير، هل ورد نصّ على خلاف القواعد أو لا؟

و إليك البيان:

أمّا الأوّل:

فصحّة نذر التمام غير واضح لعدم وجود رجحان في التمام على القصر إذ كلاهما صلاتان تامتان، نعم يصحّ نذر الصوم في مقابل الإفطار، ففيه الرجحان على مقابله. أمّا الثاني:

فلو قلنا بوجوب المقدمة، تجب الاقامة إذا كان غير حاضر في البلد، و قد حُقِّق في محلِّه عدم وجوبها وجوباً شرعياً بل الوجوب عقلي. أمّا الثالث:

فيمكن تقريب حرمة السفر بوجوه: أ.

إنّ السفر حرام لكونه مقدمة لترك الواجب أي التمام و الصيام، و ترك الواجب حرام فتكون مقدمته حراماً أيضاً. يلاحظ عليه:

أنّ منصرف روايات

الباب كون السفر حراماً نفسيّاً لا مقدمياً. ب.

انّ السفر حرام، لأنّ نذر التمام ينحلّ إلى نذرين: نذر التمام و نذر ترك السفر، فإذا كان تركه واجباً يكون فعله حراماً نفسيّاً. يلاحظ عليه:

أنّ الناذر ربما يكون غافلًا عن النذر الثاني، أضف إلى ذلك انّ النذر يتوقف على الانشاء و لا يكفي الملازمة العقلية و الشاهد عليه، عدم تعدد الكفّارة لو خالف و سافر.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 133

ج.

السفر حرام لا لكونه مقدمة للحرام (ترك الواجب) بل لوجود التضاد بينه و بين الواجب، نظير السفر مع مطالبة الديّان، و امكان الأداء في الحضر دون السفر، فعند ذلك يأتي في التفصيل الماضي في المسألة السابعة و العشرين و هو انّ الاستلزام إنّما يكون سبباً لحرمة الملازمة إذ أتى به لغاية التوصل إلى ترك الواجب فيكون نفسُ السفر حراماً لكون الغاية محرمة دون ما لم يكن لتلك الغاية. فإن قلت:

ما ذكر من التفصيل يختصّ إذا كان بين السفر و الواجب، تضاد ذاتي، كما في مورد السفر و أداء الدين، لا في المقام إذ ليس هنا تضاد بين السفر، و التمام إلّا كون ترك السفر مقدمة للواجب و قد حقّقنا في الأُصول بأنّها غير واجبة. قلت:

إن أُريد من نفي التضاد، هو التضاد التكويني فمسلّم، و إن أُريد الأعم منه و من التشريعي فالتضاد بين السفر و التمام متحقق، و هو كاف في صيرورة السفر، سفرَ معصية إذا سافر، لغاية ترك الواجب، و هذا الوجه هو المتعين، و قد اعتمد عليه السيد الطباطبائي قدَّس سرَّه. و مع الاعتراف بحرمة السفر إذا كان لغاية الفرار عن الواجب، لكن شمول روايات الباب لهذا المورد غير واضح، بل المقام داخل تحت

الأدلّة المرخَّصة، و ذلك لانّه يلزم من شمول روايات الباب للمقام، عدم شمولها و من الحكم بالاتمام، عدم كونه عاصياً الملازم لارتفاع حكم الإتمام، و ذلك لانّا لو قلنا بأنّ السفر، سفر معصية و لو للفرار عن الواجب، فلو حكم بالقصر فلا يتوجه أيّ إشكال غاية الأمر يلزم ورود تخصيص على روايات الباب، أي يتم العاصي بسفره إلّا هذا المورد.

و أمّا لو حكمنا عليه بالإتمام يترتب عليه:

انّه بالإتمام يكون وافياً بنذره، فيخرج عن كونه عاصياً مع أنّه فرض عاصياً، و مع خروجه عن كونه عاصياً، ينتفي الحكم بالإتمام، فهذا هو الذي دعانا،

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 134

للتفريق بين العصيان و الإتمام، و قلنا انّه يعصي بسفره، و لكنّه يقصر هذا كلّه حسب القواعد.

هذا و لكن الظاهر من النصوص عدم وجوب الإقامة عند نذر الصوم و تُعْطَف عليه الصلاة و انّ الصوم المنذور ليس بآكد من شهر رمضان، حيث إنّه لا تجب الاقامة بل من شَهِدَ الشهرَ يصوم، دون من لم يشهد.

روى عبد اللّه بن جندب، قال:

سمعت من زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام انّه سأله عن رجل جعل على نفسه نذر صوم يصوم فمضى فيه فحضرته نية في زيارة أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «1» «يخرج و لا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك». و روى القاسم بن أبي القاسم الصيقل قال:

كتبت إليه: يا سيدي رجل نذر أن يصوم كلّ يوم جمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يومَ عيد فطر أو أضحى أو أيّام تشريق، أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه، أو كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب إليه: «قد وضع اللّه عنك الصيام

في هذه الأيّام كلّها، و يصوم يوماً بَدَل يوم إن شاء اللّه تعالى». «2»***

في قصد الغاية المحرمة في خارج الجادة

إذا سافر لغرض مباح في المقصد، و لكنّه يقصد أيضاً الغاية المحرمة في حاشية الجادة كالسرقة من بستان، و نحوها فله صورتان:

الأُولى:

أن يكون له من بدء السفر غرضان أحدهما في المقصد و الآخر في أثناء السفر.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 5؛ و لاحظ روايات الباب.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2؛ و لاحظ روايات الباب.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 135

الثانية:

أن يعرض له قصد ذلك في الأثناء و إنّما خرج عن البلد، لغاية مباحة. أمّا الأُولى:

فلا شكّ انّه يُتم، لما عرفت من أنّ الغاية الملفقة من الطاعة و العصيان، يوجب كونَ السفر سيراً في غير طريق الحقّ، فلو قام بما قصد، ثمّ رجع إلى الجادة يكون منشأ للسفر الجديد فلا يقصر إلّا أن يكون الباقي على حدّ المسافة و لو ملفّقة، لما عرفت من انّ من حكم عليه بالتمام، لا يحكم عليه بالقصر إلّا بانشاء السفر الشرعي. و أمّا الثانية:

فلو كان خروجه عن الجادة قليلًا بحيث لا يعدُّ جزء للسفر، كأن يدخل البستان الواقع على حاشية الجادة و يتصرف فيه عدواناً، و يخرج فيقصر لكون السفر سفراً مباحاً و لا يضرّ الخروج القليل المحرّم لوحدتها. و لو خرج عن الجادة و سار مسافة كثيرة و عدّ سيره حاشيتها جزءاً من سفره، فيقع الكلام في حكم صلاته ما دام خارجاً عن الجادة ذهاباً و إياباً، و في حكمها بعد الرجوع إلى الجادة إلى وصول المقصد.

أمّا حكم صلاته في خارج الجادة فإن كان ما قطعه بنية

سائغة أقلَّ من المسافة الشرعية فيتمُّ في الحاشية قطعاً و أمّا إذا كان ما قطعه مسافة شرعية ثمّ عدل إلى النيّة الجديدة فقد عرفت انّ الشيخ الأعظم تأمّل في الحكم بالتمام في حاشيته على نجاة العباد، بتصور أنّه تحقّق الموضوع الشرعي، بسير ثمانية فراسخ سائغة و صار المسافر محكوماً بالقصر مطلقاً و إن رجع بعده إلى المعصية، و بعبارة انّ الطاعة قيد للموضوع لا للحكم و المفروض انّه قد تحقّق و لحوق السير بنيّة العصيان به لا يضرّ تحقّقه المقتضي للحكم بالقصر مطلقاً سار على نيّة الطاعة أم على نيّة العصيان، نعم لو كان القيد، قيد للحكم، يجب عليه التمام.

يلاحظ عليه:

الظاهر انّه قيد للسير سواء كان على حدّ المسافة أو أوسع

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 136

منها، و ذلك لأنّه هدية للمطيع بسيره لا للعاصي به، فلازم ذلك كونه معتبراً ابتداء و استدامة فالأشبه هو ما في العروة من قوله:

«فما دام خارجاً عن الجادة يتم». و أمّا صلاته بعد ما رجع إلى الجادة فبما انّه حصل الانقطاع بين السفرين فإن كان الباقي مسافة يقصر فيها، و أمّا إذا لم يكن فهل يكفي ضمّ ما قبل العصيان إلى ما بعده؟ التحقيق لا، لما عرفت من انصراف الأدلّة المرخصة إلى ما لم يتخلل بينهما سير بلا قصد أو سير مع قصد العصيان فمعه يكون السير الثاني موضوعاً جديداً لا يقصر فيه إلّا إذا كان على حدّ المسافة و لو ملفقاً.

و بالجملة من حكم عليه بالتمام لا ينقلب إلى القصر ما لم يقصد مسافة جديدة.***

في قصد الغاية المحلّلة في أثناء الجادّة

هذا كلّه إذا عرض له قصد العصيان في الأثناء، و أمّا لو انعكس بأن كان سفره من بدء الأمر لغاية

محرمة ثمّ خرج عن الجادة و قطع مسافة لغرض صحيح، فما هو حكم صلاته عند الخروج عن الجادة ذهاباً و إياباً؟

أمّا ذهاباً فقد أفتى السيد الطباطبائي بأنّه يقصر ما دام خارجاً مطلقاً بلغ الذهاب حدّ المسافة أو لا، أمّا الأوّل فواضح، و أمّا الثاني فالأقوى فيه التمام لأنّه موضوع مستقل و المفروض كونه أقلّ من المسافة الشرعية.

***

حكم الصلاة في المقصد بعد العصيان

إذا قصد الغاية المحرمة و وصل إلى المقصد، فيقع الكلام في حكم صلاته قبل الارتكاب و بعده ما دام في المقصد و حكم صلاته عند الرجوع.

لا كلام في أنّه

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 137

يتم في الأوّل، و يقصر في الثالث إذا قلنا بأنّ الرجوع سفر مستقل لا صلة له بالسفر السابق كما مرّ إنّما الكلام في الثاني، فقال السيد الطباطبائي:

حاله حال العود عن سفر المعصية في أنّه لو تاب يقصر، و لو لم يتب يمكن القول بوجوب التمام بعدّ المجموع سفراً واحداً و الأحوط الجمع هنا، و إن قلنا بوجوب القصر في العود بدعوى عدم عدّه مسافراً قبل أن يشرع في العود. الظاهر انّ المقام داخل تحت الضابطة الكلية في أنّ كلّ من حكم عليه بالتمام، لا يقصر ما لم ينشأ للسفر و المقام كذلك مضافاً إلى عدّه من جزء السفر.

***

إذا قطع بعض أجزاء المسافة بنيّة محرّمة

إذا كان السفر لغاية محللة، لكن عرض في أثناء الطريق قطع مقدار من المسافة لغرض محرم منضماً إلى الغرض الأوّل.

الفرق بين هذه المسألة و المسألة المتقدّمة واضح، فإن قطع مقدار من حاشية الجادة بنية العصيان كان خارجاً عن المسافة الامتدادية، و لم يكن جزء منها، بخلاف المقام، فإنّ المفروض قطع جزء من المسافة الامتدادية بنية محرمة و أمّا حكم هذا المقدار الذي يقطعه المسافر بغايتين فقد عرفت لزوم الإتمام في جميع الصور، إلّا إذا كان العصيان تبعاً محضاً و بذلك يعلم عدم الوجه للاحتياط فيما إذا لم يكن الباقي مسافة كما في العروة، إذ لا خصوصية لكون الباقي مسافة أو عدم مسافة.

نعم إنّما ينفع الاحتياط في نفس المسافة الباقية غير البالغة حدّ المسافة، فانّه على القول بضمها إلى القطعة

السابقة، فالأقوى القصر إن كان مسافة، و الأحوط الجمع إذا لم تكن بنفسها مسافة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 138

إذا قصد العاصي الصوم ثمّ عدل إلى الطاعة

إذا كان السفر في الابتداء سفر معصية و قصد الصوم ثمّ عدل في الأثناء إلى الطاعة فله صورتان:

1. أن يكون العدول قبلَ الزوال.

2. أن يكون العدول بعد الزوال.

و المسألة غير منصوصة فلا بدّ من استنباط حكمها من إدخالها تحت أحد العناوين المنصوص حكمها، و الذي يمكن أن يقال:

هو انّ الأُولى كالخروج من البلد بنيّة سائغة قبل الزوال فيفطر. و الثانية كالخروج من البلد بنيّة سائغة بعد الزوال فلا يفطر.

هذه هي روح المسألة و دليلها و إليك الشرح:

أمّا الأُولى:

فقال السيد الطباطبائي: وجب الإفطار، لما حقّق في محلّه من لزوم الإفطار لمن سافر بنيّة سائغة قبل الزوال. و ما ذكره صحيح بشرط أن يكون الباقي مسافة و لو ملفقة و إنّما لم يقيد لأنّه جعل الطاعة من قيود الحكم لا الموضوع، و المفروض تحقّق الموضوع حتى في صورة العصيان، و إنّما منع من شمول الحكم فقدان قيده، فإذا ارتفع المانع يشمله الحكم فلا يشترط كون الباقي مسافة، و لكنّك عرفت انّ الإباحة قيد لاجزاء السير جميعاً و هو غير متحقّق، فلا محيص في الحكم بالافطار من كون الباقي مسافة شرعية.

و أمّا الثانية:

ففيها وجهان مبنيان على شمول النصّ لمثل المقام أو لا. ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام انّه سئل عن الرجل يخرج من

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 139

بيته و هو يريد السفر و هو صائم قال:

فقال: «إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه». «1» فإن قلنا

بأنّ النصّ و إن ورد فيمن خرج عن البلد بعد الزوال لكن المناط ليس هو الخروج بل من صحّ صومه إلى الزوال و إن كان وجه صحّته كونه عاصياً لا كونه في البلد، فيكون الحكم فيه الاستمرار على الصوم و عدم الافطار.

و أمّا لو قلنا باختصاص روايات الباب لمن سافر ابتداءً بعد الزوال بحيث يكون سيره بعد الزوال فلا يشمل المقام، لأنّ السير هناك لم يكن بعد الزوال و إنّما كان السير في كلتا الصورتين قبل الزوال غير انّ العدول ربما يكون قبله كما في أُولاهما أو بعده كما في الثانية.

و يمكن أن يقال انّ للوجهين منشأ آخر و هو انّه مبني على الاختلاف بين مبنى الشيخ الأعظم و السيد الطباطبائي في كون الاباحة من قيود السفر الموجب للترخص أو من قيود الحكم.

فلو قلنا بالأوّل فلم يتحقّق الموضوع المرخص للسفر إلّا بعد الظهر و من المعلوم انّ السفر بعده لا يوجب الافطار فيصدق في حقّه كأنّه خرج بعد الظهر و أمّا خروجه قبل الظهر فهو كالعدم.

و هذا بخلاف ما قلناه بأنّه قيد للحكم فقد تحقّق الموضوع أي الخروج من البلد قبل الظهر غاية الأمر كان العصيان مانعاً عن شمول الحكم مع وجود الموضوع، فإذا ارتفع شمله الحكم و لأجل ذلك قال السيد:

ففيه وجهان. و بذلك يعلم أنّه لو قلنا بأنّ المقام من قبيل فقد الموضوع، يختص النزاع بما إذا كان هناك مسافة بعد العدول حتى يكون له شأنية الإفطار و إن لم يكن فعليته

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 140

لكونه كالخروج بعد الزوال، و هذا بخلاف ما لو قلنا بأنّه

من قيود الحكم فلا يلزم إلّا أن يكون المجموع

(قبل العدول و بعده) مسافة حتى يكون كالخارج قبل الزوال و لكن الأقوى هو الأوّل لما عرفت من أنّ الإباحة شرط لأجزاء السير جميعاً.***

إذا كان الصائم مطيعاً في البدء و عدل إلى المعصية في الأثناء

هذا هو الشقّ الثاني للمسألة السابقة، و حاصله:

إذا كان الصائم مطيعاً في ابتداء السفر و عدل إلى المعصية في الأثناء، فهل يصحّ صومه؟ نقول:

هنا أيضاً صورتان: 1. أن يكون العدول قبل الزوال.

2. أن يكون العدول بعد الزوال.

و لقد كان مفتاح الحل في الفرع السابق هو إدخال الفرع بالخارج عن البلد قبل الظهر أو بعده، و لكن مفتاحه هنا هو جعله من قبيل من يدخل البلد قبل الظهر أو بعده و لم يفطر في كليهما.

و الأوّل يصوم دون الثاني و إنّما عليه الإمساك تأدّباً. إذا علمت ذلك فلنرجع إلى حكم الصورتين:

فهل العدول إلى المعصية بعد قطع المسافة الشرعية قبل الزوال كالداخل إلى الوطن قبل الزوال أو ليس مثله فلا يصحّ صومه؟ و الوجهان مبنيان بما ذكر في الفرع السابق من اختصاص النصّ بالمسافر الداخل إلى الوطن قبل الظهر، لا مطلق من صحّ صومه إلى ما قبل الزوال و لو بالعصيان.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 141

و الثاني أي العدول بعد قطع المسافة الشرعية بعد الزوال فهل هو كمن دخل بعد الزوال في البلد فيبطل صومه أو ليس كذلك؟ لأنّ النصّ يختص بمن يدخل البلد و هو غير مفطر لا من صحّ صومه إلى ما بعد الزوال و إن لم يدخل البلد، و الأحوط في كلا الفرعين الجمع بين الصوم و القضاء.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 142

الشرط السادس: أن لا يكون بيته معه

اشارة

من شرائط وجوب القصر و الإفطار أن لا يكون بيتُه معه، كأهل البوادي من العرب و العجم الذين لا مسكن لهم معيّناً بل يدورون في البراري

«1» و ينزلون في محلّ العُشب و الكلأ و مواضع القطر و اجتماع الماء. هذا.

و يقع الكلام في أُمور:

1. ما هو الفرق بين هذا الشرط، و الشرط السابع؟

المقصود من الشرط السابع هو أن لا يكون ممن اتخذ السفر عملًا و شغلًا له، كالمكاري و الجمّال، و الظاهر من القدماء جعلهما شرطاً واحداً، نعم حدث التعدد بين المتأخرين.

الجواب:

انّ خروج من يكون بيته معه عن آية التقصير، خروج موضوعي و بنحو التخصّص، و خروج من اتخذ السفر عملًا و شغلًا له، خروج حكمي و بنحو التخصيص. توضيحه:

أنّ آية التقصير تخاطب من يريد الضرب في الأرض، و معناه انّ من له استقرار في مكان، إذا ضرب في الأرض فله أن يُقصّر، و أمّا من ليس له أيّ استقرار في مكان و من حاله التنقل مستمراً فهو خارج من مفاد الآية و موضوعها، مثل أهل البوادي غير المستقرين في مكان، و أمّا من اتخذ السفر عملًا، و كان سفره

______________________________

(1). جمع البرّيّة: الصحراء.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 143

أكثر من الحضر فله استقرار في مكان خاص مع أهله و عياله و لو أيّاماً قليلة و إن كان يتركه كثيراً للسفر بمقتضى شغله و إن شئت قلت:

إنّ الآية تخاطب من له حضر و سفر، لا من ليس له إلّا حالة واحدة. و بعبارة ثالثة:

الآية تخاطب المسافر، و هو من برز و خرج من البلد أو القرية إلى الصحراء، فلا يطلق على من له البروز طول السنة، بخلاف من له بلد و قرية و له بروز و خروج و إن كان بروزه أكثر من خلافه

كمن اتخذ السفر شغلًا.

2. ما هو الدليل على الحكم؟

و يدل على الحكم روايتان إحداهما صحيحة مضمرة، و الأُخرى صحيحة في آخرها إرسال.

1. روى إسحاق بن عمّار قال: سألته عن الملّاحين و الأعراب هل عليهم تقصير؟ قال: «لا، بيوتُهم معهم» «1» و الإضمار لجلالة عمّار غير مضرّ.

2. ما رواه سليمان بن جعفر الجعفري كلاهما ثقتان عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «الأعراب لا يقصرون، و ذلك انّ منازلهم معهم». «2»

ثمّ إنّ المراد من الملّاحين، من تكون بيوتهم في السفينة، و أمّا الساكنون في البنادر و لكن يسافرون و يرجعون إلى منازلهم، فغير داخل في هذا الصنف، و سيأتي في الشرط السابع بعض الروايات التي تدل على ذلك.

«3» ثمّ إنّ حكم المسألة مورد اتّفاق على وجه الإجمال، إنّما الكلام في جزئياتها:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5 و 6.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5 و 6.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 7.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 144

3. هل يشترط أن لا يكون له مسكن؟

وصف السيد الطباطبائي الموضوع ب «الذين لا مسكن لهم معيناً» و لكنّه غير ظاهر لامكان أن يكون له مسكن في بعض الفصول دون البعض، كأهل المواشي من أهل العراق، فربما يكون لهم بيوت معمورة على جانبي الفرات و دجلة يسكنونها في الصيف، فإذا أقبل الشتاء ينتقلون إلى موضع آخر، فهؤلاء يتمون صلاتهم في كلتا الحالتين لكن بملاكين، يتمون إذا نزلوا جانب الفرات و دجلة لأجل النزول في أوطانهم، و يتمون عند الخروج إلى البادية، لأنّ بيوتهم معهم، ليس لهم استقرار في مكان و لو في فترة من السنة.

4. ما هو حكمهم إذا سافروا لمقصد آخر؟

ما هو حكمهم إذا سافروا لمقصد آخر من حجّ أو زيارة أو نحوهما، أو سافر أحدهم لاختيار منزل، أو لطلب محل القطْر و العُشْب و كان مسافة؟

أفتى السيد الطباطبائي بالقصر في الأوّل، و قال بالجمع بين القصر و التمام احتياطاً في الثاني و قيّد أكثر المعلّقين على العروة على القصر إذا لم يكن بيته معه، و إلّا فيتم قالوا:

«و الأظهر وجوب التمام عليه إذا كان بيته معه و إلّا وجب القصر» و كأنّ الحكم دائر مدار العلّة وجوداً و عدماً، و الظاهر انّه يتم في كلتا الحالتين، لأنّ التعليل ليس علّة حقيقية بل عنوان مشير إلى عدم كونه مستقراً في نقطة خاصة، و ليس لهم حضر و سفر، فإذا كان هذا هو الملاك فهو موجود في السفر للزيارة أو للاختيار. و الحاصل انّ هؤلاء بما انّهم لا حضر لهم، فيتمون مطلقاً، من غير فرق، بين تنقلهم مع جميع دوابّهم و مواشيهم، أو تركها في مكان، و التنقل ببعضها إلى الحج و الاختبار ثمّ الرجوع إلى البادية و إن كان الأحوط الجمع في كلا الموردين. و أمّا عشائر

إيران، فبما انّ لهم رحلة الشتاء و الصيف فلهم وطنان، و يختلفون مع أهل المواشي في العراق الذين لهم وطن في الصيف، دون الشتاء، و لكن لهؤلاء أمكنة معيّنة في كلا الفصلين.

و اللّه العالم.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 145

الشرط السابع: أن لا يكون ممّن اتّخذ السفر عملًا و شغلًا له

اشارة

اختلفت كلمة الأصحاب في التعبير عن هذا الشرط و إليك عناوينهم:

1. أن لا يكون سفره أكثر من حضره.

2. عدم زيادة سفره على حضره.

و هذان العنوانان هما المعروفان بين القدماء و المتأخّرين حتى المحقّق في الشرائع.

3. أن لا يكون ممن يلزمه الاتمام سفراً، و قد عبّر به المحقّق في «المعتبر» و رجّحه على العنوانين المتقدمين قال: و يلزم على قولهم انّه لو أقام في بلده عشرة و سافر عشرين يوماً أن يلزم الإتمام، و هذا لم يقل به أحد.

و يرد على عنوان المحقّق

(مع أنّه أعمّ من هذا الشرط لأنّه يصدق على العاصي و المسافر بلا قصد إلى غير ذلك) انّه لا يرجع إلى محصل لانّه في مقام بيان الشرط الموجب للاتمام، و لم يأت به و إنّما أتى بالحكم الواضح. 4. عدم كون حضره أقلّ من سفره.

5. أن لا يقيم في بلده أو غيره عشراً، ثلاثة متوالية.

6. عدم كونه كثير السفر.

7. عدم كون السفر عمله أو شغلًا له.

8. عدم كون السفر شغلًا له أو عدم كون شغله في السفر.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 146

9. أن يكون السفر عمله و من كان منزله في بيته، و هو الذي نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة عن أُستاذه بحر العلوم.

10. الاقتصار على بعض العناوين الواردة في الروايات أو أكثرها، و عليه الصدوق في الهداية.

و لو أدرج الثاني في الأوّل و السابع في السادس

تكون العناوين الواردة في كلماتهم ثمانية.

و لأجل أن يكون القارئ على بصيرة من العناوين التي اعتمد عليها الأصحاب نأتي بنصوص بعضهم:

1. قال الصدوق: فأمّا الذي يجب عليه التمام في الصلاة و الصوم في السفر: المكاري، و الكريّ، و البريد، و الراعي، و الملّاح، لأنّه عملهم. «1»

2. قال المفيد: و من كان سفره أكثر من حضره، فعليه الإتمام في الصوم و الصلاة معاً، لأنّه ليس بحكم الحاضر الذي يرجع إلى وطنه فيقضي الصيام. «2»

3. قال الشيخ: و لا يجوز التقصير للمكاري و الملّاح و الراعي و البدوي، إذا طلب القطْر و النبْت و الذي يدور في جبايته، و الذي يدور في أمارته، و من يدور في التجارة من سوق إلى سوق، و من كان سفره أكثر من حضره، هؤلاء كلّهم لا يجوز لهم التقصير ما لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيّام. «3»

4. و قال سلار: و الملاح و الجمّال و من معيشته في السفر، و من سفره أكثر من

______________________________

(1). الصدوق: الهداية: 33.

(2). المفيد: المقنعة: 349، كتاب الصوم، باب حكم المسافر في الصيام. لم يذكر الشيخ المفيد أحكام المسافر في كتاب الصلاة إلّا بوجه موجز لاحظ ص 91. و لكن بسط الكلام في كتاب الصوم على خلاف ما هو الدارج.

(3). الطوسي: النهاية: 122.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 147

حضره.

«1» 5. و قال ابن البراج: و جميع من كان سفره أكثر من حضره مثل الملاح، و المكاري، و الجمّال، و البدوي إذا طلب القطر و النبت، و الرعاة و الأُمراء الذين يدورون في إماراتهم، و الجباة الذين يسعون في جباياتهم، و من يدور من سوق إلى سوق في تجارته، فإنّ الإتمام لازم لهم.

«2»

6. و قال الحلبي: و لا كان حضره أقل من سفره. «3»

7. و قال ابن حمزة: و الذي يكون سفره في حكم الحضر، ثمانية رهط، المُكاري و الملّاح، و الراعي و البدوي، و البريد، و الذي يدور في إمارته، أو جبايته، أو تجارته من سوق إلى سوق. «4»

8. و قال ابن زهرة: الظهر أربع ركعات ... هذا في حقّ الحاضر أهله بلا خلاف، و في حقّ من كان حكمه حكم الحاضرين من المسافرين، و هو من كان سفره أكثر من حضره، كالجمّال، و المكاري، و البادي. «5»

9. و قال ابن إدريس: و لا يجوز التقصير للمكاري و الملّاح و الراعي و البدوي إذا طلب القطْر و النبت، فإن أقام في موضع عشرة أيام فهذا يجب عليه التقصير إذا سافر عن موضعه سفراً يوجب التقصير ... و لا يجوز التقصير للذي يدور في جبايته، و الذي يدور في إمارته، و من يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و البريد، ثمّ ذكر الكري و الاشتقان، و حاول تفسير معناهما. «6»

______________________________

(1). سلار: المراسم: 75.

(2). ابن البراج: المهذب: 1/ 106.

(3). علاء الدين الحلبي: إشارة السبق: 87.

(4). ابن حمزة: الوسيلة: 109108.

(5). ابن زهرة: الغنية: 73.

(6). ابن إدريس: السرائر: 1/ 336.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 148

10. و قال الكيدري: المكاري و الملاح و الراعي و البريد و البدوي، و الذي لم يكن له دار مقام، و الوالي الذي يدور في ولايته، و الذي يدور في جبايته، و الدائر في تجارته من سوق إلى سوق و من كان سفره أكثر من حضره لا يجوز لهؤلاء التقصير إلّا إذا كان لهم في بلدهم مقام عشرة أيام. «1»

11. و قال

المحقّق: أن لا يكون سفره أكثر من حضره، كالبدوي الذي يطلب القطْر، و المكاري، و الملاح، و التاجر الذي يطلب الأسواق، و البريد. «2» و قد عرفت نصّ المعتبر فلا نعيد.

12. و قال أيضاً: أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام، و لو أقام في بلده أو غير بلده قصر. «3»

13. و قال العلّامة: من الشرائط، عدم زيادة السفر على الحضر كالمكاري، و الملاح، و طالب النبت و القطر، و الأسواق، و البريد، و الضابط أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام، فإن أقام أحدهم عشرة قصر، و إلّا أتم ليلًا و نهاراً. «4»

14. و قال الشهيد: و أن لا يكثر سفره، كالمكاري، و الملّاح، و الأجير، و البريد. «5»

إلى غير ذلك من التعابير التي لا تخرج عن العناوين الماضية.

ثمّ إنّ بعض الأصحاب ذكروا الكري تبعاً للنص مع المكاري، و نقل ابن إدريس عن رسالة ابن بابويه:

إنّ الكري هو المكاري، فاللفظ مختلف و إن كان

______________________________

(1). الكيدري: الإصباح: 92.

(2). نجم الدين الحلي: الشرائع: 1/ 102.

(3). المختصر النافع: 51.

(4). ابن المطهر: الإرشاد: 1/ 275.

(5). الروضة البهية: 1/ 154، طبعة عبد الرحيم.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 149

المعنى واحداً.

قال عذافر الكندي:

لو شاء ربّي لم أكن كريّا و لم أسق بشعفر المطيّا

و الشعفر اسم امرأة من العرب.

و الكريّ من الأضداد قد ذكره أبو بكر الأنباري في كتاب الأضداد، يكون بمعنى المكاري، و يكون بمعنى المكتري.

و احتمل السيد المحقّق البروجردي أن يكون معناه من يُكري نفسه، و عندئذ يتحد مع البريد.

و قال ابن إدريس:

ذكروا أيضاً: «الاشتقان» و قال ابن بابويه: لم يبين المشايخ معناه لنا. و وجدت في كتاب الحيوان للجاحظ ما يدلّ على أنّ الاشتقان،

الأمين الذي يبعثه السلطان على حفاظ البيادر، قال الجاحظ: و كان أبو عبّاد النميري أتى بابَ بعض العمال يسأله شيئاً من عمل السلطان فبعثه أشتقاناً فسرقوا كلّ شي ء في البيدر، و هو لا يشعر فعاتبه في ذلك، و أظنّ انّ الكلمة أعجمية غير عربية. «1» أقول: لعلّها معرب «دشتبان». إذا عرفت الأقوال و العناوين فإليك، دراسة النصوص، و هي عشرة و إن كانت تتراءى أنّها أكثر، و إليك ما رواه صاحب الوسائل في البابين

11 و 12 من أبواب صلاة المسافر. 1. روى الكليني بسند صحيح، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «المكاري و الجمّال الذي يختلف، و ليس له مقام يُتم الصلاة، و يصوم شهر رمضان». و هو نفس ما رواه في الوسائل عن الشيخ باسناده عن السندي بن الربيع قال: في المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام، يتم الصلاة، و يصوم

______________________________

(1). السرائر: 1/ 337.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 150

شهر رمضان.

«1» 2. ما رواه الكليني بسند صحيح عن زرارة قال، قال أبو جعفر عليه السَّلام: «أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر: المكاري، و الكري، و الراعي، و الاشتقان، لأنّه عملهم». و هو نفس ما رواه عن الصدوق، أعني: قال الصدوق: و روي الملاح، و الاشتقان البريد «2» و الظاهر انّ قوله: «و الاشتقان هو البريد» من كلام الصدوق، و ليست الرواية إلّا قوله: «و روي الملاح».

3. روى الكليني بسند صحيح عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السَّلام قال: «ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكاري و الجمّال». و هو نفس ما رواه عن الشيخ

عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السَّلام قال: «ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكارين، و لا على الجمالين». «3»

4. روى الكليني، عن إسحاق بن عمّار قال: سألته عن الملّاحين و الأعراب، هل عليهم تقصير؟ قال: «لا، بيوتهم معهم». «4»

5. روى الكليني بسند صحيح إلى سليمان بن جعفر الجعفري، عمّن ذكره، عن أبي عبد

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 10.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2 و 3.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4 و 8.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 151

اللّه عليه السَّلام قال:

«الأعراب لا يقصّرون، و ذلك انّ منازلهم معهم». و هو متحد مع ما رواه البرقي في المحاسن بنفس السند. «1» 6. روى الشيخ عن علي بن جعفر، عن موسى بن جعفر عليهما السَّلام، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «أصحاب السفن يتمون الصلاة في سُفنهم». «2»

7. روى الشيخ عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه قال: «سبعة لا يقصرون الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و الراعي، و البدويّ الذي يطلب مواضع القطْر و منبت الشجر، و الرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل». «3»

8. روى الصدوق بسنده إلى ابن أبي عمير رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «خمسة يتمون في سفر كانوا أو حضر: المكاري و الكري و

الاشتقان، و هو البريد، و الراعي، و الملّاح، لأنّه عملهم». «4» و تفسير الاشتقان بالبريد مخالف لما نقلناه عن ابن إدريس، عن الجاحظ، و لعلّه كان بعد لفظ «الكري» و كان تفسيراً له.

9. إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عن الذين يكرون الدواب يختلفون كلّ الأيّام أ عليهم التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال: «نعم». و هو متحد مع ما بعده في الوسائل. «5»

10. روى الشيخ عن محمد بن جزك قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السَّلام انّ لي جمّالًا ولي قوام عليها، و لست أخرج فيها إلّا في طريق مكة لرغبتي في الحج أو في الندرة إلى بعض المواضع فما يجب عليّ إذا أنا خرجتُ معهم، أن أعمل، أ يجب عليّ التقصير في الصلاة و الصيام في السفر أو التمام؟ فوقّع عليه السَّلام: «إذا كنت لا

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6 و 11. و قد عدّهما السيد المحقّق البروجردي قدَّس سرَّه متغايرين.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 7.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 12.

(5). الوسائل: الجزء 5، الباب 12 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2 و 3. و ذكر الحديث لأجل العنوان الوارد فيه، و سيوافيك توضيح المضمون فانتظر.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 152

تلزمها، و لا تخرج معها في كلّ سفر إلّا إلى مكة، فعليك تقصير و إفطار».

«1» و هذه هي الروايات الواردة في أصل الموضوع دون ما يتعلق ببعض جزئياته و ليس فيها عن قولهم

: «أن لا يكون سفره

أكثر من حضره» عين و لا أثر، و مع كونه غير مذكور في الروايات، جاء مذكوراً في الكتب الفقهية الملتزمة بالفتوى بالمنصوص كالمقنعة للمفيد، و لعلّهم استنبطوه من الروايات. ثمّ إنّ الّذي يمكن أن يكون مصدراً للحكم عبارة عن العناوين الكلية، و العناوين الخاصة، و إليك الأُولى.

1. الذي يختلف و ليس له مقام (الحديث الأوّل).

2. لأنّه عملهم (الحديث الثاني، و الثاني عشر).

3. لا، بيوتهم معهم (الحديث الخامس).

4. انّ منازلهم معهم (الحديث السادس).

5. فإنّه في بيت و هو يتردد (الحديث الحادي عشر).

و أمّا العناوين الخاصة فهي عبارة عن:

1. المكاري، 2. الجمال، 3. الكري، 4. الراعي، 5. الاشتقان، 6. الملّاح، 7. الأعراب، 8. أصحاب السفن، 9. الجابي الذي يدور في جبايته، 10. الأمير الذي يدور في إمارته، 11. التاجر الذي يدور في تجارته، 12. البدوي، 13. البريد.

و لكن يمكن تقليل العناوين الواقعية إلى الأقل، و ذلك لأنّ «الأعراب و البدوي» و إن كانا مفهومين مختلفين، و لكنّهما متحدان مصداقاً، مضافاً إلى احتمال انّ المراد من البريد هو الكري فتكون العناوين الواقعية الواردة في المسألتين أحد عشر عنواناً، و بما انّ عنواني «الأعراب»، و «البدوي» راجعان إلى

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 12 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 153

المسألة السابقة، فتبقى لمسألتنا هذه تسعة عناوين و هي التالية:

1. المكاري، 2. الجمال، 3. الملاح، 4. الكري، 5. الراعي، 6. الاشتقان، 7. الجابي الذي يدور في جبايته، 8. الأمير الذي يدور في إمارته، 9. التاجر الذي يدور في تجارته.

كما انّ ما يرجع من الضابطة إلى المقام عبارة عن العناوين التالية:

1. لأنّه عملهم، و قد ورد في الحديث الثاني و الثامن.

2. الذي يختلف

و ليس له مقام و قد مرّ في الحديث الأوّل.

3. يختلفون كلّ الأيام.

فتحقيق الموضوع يتوقف على البحث في أمرين:

1. تحليل العناوين التسعة المذكورة، فنقول:

إنّ العناوين الخاصة على قسمين:

قسم منها يكون السفر مقوماً لمفهومه و يعدّ بمنزلة الجنس له، و لا يتصور و لا يتحقّق بدونه، كالمكاري و الجمّال و الملّاح؛ و قسم آخر لا يكون السفر مقوماً لمفهومه بل يصح تصوره بدونه و إن كان بعض أقسامه يلازم السفر كما في التاجر الذي يريد البيع في خارج بلدته، و مثله الأمير الذي يتجول في إمارته، أو الجابي الذي يدور في جبايته و هكذا ففي هذه الأمثلة ليس السفر مقوماً لنوع هذه المفاهيم، و إنّما يلازم وجودَ بعض الأصناف. إذا علمت ذلك فنقول:

لا إشكال في عدم شرطية كون اتخاذ هذه العناوين مهنة لطلب الرزق أو جلب المال، بل يعم ما إذا كان عارياً عنهما كما إذا افترضنا انّ الجمال يعمل في سبيل اللّه، أو يحمل الجنود و العتاد إلى جبهات القتال، فكلا الصنفين داخلان تحت الضابطة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 154

كما لا إشكال في عدم خصوصية للمِهَن الواردة فيها، فلو افترضنا انّ نجّاراً، أو حداداً، أو مهندساً فنياً، أو طبيباً يتجول خارجَ بلدته مثل تجول البريد، أو افترضنا انّ موظفاً للدولة، استخدم للعمل خارج بلده بشكل مستمر يتجول في المسافة الشرعية من مكان إلى مكان، و هو يرجع إلى بلده في كلّ شهر أيّاماً قلائل، فالعرف يلغي الخصوصية و يراها داخلة تحت ضابطة واحدة.

و العجب من العلّامة الحلّي حيث تردّد في هذا الأمر و قال:

هل يُعتبر هذا الحكم في غيرهم حتى لو كان غير هؤلاء يتردد في السفر اعتبر فيه ضابطة الاقامة عشرة،

أو لا؟ اشكال ينشأ من الوقوف على مورد النص و من المشاركة في المعنى. إلى هنا تبين انّه لا خصوصية للمِهن الواردة في النصوص، و قد علمت أنّه على قسمين:

قسم يكون نفس السفر مهنة له، كما في الجمّال و المكاري و الملّاح. و تارة تكون المِهْنة شيئاً و السفر شيئاً آخر، لكنّه حسب ظروفه اختار مهنته في السفر، و على ذلك يكون المقياس أحد الأمرين: 1. أن يكون السفر شغله كما في الثلاثة، و نضيف إليها السائق و الطيار و من يعمل معهما.

2. أو أن يكون شغله في السفر، كما في الجابي و الأمير و التاجر المتجولين من مكان إلى آخر.

و مع ذلك كلّه بقي هناك أمر آخر، و هو هل يعتبر أن يكون السفر له مهنة بأحد المعنيين، أو يكفي نفس التحول و التردد بين البلد و خارجه على حدّ مسافة شرعية من دون أن يتخذه مهنة، كما إذا زار الأمكنة المقدسة كلّ أُسبوع مرّتين، أو زار والديه كذلك؟ فالظاهر من مشايخنا المتأخرين اعتبار ذلك كما سيوافيك نصّهم في تحليل الضابطتين الواردتين في المقام.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 155

و بعبارة أُخرى هل الموضوع ما إذا كان السفر مهنة إمّا بالذات أو بالعرض، أو هو أعمّ من ذلك و يعمّ ما إذا كثرت أسفار الرجل، و تردده إلى البلد و خارجه، من دون أن يكون شغله بأحد الصورتين؟ وجهان، أكثر المشايخ على الوجه الأوّل، و الثاني غير بعيد كما سيظهر.

و حصيلة البحث أنّه لو كنا نحن و قولهم عليهم السَّلام:

«لأنّ السفر عملهم» اقتصرنا بما إذا كان السفر، شغله الأساسي، كالمكاري و الملّاح و الجمّال، و يلحق بهم الكري إذا فسر بمن يكري

نفسه للخدمة في السفر لإصلاح وضع الدوابّ و تعليفها، أو تصليح السيارة، و رفع حوائج المسافرين، و لا نتجاوز عن هؤلاء إلّا انّ التمثيل له بالراعي و الجابي و الاشتقان، و الأمير الدوّار، صار قرينة على أنّ المراد منه ليس معناه اللغوي، بل معناه العرفي الصادق على من كان شغله شيئاً غير السفر، كالتجارة و الإمارة في السفر، فإنّ شغلهم بالدقة العقلية و إن لم يكن سفراً لكن يصدق عليهم عرفاً انّ شغلهم السفر باعتبار أنّهم يمارسون شغلهم الأصلي في السفر، لا في الحضر، و على ذلك فيصح توسيع الحكم لكلّ أصحاب المهن الذين يمارسونها غالباً في خارج البلد، كالطبيب و الطالب اللّذين يسافران كلّ يوم للطبابة و التحصيل إلى غيرهما من أصحاب الأشغال و المهن، إذ أيّ فرق بين الراعي الذي يذهب كلّ يوم لرعي غنمه و يرجع، و الطبيب الذي يمارس مثل ذلك و الحكم بالتمام في الجميع إنّما هو لصدق العلة حسب ما لها من المفهوم العرفي. و كان الموضوع هو الأعم من كان شغله السفر أو شغله في السفر. نعم الظاهر من السيد الأُستاذ، تخصيص الحكم بما كان السفر متن شغله كالمكاري و الساعي و أصحاب السيارات و نحوهم، و منهم أصحاب السفن و الملّاح.

و أمّا الإتمام في القسم الثاني (من شغله في السفر) فيقتصر فيه على مورد النص قال: «ممن شغله السفر الراعي الذي كان الرعي عمله سواء كان له مكان

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 156

مخصوص أو لا و التاجر الذي يدور في تجارته».

«1» و لكن الظاهر انّ العرف يساعد تعميم الحكم بكلّ من يكون شغله في السفر، كالموظف الدولي و الطبيب السيّار، و إن كانا

خارجين عن النص.

إنّما الكلام في توسيع الحكم لمن يذهب و يرجع لغاية الزيارة، و السياحة، و اشتراء ما يحتاج إليه من الخبز و اللحم كلّ يوم إلى أربعة فراسخ، أو المراجعة إلى الطبيب في كلّ أُسبوع مرّتين إلى غير ذلك من الغايات، و قد توقّف المشايخ في الإلحاق، قائلين بأنّه لا يصدق على مثل ذلك، كون السفر شغله فليست الزيارة المتكررة شغله، و لا شغله في السفر و بذلك تكون فتوى القدماء، فتوى بلا دليل.

و مع ذلك كلّه يمكن تقريب اللحوق بالوجه التالي:

1. انّ الوارد في النصوص كون السفر عمله، لا شغله و مهنته، فكما يصدق التعبير على من كان السفر مقدمة لشغله الأصلي، فكذا يصدق لمن يزاول السفر في كلّ أُسبوع أو شهر، بكثرة فيقال، السفر عمله، و هذا واضح لمن تتبع موارد استعمال تلك التراكيب. قال سبحانه حاكياً عن امرأة فرعون: (وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ) (التحريم/ 11) و: (أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) (محمد/ 14)، (كَذٰلِكَ زَيَّنّٰا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) (الأنعام/ 108) و المراد من العمل المضاف إلى الضمير هو الفعل المتكرر، بقرينة قوله: (زُيِّنَ) كما انّ المراد من قوله: (مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ) أي عمله المستمر، و عندئذ فالمرجع هو عموم التعليل، لا خصوصية الموارد.

2. انّ القدماء بصفاء ذهنهم، فهموا انّ الأمثلة الواردة في الروايات، رمز لكثرة السفر، و إشارة إليه، و انّ الإنسان الممارس للسفر كثيراً يشبه بمن بيته معه، فحضره لقلته، مندرج في سفره، فاللازم في مثله الاتمام.

______________________________

(1). تحرير الوسيلة: 1/ 230، لاحظ الشرط السابع و المسألة 25، تحت ذلك العنوان.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 157

3. انّ قيد

الاختلاف الوارد من غير واحد من الروايات بمعنى الإياب و الذهاب و قد ورد في مواضع نأتي بمورد واحد، له صلة بالمقام، أعني: حديث السندي بن الربيع: قال في المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتم الصلاة. «1» فإنّ في قوله: «يختلف» دلالة على أنّ الميزان ليس كونه مكارياً، بل الميزان كونه يختلف و يذهب و يجي ء، و ليس له مقام عشرة أيام في أثنائها، و لو كتب التمام على المكاري فانّما هو لأجل انّه يختلف و ليس له مقام، و هذا أيضاً موجود فيمن يعيش على نحو يختلف ليس له مقام.

و لعلّ هذه الوجوه الثلاثة كافية في تبيين ما هو المعروف بين القدماء من أنّ الموضوع هو كثرة السفر و قلّته، لكن القدر المتيقن، ما إذا صار السفر له أمراً عادياً، و كان له استمرار غير محدد، أو كان محدداً لكن بدرجة عالية حتى يعدّله عملًا، شبيهاً للقسمين الأوّلين، و أمّا من اتفق له لعارض أسفار عديدة من دون أن يستمر بل يكون محدداً، فالمرجع فيه هو القصر.

و من هنا يعلم انّ ما أفاده السيد الطباطبائي في مسألة الخمسين ليس بصحيح على إطلاقه، بل لا بدّ من تقييده بما إذا كان محدداً.

قال فيها:

إذا لم يكن شغله و عمله السفر، لكن عرض له عارض فسافر أسفاراً عديدة لا يلحقه حكم وجوب التمام سواء كان كلّ سفرة بعد سابقها اتفاقياً، أو كان من الأوّل قاصداً لأسفار عديدة، فلو كان له طعام أو شي ء آخر في بعض مزارعه أو بعض القرى، و أراد أن يجلبه إلى البلد، فسافر ثلاث مرّات، أو أزيد بدوابه، أو بدواب الغير لا يجب عليه التمام، و كذا إذا أراد

أن ينتقل من مكان، إلى مكان فاحتاج إلى أسفار متعددة في حمل أثقاله و أحماله. «2»

______________________________

(1). الوسائل، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 10.

(2). العروة الوثقى: 335، المسألة 50.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 158

لا شكّ انّه يقصر في هذه الموارد، لكون السفر الثاني أو الثالث إمّا اتّفاقياً أو كون السفر من أول الأمر محدداً بثلاث أو أربع أسفار و مثلها لا يلحق بالقسمين الواردين في الروايات، و الكلام فيما إذا قام بعمل إلى مدّة غير محددة، يستلزم الاختلاف إلى البلد و خارجه يوماً بعد يوم أو في كلّ أُسبوع مرتين أو ثلاث غير محدد بأسابيع، أو كان محدداً لكن على صعيد يراه العرف من مصاديق من يكون السفر عمله و إن لم يكن مهنته.

نعم ذهب السيد الأُستاذ إلى القصر في هذه الصورة قال:

«لو لم يكن شغله السفر لكن عرض له عارض فسافر أسفاراً عديدة يقصر، كما لو كان له شغل في بلد و قد احتاج إلى التردد إليه مرّات «1» عديدة، بل و كذا فيما إذا كان منزله إلى الحائر الحسيني مسافة، و نذر أو بنى على أن يزوره كلّ ليلة جمعة، و كذا فيما إذا كان منزله إلى بلد كان شغله فيه مسافة و يأتي إليه كلّ يوم بأنّ الظاهر انّ عليه القصر في السفر و البلد الذي ليس وطنه. يلاحظ عليه:

مضافاً إلى أنّ المورد الأخير من القسم الثاني، و الكلام في القسم الثالث، بما عرفت من أنّ عمل السفر إذا كان مستمراً آخذاً من أوقات المسافر شيئاً كثيراً في حدّ نفسه، فهو داخل في كبرى المسألة كما عرفت. و بذلك ظهر أيضاً انّ المراد ليس الأكثرية الزمانية بأن يكون

اغترابه عن الوطن في كلّ شهر أكثر من حضوره فيه، و لا العددية، بأن يكون عدد الأسفار أكثر من عدد الحضور، بل المراد، صيرورة السفر لأجل الكثرة و الاستمرار كالعادة، من غير فرق بين كون شغله السفر، أو شغله في السفر، أو صيرورة السفر حسب الاستمرار عملًا شأنياً له في نظر العرف لا أمراً نادراً.

***

______________________________

(1). تحرير الوسيلة: 1/ 231، المسألة 24.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 159

لو كان سائقاً في البلد و أطرافه القريبة فسافر

لا شكّ انّ منصرف قوله:

«لأنّه عملهم» هو السفر البالغ حدّ المسافة بحيث لو لا العملية لكان مقتضياً للتقصير، و على هذا فمن كان سائقاً في داخل البلد أو خارجه لكن في شعاع غير بالغ حدّ المسافة الشرعية، فهو و إن كان من مصاديق المكاري لغة، لكنّه خارج عن تحت الأدلّة المرخصة، و على هذا إن اتّفق أن حمل مسافراً إلى خارج البلد البالغ حدّ المسافة الشرعية فهل هو يتم أو يقصر؟ الظاهر هو الثاني، لأنّ المراد من كون السفر عمله، هو كون السفر الشرعي عمله و المفروض خلافه، لأنّ عمله هو السياحة في نفس البلد و ما دون المسافة، و أمّا غيرهما فإنّما هو أمر اتّفاقي لا يصدق انّه عمله. و يمكن الاستدلال له بما روي عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السَّلام عن الذين يكرون الدواب يختلفون كلّ الأيام أ عليهم التقصير إذا كانوا على سفر؟ قال: «نعم». «1» و عنه أيضاً، عن أبي إبراهيم قال:

سألته عن المكارين الذين يكرون الدواب و قلت: يختلفون كلّ أيام كلّما جاءهم شي ء اختلفوا؟ فقال: «عليهم التقصير إذا سافروا». «2» فإنّ المراد من قوله:

«يختلفون كلّ الأيام»، هو اختلافهم فيما دون المسافة، بقرينة قوله بعده في كلا

الحديثين: «إذا سافروا». و بذلك نستغني عن حمل الحديثين على ما إذا تخلّلت الإقامة بين الأسفار، كما عليه صاحب الوسائل

؛ أو حملهما على من أنشأ سفراً غير السفر الذي هو عادته، و هو ما يختلفون كلّ الأيام، كالمكاري مثلًا لو سافر للحج، أو إلى أحد البلدان في أمر غير ما هو الذي يتكرر فيه دائماً، كما حمل عليه المحدّث

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 12 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2 و 3.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 12 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2 و 3.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 160

البحراني.

«1»

لا فرق بين من جدّ في سفر و من لم يكن كذلك

وردت عدّة روايات

«2» بعضها صحيحة، من أنّ المكاري و الجمّال إذا جدّ بهما السير فليقصروا، و فسره الكليني بمن جعله المنزلتين منزلًا واحداً «3» و لكن الظاهر عدم الاختصاص بما فسره، بل هو مطلق السرعة و الجد في السير؛ و الروايات الفارقة بين من جدّ، و لم يجد، بالتقصير في الأوّل دون الثاني، لم يعمل بها الأصحاب و أعرضوا عنها، و لم يُفْتِ على وفقها أحد منهم، فهي غير معمولة، معرض عنها إلى زمان صاحب المدارك، و لذلك يرد علمها إليهم. حتى انّ السيد الخوئي مع أنّه يعمل بصحاح الروايات و إن أعرض الأصحاب عن العمل بها، لم يعمل بها في المقام، و اعتذر عنه بما لا يخلو من تأمل.

شرطية تكرّر السفر

إذا كان الموضوع هو اتّخاذ السفر عملًا، فهل يتوقف صدق هذا العنوان على تكرّر السفر مرّتين أو ثلاث مرّات، أو لا هذا، و لا ذاك، و إنّما الموضوع صدقُ هذا العنوانِ عرفاً و لو بسفرة واحدة؟ وجوه و أقوال:

ذهب الشهيدُ إلى الأوّل، و قال في الذكرى:

و ذلك يحصل غالباً بالسفرة الثالثة الّتي لم تتخلّلها إقامة عشرة. «4»

______________________________

(1). البحراني: الحدائق: 11/ 394.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 13 من أبواب صلاة المسافر، و ما فسر به الكليني ورد تحت رقم الحديث 4.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 13 من أبواب صلاة المسافر، و ما فسر به الكليني ورد تحت رقم الحديث 4.

(4). ابن مكي: الذكرى، في ضمن الشرط الخامس من شروط القصر، و المطبوع غير مرقم.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 161

و ذهب العلّامة الحلّي إلى الثاني و قال بالإتمام في الدفعة الثانية ممّن جعل السفر عادته.

«1» و ذهب صاحب الحدائق و تبعه أكثر المتأخرين

إلى الوجه الثالث و قال:

الواجب بالنظر إلى الاخبار، مراعاة صدق الاسم و كون السفر عمله فانّه هو المستفاد منها، و لا دلالة لها على ما ذكروه من اعتبار الكثرة فضلًا عن صدقها بالمرتين أو الثلاث «2» و عليه الفقيه الهمداني في المصباح و السيد الطباطبائي في العروة. فقال الأوّل:

إنّ المدار في وجوب الإتمام ليس على صدق عنوان كثير السفر و لا على إطلاق اسم المكاري أو الجمّال، بل على أن يصدق عليه انّ السفر عمله و لا يتوقف صدقه و لا صدق اسم المكاري و شبهه على أن يكون مسبوقاً بتكرر صدور الفعل منه مرّة بعد أُخرى، بل على اتخاذه حرفة له بتهيئة أسبابه و تلبّسه، بالفعل بمقدار يعتدّ به عرفاً. «3» و قال السيد الطباطبائي:

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1418 ه ق ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر؛ ص: 161

و المدار على صدق اتّخاذ السفر عملًا له عرفاً و لو كان في سفرة واحدة لطولها، و تكرر ذلك منه من مكان غير بلده إلى مكان آخر فلا يعتبر تحقق الكثرة بتعدّد السفر «4» ثلاث مرات أو مرّتين، فمع الصدق في أثناء السفر الواحد أيضاً يلحق الحكم و هو وجوب الإتمام، نعم إذا لم يتحقق الصدق إلّا بالتعدد يعتبر ذلك. ما ذكراه إنّما يصحّ في القسم الأوّل دون القسم الثاني، و ما ألحقنا به من

______________________________

(1). ابن المطهر: المختلف: 3/ 109.

(2). البحراني: الحدائق: 11/ 395.

(3). مصباح الفقيه: 748.

(4). العروة: 334، ذيل الشرط السابع للقصر.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 162

القسم الثالث، فإنّ عدّ السفر له عملًا في

هذين القسمين، إنّما بالعناية و المجاز و المسوِّغ له، هو كثرة المزاولة و الممارسة بالجباية و التجارة في السفر إلى حدّ صار السفر شغلًا و عملًا له، و إلّا فلا يعد عملًا له، بمجرّد القصد و الممارسة مرّة واحدة فلو كان الملاك هو الصدق العرفي فصدقها في أقل من ثلاث مرات، محل ترديد، و لو شكّ لأجل الشك في سعة مفهوم المخصص و ضيقه فهل المرجع هو التمسك بعمومات الأدلّة المرخصة أو عمومات التمام وجهان، و لو وصلت النوبة إلى الأُصول العملية فالمرجع هو استصحاب القصر كما لا يخفى.

إنّما الكلام في أمثال المكاري و الجمّال و الملّاح و الكري التي يعد السفر جنساً لها، فهل الصدق العرفي رهن التعدّد أو لا؟

ربما يقال:

بأنّ الظاهر تحقّق الصدق العرفي بمجرّد التلبس بالسفر على أنّه عمله، و لا يتوقف على طول السفر و لا على تكرره، و قد عرفت انّه خيرة الأعلام الثلاثة، و نقل صاحب الجواهر عن المقدس البغدادي تحقّق وصف المكاري و نحوه بأوّل سفرة إذا تبعَ الدوابَّ، و سعى معها سعي المكارين و وصفه بقوله: لا يخلو من وجه. و لكن لا يخلو عن بعد فيما إذا كان السفر قصيراً و لم ينتقل من مكان إلى مكان، و من بلد إلى بلد، و من فندق إلى فندق، و التحقيق أن يقال انّ العناوين الكلية الواردة في المقام ثلاثة:

1. المكاري و الجمّال و الملّاح.

2. لأنّه عملهم.

3. الذي يختلف ليس له مقام.

و ليس المراد من المكاري و ما عطف عليه، المعنى اللغوي أي من يُكري

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 163

دابته أو سيارته الذي يصدق إذا أكرى مرّة واحدة، بل أصحاب الحرف و المهن الذي

يتوقف صدقها على وجود تدريب و تمرين، و مزاولة و ممارسة و استمرار العمل.

و بذلك خرج من كانت له سيارة فإكراها لا بقصد الاستمرار، بل للمرة الأُولى، ثمّ اتّفق أيضاً كراها كذلك، و هكذا، فإنّ البناء على الاستمرار شرط في صدق هذه العناوين.

و مثله ما إذا أكراها، مع البناء على الاستمرار لكن كان السفر قصيراً، كالسفر من قم إلى طهران، فلا يتصف بها إلّا بالتعدد و لا يبعد صدقها في المرة الثالثة، و يحتاط بالجمع في الثانية.

نعم إذا كان السفر طويلًا، موجباً للانتقال من مكان إلى مكان، و بلد إلى بلد، بحيث يعد الانتقال من بعض الأمكنة إلى غيرها انشاء سفر جديد و اختلافاً، فلا يبعد، صدق العناوين العامة، حتى التعليل و الاختلاف الواردين في صحيحة هشام بن الحكم

«1»، أيضاً فما عن السيد المحقّق البروجردي من «انّ وجوب القصر في السفر الأوّل مطلقاً لا يخلو من قوّة»، لا يخلو من تأمّل. فإن قلت:

إنّ اقامة العشرة قاطع لموضوع السفر، عند جمع، و رافع لأثره عند جمع آخر، فلو أقام المكاري عشرة أيّام فهو يقصر في سفره الأوّل، و إذا كان كذلك في أثناء التلبس فأولى أن يكون كذلك قبل التلبس، و معه كيف يقصر في سفره الأوّل و إن كان طويلًا؟! قلت:

إنّ السفر الأوّل إذا كان قصيراً، لا يؤثر شيئاً و إنّما يؤثّر إذا كان طويلًا موجباً للانتقال من مكان إلى مكان، و من بلد إلى بلد، على وجه يعدّ الانتقال كالأسفار المتعددة كما كان الحال كذلك في عهد السفر بالدواب، فلو

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 164

صدق ذلك مع السفر

بالسيارة فهو و إلّا فيتوقف على نيّة الاستمرار و تعدد الممارسة.

لو أنشأ المكاري سفراً للحج و الزيارة

إذا أنشأ المكاري سفراً للحج و الزيارة فهو على قسمين:

الأوّل:

أن يكون عمله استمراراً لعمله السابق، كما إذا كان يحمل الناس أو أثقالهم من بلد إلى بلد، فاتّفق حملهم إلى بيت اللّه الحرام أو إلى مشهد الرضا عليه السَّلام، بحيث تكون حقيقة واحدة و إن كانت الصورة مختلفة، فلا شكّ انّه يتم. الثاني:

إذا أعرض عن عمله المكاراة و أراد أن يحجّ بيت اللّه الحرام بنفسه أو مع أهل بيته، بسيارته أو سيارة الغير، فهل يتم أيضاً أو يقصّر؟ فالمشهور انّه يُقصّر اقتصاراً في تقييد الأدلّة على المتيقن، لأنّه لا يعدّ من عملهم الذي كانوا يختلفون فيه. «1» و إن شئت قلت:

العلّة تعمِّم و تخصص و هي في المقام مخصِّص، إذ ليس السفر إلى الحج أو الزيارة عمله، و إنّما عمله المكاراة التي تركها موقتاً. و مع ذلك فالظاهر الاتمام، لأنّ الضمير لا يرجع إلى المكاري و الجمال، و لا إلى السفر، الموجود فيهما بل إلى مطلق السفر، فعندئذ يكون الموضوع كون السفر عمله، أي كان السفر لأجل كثرة المزاولة و الممارسة عملًا و عادة، و عليه، فلا فرق بين انشاء السفر لأجل المكاراة أو للحج و الزيارة بعد كون السفر أمراً عادياً و عملًا يومياً له.

حكم الحملدارية

الحملدارية مصطلح يطلق على مرافق الحجاج و مرشدهم في الطريق

______________________________

(1). الجواهر: 14/ 271.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 165

و المقصد، إلى كلّ ما يحتاجون إليه و الرائج منها اليوم غير ما كان في السابق و لها صور:

الأُولى:

ما كان رائجاً في عصر صاحب الجواهر أو قبله في البلاد النائية حيث كان الحملدار يحمل الحجاج من بلادهم و يرجع بهم إليها، على نحو تستغرق كلّ حجّة، عامة الحول إلّا

قليلًا. فلا شكّ انّه يتمّ لأنّ السفر عمله، و لبثه في بلاده شهرين أو ثلاثة أشهر، لا يخرجه عن كون السفر عملًا، و هذا النوع من الحملدارية كان رائجاً في البلاد النائية كالتّبت و غيرها و قد انقضى زمنها.

الثانية:

ما كان رائجاً في إيران و العراق حيث إنّ الحملدار يشتغل بعمله في أشهر الحج و يرجع إلى بلده مع حجاجه في نهايتها، و هذا هو الذي ذهب السيد الطباطبائي فيه إلى وجوب القصر حيث قال: الظاهر وجوب القصر على الحملدارية الذين يستعملون السفر في خصوص أشهر الحجّ، و لعلّ وجهه هو انّ الفصل الزمني كثمانية أشهر بين السفرين يؤثر في خروجهم عن التعليل فلا يقال انّ السفر عملهم. هذا و لكن الظاهر هو التمام لما قلنا من انّ السفر لو كان طويلًا و موجباً للانتقال من بلد إلى بلد يكون موجباً للتمام، و الفرق بين الحاج و الحملدار هو انّ الأوّل يسافر مرّة واحدة، و الحملدار يسافر كلّ سنة، فليس من البعيد القول بالاتمام وفاقاً للسيد الخوئي حيث قال:

هذا فيما كان زمان سفرهم قليلًا «1» كما هو الغالب فيمن يسافر جوّاً و إلّا ففي وجوبه إشكال، و الاحتياط بالجمع لا يترك. و العجب انّ القائلين بالقصر في هذه المسألة كالسيد الطباطبائي يقول بالتمام في مسألة أُخرى تقرب ممّا نحن فيه، أعني:

ما إذا كان شغله المكاراة في

______________________________

(1). هذا هو القسم الثالث الرائج اليوم، فلا شكّ انّهم يقصرون.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 166

الصيف دون الشتاء أو بالعكس مع أنّه لا فرق بين المسألتين، و هم يقولون فيهما بالتمام و سيوافيك دليله، فإنّه أشبه بالجابي و الاشتقان.

ثمّ لو شككنا في صدق التعليل على الحملدارية و

كان الشكّ شبهة حكمية مفهومية ناشئة من إجمال النص، فهل المرجع بعد إجمال المخصص هو الإطلاقات و أدلّة التمام الأدلّة المرخّصة أي ما يدل على أنّ المسافر يقصر إلّا إذا كان السفر عمله؟

فإن قلنا انّ مرجع الشك إلى التخصيص الزائد مثلًا نعلم أنّ من يسافر طوال السنة أو أكثرها خرج من العام و إنّما الشك في خروج من يسافر خصوص أشهر الحجّ، فلا شكّ انّ المرجع عموم الأدلّة المرخصة أي انّ المسافر يقصر.

و أمّا إذا قلنا بأنّ مرجع الشكّ ليس إلى التخصيص الزائد و دوران الأمر بين الأقل و الأكثر، و ذلك لانّه لو خرج الزائد فإنّما يخرج بعنوان واحد لا بعنوانين، فخروج الزائد و عدم خروجه لا يؤثر في قلّة التخصيص و أكثره.

فالمرجع هو الإطلاقات و أدلّة التمام، لأنّ إجمال المخصص يسري إلى الأدلّة المرخصة فلا يكون مرجعاً و لا حجّة فيرجع إلى العام فوق العام أي أدلّة التمام.

نعم قال السيد الخوئي بأنّ المرجع عندئذ هو إطلاق لفظ المكاري مع أنّ الحملدار ربما لا يكون مكارياً بل يكون مرشداً و منظماً للأُمور، على أنّك عرفت أنّ الموضوع عملية السفر، لا تلك العناوين.

***

من كان شغله المكاراة في الصيف فقط

من اشتغل بالمكاراة في الصيف دون الشتاء أو بالعكس قال السيد الطباطبائي:

الظاهر وجوب التمام عليه، و لكن الأحوط الجمع. و الظاهر هو

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 167

الأوّل.

و الذي يدل على ذلك أي عدم اشتراط الاستمرار، ما ورد من انّ الاشتقان و الجابي

«1» يُتمّان مع أنّ السفر عمل لهما في فصل خاص لا دائماً. و حصيلة البحث:

انّه إذا كان تمام الموضوع هو كون السفر عملًا له، كما هو الحال في صحيحة زرارة، فلا فرق بين استغراقه تمام

أيّام السنة أو بعضها.***

إذا كان شغله السفر إلى دون المسافة

إذا كان التردد إلى ما دون المسافة عملًا له كالسائق و نحوه، قصّر إذا سافر إلى حدِّ المسافة و لو للسياقة، لأنّ السفر إلى ما دون المسافة ليس موضوعاً للحكم، فهو يتم لأنّه كالحاضر عند الشرع، و على هذا فلو كثر سفره إلى ما دون المسافة، فهو مثل من لم يسافر، فيكون سفره إلى المسافة الشرعية، سفراً ابتدائياً و إن كان في الظاهر استمراراً لها، و لا اعتبار للوحدة الصورية و قد مرّ انّ السائق يقصر في سفره الأوّل إلّا إذا كان طويلًا يقوم مقام الأسفار العديدة.

و ما احتمله في العروة:

«من انّه إذا كان يصدق عليه المسافر عرفاً و إن لم يكن بحد المسافة الشرعية، فانّه يمكن أن يقال بوجوب التمام عليه، إذا سافر بحدّ المسافة» لا يمكن المساعدة معه، لأنّ الموضوع هو المسافر الشرعي، لا العرفي، و المراد من الكثرة، هي التي لولاها لكان عليه التقصير، و كلاهما غير موجودين في المقام كما لا يخفى.***

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 9، 12.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 168

شرطية عدم إقامته عشرة أيام

ثمّ إنّهم ذكروا تبعاً للشيخ في النهاية شرطية عدم إقامته عشرة أيّام، و سوف يوافيك انّ إقامة العشرة قاطع لموضوع السفر أو حكمه في فصل قواطع السفر، و إنّما البحث في المقام في كونه قاطعاً لحكم عملية السفر و انّه يرجع إلى القصر.

و بعبارة أُخرى أنّ إقامة العشرة تؤثر في حقّ المسافر في أيّامها، و لكن الإقامة في حقّ السائق مثلًا تؤثر إذا أخذ بالسفر بعدها، و إلّا فهو مطلقاً يتم، أقام أو لا، فلا تأثير لها فيها. فيقع الكلام في الأُمور التالية: 1. أقوال العلماء في أصل

المسألة، و ستعرف أنّ المسألة ليست بإجماعية عند القدماء و المتأخرين بل قطع صاحب الحدائق بالعدم.

2. ما هو دليل الحكم؟

3. هل تختص القاطعية بالسفرة الأُولى أو لا؟

4. هل الحكم مختص بالمكاري أو يعم سائر الأقسام؟

5. إذا أقام أقل من عشرة أيّام كما إذا أقام خمسة أيّام، فما هو حكمه؟

6. هل هناك فرق بين بلده، و غير بلده؟

7. هل يشترط أن تكون الإقامة منوية، في بلده أو في غير بلده؟

8. و هل تلحق بها إقامة ثلاثين يوماً متردّداً بحكم انّها يوجب الإتمام في حقّ المسافر بعده مثل الإقامة أو لا؟

و لنأخذ بدراسة المواضيع، فنقول:

1. أقوال العلماء

ذكره من القدماء الشيخ في نهايته، و ابن البراج في مهذبه، و ابن حمزة في

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 169

وسيلته.

1. قال الشيخ: فإن كان لهم في بلدهم مقام عشرة أيام وجب عليهم التقصير، و إن كان مقامهم في بلدهم خمسة أيّام قصّروا بالنهار و تمموا الصلاة بالليل. «1»

2. قال ابن البرّاج: و لا يجوز لأحد منهم التقصير إلّا أن يقيم في بلدة عشرة أيّام، فإن أقام ذلك قصر، و إن كان مقامه خمسة أيّام قصّر بالنهار و تمم بالليل. «2»

3. و قال ابن حمزة: فإن كان سفره في حكم الحضر لم يخل امّا كان له دار إقامة أو لم يكن، فإن كان له دار إقامة يكون له فيها مقام عشرة أيّام كان حكمه حكم غيره من المسافرين، و إن كان له فيها مقام خمسة أيّام قصّر بالنهار و أتم بالليل و إن لم يكن له دار إقامة، أتم على كلّ حال. «3»

4. و قد خالفهم ابن إدريس فانّه بعد ما ذكر عبارة الشيخ في النهاية قال:

و هذا غير واضح و لا يجوز العمل به، بل يجب عليهم التمام بالنهار و الليل بغير خلاف، و لا يُرجع عن المذهب بأخبار الآحاد، إلى آخر ما ذكره ثمّ قال: و قد اعتذرنا لشيخنا أبي جعفر الطوسي رضي اللّه عنه فيما يوجد في كتاب النهاية فقلنا أورده إيراداً لا اعتقاداً، و قد اعتذر هو في خطبة مبسوطه عن هذا الكتاب يعني النهاية بما قدمنا ذكره. «4»

5. و قال الكيدري: لا يجوز لهؤلاء التقصير إلّا إذا كان لهم في بلدهم مقام عشرة أيّام فحينئذ يجب التقصير، و إن كان مقامهم في بلدهم خمسة أيّام قصّروا

______________________________

(1). الطوسي: النهاية: 122.

(2). ابن البراج: المهذب: 1/ 106.

(3). ابن حمزة: الوسيلة: 108.

(4). ابن إدريس: السرائر: 1/ 341.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 170

الصلاة بالنهار و تمموها بالليل.

«1» نعم لم يذكره أكثر القدماء كابن أبي عقيل، و الصدوق في المقنع و الهداية، و المفيد في مقنعته، و المرتضى في الانتصار، و سلّار في مراسمه، و الحلبي في كافيه، و ابن زهرة في غنيته.

نعم ذكره كثير من المتأخرين من عصر المحقّق إلى يومنا هذا قال المحقّق:

و ضابطه أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام، فلو أقام أحدهم عشرة ثمّ أنشأ سفراً قصّر و قيل يختص ذلك بالمكاري فيدخل في جملته الملّاح و الأجير، و الأوّل أظهر و لو أقام خمسة قيل يُتم، و قيل يقصر نهاراً صلاته دون صومه و يتم ليلًا، و الأوّل أشبه. «2» و قال العلّامة في الإرشاد:

و الضابط أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام، فإن أقام أحدهم عشرة فصاعداً قصر، و إلّا أتم ليلًا و نهاراً على رأي. «3» و نقل المحقّق في المعتبر

عن بعضهم انّ اشتراط

(عدم) إقامة عشرة أيام مجمع عليه و خمسة أيام خبر واحد، و ردّ عليه المحقّق بأنّ دعوى الإجماع في مثل هذه الأُمور غلط. «4» نعم ناقش المحقّق الأردبيلي في سند الروايات الثلاث التي استدل بها و دلالتها و قال:

«و بالجملة ضابط كثرة السفر، و جعلها حاصلة في الثالثة كما هو مذهب البعض، أو الثانية كما اختاره في المختلف، و القطع بإقامة عشرة في بلده مطلقاً و في غيره مع النية، ممّا لا نجد عليه دليلًا. «5» و تبعه صاحب المدارك، و أفتى

______________________________

(1). الكيدري: إصباح الشيعة: 92.

(2). نجم الدين الحلي: الشرائع: 1/ 102.

(3). ابن المطهّر: إرشاد الأذهان: 1/ 275.

(4). نجم الدين الحلي: المعتبر: 253.

(5). الأردبيلي: مجمع الفائدة: 3/ 391.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 171

صاحب الحدائق بوجوب الاتمام مطلقاً، قائلًا بأنّ الأخبار الصحاح قد استفاضت لوجوب الإتمام على المكاري، و الخروج عنها بهذين الخبرين

(إشارة إلى أخبار المسألة) مع ما عرفت من الإشكالات المتقدمة فيهما مشكل. «1»***

2. ما هو دليل الحكم؟

إذا عرفت آراء الأصحاب فيها، فاللازم دراسة دليلها، و هي روايات ثلاث، و يمكن توحيدها لوحدة سندها، و إن كان بينها اختلاف في المتن.

الأُولى:

صحيحة هشام بن الحكم: عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتم الصلاة و يصوم شهر رمضان «2» و الاستدلال مبني على كون المراد من قوله: «و ليس له مقام» هو عدم إقامة العشرة و لكن يحتمل أن يكون قوله هذا تفسيراً لقوله: «يختلف» و عطف تفسير له. و معه لا يصح الاستدلال. الثانية:

ما رواه الشيخ بسنده عن: 1. محمد بن أحمد بن يحيى (مؤلف نوادر الحكمة)،

2. عن إبراهيم بن هاشم، 3. عن إسماعيل بن مرّار، 4. عن يونس بن عبد الرحمن، 5. عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام. قال: سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم و يتم، قال: «أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام أبداً، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير و الإفطار. «3»

______________________________

(1). البحراني: الحدائق: 11/ 395.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 11 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 12 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 172

نقد الرواية سنداً و متناً

و قد وقعت الرواية مورد النقد من كلا الجانبين:

أمّا الأوّل، فبوجهين أشار إليهما الأردبيلي و قال:

و في سنده إرسال و إضمار، مع أنّ إسماعيل بن مرّار مجهول. «1» و حاصله أمران: 1. في آخر السند ارسال.

2. إسماعيل بن مرّار مجهول.

و يمكن دفع الأوّل، بأنّ المراد من البعض في آخر السند، هو عبد اللّه بن سنان، بشهادة انّ الشيخ نقل هذه الرواية بنفس السند، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان

«2» و لو كان اختلاف، فإنّما هو في صدر السند، فقد نقل الشيخ الأُولى عن كتاب نوادر الحكمة، و الثانية عن كتاب سعد بن عبد اللّه القمي، و كلاهما رويا عن إبراهيم بن هاشم، و الاختلاف في المتن و اشتمال أحدهما على زيادة، لا يجعلهما روايتين لاحتمال السقوط من إحداهما. و أمّا كون إسماعيل بن مرّار مجهولًا، ممنوع، بل هو مهمل لا مجهول، فإنّ المجهول من حكم عليه أهل الرجال بالجهالة،

لا من عنون و عرف و لم يوثق، فانّه مهمل، أهمل أهل الرجال توثيقه، فقد عنونه الشيخ في رجاله، و قال:

إسماعيل بن مرار روى عن يونس بن عبد الرحمن، و روى عنه إبراهيم بن هاشم. «3» و يمكن إحراز وثاقته من الأُمور التالية:

1. كثرة رواياته عن يونس، قال السيد الخوئي: إنّ إسماعيل بن مرّار تبلغ

______________________________

(1). الأردبيلي: مجمع الفائدة: 3/ 396.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 12 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6.

(3). الطوسي: الرجال: فيمن لم يرو عن الأئمة، ص 447، برقم 35.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 173

رواياته عن يونس، أو يونس بن عبد الرحمن مائتين و زيادة، فالظاهر انّ رواياته هي من كتب يونس.

«1» 2. انّ إبراهيم بن هاشم أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم، و جلالة إبراهيم بن هاشم تمنع عن الرواية عن المجهول بكثرة، و إن كانت لا تمنع عن القلة، فإنّ الثقة يروي عن غير الثقة قليلًا لا كثيراً.

3. قال أبو جعفر ابن بابويه: سمعت ابن الوليد رحمه اللّه يقول: كتب يونس بن عبد الرحمن التي هي بالروايات كلّها صحيحة يعتمد عليها، إلّا ما ينفرد به محمد ابن عيسى بن عبيد، عن يونس، و لم يروه غيره فانّه لا يعتمد عليه و لا يفتى به. «2»

و هذا الكلام يدل على أنّ الرواية ممّا صحّحها ابن الوليد، و ليس له طريق لتصحيحها، إلّا وثاقة الراوي و أورد عليه بأنّه يمكن أن يكون تصحيحه على أصل رائج بين القدماء، و هو انّ الأصل في الراوي هو الوثاقة، فالجرح يحتاج إلى الدليل.

يلاحظ عليه:

بأنّ الظاهر من كلام الشيخ الصدوق في حقّ أُستاذه ابن الوليد، انّه كان نقّاداً للرجال، عارفاً بهم حيث، إنّه

يتبع في التصحيح و التجريح أثر أُستاذه، فيصحح ما صححه، و كل ما لم يصححه فهو عندنا متروك غير صحيح. «3» و من كان هذا شأنه فهو يتبع في التصحيح و التجريح الدليل لا على الأصل، و إلّا فلو كان الأصل أساس التصحيح فهو أيضاً كان موجوداً لدى الصدوق، فلا وجه لأن يعتمد عليه في كلا الموردين، بل يتبع في الجرح المستلزم للتحقيق.

______________________________

(1). معجم رجال الحديث: 3/ 183، برقم 1430.

(2). الطوسي: الفهرست: برقم 810.

(3). لاحظ كليات في علم الرجال، و قد أوضحنا الموضوع بتفصيل.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 174

أضف إلى ذلك انّ الشيخ أخرجه من كتاب نوادر الحكمة، لمحمد بن أحمد ابن يحيى، و قد استثنى ابن الوليد من رواته قرابة سبعة و عشرين شخصاً، و لم يستثن إسماعيل بن مرار.

«1» فهذه الوجوه تشرف الفقيه على الاطمئنان بصدور الحديث.

و أمّا الاعتماد في إحراز وثاقته على وقوعه في أسناد تفسير علي بن إبراهيم، أو كتاب كامل الزيارات

«2» لابن قولويه، فغير صحيح، و قد أوضحنا حاله في كتابنا «كليات في علم الرجال» «3». هذا كلّه حول المناقشة في السند، و أمّا المناقشة في دلالته فهي عبارة:

1. انّ الظاهر من الرواية انّ اقامة العشرة في البلد الذي يدخله، شرط متأخر، للإتمام في السفر المتقدم، و إن كان شرطاً مقارناً للقصر و الإتمام في السفر المتأخر.

يلاحظ عليه:

انّه ظهور بدئي، يرتفع بملاحظة الروايات الثلاث، فانّ الظاهر انّ الكلّ بصدد بيان حكم صلاة المكاري بعد الإقامة لا قبلها. 2. الظاهر انّ الشرط في الرواية هو الإقامة أكثر من عشرة أيام، مع أنّ الفتوى على كفاية العشرة.

يلاحظ عليه:

أنّ المراد هو العشرة، و ما زاد مثل قوله سبحانه: (فَإِنْ

كُنَّ نِسٰاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثٰا مٰا تَرَكَ) (النساء/ 11) و من المعلوم انّ الثلثين لبنتين و ما فوقهما، و لعلّه كان اصطلاحاً رائجاً.

______________________________

(1). رجال النجاشي: برقم 940. و لكن الظاهر انّ الاستثناء راجع إلى من يروي عنه بلا واسطة لا كل من يقع في سند الحديث.

(2). مستند العروة: 8/ 176؛ معجم رجال الحديث: 3/ 183، برقم 1430.

(3). راجع كليات في علم الرجال: 345297.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 175

الثالثة:

ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «المكاري إذا لم يستقر في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار، و أتم صلاة الليل و عليه صيام شهر رمضان، فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر، قصّر في سفره و أفطر». «1» و السند نقيّ عن الإشكال لكن المتن لا يخلو من مناقشات:

1. اشتماله على ما ليس في الرواية الثانية من أنّ الإقامة في المنزل بمقدار الخمسة يوجب التقصير في الصلوات النهارية دون الليلية و دون صيام شهر رمضان.

يلاحظ عليه:

أنّه ليس بإشكال، غاية الأمر انّها مشتملة على ما لم تشتمل عليه الثانية. 2. انقطاع الكثرة بأقلّ من خمسة خلاف الإجماع.

يلاحظ عليه:

أنّ المراد هو الأقل من العشرة، لا الخمسة و يؤيد ما جاء في مقابله، العشرة و ما فوقها، فيكون مقابله الخمسة و ما فوقها ممّا هو أقلّ من العشرة. 3. انّ الظاهر انّ الإقامة في البلد الذي يذهب إليه موجب للقصر في السفر المتقدم عليه.

يلاحظ عليه:

أنّ الظهور بدئيّ خصوصاً بملاحظة انّ الشرطية الثانية في مقابل الشرطية الأُولى و بما انّ المراد من قوله في الشرطية الأُولى: «قصر في

سفره بالنهار» هو السفر من البلد الذي أقام فيه خمسة أيّام يكون المراد من قوله: «قصر في سفره» هو السفر الذي ينشئه بعد الإقامة فيه. 4. انّ الصدوق رواه في الفقيه بزيادة في آخر الحديث أعني: «و ينصرف إلى

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 12 من صلاة المسافر، في ضمن الحديث 6.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 176

منزله و يكون له مقام عشرة أيّام أو أكثر، قصر في سفره و أفطر»

«1» و مقتضى الزيادة ترتب القصر على الإقامتين، إقامة في منزله، و إقامة في بلد الإقامة و هو ممّا لم يقل به أحد. و لعلّ كلّا من الإقامتين ناظر إلى مورد خاص، الإقامة في المنزل لمن يريد الخروج من البلد، و الإقامة في الأثناء لمن يريد الرجوع و لم يكن له إقامة في المنزل.

و لعلّ المجموع كاف في الحكم بأصل الانقطاع بالعشرة إجمالًا.

3. هل الحكم مختص بالسفر الأوّل؟

هل الحكم بالتقصير مختص بالسفرة الأُولى و يرجع في الثانية فضلًا عن الثالثة إلى التمام أو يعمّ الثانية و الثالثة أيضاً؟

ذهب المحقّق إلى القول الأوّل على ما حكاه عنه تلميذه الفاضل الآبي في كشف الرموز، و أمّا التعميم إلى الثانية و الثالثة، فمبني على الاختلاف السابق، من انّ المدار في اتخاذ السفر عملًا على العرف، أو على القول بحصول الكثرة بمرّتين أو بثلاث مرّات و قد ذهب الشهيد فيها إلى القول بتحققه بالثالثة، و لأجل ذلك قال في المقام بأنّ اسم المكاري زال عنه فعوده يتوقف على تكرر السفر ثلاثاً.

«2» و الحقّ هو اختصاص الحكم بالسفرة الأُولى، و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

1. قوله عليه السَّلام في ذيل مرسلة «يونس»: «و إن كان مقامه في منزله

أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير» فهو إمّا راجع إلى السفرة الأُولى

______________________________

(1). المصدر السابق، الحديث 5.

(2). الذكرى: مرّ مصدره.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 177

فهو المطلوب أو راجع إلى جميع الأسفار إلى آخر العمر فهو باطل بالإجماع، أو راجع إلى الثاني و الثالث فهو يتوقف على البيان و المفروض عدمه.

يلاحظ عليه:

أنّ الاستدلال فرع كون المتكلم في مقام البيان من الجهة المبحوث عنها و هو غير محرز، بل هو بصدد بيان أصل الحكم و انّه يقصر، و أمّا في أي سفر من أسفاره في أُولاها أو ثانيها أيضاً أو أكثر فليس بصدد بيانه. 2. انّ قوله عليه السَّلام في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر قصر في سفره و أفطر» ظاهر في السفرة الواقعة عقيب إقامة العشرة لا كلّ سفرة «1» و معنى ذلك انّ الدليل المخصص في المقام قاصر فيرجع في السفرة الثانية إلى عموم ما دلّ على أنّ من اتخذ السفر شغلًا يتم و يصوم و الحاصل انّه إذا كان المخصص مجملًا دائراً أمره بين الأقل و الأكثر و كان منفصلًا يرجع في مورد الشكّ إلى العموم، كما إذا ورد: أكرم العلماء و ورد لا تكرم الفساق منهم، و دار أمر الفاسق بين كونه مرتكباً للكبيرة فقط أو يعمها و الصغيرة فالمرجع هو عموم العام. و هو في المقام عموم ما دلّ على وظيفة من اتخذ السفر شغلًا هو التمام.

و ربما يؤيد التمام باستصحابه و ذلك لانّه بعد ما أقام العشرة في بلده ثمّ سافر وجب عليه القصر، و إذا دخل البلد وجب عليه

التمام، فلو فرضنا انشاء السفرة الثانية قبل العشرة كما هو المفروض، يستصحب حكم التمام المفروض عليه قبل انشاء سفره.

و لا يخفى انّ القضيتين مختلفتان، فالقضية المتيقنة من فرض عليه التمام بما انّه مقيم في بلده و غير مسافر و لو بقي فيكون مفروضاً عليه بما انّه مسافر و السفر عمله و معه كيف يمكن اسراء حكم أحدهما إلى الآخر مع الاختلاف في الموضوع؟

______________________________

(1). مستند العروة: 8/ 179.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 178

من غير فرق بين كون المستصحب حكماً كلياً، أو حكماً جزئياً مفروضاً على الشخص أمّا الأوّل فلا شكّ انّ الموضوع مختلف فأين قوله:

«يجب التمام على الحاضر»، من قوله: «يجب التمام على المسافر الذي اتخذ السفر شغلًا»؟ و أمّا الثاني فبأن يقال: كان الواجب على هذا الفرد المقيم في بلده هو التمام لحضوره فالأصل بقاؤه، و لو بعد ما غاب بالسفر، و كان السفر عمله، فانّ اختلاف الحيثيات، تؤثر في تغاير المتيقن و المشكوك. و على كلّ تقدير فالسفرة الأُولى هي الفرد المتيقن و لكن إذا كان سفراً قصيراً و أمّا إذا كان طويلًا، منتقلًا من بلد إلى بلد، بحيث يقوم السفر الواحد مكان الأسفار المتعددة فالظاهر، التمام.

و يظهر ممّا ذكرنا انّ إقامة العشرة، لا تخرج المكاري عن كونه مكارياً، و لا عن كون السفر عمله، فالحكم بالقصر بعد الإقامة

(إذا كان في غير بلده) في السفرة الأُولى حكم تعبدي، يقتصر على مورد اليقين كما لا يخفى.

لا فرق بين المكاري و الملّاح و الساعي

هل الحكم مختص بالمكاري و لا يعم غيره حتى الملاح، كما هو خيرة المحقّق الخوئي في تعليقته على العروة، أو يعم الملّاح و الأجير

(أجير الملاح و المكاري) كما حكاه المحقّق و لم يذكر ناقله

«1» أو يعمّ كلّ من حكم عليه بالتمام لأجل عملية السفر كما هو خيرة المحقّق، وجوه ثلاثة: أمّا الأوّل فهو مقتضى الجمود على ظاهر النص، أخذاً بالقدر المتيقن في تخصيص المخصص حيث إنّ مقتضى الأدلّة الأوّلية انّ المسافر يقصر، خرج عنه

______________________________

(1). نجم الدين الحلي: الشرائع: 1/ 102.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 179

مَنْ عمله السفر، فهو يتم و يصوم، و قد ورد عليه التخصيص في مورد المكاري في أنّه إذا أقام عشراً، فهو يقصر و يصوم و مقتضى الجمود على النص، الاقتصار على مورد النص.

يلاحظ عليه:

أنّه خلاف السيرة المستمرة بين الفقهاء من حمل أمثال المورد على المثال، و العرف يساعد على إلغاء الخصوصية في مثل الملاح الذي هو أيضاً مكار لكن في البحر. و بذلك تظهر قوة الوجه الثالث من عمومية الحكم لكلّ من يتم و يصوم لعملية السفر سواء كان لأجل كون السفر شغله أو كون شغله في السفر، أو لأجل كثرة السفر على وجه يوصف بأنّ السفر عمله.

إذا أقام أقل من عشرة أيّام

إذا أقام في بلده أو غيره خمسة أيّام فهل هو يؤثر في تقصير صلاته أو لا؟ ذهب الشيخ في نهايته، و ابن البراج في مهذبه، و ابن حمزة في وسيلته، و الكيدري في اصباحه

«1» إلى أنّه قصر نهاراً و أتمّ ليلًا و خالفهم ابن إدريس و قال: إنّ الشيخ ذكره إيراداً لا اعتقاداً. مقتضى مرسلة يونس انّ المدار هو إقامة عشرة أيّام، لا الأقل، نعم مقتضى صحيحة ابن سنان، تأثير الأقلّ من خمسة أيّام حيث قال:

«إلّا خمسة أيّام أو أقلّ» و لا يمكن العمل به لوجهين: 1. عدم الافتاء على وفقها حتى الشيخ حيث عرفت أنّ الوارد في كلامه و كلام

من بعده هو الخمسة.

______________________________

(1). مرّت نصوصهم في صدر البحث.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 180

2. التفكيك بين الصلوات النهارية و الليلية أمر بعيد.

3. دلّت النصوص على الملازمة بين التقصير و الإفطار و التفكيك بينهما على خلاف القاعدة حيث قال: «و عليه صيام شهر رمضان».

فإمّا أن تؤوّل بحمل التقصير في النهار على إرادة النوافل، أو يرد علمها إليهم عليهم السَّلام و قد احتاط السيد الطباطبائي و قال:

و إن كان الأحوط مع إقامة الخمسة الجمع و ظاهره الجمع نهاراً و ليلًا، مع أنّ مورد النص هو التقصير نهاراً لا ليلًا و لو احتاط فإنّما يحتاط في خصوص الصلوات النهارية.

لا فرق بين الإقامة في بلده و غيره

لا فرق في الإقامة بين بلده و غيره لوروده في النصوص ففي مرسلة يونس:

أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيّام. و مثله صحيح عبد اللّه بن سنان فلاحظ.

اعتبار القصد في الإقامتين و عدمه

هل تكفي في قاطعية الإقامة نفس تحققها بلا نيّة في كلا الموردين، أو يتوقف على اقترانها بها، أو يفصل بين الإقامة في البلد فيكفي نفس الحضور، و الإقامة في غيره فيعتبر كونها عن قصد ونية؟

أمّا الأوّل فهو مقتضى إطلاق النصوص، حيث إنّ المذكور فيه انّه أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله و ليس فيه شي ء من كونها ناشئة عن القصد و النيّة.

و ليس هنا دليل صالح لتقييد الإطلاق و لا سيّما انّ النيّة لا دخل لها في منافاة الإقامة عشرة لعملية السفر أصلًا. «1»

______________________________

(1). الحكيم: المستمسك: 8/ 84.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 181

يلاحظ عليه:

أنّه يتم إذا لم يكن دليل من خارج مقيّد للإطلاق كما سيوافيك. أمّا الثاني:

فانّ اعتبار القصد في الإقامة في غير البلد عند الأصحاب يستلزم اعتباره في الإقامة في البلد، لوحدة لسان الدليل في الإقامتين. يلاحظ عليه:

أنّه إنّما يتم لو كان القول باعتبار القصد في الإقامة في غير البلد مستنداً إلى نصوص المسألة، و أمّا إذا كان الاستظهار مستنداً إلى دليل خارجي فالقول بوحدة لسان الدليل غير نافع إذا كان مقتضى الدليل هو التفصيل كما سيوافيك. و أمّا وجه التفصيل فيمكن تقريبه بوجهين:

1. انّ حضور المسافر في الوطن، يخرجه عن كونه مسافراً و يصير حاضراً، فانّ السفر عبارة عن التغرب عن الوطن و المفروض انّه حاضر غير غارب، سواء نوى الإقامة أو لا، غير انّ الشارع حدّد القاطع بالعشرة لا بالأقل، فلو

لبث فيه بالمقدار المحدَّد، حصل القاطع فالحضور الحقيقي في الوطن بأيّ نحو كان يوجب خروجه عن كونه مسافراً.

و أمّا الإقامة في غير الوطن عشرة أيّام، فهو لا يخرج الإنسان عن كونه مسافراً، أقام مع النيّة أو لا، لتغرّبه عن البلد و الوطن، لكن الشارع تلقى الإقامة عشرة حضوراً تعبدياً لا واقعياً و المناسب لكونه عدلًا للحضور الحقيقي، هو اقترانها بالنية لا بدونها.

و الحاصل انّ مناسبة الحكم و الموضوع انّ كون الإقامة قاطعاً للسفر موضوعاً، تقتضي لبثه في غير الوطن مقروناً بالنيّة، لا بدونها، و لأجل ذلك يرى الشارع اللبثَ ثلاثين يوماً متردّداً قاطعاً للسفر في غير هذا المورد، فكيف يمكن أن يكون قاطعاً له، و إن كان بمقدار ثُلثه.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 182

2. إذا قورن ما ورد في الباب مع ما ورد في باب قاطعية الإقامة لسفر المسافر، تستأنس وحدة الموضوع في كلا الموردين غاية الأمر انّ الإقامة في المقام قاطع لسفر من اتخذ السفر شغلًا، و هناك قاطع لسفر مطلق المسافر، فبما انّ الموضوع هناك ليس مطلق اللبث بل المقارن مع القصد فهكذا المقام.

و الأولى تلقي هذا الوجه مؤيداً لا دليلًا، لاحتمال اختلاف الموردين من بعض الجهات.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي قدَّس سرَّه اعتمد في القول بالتفصيل على وجه آخر و قال:

إنّ الوجه في ذلك استفادته من نفس صحيحة ابن سنان حيث عبّر في صدرها عن المكث بالمنزل، بالاستقرار فيعلم انّ المدار فيه مطلق الاستقرار و البقاء الصادق مع النية و بدونها. و أمّا بالاضافة إلى البلد الذي يذهب إليه فقد عبّر بلفظ المقام قال: «فإن كان له مقام ... و المقام مشروب في مفهومه القصد حيث إنّه من باب الإفعال

من «اقام» «يقيم» و معناه اتخاذه محلًا و الاتخاذ لا يتحقّق إلّا مع القصد و النية. «1» يلاحظ عليه:

أنّه لا جامع و لا مانع، فقد عبر في مرسلة يونس عن الاقامة في البلد، بلفظ «اقام» مع انّه لا يقول فيه باعتبار القصد فيه، و جاء «المقام» في القرآن بمعنى مطلق اللبث، قال سبحانه: (وَ إِذْ قٰالَتْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ يٰا أَهْلَ يَثْرِبَ لٰا مُقٰامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) (الأحزاب/ 13). و الوجه في التفصيل ما ذكرناه.

في اختلاف كيفيات السفر

لا يشترط فيمن شغله السفر اتحادَ كيفيات و خصوصيات أسفاره من حيث الطول و القصر و من حيث الحمولة، و من حيث نوع الشغل فلو كان ملّاحاً،

______________________________

(1). مستند العروة: 8/ 185.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 183

فصار مكارياً أو بالعكس.

قال السيد الطباطبائي: إذا كان شغله المكاراة فاتفق انّه ركب السفينة للزيارة، يقصر لأنّه سفر في غير عمله. يلاحظ عليه:

بما ذكرناه من أنّ المراد من العمل الوارد في الرواية ليس بمعنى الحرفة و المهنة بل بمعنى ما يمارسه الإنسان و يلازمه في غالب الأيّام، و إن لم يكن حرفته، فلو ركب المكاري السفينة فقد مارسَ ما كان يمارسه فلم يتركه و الظاهر من الفرض انّه ركب السفينة بما انّه أحد المسافرين، و لم يَسُقْها و إلّا، لكان عمله الجديد، من سنخ عمله الماضي. مسألة:

قال السيد الطباطبائي: السائح في الأرض، الذي لم يتخذ وطناً منها يتم و الأحوط الجمع. أقول:

الغالب على السائح انّه يخرج من وطنه قاصداً السياحة في قطر أو أقطار من الأرض ثمّ يرجع إلى وطنه، و هذا يُقصّر و إن طال، و أمّا إذا ترك وطنَه و أخذ بالسير في أقطار العالم، فهو يُتم مطلقاً لأنّ القصر من شأن

من يخرج عن الوطن ثمّ يرجع إليه و هذا، ليس له حضر، فليس له سفر في مقابله. و الغالب على مثله، هو التصميم على عدم اتخاذ الوطن، أو التردد في الأخذ و عدمه، نعم لو كان بانياً على اتخاذ الوطن فهو من أقسام ما ذكره السيد في المسألة

55، و إليك نصّه: «من سافر معرضاً عن وطنه لكنّه لم يتخذ وطناً غيره يقصّر» مع كونه قاصداً له يقصر لأنّ له سفراً، و حضراً بالقوة لكونه على عتبة أخذ الوطن، و أكثرُ من يترك الوطنَ و يريد التوطن في نقطة أُخرى من مصاديق هذا الفرع، لأنّ أكثر الناس يشتكون من أوطانهم، فيتركونها طالبين التوطن في نقطة أُخرى فهو مسافر إلى أن يستقر باتخاذ الوطن، قال حجّة الإسلام التبريزي:

لو كانَ للمرء مِنْ عِزّ وَ مَكْرُمَة في دارِهِ لَمْ يُهاجِرْ سيّدُ الرّسلِ

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 184

من كان في أرض واسعة

من كان في أرض واسعة قد اتخذها مقرّاً إلّا انّه في كل سَنَة مثلًا في مكان منها، يقصر إذا سافر عن مقر سنته.

و ذلك إذا كان في العراق و له علائق بالمشاهد الأربعة النجف، و كربلاء و الكاظمية و سامراء على ساكنيها آلاف التحية و السلام، فيَسْكُن في كلّ سنة واحدة منها، فلو قلنا بأنّ له أوطاناً أربعة، فلا إشكال في وجوب القصر إذا خرج، و لو قلنا باعتبار الدوام في الوطن و لا يكفي توطن سنة في صدق الوطن فكذلك أيضاً، لأنّه يصير كلّ بلد محلّ الإقامة فإذا خرج يقصر.

إذا شكّ في الإقامة

إذا شكّ في أنّه أقام في منزله أو بلد آخر العشرة أو أقلّ بقي على التمام، للاستصحاب.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 185

الشرط الثامن: الوصول إلى حدّ الترخّص

اشارة

اتّفقت كلمة الفقهاء إلّا من شذّ على أنّه لا يجوز القصر إلّا بعد الضرب في الأرض و الشروع في السفر تبعاً لقوله سبحانه:

(وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ) (النساء/ 101). نعم نقل عن عطاء أنّه قال:

إذا نوى السفر جاز له القصر و إن لم يفارق موضعه «1» و نقل العلّامة في المختلف عن عليّ بن بابويه أنّه قال: «و إذا خرجتَ من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه». «2» و القولان شاذان و إن كان على مضمون الأخير رواية. «3» أمّا ما هو حدّ الترخّص الذي يجوز القصر عند الوصول إليه فقال أهل السنّة:

إنّ الحدّ مفارقة البنيان، قال الشيخ: إذا فارق بنيان البلد جاز له القصر، و به قال جميع الفقهاء. «4» و يكفي في تحقّقه، التجاوز عن البلد بأقدام يسيرة و المعروف عند أصحابنا، هو خفاء الأذان و الجدران كما سيوافيك نصوصهم، و بذلك يعلم انّ ما ذكره الشيخ في الخلاف في مورد من انّه: «إذا نوى السفر لا يجوز أن يقصر حتى يغيب عنه البنيان، و يخفى عنه أذان مصره، أو جدران بلده.

______________________________

(1). الخلاف: 1/ 573 المسألة 324.

(2). مختلف الشيعة: 3/ 110.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9 و الرواية مرسلة.

(4). الخلاف: 1/ 573، المسألة 325.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 186

و به قال جميع الفقهاء».

«1» يحتاج إلى توضيح، فإن أراد ب «غيبة البنيان»، خفاؤها فينطبق على فتوى الأصحاب و لكن لا يصحّ قوله: «و

به قال جميع الفقهاء» لأنّه كلّما أطلقه أراد به فقهاء العامة لا الخاصّة، و إن أراد به مفارقة البنيان، فهو ينطبق على فتوى العامة لكنّهم يقتصرون بمجرّد المفارقة، و لا يرون لزوم خفاء الأذان و الجدران إلّا أن يريد على خلاف الغالب من قوله: «جميع الفقهاء» فقهاء الفريقين، و يكون الحدّ الأوّل لفقهائهم، و الخفاءان لفقهائنا. و لقد أحسن العلّامة في التعبير عن المذاهب في التذكرة فقال معبراً عن رأي الطائفتين: «إنّما يباح القصر في الصلاة و الصوم إذا توارى عنه جدران البلد أو خفى عنه أذانه إلى أن قال: و قال الشافعي: لا يجوز القصر حتى يفارقَ البلد الذي هو فيه و منازله، و لم يشترط خفاء الجدران و الأذان. و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و إسحاق، لأنّ بنيان بلده يقطع استدامةَ سفره فكذا يمنع الابتداء. «2» إذا عرفت ما ذكرنا فلنذكر شيئاً من نصوص الأصحاب. 1. قال ابن أبي عقيل: على من سافر عند آل الرسول عليهم السَّلام إذا خلف حيطان مصره أو قريته وراء ظهره و غاب عنه صوت الأذان أن يصلّي صلاة السفر ركعتين. «3»

2. و قال الصدوق: و يجب التقصير على الرجل إذا توارى من البيوت. «4»

3. و قال المفيد: فلا يجوز له فعل التقصير في الصلاة و الافطار حتى يغيب عنه أذان مصره على ما جاء به الآثار. «5»

______________________________

(1). المصدر نفسه، رقم المسألة 324.

(2). التذكرة: 4/ 378.

(3). مختلف الشيعة: 3/ 110109.

(4). مختلف الشيعة: 3/ 110109.

(5). المقنعة: 350.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 187

4. و قال السيد المرتضى: ابتداء وجوب التقصير عليه من حين يغيب عنه أذان مصره و يتوارى عنه بنيان مدينته. «1»

5.

و قال الشيخ في النهاية: و لا يجوز التقصير للمسافر إلّا إذا توارى عنه جدران بلده و خفى عليه أذان مصره. «2»

6. و قال سلّار: ابتداء وجوب التقصير من حيث يغيب عنه أذان مصره. «3»

7. و قال ابن البراج: و من سافر سفراً يلزمه فيه التقصير فلا يجوز له ذلك حتى يخفى عليه أذان مصره أو يتوارى عليه جدران مدينته. «4»

8. و قال ابن إدريس: و ابتداء وجوب التقصير على المسافر من حيث يغيب عنه أذان مصره المتوسط أو يتوارى عنه جدران مدينته. و الاعتماد عندي على الأذان المتوسط دون الجدران. «5»

9. و قال المحقّق: لا يجوز للمسافر التقصير حتى يتوارى جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى عليه الأذان. «6»

10. و قال ابن سعيد: و يتم المسافر ما إذا سمع أذان مصره أو كان في بنيانه و إن طال و يقصر إذا غاب عنه الأذان، فإذا قدم من سفره فمثل ذلك. «7»

هذه كلمات فقهائنا من القرن الرابع إلى القرن السابع و هم:

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 110109.

(2). النهاية: 123.

(3). المراسم: 75.

(4). المهذب: 1/ 106.

(5). السرائر: 1/ 331.

(6). الشرائع: 1/ 102.

(7). الجامع: 92.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 188

بين مقتصر على خفاء الأذان فقط كابن أبي عقيل، و المفيد، و سلار، و ابن إدريس، و ابن سعيد.

إلى مشترط خفاء الأمرين معاً كالمرتضى، و الشيخ.

إلى ثالث قائل بكفاية خفاء أحد الأمرين كالمحقّق في الشرائع.

إلى رابع، قائل بشرطية خفاء المسافر عن البيوت.

فتلزم دراسة الروايات، و هي لا تتجاوز عن ثلاث و غيرها إمّا مؤوّلة أو محمولة على التقية. 1. صحيح محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: الرجل يريد السفر فيخرج، متى يقصّر؟

قال: «إذا توارى من البيوت». «1»

و ظاهر الحديث شرطية خفاء المسافر عن البيوت و أهلها، لا العكس كما هو الوارد في كلمات الأصحاب.

2. صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سألته عن التقصير؟ قال: «إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم، و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر، و إذا قدمتَ من سفرك فمثل ذلك». «2» و الوارد فيه هو خفاء الأذان فقط من دون إيعاز إلى خفاء الجدران.

3. صحيح حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: إذا سُمِعَ الأذان أتم المسافر. «3» و مفهومه: انّه إذا لم يسمع فلا يتم.

فالأُولى تركز على خفاء المسافر عن البيوت، و الأخيرتان تركزان على خفاء الأذان، فليس هنا دليل على شرطية خفاء الجدران، و لو اقتصرنا بظاهر النصوص تكون النسبة بين الضابطتين، هو التساوي غالباً، فلو كان الحد، هو خفاء المسافر، فهو بما انّه جسم صغير، يغيب عن أبصار أهل البيوت بأدنى ابتعاد يقارن خفاؤه

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 3 و 7.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 3 و 7.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 3 و 7.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 189

خفاء الأذان و هذا بخلاف ما لو قلنا بشرطية خفاء الجدران عن عيون المسافر، فانّ الجدران، لأجل كبرها و ارتفاعها، لا تغيب عن العيون عند خفاء الأذان، بل يخفى الأذان، من دون أن تتوارى الجدران.

و بما انّ النص هو تواري المسافر عن أهل البيوت، فيقارن خفاؤه

خفاءَ الأذان.

و تكون النسبة بين الضابطتين هي التساوي و لو كان هناك تخلّف فهو نادر سيوافيك حكمه.

نعم يقع الكلام في سبب عدول الأصحاب عن لفظ النص إلى غيره، فيمكن أن يقال انّ الموضوع الواقعي لوجوب التقصير هو الابتعاد الخاص عن البلد، الذي ينطبق عليه خفاء المسافر عن أهل البيوت و خفاء الأذان للمسافر و لما كان الوقوف على خفائه عن أهل البلد، أمراً متعذراً عدلوا إلى خفاء البيوت عليه، ليسهل للمسافر اختباره و يقف من خفائها على خفائه على أهل البيوت حيث إنّ خفاء البيوت على المسافر يلازم خفاءه عليهم.

و هناك وجه آخر ذكره سيدنا المحقّق البروجردي، و هو أنّ المراد من البيوت هو البيوت الرائجة في عصر صدور الرواية من بيوت الأعراب و خيمهم التي لم يكن ارتفاعها أزيد من ارتفاع قامة الإنسان بكثير فيلازم خفاؤها المسبب عن البعد، مع تواري المسافر عنها إذ المؤثر في سرعة الخفاء و بطئه هو طول الارتفاع و قصره و لا دخالة لعرض الشي ء في ذلك كما لا يخفى.

«1» غير انّ المهم ثبوت كون البيوت في عصر صدور الروايات كان على طول قامة الإنسان أو أرفع بقليل، مع أنّ وضع الأبنية في البلاد كان غير وضعها في

______________________________

(1). البدر الزاهر: 301، الطبعة الحديثة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 190

القرى و ضفاف الأنهار و الشطوط و معنى كلامه انّه لم يكن يوم ذاك بيت له طابقان أو طوابق نادراً و هو كما ترى.

و هناك وجه ثالث و هو انّ الميزان هو تواري الجدران، و لعلّ الأصحاب وقفوا على نصّ خاص يدلّ عليه و وصل إليهم و لم يصل إلينا و لكن الميزان هو خفاء صور البيوت لا

أشباحها، و من المعلوم انّ الأُولى تخفى بالابتعاد اليسير، بخلاف الأشباح فانّها ترى من بعيد، و عند ذاك تتفق الأمارات الثلاث و تتطابق:

1. خفاء الأذان.

2. تواريه عن البيوت.

3. توارى الجدران عن المسافر. و هذا الوجه هو أمتن الوجوه.

ثمّ إنّ القوم لما جعلوا المقياس، خفاء الجدران و البيوت، دون خفاء المسافر على أهل البيوت جعلوا المقام من باب الشرطيتين المتعارضتين حيث إنّ مفاد قوله:

«إذا خفي الجدران فقصّر» هو عدم التقصير إذا لم يخف الجدران سواء أخفي الأذان أم لا، كما انّ مفهوم قوله: «إذا خفي الأذان فقصّر» هو عدم التقصير إذا لم يخف الأذان سواء أخفي الجدران أم لا، فيقع التعارض بين مفهوم كلّ مع منطوق الآخر، و رفع المعارضة يحصل بأحد الأمرين: 1. رفع اليد، عن الانحصار، مع الاعتراف بكون كل واحد علّة تامة و ذلك يحصل بتقييد مفهوم كل بمنطوق الآخر، لقوة دلالته فتكون النتيجة، هو أنّه إذا لم يخف الجدرانُ فلا تقصِّر إلّا إذا خفي الأذان، و إذا لم يخف الأذان فلا تقصر إلّا إذا خفيت الجدران، و معنى ذلك، هو كفاية أحدهما.

فمن ذهب من الأصحاب إلى كفاية أحد الخفاءين لعلّه اعتمد على هذا الوجه.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 191

2. رفع اليد، عن العلّية التامة، و جعل كلّ من الخفاءين، جزء العلة، و ذلك يحصل بتقييد منطوق كلّ بمنطوق الآخر، فيكون المعنى هو إذا خفي الجدران و الأذان فقصر، و لعلّ من اشترط الأمرين اختار هذا الوجه.

و التصرف على الوجه الثاني و إن كان يرفع المعارضة إلّا أنّه لا موجبَ له لعدم التعارض بين المنطوقين إذ لا ينافي ثبوتُ التقصير، عند خفاء الجدران، ثبوتَه عند خفاء الأذان، فلا جرم ينحصر

رفع المعارضة بالوجه الأوّل فيكون خفاءُ أحدهما كافياً في ثبوت القصر.

و قد ذكر الأُصوليّون في باب المفاهيم وجوهاً خمسة لرفع التعارض، و أوضحنا حالها في محاضراتنا الأُصولية.

و التعارض ثمّ العلاج مبنيان على ورود خفاء الجدران على المسافر في النصوص، فلو كانت النسبة بين خفاء الأذان و تواري المسافر، و بين خفاء الجدران عموماً و خصوصاً مطلقاً يلزم لغوية الضابطة الثالثة، و لو كانت عموماً و خصوصاً من وجه يلزم التعارض في مورد الافتراق، و لكن الظاهر انّ الأمارات الثلاث مطابقة إذا أُريد من خفاء الجدران على المسافر، خفاء صورها لا أشباحها، و أُريد من خفاء الأذان خفاء صوت الأذان لا خفاء فصوله مع سماع صوته.

ثمّ على القول بالتعارض لا بدّ من رفعه بشكل آخر و هو الأخذ بكفاية خفاء الأذان و ذلك لوجهين:

1. شهرته بين أصحاب الأئمّة: كما في رواية إسحاق بن عمّار حيث يذكر للإمام و يقول: أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه. «1»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 192

2. انّ مقتضى عمومات الباب هو لزوم التقصير عند صدق السفر و الضرب في الأرض و يتحقّق ذلك بترك البلد، و إن لم يخف الأذان أو المسافر عن أهل البيوت، فلو خفي الأذان و لم يتوار المسافر عن البيوت أو لم تتوار الجدران، فمقتضى إطلاقات العمومات في المقدار المتخلل بين الخفاءين هو التقصير لدوران المخصص بين الأقل و الأكثر، فيؤخذ بالمتيقن. أمّا استصحاب التمام، فهو محكوم بالدليل الاجتهادي.

هذا من غير فرق بين القول بأنّ الشرط هو خفاء المسافر، أو خفاء الجدران ففي المقدار المتخلّل

يرجع إلى عمومات التقصير.

بقي هنا أمران

الأوّل: في علاج بعض الروايات الواردة في المقام.

الروايات الواردة في المقام على قسمين، قسم منها، يحكي فعل المعصوم و ربما يتراءى انّه مخالف للمختار، و أُخرى ما يدلّ بظاهره على كفاية الخروج عن المنزل.

أمّا الأُولى فإليك بيانها:

1. صحيح عمرو بن سعيد المدائني الثقة، قال: كتب إليه جعفر بن محمد (أحمد) يسأله عن السفر في كم التقصير؟ فكتب عليه السَّلام بخطه و أنا أعرفه: «قد كان أمير المؤمنين عليه السَّلام إذا سافر أو خرج في سفر قصّر في فرسخ».

يمكن أن يقال:

ليست الرواية «1» صريحة في كون حدّ الترخص هو الفرسخ، و إنّما الإمام أخّره إلى ذلك الوقت و إن كان جائزاً قبله.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 193

2. خبر أبي سعيد الخدري قال: كان النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إذا سافر فرسخاً قصّر الصلاة. «1»

و العمل لا يدل على انحصار الترخّص في الفرسخ، و إنّما اختار النبي هذا الفرد.

3. خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه انّه كان يقصر الصلاة حين يخرج من الكوفة في أوّل صلاة تحضره. «2»

فإنّ قوله:

«حين يخرج» قابل للحمل على خفاء الأذان و تواري المسافر. 4. خبر أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه: انّ عليّاً كان إذا خرج مسافراً لم يقصّر من الصلاة حتى يخرج من احلام البيوت، و إذا رجع لم يتم الصلاة حتى يدخل احلام البيوت. «3»

و ما في نسخة قرب الاسناد أو الوسائل من الضبط بالاحتلام غلط، و الصحيح:

الاحلام. قال في القاموس: الاحلام: «الأجسام بلا واحد»، و في هامش الوسائل من طبعة آل البيت ما يقضي العجب،

قال في الهامش: الحُلْم بالضم الرؤيا «و نسبه إلى القاموس المحيط» مع أنّه لا يناسب مورد الحديث، قال في القاموس: و حلم به و عنه: رأى له رؤيا أو رآه في النوم، فكان عليه أن يرجع إلى ذيل كلامه فقد فسره بما نقلناه عنه. و على كلّ تقدير فالرواية حاكية للفعل قابل للحمل على ما هو المعروف في حدّ الترخص فالخروج من أجسام البيوت، قابل للانطباق على المورد الذي يخفى فيه الأذان و غيره.

هذا كلّه حول الروايات الحاكية للفعل، و بما انّها لا لسان لها، تخضع

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4، 5، 10.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4، 5، 10.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4، 5، 10.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 194

للحمل على ما يطابق فتوى المشهور.

نعم هنا روايات تدل على كفاية الخروج من البيت و هو الذي أفتى به علي ابن بابويه قال:

إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه. و إليك هذه الروايات:

5. مرسلة حماد، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في الرجل يخرج مسافراً قال: «يقصر إذا خرج من البيوت». «1»

6. مرسلة الصدوق قال: روي عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام انّه قال: «إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه». «2»

7. رواية علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى عليه السَّلام في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله؟ قال: «إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر، أفطر إذا خرج من منزله». «3»

و الروايتان الأُوليان، مرسلتان لا يحتج بهما، و الثالثة محمولة على التقية،

خصوصاً انّ المخاطب كان مبتلى بها.

أضف إليه انّ الخارج من البيوت، غير الخارج عن البلد، لا يطلق عليه المسافر، لأنّه من السفر و هو البروز و الخروج من البلد. و هنا احتمال آخر، و هو انّ الخروج من البيوت كناية عن الخروج عن البلد، و هو ينطبق على فتوى الشافعي و غيره.

***

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 7 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 10.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 195

الكلام في الإياب

قد تعرفت على حكم الذهاب، و انّ الأمارات الثلاث متطابقة و لو كان هناك تعارض، فالمحكَّم هو خفاء الأذان.

و أمّا الإياب فهناك أقوال:

1. المشهور انّ حكم الإياب حكم الذهاب، فلو قلنا هناك بشرطية الخفاءين أو بكفاية واحد منهما نقول بمثله في الإياب، فالراجع من سفره يقصر إلى تلك النقطة.

2. ما ذهب إليه الشيخ علي بن بابويه و ابن الجنيد و المرتضى من القول بالتقصير إلى المنزل. و هو خيرة صاحب الحدائق من المتأخّرين.

3. ما يظهر من المحقّق فقد اكتفى في الذهاب بأحد الأمرين، و قال في الإياب بخفاء الأذان. و هو خيرة المدارك.

أمّا الأوّل فيدل عليه صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال:

سألته عن التقصير؟ قال: «إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم، و إذا كنت في الموضع لا تسمع فيه الأذان فقصّر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» «1» فانّه صريح في أنّ الإياب كالذهاب، و يؤيّده إطلاق صحيح البرقي عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «إذا سمع

الأذان أتم المسافر». «2» أي ذهاباً و إياباً. هذا و استدل صاحب الحدائق بروايات:

1. مرسلة حماد، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «المسافر يقصر حتى يدخل المصر». «3»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3، 7، 8.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3، 7، 8.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3، 7، 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 196

و الرواية مرسلة رواها صاحب الوسائل عن المحاسن، و لكن سقطت الواسطة بين حماد و الإمام عن نسخة الوسائل قال في الحدائق:

و روى البرقي في المحاسن في الصحيح عن حماد بن عثمان عن رجل عن أبي عبد اللّه «1» فلا يحتج به في مقابل الصحيح. 2. صحيح العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «لا يزال المسافر مقصّراً حتى يدخل بيته». «2»

3. صحيح معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «إنّ أهل مكة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتموا، و إذا لم يدخلوا منازلهم يقصروا». «3»

4. صحيح إسحاق بن عمار، عن أبي إبراهيم عليه السَّلام قال: سألته عن الرجل يكون مسافراً، ثمّ يدخل و يقدّم و يدخل بيوت الكوفة أيتم الصلاة أم يكون مقصّراً حتى يدخل أهله؟ قال: «بل يكون مقصراً حتى يدخل أهله». «4»

و يلاحظ على ثاني الأحاديث انّه أيّ خصوصية لأهل مكة.

و حمل التمام على اقامة الصلاة في مسجد الحرام، ينافي قوله: «و دخلوا منازلهم أتموا الصلاة». ثمّ إنّ لأصحابنا حول هذه الروايات محاولات مختلفة، فذهب العلّامة إلى تأويلها بأنّ المراد الوصول إلى الموضع الذي يسمع الأذان و يرى الجدران، فإن

وصل إلى هذا الموضع يخرج عن حكم المسافر فيكون بمنزلة من يصل إلى منزله.

«5» يلاحظ عليه:

أنّه يخالف صريح بعضها كصحيح العيص بأنّ المعيار، الدخول إلى البيت.

______________________________

(1). الحدائق: 11/ 411.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 7 من أبواب صلاة المسافر، الحدث 4، 1، 3.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 7 من أبواب صلاة المسافر، الحدث 4، 1، 3.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 7 من أبواب صلاة المسافر، الحدث 4، 1، 3.

(5). المختلف: 3/ 112.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 197

و حكى في الحدائق:

انّ صاحب المدارك و مثله الفاضل الخراساني التجئوا في الجمع بين هذه الأخبار، و بين عجز صحيحة ابن سنان إلى القول بالتخيير، بمعنى انّه بعد وصوله إلى محل الترخص من سماع الأذان الذي هو مورد الرواية، فإنّه يتخير بين القصر و الاتمام إلى أن يدخل منزله. «1» يلاحظ عليه:

أنّه فرع كون الروايات متعادلة من حيث جهة الحجّية، لأنّها متروكة غير معمولة فلا يحتج بها في مقابل المشهور منها، على أنّ الحكم، بالقصر في نفس البلد حتى يدخل بيته لا يخلو من غرابة مع كونه غير مسافر و لا ضارب في الأرض.***

إذا كان البلد في مكان مرتفع

إذا كان البلد في مكان مرتفع بحيث يرى من بعيد، أو كان في مكان منخفض يخفى بيسير، يقدر في الموضع المستوي، إذ لو كان المقياس في أمثال المورد هو خفاء البلد، يلزم اقامة الصلاة تماماً حتى بعد قطع أربعة فراسخ، أو تقصير الصلاة بالبعد عن البلد بمقدار عدة أمتار، فلا محيص عن تقدير البلد في الموضع المستوي.

و يؤيد ذلك انّ المواراة طريق إلى قدر من الابتعاد، و ليست لها موضوعية، و لأجل ذلك يقدر البلد في مكان غير مرتفع و لا منخفض حتى

يتعيّن البعد المعين.

قيام الخيام مكان البيوت

إذا لم يكن هناك بيوت و لا جدران يعتبر التقدير، كما إذا افترضنا كون

______________________________

(1). الحدائق: 11/ 414413.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 198

البيوت تحت الأرض كالمخابئ، نعم في بيوت الأعراب تقوم الخيام مكان البيوت، إذ ليس للبيوت خصوصية، و به يعلم حال الأذان فإذا لم يكن هناك أذان فيقدر.

ما هو الميزان في خفاء الأذان؟

إذا كان سماع الأذان شرطاً للتمام، كما في مرسلة حماد بن عثمان:

«إذا سمع الأذان أتمّ المسافر» «1» و كان خفاؤه شرطاً للتقصير، كما هو الظاهر من صحيح عبد اللّه بن سنان: إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر. «2» فما هو المقصود من سماعه و خفائه؟ يقع الكلام أوّلًا في أنّه هل للأذان خصوصية، و لا تقوم مقامه قراءة القرآن أو الشعر بصوت عال أو لا؟ الظاهر هو الثاني، لمساعدة فهم العرف، من أنّ خفاءه كناية عن الابتعاد الخاص، فلو كان المؤذن يقرأ آيات من القرآن، أو أشعاراً قبل الأذان، بنفس الصوت الذي يُؤذن، فيكون سماعه و خفاؤه مؤثراً في الإتمام و القصر.

و ثانياً:

هل الموضوع سماع نفس الصوت و إن لم يتميز كونه أذاناً أو قرآناً أو شعراً، أو هو لكن مع تميز كونه أذاناً، أو قرآناً أو شعراً، و إن لم تتميز فصوله أو آياته أو أبياته، أو هو مع تميز فصوله و جمله و كلماته، احتمالات؟ و الظاهر عدم كفاية الأوّل، لعدم صدق سماع الأذان، بمجرّد سماع الصوت المشترك، و صدق سماعه إذا تميز الصوت عن غيره، و إن لم يميز فصوله، و احتمال شرطية تميز فصوله، ضعيف جدّاً، و عليه السيد المحقق البروجردي في تعليقته على العروة، حيث قال: لا يخلو من قوّة مع تميّز كونه أذاناً.

و على كلّ تقدير لا عبرة بسماع صوت الأذان إذا كان خارجاً عمّا هو المتعارف في العلو أو الانخفاض حملًا للروايات على ما هو الغالب المعروف.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 7، 3.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 7، 3.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 199

هل المناط أذان آخر البلد؟

قال السيد الطباطبائي:

لو كانت البلدة متسعة فالمدار على أذان آخر البلد في ناحية المسافر. و أمّا إذا كانت صغيرة أو متوسطة فالمدار على أذان البلد و إن كان في وسط البلد على مأذنة مرتفعة. أقول:

ما ذكره السيد الطباطبائي في البلد المتسع صحيح إذ لو كان الميزان فيه هو أذان البلد لا آخر البلد، يلزم على المسافر التقصير و لو في داخل البلد، بخفائه قبل أن يترك البلد، و هو كما ترى. نعم لو كانت المحلات منفصلة على نحو يعد كلّ محلّة مكاناً، فلكلّ محل حكم نفسها.

أمّا البلد الصغير و المتوسط فالظاهر من السيد الطباطبائي و غيره انّ المعيار أذان البلد و معنى ذلك انّه لو خفي أذان البلد، و لو سمع أذان آخر البلد انّه يقصر، مع انّه يصدق عليه انّه إذا سمع الأذان أتم المسافر.

و الظاهر، هو أذان آخر البلد مطلقاً فلو كانت فيه مأذنة مرتفعة فالظاهر انّ الميزان سماع أذانه و خفاؤه لا أذان البلد و قد عرفت انّ خفاء الأذان طريق إلى الابتعاد على قدر معين فلو كان المدار في البلد الصغير و المتوسط على أذان البلد، و في الكبير على أذان آخر البلد يلزم الاختلال في البعد المقدّر و التفصيل بحمل الأذان في الأوّلين على الوسط و في المتسع على آخره يحتاج إلى

القرينة.

في اعتبار حدّ الترخص في محلّ الإقامة و عدمه

لا شكّ في اعتبار حدّ الترخص في الوطن خروجاً و دخولًا و عدم اعتباره في بعض الموارد التي حكم على المسافر بالتمام لفقدان بعض الشرائط كما إذا ذهب

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 200

لطلب الغريم بدون قصد المسافة ثمّ في أثناء الطريق قصد المسافة أو إذا كان السفر حراماً، فعدل في الأثناء إلى الطاعة أو إذا كان السفر لهوياً، فعدل في الأثناء إلى غيره.

و بالجملة ليست في المقام ضابطة على انّ كلّ من حكم عليه بالتمام لا يقصر إلّا بعد الوصول إلى حدّ الترخّص، حتى يؤخذ بها إلّا إذا دلّ الدليل على التخصيص كما في تلك الموارد.

نعم دلّ على شرطيته في الوطن و أمّا غيره، فمبني على استظهار الشمول للمقيم الخارج عن محلّ الإقامة. و على كلّ تقدير فيقع الكلام في حكم الخروج من محلها تارة و الدخول فيها أُخرى، و أمّا إذا أقام في محلّ ثلاثين يوماً، فالكلام فيه منحصر في الخروج إذ لا يتصور للدخول معنى فيه صحيح كما لا يخفى.

أمّا الخروج في الإقامة، فاللازم دراسة الروايات و استظهار سعة مفادها و ضيقه فيمكن استظهار السعة من الروايات التالية:

1. محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: الرجل يريد السفر متى يقصر؟ قال: «إذا توارى من البيوت». «1» و لكنّه ظاهر في السفر الابتدائي فيختص بالخروج عن البلد.

2. مرسلة حماد بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام: «إذا سمع الأذان أتم المسافر» «2» و رواه في الوسائل مسنداً بحذف «رجل». و الحديث مرسل كما مرّ لا يحتج به مضافاً إلى ظهوره في السفر الابتدائي، فيختص بالخروج عن البلد.

3. صحيحة ابن سنان عن أبي عبد

اللّه عليه السَّلام قال: «إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فاتم، و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك». «3»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 7، 3.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 7، 3.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 7، 3.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 201

و الحديث ظاهر في السفر الابتدائي بل صريح فيه بقرينة الذيل:

فإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك. 4. صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة، و هو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت أتم الصلاة و عليه إتمام الصلاة، إذا رجع إلى منى حتى ينفر». «1»

وجه الاستدلال هو انّه نزل المقيم منزلة المتوطن.

يلاحظ عليه:

بأنّ وجه التنزيل إنّما هو أظهر أحكامه و هو إتمام الصلاة، لا رعاية حدّ الترخص، أضف إلى أنّ الحديث متروك لوجهين: أ.

قوله: «فإذا زار البيت و أتم الصلاة» لما ذا يتمّ؟! بعد إنشاء السفر من محلّ الإقامة، اللّهمّ إلّا أن يحمل على الصلاة في المسجد الحرام فإنّه يجوز للمسافر فيه الإتمام. ب.

«و عليه اتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر» لما ذا بعد انشاء السفر من مكة إلى منى، إلى عرفات، إلى المشعر، فمنى، ثمّ إلى مكّة للطواف و السعي ثمّ إلى منى للمبيت. هذا كلّه في الخروج، و أمّا الدخول فليس له دليل إلّا ذيل صحيحة ابن سنان و قد عرفت ظهوره في السفر الابتدائي.

ثمّ

إنّ السيد المحقّق الخوئي قدَّس سرَّه فصّل بين كون الإقامة قاطعة لموضوع السفر أو قاطعة لحكمه فقال:

لو بنينا على أنّ قصد الإقامة قاطع لموضوع السفر و موجب للخروج عن عنوان المسافر عرفاً، بحيث لا يعمه دليل التقصير في حدّ نفسه،

______________________________

(1). الوسائل: ج 5، الباب 3 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 202

لخروجه عنه بالتخصص، لا للتخصيص صحّ حينئذ ما نسب إلى الأكثر من الإلحاق بالوطن لاندراجه في صحيحة محمد بن مسلم:

«الرجل يريد السفر متى يقصر؟ قال: إذا توارى من البيوت» و أمّا إذا بنينا على عدم خروج المقيم من موضوع المسافر و انّ الحكم بوجوب التمام عليه تخصيص في أدلّة القصر لا تخصص، فهو مسافر يجب عليه التمام، كالمسافر في صيد اللهو، أو السفر الحرام، فحينئذ يطالب بالدليل على اعتبار حدّ الترخص في حقّه بعد ان كان مقتضى الإطلاق وجوب القصر لكلّ مسافر، و التقصير بمجرد الخروج من محل الإقامة و لو بخطوة أو خطوتين. «1» يلاحظ عليه:

أنّ مفهوم كون الإقامة قاطعة لموضوع السفر، خروجه عن كونه مسافراً عرفاً فيكون الحكم عليه بالتمام، بالنسبة إلى أدلّة القصر تخصصاً لا تخصيصاً. و لكن هذا لا يكفي إلّا إذا ثبت أنّ كلّ من لم يكن مسافراً، لا يُقصِّر ما لم يصل إلى حدّ الترخص، مع أنّ الثابت بمقتضى الروايات السابقة انّ المتوطن إذا خرج عن وطنه، لا يقصر إلّا إذا وصل حدّ الترخّص، و ليس كلّ من لم يكن مسافراً فهو متوطن.

و بالجملة مقتضى عموم المنزلة هو خروجه عن عنوان المسافر لا دخوله في عنوان المتوطّن، و ما دلّ على لزوم رعاية حدّ الترخص، إنّما دلّ في حقّ المتوطن و

إن لم يرد عنوانه فيه، لكنّه ظاهر فيه و لم يدل شي ء على حكم أوسع منه و انّ غير المسافر مطلقاً تجب عليه رعاية حدّ الترخص.

و على ضوء ما ذكرنا لم نعثر على دليل صالح للزوم اعتبار حدّ الترخص للخروج أو الدخول في مورد الإقامة.

______________________________

(1). المستند: 8/ 214.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 203

اللهمّ إلّا إذا كان العرف مساعداً لإلغاء الخصوصية و انّ الروايات تستهدف تحديد حدّ الترخص لكلّ من يجب عليه التمام إلّا ما خرج بالدليل بلا خصوصية للوطن عرفاً.

و مع ذلك فلا يترك الاحتياط فإذا ترك البيت فلا يصلّ حتى يصل إلى حدّ الترخص، كما انّه إذا أراد الدخول فليؤخر الصلاة إلى المنزل.

هذا كلّه حول الخروج و الدخول عن محلّ الإقامة. و أمّا المقيم متردّداً ثلاثين يوماً في مكان، فلو قلنا فيه برعاية حدّ الترخص، فإنّما نقول به عند الخروج لا في حال الدخول، لعدم تصوّر صحيح له، إذ كيف يتصوّر دخول الرجل في مكان يعلم انّه يقيم فيه ثلاثين يوماً متردداً، فانّه أشبه بتناقض الصدر مع الذيل، فالتردد لا يجتمع مع العلم بالإقامة ثلاثين، نعم يتصور ذلك في الخروج و لا دليل صالح إلّا صحيح إسحاق بن عمّار قال:

سألت أبا الحسن عليه السَّلام عن أهل مكة إذا زاروا، عليهم إتمام الصلاة؟ قال: «نعم و المقيم بمكة إلى شهر بمنزلتهم» «1» فانّ تنزيل المقيم ثلاثين متردداً، منزلة أهل مكة ربما يعطى كونه مثلهم في جميع الأحكام حتى رعاية حدّ الترخص لو لم نقل بأنّ التنزيل لأجل أظهر الأحكام لا كلّها، و الأظهر هو فرض الإتمام له، لا كلّ الأحكام.

لو شكّ في البلوغ إلى حدّ الترخص

لو شكّ في البلوغ إلى حدّ الترخّص بنى على عدمه، فيبقى على

التمام في الذهاب، و على القصر في الإياب عملًا بالاستصحاب في كلّ مورد.

نعم لو صلّى الصلاة الثانية في نفس المكان الذي صلّى فيه الصلاة الأُولى

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 204

يعلم إجمالًا ببطلان إحدى الصلاتين، لأنّه إمّا من الأمكنة التي لا يُسمع فيها الأذانُ فالأُولى باطلة، أو ممّا يسمع فالثانية غير صحيحة.

فلو قلنا انّ الموضوع هو الترخص المحرز، على وجه يكون العلم مأخوذاً في الموضوع على وجه الوصفية دون الطريقية، كما ربما يُستظهر

«1» و يؤيّد برواية زرارة: «في أنّ من أتم في موضع القصر، فقد أتى بوظيفته» «2» فقد أتى بالواقع إذ لا واقع إلّا ما أحرز. أمّا إذا شكّ في أنّ الموضوع هو الحدّ الواقعي أو الحدّ المحرز، فإذا دار أمر العلم بين كونه مأخوذاً على وجه الطريقية أو الوصفية، فقد أفاد بعضهم بأنّ مقتضاه عدم تأثير العلم الإجمالي إذ لا يعلم إجمالًا بمخالفة إحدى الصلاتين لأنّه أتى بما هو وظيفته و يشك في وجوب إعادة إحداهما.

يلاحظ عليه:

بأنّ مقتضى قاعدة الاشتغال قبل إقامة الصلاة هو تنجز العلم الإجمالي و لزوم الخروج عن عهدة التكليف بنحو اليقين إلّا إذا دلّ الدليل على الاجزاء، و انّ العلم مأخوذ بنحو الوصفية. و لكن الظاهر انّ العلم طريقي، و على ذلك فلا شكّ في تنجيز العلم الإجمالي في المقام و لأجل الفرار عنه، لو صلّى في الإياب في مكان آخر متقدم على المكان الذي صلّى فيه ذهاباً لا يتولد هناك علم إجمالي.

نعم يبقى الكلام فيما إذا اتحد مكان الصلاتين عرفاً، فنقول للمسألة صور: 1. إذا شكّ في الذهاب و صلّى تماماً عملًا بالاستصحاب

و هو يعلم انّه سيبتلى بنفس هذا الشك في الإياب و يصلّي قصراً بمقتضى الاستصحاب، فيعلم بفساد إحدى الصلاتين فبما انّه لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي بين التدريجيات

______________________________

(1). السيد الاصفهاني على ما في تقريرات بعض تلاميذه: 193.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4، و هو منقول بالمعنى.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 205

و الدفعيات، فلا محيص له عن أحد أمرين، إمّا الجمع ذهاباً و إياباً، أو تقديم الصلاة الثانية على ذلك المكان، أو تأخيرها عنه على وجه يجزم بأنّه لم يدخل حدّ الترخص أو تجاوز عنه إلى جانب البلد.

2. إذا شكّ في الذهاب و صلّى الظهر فيه تماماً و اتّفق انّه صلّى في ذلك المكان في الإياب من دون سبق علم و صلّى العصر قصراً فله صورتان:

الأُولى:

أن يكون الوقت باقياً، كما إذا صلّى الظهر ذهاباً و العصر إياباً، فالاستصحابان متعارضان و متساقطان فلا محيص عن التمسك بقاعدة الاشتغال، فيعيد الظهرَ قصراً، و العصرَ تماماً. و مع ذلك يمكن تصحيح صلاة الظهر بوجهين تاليين، و إن كان الأوّل غير تام:

1. إجراء قاعدة التجاوز فيها، فإنّ مرجع الشك في أنّ هذا المحل مصداق لحدّ الترخص أو لا، إلى أنّ الصلاة واجدة للشرط كالشكّ في دخول وقت صلاة الظهر.

إلّا أن يقال بعدم شمول الضابطة، للمورد لأنّه لم يكن في حالة العمل أذكر من حالة الشكّ، بل هو في كليهما شاك في كونه مصداقاً لحدّ الترخص أو ليس بمصداق.

2. انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي بفقدان ما صلّى عصراً قصراً شرطَ الصحة لأنّه لو كان المكان المشكوك حدّ الترخص للقصر، فصلاة الظهر فاسدة، و يترتب عليه بطلان صلاة العصر قصراً، لأنّ

صحّة العصر مشروط بترتبها على الظهر الصحيح و المفروض بطلان صلاة الظهر، و لو كان الموضع حدّ الترخص للتمام، فصلاة العصر فاسدة بنفسها، لأنّه صلّاها قصراً، و على كلّ تقدير فصلاة العصر باطلة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 206

الثانية:

إذا خرج وقت الصلاة الأُولى كما إذا صلّى الظهرين ذهاباً، و صلاة العشاء إياباً، فالانحلال المذكور في الصورة الأُولى غير متصور في المقام لعدم شرطية ترتّب العشاء على الظهرين، فيبقى العلم الإجمالي على حاله. ربما يقال بانحلال العلم الإجمالي و ذلك للعلم بصحّة الظهرين تماماً على كلّ تقدير سواء أ كان ذلك الموضع حدّاً للترخص أم لا، أمّا الثاني فواضح فإنّ وظيفته هو الإتمام و المفروض انّه أتم، و أمّا الأوّل فلعموم ما دلّ على صحّة صلاة من أتم موضعَ القصر لعذر من الأعذار من جهل بالحكم أو موضوعه، نظير من أتم بزعم انّ المسافة لا تبلغ الثمانية ثمّ بان الخلاف، و على ذلك فصحّة الظهرين تكون محرزة، و معه لا حاجة للاستصحاب فيه بعد العلم التفصيلي بصحّة التمام، فيبقى الاستصحاب بلحاظ الإياب سليماً عن المعارض فيصلي العشاء قصراً و لا يحدث من ذلك العلم الإجمالي، ببطلان التمام أو القصر لصحّة الأوّل على كلّ تقدير.

يلاحظ عليه أوّلًا:

أنّ الظاهر ممّا دلّ على «صحّة من أتم مكان القصر عن جهل» هو الجهل بالحكم لا «1» بالموضوع و لا خصوصياته بشهادة انّه جعل المعيار للصحة و البطلان هو قراءة آية التقصير و تفسيرها و عدمها. و سيوافيك بيانه في محلّه. و ثانياً:

كيف يمكن الاستغناء عن الاستصحاب في الظهرين، مع أنّ الحكم بالإتمام مبني عليه و لولاه لما حكمنا عليه بالاتمام غاية الأمر يكون طرف المعارضة هو الاستصحاب الجاري

لدى الإتيان بالظهرين، مع الاستصحاب الجاري عند الإتيان بالعشاءين؟

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، و لا إطلاق في سائر روايات الباب، فلاحظ.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 207

هذا و لا يمكن أيضاً تصحيح الظهرين لا بقاعدة التجاوز، و لا بقاعدة الحيلولة، أمّا الثانية فلاختصاص دليلها بما إذا شكّ في أصل الإتيان لا في صحّة المأتي به، و أمّا الأُولى فلأنّ استواء الحالتين في الأذكرية، و هذا هو الوجه في عدم جريان قاعدة التجاوز لا لاختصاص القاعدة باحتمال الخلل المستند إلى الفعل الاختياري المفقود في المقام كما عليه السيد المحقّق الخوئي لشمول القاعدة لكلّ شك يرجع إلى قيام المكلّف بالوظيفة، و لأجل ذلك لو صلّى إلى جهة، ثمّ شكّ في أنّه هل أحرزت جهة القبلة أو لا؟ فيحمل على الصحيح.

و بذلك اتضح انّه لا مجال للأُمور الثلاثة، في جانب الظهرين:

«1» 1. الانحلال، 2. قاعدة التجاوز، 3. قاعدة الشكّ بعد خروج الوقت، فيصل الأمر إلى الأُصول العملية و هو البراءة في الظهرين و الاشتغال في العشاء.

أمّا الأُولى فلأنّ القضاء إنّما هو بأمر جديد، تعلّق بأمر وجودي و هو الفوت في صحيحة زرارة قال:

قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر قال: «يقضي ما فاته كما فاته» «2» و هو غير محرز وجداناً لاحتمال صحّة الصلاة السابقة و لا تعبداً، لأنّه أمر وجودي لا يثبت باستصحاب عدم الإتيان بالواجب، فيكون الأمر بالقضاء مشكوكاً فيه فيرجع فيه إلى البراءة، و أمّا العشاء فالمحكَّم فيه هو قاعدة الاشتغال فيجمع بين القصر و الإتمام تحصيلًا للمؤمِّن.***

لو صلّى قبل حدّ الترخص فوصل في الأثناء إليه

إذا كان في السفينة أو القطار فشرع في الصلاة بناء على صحّة الصلاة في

______________________________

(1). المستند: 8/ 223.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 208

حال السير قبل حدّ الترخص بنيّة التمام ثمّ في الأثناء وصل إليه، فللمسألة صور:

1. وصل إليه و لم يدخل في قيام الركعة الثالثة.

2. وصل إليه و قد دخل فيه.

3. وصل إليه و قد دخل في ركوع الركعة الثالثة.

أمّا الأُولى فلانقلاب الموضوع حيث كان حاضراً فصار مسافراً، و بما أنّ الأمر لم يسقط، و الفريضة بعدُ لم يأت بها المكلف، فيأتي بها حسبَ ما تقتضيه وظيفته الفعلية بالنسبة إلى كيفيّة العمل من قصر أو إتمام فيشبه المقام بمن كان حاضراً أوّل الوقت و صار مسافراً حين الإتيان فيأتي بالصلاة قصراً.

فإن قلت:

إنّه قصد الأمر بالإتمام، فكيف يصحّ قصراً مع انّه لم يقصد أمره، فيكون من باب ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد؟ قلت:

ما ذكر مبني على تعدّد الأمر و انّ الأمر المتوجه إلى الحاضر، غير الأمر المتوجه إلى المسافر، مع أنّ الظاهر من الآية أنّ الأمر واحد، و إنّما الاختلاف في الكيفية أي في الطول و القصر، كصلاة المُصحِّ و المريض، قال سبحانه: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ) (النساء/ 101) أي أن تقصروا نفس الصلاة المأمور بها في الحضر، فالمأمور به واحد، غير انّه تختلف كيفيته طولًا و قصراً. و يؤيد ذلك ما دلّ من الدليل على أنّ المسافر إذا نوى الإقامة في أثناء الصلاة وجب عليه الإتمام.

«1» و هذا دليل على أنّ نيّة القصر لا تضر، و ليس القصر و لا التمام من العناوين القصدية، بل يحصل المأمور به بنفس الإتيان بالصلاة قصراً أو تماماً إذا وافق الواجبَ في

حقّه، بخلاف عنواني الظهر أو العصر، بل الأداء و القضاء إذ الجميع من العناوين القصدية التي لا تصح الصلاة إلّا

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 20 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 2.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 209

بقصدها، و لذلك يجب العدول من العصر إلى الظهر إذا ذكر انّه لم يأت بالظهر، و تبطل صلاة العصر إذا أتى بها في الوقت المختص بالظهر، كلّ ذلك دليل على أنّ الصلاتين تتميزان بقصد واحد من العنوانين.

و على ضوء ذلك، فالمصلّي و إن قصد نية التمام، لكنّه غير مخلّ، و إنّما يجب عليه أن يراعي ما وظيفته حينَ ما توصف الصلاة بأحد الوصفين من القصر و الإتمام فلو كان حين التشهد، في موضع يسمع فيه الأذان فيتم و إلّا فيقصر.

نعم استشكل سيد مشايخنا المحقّق البروجردي في شمول قوله من صحيحة عبد اللّه بن سنان:

«و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر» «1» لمثل المقام مدعياً بأنّ المتبادر ثبوت القصر لمن وقع جميعُ صلاته في الموضع الذي لا يسمع فيه الأذان لا من وقع جميع صلاته ما عدا السلام مثلًا فيما صلى دون حدّ الترخص إلى أن وصل إليه .... «2» يلاحظ عليه:

بأنّ الكلام وارد مورد الغالب، فلا يزاحم سعة الحكم للمقام، أضف إليه انّه لا قصور في إطلاق قوله في جواب من سأله عن زمان التقصير (متى يقصّر) فقال: «إذا توارى من البيوت». «3» و ممّا ذكر يعلم حكم الصورة الثانية أعني إذا وصل إلى حدّ الترخص و قد دخل في قيام الركعة الثالثة لما مرّ من انقلاب الموضوع و صيرورة الواجب في حقّه هو القصر، و لأجل ذلك يهدم القيام،

فيتمها قصراً فتكون الزيادة، كالزيادة السهوية.

هذا و انّ الظاهر من العلّامة في «التذكرة» هو التمام قال:

«و لو أحرم في السفينة مثل أن تسير و هو في الحضر ثمّ سارت حتى خفي الأذان و الجدران لم يجز

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3 و 1.

(2). البدر الزاهر: 317.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3 و 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 210

له القصّر لأنّه دخل في الصلاة على التمام».

و الظاهر

«1» انّ مراده في قوله: «على التمام» هو نية التمام، لا وقوع جميع صلاته في الحضر، لأنّ الظرف متعلّق بقوله: «دخل» و المتبادر من عبارته انّ القصر و التمام عنده من العناوين القصدية. و أمّا الصورة الثالثة:

إن دخل حدّ الترخص بعد ما دخل في ركوع الركعة الثالثة، فذهب السيد الطباطبائي و تبعه المحقّق البروجردي إلى وجوب الإتمام، ثمّ إعادتها قصراً. و قال السيد الحكيم ببطلان ما في يده من الصلاة و إعادتها قصراً.

لا إشكال انّه لا يصح له القصر لاستلزامه زيادة الركن، إنّما الكلام في تصحيحها تماماً و معه لا وجه للاحتياط و إلّا فلا مناص من ضمّ القصر إليه.

أمّا التصحيح و هو مبني على شمول قوله عليه السَّلام:

«الصلاة على ما افتتحت عليه» لمثل المقام مع أنّ المتيقن منه هو الساهي الذي عدل من نية الأداء إلى القضاء أو من الفريضة إلى النافلة ففي مثله يقال: «الصلاة على ما افتتحت عليه» و أين هو من مقامنا الخالي عن أيّ سهو، سوى تبدل الموضوع و لعلّ الاحتياط في مورده. هذا كلّه في الذهاب و أمّا الإياب فكما إذا شرع في الصلاة في حال العود

قبل الوصول إلى حدّ ترخص القصر، ثمّ وصل في الأثناء إليه.

و ليس له إلّا صورة واحدة و هو الوصول إليه قبل الدخول في قيام الركعة الثالثة، فاختار السيد الطباطبائي وجوب الإتمام، ثمّ احتاط استحباباً بإتمامها قصراً، ثمّ إعادتها تماماً. يلاحظ عليه:

أنّه إذا صحت الصلاة عنده تماماً كما هو ظاهر كلامه، فالحكم بإتمامها قصراً إبطال لها و هو على خلاف الاحتياط، و لو حاول الاحتياط

______________________________

(1). التذكرة: 4/ 382.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 211

كان عليه أن يقول أتمها تماماً، ثمّ أعادها قصراً و تماماً أيضاً.

و الظاهر صحّة الصلاة تماماً، لانقلاب الموضوع و انّ الميزان في القصر و الإتمام كونه في حال التشهد حاضراً أو مسافراً، و المفروض انّه حاضر، و وظيفته الإتمام.

إذا اعتقد الوصول إلى الحد و صلّى و بان الخلاف

إذا اعتقد الوصولَ إلى الحدّ و صلّى و بان الخلاف، فللمسألة من حيث كونه ذاهباً أو جائياً، و كونه معتقداً للوصول إلى حدّ القصر و التمام صور أربع:

1. إذا اعتقد في الذهاب الوصولَ إلى حدّ القصر، فصلّى، ثمّ بان انّه لم يصل إليه.

2. إذا اعتقد في الإياب أنّه وصل إلى حدّ التمام، فصلّى تماماً، ثمّ بان انّه لم يصل إليه.

3. إذا اعتقد في الذهاب أنّه لم يصل إلى حدّ الترخص للقصر، فصلّى تماماً، ثمّ بان خلافه.

4. إذا اعتقد في الذهاب انّه لم يصل إلى حدّ التمام، فصلّى قصراً، ثمّ بان خلافه.

و إليك بيان أحكام الصور:

أمّا الصورة الأُولى:

فقال السيد الطباطبائي: وجبت الإعادة أو القضاء تماماً، و وجهه واضح، لأنّ ما دلّ على معذورية الجاهل بالحكم في باب القصر و الإتمام، فإنّما دلّ في مورد الجهل بالحكم دون الموضوع (و سيوافيك الكلام في الجهل بالموضوع في محلّه) على أنّه من المحتمل اختصاص النصّ

بمن أتم في موضع القصر، لا من قصّر في موضع الإتمام كما هو المفروض في المقام، ثمّ إنّ

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 212

الحكم بالتمام إعادة و قضاءً مبني على توقفه في ذلك المقام إلى خروج الوقت، و أمّا إذا سار و وصل إلى حدّ القصر، و الوقت باق فإن انكشف الخلاف في الوقت يعيدها قصراً، و إن لم يُعد أو انكشف في خارجه يقضيها قصراً، لأنّ إعادة الصلاة من حيث القصر و التمام تابع للوقت الذي يعيدها فيه المفروض انّه مسافر في حال إعادة الصلاة الباطلة، كما أنّ قضاءها تابع لما فاتته في آخر الوقت و المفروض أنّها فاتته و هو مسافر، فعلى كلا التقديرين يعيد و يقضي قصراً.

و الحاصل انّه يعيد حسب حاله في الإعادة من السفر و الحضر، و تقضى حسب ما فاتته في آخر الوقت قصراً أو تماماً.

الصورة الثانية:

لو صلّى في العود تماماً باعتقاد الوصول إلى حدّ الترخص للتمام فبان عدمه، قال السيد الطباطبائي: وجبت الإعادة أو القضاء قصراً. و كلامه مبني كما عرفت على توقّفه في ذلك المكان و انكشاف الخلاف في الوقت، فيعيدها قصراً، لأنّه في حال الإعادة مسافر، كما انّه يقضيها كذلك لأنّ الصلاة فاتته و هو مسافر، و أمّا لو سار و وصل إلى حدّ التمام و انكشف الخلاف، فيعيدها تماماً، لأنّه حاضر وقت الإعادة و يقضيها كذلك لأنّ الصلاة فاتته و هو حاضر آخر الوقت.

الصورة الثالثة:

إذا اعتقد في الذهاب عدم الوصول إلى حدّ القصر فصلّى تماماً، ثمّ بان انّه وصل إليه، يعيدها قصراً لأنّه في حال الإعادة مسافر و يقضيها قصراً، لأنّه فاتته، و هو مسافر سواء توقف في ذلك المكان، أو سافر

إذ هو في كلتا الحالتين مسافر. الصورة الرابعة:

إذا اعتقد في الإياب انّه لم يصل إلى حدّ التمام، فصلّى قصراً، ثمّ بان خلافه و انّه دخل إلى حدّه، يعيدها تماماً و يقضيها تماماً من غير فرق بين كونه متوقفاً فيه أو جائياً إلى جانب البلد.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 213

و بذلك تقف على صحّة كلام السيد بشرط أن يفسّر كلامه على نحو ما ذكرناه.

ثمّ إنّ القول بالإعادة و القضاء في جميع الصور إنّما يتم على أحد القولين أمّا القول بتعدّد الأمر، أو لوحدته، و لكن مع القول بعدم الاجزاء في امتثال كيفية المأمور بالاستصحاب، و إلّا فلو قلنا بوحدة الأمر كما هو المسلم و انّ الأمر بامتثال أمر المولى على النحو الذي أمر به من العمل من الأمارة و الأُصول يدل عرفاً على كونه مكتفياً في أغراضه بما أدّى إليه الدليل، فالاجزاء في جميع الصور لا يخلو من قوة و قد أوضحنا حاله في مبحث الاجزاء.

***

إذا وصل إلى حدّ الترخّص ثمّ وصل إلى ما دونه

إذا سافر من وطنه، و جاز حدّ الترخّص، ثمّ وصل في أثناء الطريق إلى ما دونه، أي إلى نقطة يسمع فيها أذان البلد، امّا لاعوجاج الطريق، أو لأمر آخر من قضاء حاجة و نحوها، و هناك صور:

1. إذا سافر من وطنه و جاز عن الحدّ ثمّ وصل إلى ما دونه.

2. إذا سافر من محلّ الإقامة و جاز عن الحدّ، ثمّ وصل إلى ما دونه.

أمّا الصورة الأُولى فيقع الكلام فيها في أُمور:

أ.

حكم الصلاة إذا أراد أن يصلّي فيما دون الحد. ب.

حكم الصلاة إذا صلّى بعد ما جاوز الحدّ ثمّ وصل إلى ما دونه. ج.

ما هو المبدأ لاحتساب المسافة إذا رجع إلى ما دون حدّ الترخّص؟ أمّا الأوّل

فهو كما قال السيد الطباطبائي:

فما دام هناك يجب عليه التمام،

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 214

عملًا بإطلاق صحيحة عبد اللّه بن سنان:

«إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم». «1» و أمّا الثاني:

أعني حكم الصلاة إذا جاوز الحدّ و لم يصل إلى ما دونه، فهل هو يقصر مطلقاً، أو فيما إذا لم يعلم برجوعه إلى ما دون المسافة؟ و الثاني هو المتيقن من صحيح زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده فدخل عليه الوقت، و قد خرج من القرية على فرسخين، فصلّوا و انصرف بعضهم في حاجة فلم يُقضَ له الخروج، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين؟ قال: «تمّت صلاته و لا يعيد». «2» و قد مضى الكلام فيه، و قلنا بأنّ ما ورد في خبر سليمان بن حفص المروزي

«3» من الأمر بالإعادة محمول على الاستحباب، و صحّة القصر في المقام أولى من صحّته إذا بدا له في أصل السفر، و أمّا كونه هو المتيقن، فلأنّ الصحيح منصرف عمّا إذا كان عالماً بأنّه يرجع إلى دون الحدّ، إمّا لأجل الاستطراق، لكون الطريق معوجاً؛ أو لقضاء الحاجة، و سيوافيك تفصيل آخر فيمن يعلم انّه يرجع فانتظر. و أمّا الثالث:

فهو عبارة عن تعيين مبدأ الاحتساب للمسافة، إذا دخل ما دون الحدّ، فهل يجب أن يكون بين هذا المحل و المقصد مسافة بأن يكون الباقي مسافة مع قطع النظر، عمّا قطع من البلد إلى ذاك المحل، أو يكفي كون المجموع مسافة و لو بضمّ ما قطع؟ الظاهر هو الثاني، و ذلك لأنّ مبدأ الاحتساب كما مرّ إنّما هو آخر البلد، لا بالتجاوز عن حدّ

الترخص و إن كان التقصير منوطاً به لكن

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 23 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 215

الاحتساب شي ء، و جواز التقصير شي ء آخر.

و على ذلك فلا وجه لإلغاء البعد المتخلّل بين البلد و المحل الذي رجع إليه. بل يمكن التفصيل بين كون الرجوع إلى ذلك، نتيجة طبيعية لطيّ الطريق كما إذا كان الطريق جبلياً، فيصعد نحوه ثمّ ينزل و يصل إلى مادون حدّ الترخص، أو أراد العبور من إحدى الضفّتين للنهر الكبير إلى الضفّة الأُخرى فسار على إحداهما على وجه تجاوز حد الترخص ثمّ عبر عن الجسر، و نزل الضفّة الأُخرى و عاد و وصل إلى ما دون الترخّص، ففي مثل ذلك يحاسب الجميع مسافة حتى الذهاب و الرجوع إلى مادون الترخّص، و بين كون الرجوع لأجل قضاء حاجة في ذلك المحل، فانّ الرجوع لتلك الغاية يكون على الخط المستقيم، فلا وجه لمحاسبة مثل هذا الذهاب و الإياب و لا يعد جزءاً للسفر.

و منه يعلم، صحة القصر فيما إذا صلّى فوق حدّ الترخّص مع العلم بأنّه سوف يصل إلى مادون الحد لأجل اعوجاج الطريق أو وجود المانع، إذ لا وجه لانصراف صحيحة زرارة عن مثله، نعم لو صلّى، مع العلم بأنّه يرجع إلى دون الترخّص، لقضاء حاجة، فالأحوط وجوب الإعادة تماماً في ما أعاد دون الترخّص، و قصراً فيما أعاد فوقه.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1418

ه ق ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر؛ ص: 215

*** و أمّا الصورة الثانية:

أي إذا سافر من محل الإقامة و جاز عن الحدّ ثمّ وصل إلى ما دونه أو رجع في الأثناء لقضاء حاجة، فالظاهر انّه يقصر، لأنّ اعتبار التجاوز عن حدّ الترخص لو قلنا في الخروج عن محلّ الإقامة فإنّما يعتبر في السفر الأوّل لا مطلقاً، و لذلك لو سار إلى نهاية المسافة ثمّ رجع إلى محلّ الإقامة، يقصر قطعاً فضلًا عن الوصول إلى ما دون حدّ الترخّص الذي هو بين محلها و حدّ الترخّص.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 216

في المسافة الدورية حول البلد

قد تقدّم الكلام في المسافة المستديرة على البلد

«1» و أنّها تارة تلاصق نقطة منها البلد، فتكون المسافة المستديرة مع البلد شبه الدائرتين المتلاصقتين؛ و أُخرى تكون مستديرة على البلد، فلا شكّ انّ أدلّة القصر تشمل الصورة الأُولى و قد تقدّم الكلام فيها، إنّما الكلام في دخول الثانية تحت الإطلاقات، و الظاهر انّ المدار هو السير ثمانية فراسخ سواء كان امتدادياً أو مستديراً، سواء ابتعد عن البلد بالمسافة الشرعية أو لا، فانّ القصر هدية من اللّه للمسافر المتعب من غير مدخلية لكون السير امتدادياً، أو تلفيقياً أو مستديراً. نعم يقع الكلام في صورها:

1. أن يكون تمام الدور دون الترخّص.

2. أن يكون تمام الدور فوق حدّ الترخّص بعد الخروج عن البلد.

3. أن يكون بعضه دون حدّ الترخّص و لكن كان السابق قبل الوصول إلى دونه مسافة، و كان الباقي بعد الخروج عمّا دونه أيضاً مسافة.

4. أن يكون بعضه دون حدّ الترخّص، و لكن كان واحد من السابق أو الباقي مسافة.

5. أن يكون المجموع مسافة و لم يكن واحد من السابق و الباقي

مسافة.

لا إشكال في لزوم الإتمام في الأُولى، و القصر في الثانية، و في كلّ من السابق و الباقي في الثالثة لافتراض انّ كلًا منهما مسافة و لا يُخلّ الوصول إلى مادون الترخّص، لكون كلّ منهما مسافة، و خصوص ما كان مسافة من الصورة الرابعة.

______________________________

(1). لاحظ المسألة 14 من هذا الفصل.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 217

بقي الكلام فيما إذا لم يكن مسافة شرعية من إحدى الصورتين للرابعة و نفس الصورة الخامسة.

و قد عرفت الحقّ انّ الوصول إلى مادون الترخّص لأجل الاستطراق، لا يخرجه عن كونه مسافراً و يؤيّده انّه لا يلزم أن يكون جميع المسافة فوق الحد، لما عرفت من أنّ مبدأ المسافة آخر البلد، و المسافة الواقعة بينه و بين حدّ الترخّص جزء من المسافة الشرعية و هي واقعة دون حدّ الترخّص فيكون جميع الصور إلّا الأُولى يقصر فيها.

و اللّه العالم.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 219

الفصل الثالث في قواطع السفر

اشارة

* 1. المرور على الوطن.

* 2. العزم على إقامة عشرة أيّام متواليات في مكان واحد.

* 3. التردّد في البقاء و عدمه ثلاثين يوماً بعد قطع المسافة الشرعية.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 221

قواطع السفر موضوعاً أو حكماً ثلاثة:

1. المرور على الوطن.

2. العزم على إقامة عشرة أيّام متواليات في مكان واحد.

3. التردّد في البقاء و عدمه ثلاثين يوماً بعد قطع المسافة الشرعية.

ثمّ إنّ عدم القواطع يعتبر تارة شرطاً لأصل شرعية القصر، و أُخرى شرطاً لاستمراره.

أمّا الأوّل:

فقد مرّ الكلام عنه في الشرط الرابع من شروط القصر الثمانية، و قال السيد الطباطبائي في الفصل الأوّل في ضمن عدّ شروط القصر: «الرابع:

أن لا يكون من قصده في أوّل السير أو في أثنائه إقامة عشرة أيّام

قبل بلوغ الثمانية، و أن لا يكون من قصده المرور على وطنه كذلك و إلّا أتمّ» «1». و ما يمكن أن يكون شرطاً لأجل شرعية القصر إنّما هو الأوّل و الثاني من الأُمور الثلاثة، و أمّا الثالث فلا يعتبر شرطاً لأصل المشروعية إذ معنى ذلك أن يكون العلم بإقامة ثلاثين يوماً متردّداً مانعاً عن مشروعية التقصير أو قصد عدمه شرطاً لأصل السفر و هو كما ترى.

إذا عرفت هذا، فلنبدأ بدراسة القواطع الثلاثة:

***

______________________________

(1). العروة الوثقى: 330.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 222

القاطع الأوّل: المرور على الوطن

اشارة

إنّ كون المرور على الوطن قاطعاً للسفر من القضايا التى قياساتها معها، و ذلك لأنّ السفر، و المسافر يقابلهما الحضر و الحاضر، فإذا مرّ على الوطن فقد انقطع السفر و سلب عنه عنوان المسافر، فلو خرج منه يعد سفراً جديداً، و هذا ممّا لا إشكال فيه، و يدل عليه صحيح حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه

؛ أو عن الحلبي، عنه عليه السَّلام «في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل له في الطريق، يتم الصلاة أم يقصر؟ قال: يقصر إنّما هو المنزل الذي توطّنه» فدل على أنّ المنزل الذي توطّنه الإنسان يوجب الإتمام، لا كلّ منزل يملكه، و إن لم يكن يوطنه، و المنزل الذي كان له في الطريق، لم يكن يتوطنه و إلّا أمر بالتمام. ثمّ إنّهم قسّموا الوطن إلى أصلي، و اتخاذي،

«1» و شرعي. و لنقدم البحث عن معناه اللغوي أولا فنقول: قال ابن فارس:

الوطن محلّ الإنسان، و أوطان الغنم مرابضها. «2» و أوطنتُ الأرضَ:

اتخذتها وطناً، و الميطان: الغاية. «3» و قال ابن منظور:

الوطن المنزل تقيم به، و هو موطن الإنسان و محلّه، و قد

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 14

من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8.

(2). أي مرابطها.

(3). مقاييس اللغة: 6/ 120.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 223

خففه رؤبة في قوله:

أوطنتُ وطْناً لم يكن من وطني لو لم تكُنْ عاملَها لم أَسْكُنِ

، بها و لم أَرْجُنْ بها في

قال ابن بري الذي في شعر رؤبة:

كيما ترى أهلُ العراق أنّني أوطنتُ أرضاً لم تكن من وطني

الجمع أوطان، و أوطان الغنم و البقر:

مرابضها و أماكنها التي تأوي إليها. قال الأخطل:

كرّوا إلى حَرَّتَيْكُمْ تعمرونهما كما تكرُّ إلى أوطانها، البقرُ

و من ذلك وطن بالمكان و أوطن:

أقام، و أوطنه: اتخذه وطناً، يقال: أوطنَ فلان أرضَ كذا و كذا، أي اتّخذها محلًا و مسكناً يقيم فيها. «1» و قال الفيروزآبادي:

الوطن محركة و يسكن، منزل الإقامة كالموطن و مربط البقر و الغنم، أوطان. «2» و قال الجزري:

و في الحديث «نهى عن إيطان المساجد، أي اتخاذها وطناً، و منه الحديث في صفته صلَّى الله عليه و آله و سلَّم كان لا يوطن الأماكن أي لا يتخذ لنفسه مجلساً يعرف به، و الموطن: مفعل منه و يسمى به المشهد من مشاهد الحرب، و جمعه مواطن و منه قوله تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّٰهُ فِي مَوٰاطِنَ كَثِيرَةٍ). «3» و قال أبو البقاء:

الوطن: هو منزل الإقامة، و الوطن الأصلي مولد الإنسان،

______________________________

(1). ابن منظور: لسان العرب: 13/ 451، مادة «وطن».

(2). الفيروزآبادي: القاموس المحيط: 4/ 276.

(3). الجزري: النهاية: 5/ 204.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 224

أو البلدة التي تأهل فيها.

وطن الإقامة:

هو البلدة أو القرية التي ليس للمسافر فيها أهل، و نوى أن يقيم فيه خمسة عشر يوماً فصاعداً. وطن السكنى:

هو المكان الذي ينوي المسافر أن يقيم فيه أقل من خمسة عشر يوماً.

«1» هذه كلمات أهل اللغة، و هي تحدّد الوطن بالمنزل الذي يقيم فيه الإنسان، و المكان الذي يأوي إليه الإنسان بعد الخروج منه، و منه أوطان الغنم، لأنّه كلّما خرج نهاراً إلى الرعي، يأوي إليها ليلًا، و لو فسره أبو البقاء بمولد الإنسان، أو البلدة التي تأهّل فيها، لأنّ الإنسان بطبعه يقيم في البلد الذي ولد فيه، أو الذي تأهل فيه.

و بذلك يعلم انّه لا يشترط في صدقه نيّة دوام الإقامة، و لا كونه مالكاً لبيت أو شي ء فيه، أو مقيماً فيه سنة أو شهوراً، بل كل من اتخذ لنفسه موضعاً، للإقامة فيه على وجه كلّما تركه لعامل داخلي أو خارجي يأوي إليه إذا زال ذلك العامل فيقيم فيه من دون تحديد، فقد اتّخذه وطناً و العلقة التي تكون سبباً لاتّخاذ الموضع مأوى و مستقراً تختلف حسب اختلاف أحوال الإنسان غير انّ المهم أمران:

1. كونه مولده و منشؤه و فيها نشأ و ترعرع، فبطبيعة الحال يقتضي أن يكون مستقراً فيه.

2. ربما تلجئ الظروف لترك مسقط رأسه، و اتخاذ بلد آخر مقراً لنفسه، لوجود نشاط الحياة في الثاني أحسن من الأوّل.

و إلى ما ذكرنا يشير شيخ مشايخنا العلّامة الحائري قال:

الوطن و الوطنيّة

______________________________

(1). أبو البقاء: الكليات: 5/ 42.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 225

علقة خاصة حاصلة بين الشخص و المحل، توجب كونه في ذلك المحل إلّا إذا عرض عارض، و إذا خرج منه لذلك العارض توجب تلك العلقةُ رجوعه إليه متى زال، سواء أ كانت العقلة من جهة كون المحل موطناً لآبائه و انّه تولّد و نشأ فيه، أو من جهة اتخاذه مقرّاً دائمياً.

إنّ الإتمام في الأرض التي يستوطنها الإنسان ورد في بعض الروايات:

«1»

1. روى علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل عليه السَّلام بأنّه قال: «كلّ منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير». «2»

2. روى الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، قال: «إنّما هو المنزل الذي توطّنه». «3»

ملاك الإتمام كونه غير مسافر لا كونه متوطّناً

إنّ البحث عن ملاك التوطّن و معيار صدقه، ليس بمفيد كثيراً، لأنّه لو كان الإتمام و القصر دائراً مدار صدق الوطن و عدمه، كان على الفقيه، بذلُ الجهد في تبيين مفهومه و تحديده، و انّه هل يشترط فيه نيّة الدوام أو لا، و كونه مالكاً للدار أو لا؟ و أمّا إذا كانا معلّقين على كونه مسافراً و غير مسافر، فيكفي في لزوم الإتمام عدمُ صدق كونه مسافراً، و إن لم يصدق انّه متوطن، و لأجل ذلك يتم إذا نوى الاقامة في محلّ بمدّة عشرة أيّام.

انّ هناك أمراً مهماً، و هو قد شاعت في هذه الأزمنة الإقامة في غير الوطن الأصلي لا بصورة دائميّة بل بصورة محدودة، للدراسة أو التجارة، أو التوظّف للدولة، فالموظّف ينتقل في كلّ فترة من محل إلى محل آخر من دون أن يكتب له

______________________________

(1). الصلاة: 431.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 6، 10.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 226

البقاء فيه، بل يكون مرفّقاً بالتحديد كأربع سنوات، فعلى هؤلاء إتمام الصلاة لا بملاك أنّهم مقيمون، بحيث لو خرجوا بمقدار المسافة الشرعية يجب عليهم تجديد النية و قصد العشرة، بل بملاك انّهم غير مسافرين و لا ضاربين في الأرض، فلا يضرّ الخروج عن المحل سواء كان بمقدار المسافة الشرعية أو أقلّ منها.

و بذلك يتبين حال كثير

من الطلاب المهاجرين إلى بلد لغاية التحصيل، أو الموظفين في بلد على وجه محدد، فانّهم ما داموا فيه يتمّون لا بملاك الإقامة، بل بملاك خروجهم عن عنوان المخصص.

كما شاع انّ موظفاً أو تاجراً أو عاملًا يسكن في بلد، و لكن يسافر كلّ يوم لأجل العمل إلى بلد آخر، كالطبيب الذي يبيت مع أهله في كرج، و يشتغل بالطبابة نهاراً في طهران و لم يزل على هذا المنوال طيلة سنين فهو يتم في كلّ من البلدين و إن تخللت بينهما مسافة شرعية، و ما ذلك لأنّه لا يصدق انّه مسافر في كلا البلدين إذا كان له عمل مستمر طول السنة. و الحاصل انّ الحكم بالتمام لا يدور على صدق الوطن العرفي، بل يكفي عدم صدق المسافر، لأنّ القصر من أحكامه، فإذا لم يصدق عليه عنوان المخصص يبقى تحت العام.

و ممّن نبه على النكتة المحقّق الهمداني قدَّس سرَّه، و يعجبني نقل كلامه على وجه التلخيص.

قال: إنّ مقتضى القاعدة الأوّلية التي شُرِّعت عليها الصلاة هو الإتمام، و القصر إنّما يجب بعروض السفر الجامع لشروط التقصير، فالمكلّف ما لم يكن مسافراً، لم يُشرّع في حقّه التقصير، و إنّما يصير مسافراً بالتباعد من منزله الذي هو دار إقامته، و إذا وصل إلى منزله من سفره عاد حاضراً، الذي هو ضد المسافر و يسمّى ذلك الموضع الذي هو موضع إقامته في العرف وطناً، لكن الحكم بالتمام لدى وصوله إلى مستقره ليس منوطاً بصدق كونه وطناً له، بل بخروجه عن كونه مسافراً، فالبدوي الطالب للماء و الكلاء، الذي بيته معه. إذا نزل في مكان،

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 227

ثمّ سافر لغرض خاص، و متى عاد إليه خرج عن كونه

مسافراً، و إن لم ينو إقامة العشرة.

فالمدار على خروجه عن حدّ المسافر، لا دخوله في حدّ المقيم في وطنه، الذي يكون التشكيك في صدق اسم الوطن عليه موجباً للتشكيك في حكمه. «1»

تفسير الوطنين الأصلي و الاتخاذي

إنّ الوطن بما له من المعنى العرفي يتحقّق بأحد أمرين:

1. كون البلدة مسقط رأسه و محلّ تولّده و نشئه و نموّه، فهذا ما يسمى بالوطن الأصلي فكلّما خرج الإنسان عنه، عاد إليه.

2. اتخاذها وطناً ثانياً لإلجاء الظروف الانتقال من الوطن الأصلي، إلى إلقاء الرحل فيها، لعوامل اقتصادية أو سياسية أو صحيّة، بحيث يصدق عليه انّه أعدّه مقراً لنفسه، و هذا ما يسمى وطناً اتخاذياً، و قد شاعت الهجرة بين الشعوب بعد ظهور الحضارة الصناعية، لسهولة الانتقال مع الأثقال من بلد إلى بلد آخر لطلب المال و المقام.

و لا يعتبر في صدق الوطن الاتخاذي، إلّا اتخاذه مقراً و مسكناً بلا تقييده بمدة محددة، بل يصدق مع التقييد أيضاً إذا كانت مدّة الاستقرار كثيرة كعشر سنين أو أزيد بشرط أن يُحقّق لوازم الاستقرار و شئون الاستيطان كالانتقال مع الأهل و العيال إليه، و الاشتغال بالتجارة أو العمل في المصانع و المزارع على وجه يتجلى المحلُّ في نظر العرف كونه مسكناً و مستقراً له، و هذا يختلف حسب اختلاف الأشخاص في الشئون الاجتماعية، فالعامل في بلد إذا انتقل إلى بلد آخر و اشتغل بنفس العمل في مصنع من المصانع صدق انّه اتّخذه مقرّاً و مسكناً، بخلاف التاجر فلا يصدق إلّا إذا مارس بنفس ما كان يمارسه في البلد الأوّل عن طريق إنشاء

______________________________

(1). مصباح الفقيه: كتاب الصلاة: 738.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 228

متجر يضمّ إلى نفسه كاتباً و محاسباً إلى غير ذلك من

الشئون.

يقول السيد الطباطبائي: إنّ الصدق المذكور يختلف حسب الأشخاص و الخصوصيات فربما يصدق بالإقامة فيه بعد القصد المزبور شهراً أو أقلّ فلا يشترط الإقامة ستة أشهر. و لا يشترط في صدقه، كونه مالكاً لدار أو دكان، بل يكفي اتخاذه مسكناً و مقراً و لو بالإيجار، و السائد على المهاجرين هو الايجار، لا التملك.

و الحاصل انّه لا يشترط في صدق الوطن العرفي، سوى اتخاذه مقراً و مسكناً لنفسه و عياله و أولاده بحيث لو سئل عن مسكنه، لأجاب أسكن البلد الفلاني سواء اقترن بنية الدوام أو لا، بشرط أن تكون المدّة في الصورة الثانية طويلة تصوّر المسكن في نظر العرف انّه وطن سواء كان له ملك أو لا.

إذا كان له دار أثناء الطريق

و بذلك تعلم حال ما لو كان له وراء دار إقامته منزل آخر، فهل العبور عليه يكون قاطعاً للسفر و يتم فيه الصلاة، أو لا؟ الظاهر انّه تختلف حاله حسب اختلاف كيفية إقامة الإنسان، فربما يتخذه مقراً لنفسه ليقضي أيام العطلة فيه فيجهّزه بأثاث البيت، بحيث كلما نزل فيه يرى نفسه مستقراً، لا مسافراً و لو ضمّ إليه أمراً و هو أن يتزوج امرأة و يسكنها فيه بحيث كلما حل فيه، فكأنّه حل في وطنه ففي مثله يتم و يصوم و إن كان أقل من عشرة و ربما لا تكون إقامته بهذه المثابة بل ربما يحل فيه، يوماً و أياماً ثمّ يتركه و يكون الاقامة كالإقامة في الفندق في أيام الصيف ففي مثله يقصر و يفطر.

و الحاصل انّ الحكم بالخروج عن كونه مسافراً و عدمه تابع لكيفية إقامته فيه من حيث الكمية و الكيفية و لذلك يختلف قضاء العرف حسب اختلاف الإقامة

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر،

ص: 229

فيه و الشئون المتواجدة فيه المعربة عن الاستيطان و عدمه ثمّ إنّ الحكم بالاتمام في الوطنين فرع عدم إعراضه عنهما و لو أعرض، عاد كسائر الأمكنة التي تقصر فيه الصلاة.

الوطن الشرعي

اشارة

نسب إلى المشهور قسم ثالث من الوطن وراء الأصلي و الاتخاذي سمّوه بالوطن الشرعي و حاصله انّه إذا كان له في بلد أو قرية ملك قد سكن فيه بعد اتخاذه وطناً ستة أشهر يتمّ إن دخل فيه و إن أعرض عنه إلى أن يزول ملكه و هذا هو المشهور بالوطن الشرعي، يُغاير القسمين الآخرين في النتيجة و هي عدم إضرار الإعراض عنه ما دام له ملك، و المقوم له الأُمور التالية:

1. أن يتخذ القرية أو البلد وطناً.

2. أن يكون له فيه ملك.

3. أن يكون الملك قابلًا للسكنى فلا يكفي كونه مالكاً للنخلة.

4. أن يسكن فيه بمدّة ستة أشهر بقصد التوطّن.

فما دام كونه مالكاً له لا يزول عنه حكم الوطنية و إن أعرض فلو مرّ عليه، يتم و لو سافر إليه من البلد الجديد الذي اتخذه وطناً يُتم، و قد نسب إلى المشهور.

و ربما يفسر الوطن الشرعي بوجه آخر و هو المكان الذي أقام فيه الإنسان ستة أشهر متوالية أو متفرقة مع وجود ملك له فيه سواء اتخذه مقراً له أو لا، و سواء كان وطنه الأصلي أو لا، و سواء كان لتحصيل العلم أو لغيره.

و لعلّ التفسير الثاني أكثر انطباقاً للأقوال التي ستمر عليك.

و الفرق بين التفسيرين واضح، فانّ التفسير الأوّل مبني على اتّخاذه مقراً

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 230

دائماً ثمّ أعرض فيكون الوطن الشرعي وليد الوطن الاتخاذيّ غالباً إذا أعرض عنه بعد تحقّق الأمرين:

1. إقامة ستة أشهر.

2. فيه

منزل يملكه بخلاف الثاني حيث يكفي صرف الإقامة في المكان مع وجود ملك و إن كانت من أوّل الأمر بصورة مؤقتة، فلو انّ إنساناً هاجر إلى بلدة طهران لإنجاز عمل يستغرق ستة أشهر، فأقام فيها تلك المدة و تملك داراً، ثمّ رجع إلى وطنه، فهو يتم إلى آخر عمره كلما حلّ في طهران أو مرّ عليها ما دام الملك باقياً.

و ربما يفسر بوجه ثالث أي الوطن الأصلي الذي نشأ فيه بعد إعراضه عنه، و قد ترك فيه ملكاً و أقام المدة أو أزيد و قد ذكر التفاسير الثلاثة، المحقّق النراقي في المستند.

«1» و الحاصل انّ الوطن الشرعي فسر بوجوه ثلاثة:

1. الوطن الأصلي الذي أعرض عنه، فإذا كان له منزل أو ملك فيه، يتم متى دخله.

2. الوطن الاتخاذي الذي أعرض عنه مع الشرطين. و هذا خيرة صاحب الجواهر.

3. أو المحل الذي أقام فيه ستة أشهر. و هو خيرة شيخنا الأنصاري.

و أمّا أهل السنّة فلم نعثر على نص لهم في «بداية المجتهد»، و لا في «الهداية» للمرغيناني.

نعم قال ابن قدامة في «المغني»: قال الزهري: إذا مرّ بمزرعة له أتم. و قال مالك: إذا مرّ بقرية فيها أهله أو ماله أتم، إذا أراد أن يقيم بها يوماً و ليلة.

______________________________

(1). المستند: 1/ 565.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 231

و قال الشافعي و ابن المنذر:

يقصر ما لم يجمع على إقامة أربع، لأنّه مسافر لم يجمع على أربع. و قال ابن عباس:

إذا قدمت على أهل لك أو مال فصلّ صلاة المقيم. «1» إنّ الوطن الشرعي بأحد التفاسير الثلاثة لم نعثر عليه في الكتب التالية:

1. فقه الرضا لكاتبه؛ 2 و 3. المقنع و الهداية للصدوق؛ 4. المقنعة للمفيد؛ 5. جمل

العلم و العمل للمرتضى؛ 6 و 7. الخلاف و الاقتصاد للطوسي؛ 8. الكافي للحلبي؛ 9 و 10. جواهر الفقه و المهذب لابن البراج؛ 11. فقه القرآن للراوندي؛ 12. الغنية لابن زهرة؛ 13. إشارة السبق للحلبي؛ 14. الجامع لابن سعيد؛ 15. اللمعة للشهيد الأوّل.

نعم تعرض له قليل من المتقدّمين و المتأخّرين:

1. قال الصدوق بعد ما نقل خبر إسماعيل بن الفضل: قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك إذا أراد المقام في قراه و أرضه عشرة أيّام، و متى لم يرد المقام بها عشرة أيّام قصر إلّا أن يكون له بها منزل يكون فيه في السنة ستة أشهر. فإن كان كذلك، أتم متى دخلها، و تصديق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع.

و ظاهره عدم الاعراض و انّه يسكنه كلّ سنة ستة أشهر و كلامه أخص ممّا نسب إلى المشهور و ناظر إلى بيان حكم ذي الوطنى

«2» ن. 2. قال الشيخ في النهاية: و من خرج إلى ضيعة له، و كان له فيها موضع ينزل و يستوطنه وجب عليه الإتمام، فإن لم يكن له فيها مسكن وجب عليه

______________________________

(1). المغني: 2/ 136.

(2). الفقيه: 1/ 451 برقم 1307، باب الصلاة في السفر، و ما ذكره الصدوق في تفسير الصحيحة هو الذي سوف نقوّيه في بحوثنا القادمة من حملها على من له وطنان، فلا تغفل.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 232

التقصير.

«1» و ظاهره هو انّه يستوطنه و لو بصورة كونه ذا وطنين و ليس فيه من الإقامة بمقدار ستة أشهر أثر.

3. قال ابن البراج في الكامل: من كانت له قرية له فيها موضع يستوطنه و ينزل به و خرج إليه و كانت عدّة فراسخ سفره على

ما قدمناه فعليه التمام. «2»

و كلامه ظاهر فيمن كان له وطنان، تارة يستوطن الضيعة، و أُخرى في البلد الآخر.

نعم تجده صريحاً في المصادر التالية:

4. قال ابن حمزة: إن بلغ سفره مسافة التقصير إن مرّ بضيعة له فيها مسكن نزل به ستة أشهر فصاعدا أتم و إن لم يكن فقصر. «3»

5. قال ابن إدريس: من نزل في سفره قرية أو مدينة و له فيها منزل مملوك قد استوطنه ستة أشهر أتم، و إن لم يقم المدة التي يجب على المسافر الإتمام، أو لم ينو المقام عشرة أيام. «4»

6. و قال الكيدري: إذا مرّ في طريقه بضيعة له أو ملك له أو حيث له فيه قرابة، فنزل ثمّ طرح و لم ينو المقام، فإن كان قد استوطنه ستة أشهر فصاعداً تمم و إلّا قصر. «5»

7. قال المحقّق: الوطن الذي يتم فيه هو كلّ موضع له فيه ملك قد

______________________________

(1). النهاية: 124، باب الصلاة في السفر.

(2). المختلف: 2/ 561.

(3). الوسيلة: 109.

(4). السرائر: 1/ 331.

(5). إصباح الشيعة: 93.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 233

استوطنه ستة أشهر فصاعداً متوالية، كانت أو متفرقة.

«1» 8. و قال أيضاً: (الشرط) الثاني: أن لا يقطع السفر بعزم الإقامة، فلو عزم مسافة و له في أثنائها منزل قد استوطنه ستة أشهر، أو عزم في أثنائها إقامة عشرة أيّام أتم. «2»

9. و قال العلّامة في القواعد: و كذا أي يتم لو كان له في الأثناء ملك قد استوطنه ستة أشهر متوالية أو متفرقة. «3»

10. و قال في إرشاد الأذهان: (الشرط) الثالث: عدم قطع السفر بنية الإقامة عشرة فما زاد في الأثناء أو بوصوله بلداً له فيه ملك استوطنه ستة أشهر فصاعداً. «4»

11. و قال

الشهيد في الدروس: (الشرط) السادس: عدم وصوله إلى منزل له فيه ملك و استيطان ستة أشهر و لو متفرقة. «5»

12. و قال في البيان: (الشرط) الرابع: لا يمرّ على بلد له فيه منزل استوطنه ستة أشهر. «6»

13. و قال المحقّق الثاني: (الشرط) الثالث: استمرار القصد، فلو نوى الإقامة في الأثناء عشرة أيّام أتم و إن بقي العزم و كذا لو كان له في الأثناء ملك قد استوطنه ستة أشهر متوالية أو متفرقة. «7»

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 123.

(2). المختصر النافع: 51.

(3). القواعد، لاحظ إيضاح الفوائد في شرح القواعد، قسم المتن: 1/ 162.

(4). إرشاد الأذهان: 1/ 275.

(5). الدروس: 1/ 211.

(6). البيان: 1/ 156، الطبعة الحجرية.

(7). جامع المقاصد: 2/ 511.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 234

هذه كلمات أكابر الأصحاب من القرن الثالث إلى العاشر، و بذلك يعلم مقدار الشهرة الواردة في كلماتهم، و قد عرفت أنّ المعنون في كلام الصدوق و الشيخ و ابن البراج لا يمت إلى الوطن الشرعي بصلة بل كلامهم فيمن كان ذا وطنين و عليه حملوا صحيحة ابن بزيع الآتية.

و أمّا المتأخرون فلا يهمنا ذكر كلماتهم غير انّ السيد الطباطبائي يقول: المشهور على أنّه بحكم الوطن العرفي و إن أعرض عنه إلى غيره و يسمّونه بالوطن الشرعي و يوجبون عليه التمام إذا مرّ عليه ما دام بقاء ملكه فيه، لكن الأقوى عدم جريان حكم الوطن عليه بعد الإعراض فالوطن الشرعي غير ثابت. و إن كان الأحوط الجمع بين إجراء حكم الوطن و غيره عليه فيجمع بين القصر و التمام إذا مرّ عليه و لم ينو إقامة عشرة أيّام، بل الأحوط الجمع إذا كان له نخلة أو نحوها ممّا هو غير قابل للسكنى و

بقى فيه بقصد التوطن ستة أشهر. بل و كذا إذا لم يكن يسكنه بقصد التوطّن بل بقصد التجارة مثلًا. و قد وافقه أكثر المعلِّقين على العروة إلّا السيد المحقّق الخوئي فقال في تعليقته:

ما ذكره المشهور من ثبوت الوطن الشرعي هو الصحيح، و إنّما يتحقّق بوجود منزل مملوك له في محل قد سكنه ستة أشهر متصلة عن قصد ونية، فإذا تحقّق ذلك أتم المسافر صلاته كلما دخله إلّا أن يزول ملكه. «1» إذا وقفت على الأقوال فلندرس الروايات الواردة في المقام.

إنّ الروايات على أصناف أربعة و ان جعلها صاحب الحدائق ثلاث عشرة طائفة:

1. ما يدل على أنّ النزول في أرض أو المرور عليها للإنسان فيها ملك، قاطع للسفر و يكفي أن يكون له فيها نخلة، من غير فرق بين الاستيطان و عدمه و قصد

______________________________

(1). العروة الوثقى، فصل في قواطع السفر تعليقة المسألة الأُولى.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 235

العشرة و عدمه، فتمام الموضوع، للإتمام، كون الإنسان مالكاً لشي ء فيها فقط، و قد ورد فيه أربع روايات.

2. ما يدل على أنّ مثل ذلك لا يكون قاطعاً للسفر و موجباً للإتمام، إلّا إذا قصد إقامة عشرة أيّام فليس لكون المصلّي مالكاً لشي ء أي تأثير في الإتمام، بل هو و غير المالك سواء و قد ورد فيه روايتان.

3. ما يدلّ على أنّ الملاك هو الاستيطان و عدمه، لا كون المصلّي مالكاً للشي ء و عدمه فلا يكون المرور على الضيعة قاطعاً إلّا إذا استوطنه، و قد وردت فيه روايتان إحداهما عن علي بن يقطين بأسانيد خمسة، و الأُخرى عن حماد بن عثمان عن الحلبي، كما سيوافيك.

و هذا الصنف يمكن أن يكون شاهد جمع بين الصنفين الأوّلين المختلفين

من حمل الإتمام على صورة الاستيطان، و القصر على صورة عدمه.

4. ما يدعم مفاد الصنف الثالث إلّا انّه يفسّر الاستيطان بأن يكون للإنسان منزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها. و تدل عليه رواية واحدة و هي صحيحة ابن بزيع عن أبي الحسن عليه السَّلام و لو لا هذه الرواية لم يكن أي خلاف في أنّ الوطن ينقسم إلى أصلي و اتخاذي من دون توهم وطن ثالث باسم الوطن الشرعي.

و إليك نقلها بأصنافها الأربعة:

الأوّل:

ما يدل على أنّ المرور على الملك ضيعة كان أو داراً قاطع للسفر من دون أن يقيد باتخاذه وطناً بل يكتفى بنفس الملك: 1. روى الصدوق باسناده عن إسماعيل بن الفضل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض، و إنّما ينزل قراه و ضيعته، قال: «إذا

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 236

نزلت قراك وضيعتك

«1» فاتمّ الصلاةَ، و إذا كنت في غير أرضك فقصر». «2» و الشاهد في قوله:

«و ضيعتك» فإنّ ملكية الضيعة لا تلازم اتخاذها وطناً، بخلاف قوله: «قراه» فانّ انتساب القرية إلى الإنسان فرع كونه متوطناً فيها، في فترة سواء أعرض عنها أم لا. 2. ما رواه الشيخ عن عمار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها. قال: «يتم الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة و لا يقصر، و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها». «3»

3. ما رواه الشيخ بسنده عن عمران بن محمد قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السَّلام: جعلتُ فداك انّ لي ضيعة على خمسة

عشر ميلًا خمسة فراسخ فربما خرجت إليها فأُقيم فيها ثلاثة أيّام أو خمسة أيّام أو سبعة أيّام فأُتمّ الصلاة أم أُقصِّر؟ فقال: قصِّر في الطريق و أتمَّ في الضيعة. «4»

4. روى الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت الرضا عليه السَّلام عن الرجل يخرج إلى ضيعته فيقيم اليوم و اليومين و الثلاثة، أ يقصّر أم يتم؟ قال: «يتم الصلاة، كلما أتى ضيعة من ضياعه». «5»

و رواه عبد اللّه بن جعفر في «قرب الإسناد»، و ذكره صاحب الوسائل برقم

(18). و مقتضى هذه الروايات انّ المرور على الملك و النزول فيه قاطع للسفر.

***

______________________________

(1). كذا نقله الشيخ في «التهذيب» و «الاستبصار»، و رواه الصدوق «و أرضك» لاحظ جامع أحاديث الشيعة: الجزء 7، برقم 11573.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 5، 14، 17.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 5، 14، 17.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 5، 14، 17.

(5). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 5، 14، 17.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 237

الثاني:

ما يدل على خلاف مفاد هذا الصنف و انّ الملاك هو قصد الإقامة و عدمه: 1. روى الكليني عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «من أتى ضيعته ثمّ لم يرد المقام عشرة أيّام قصر، و إن أراد المقام عشرة أيّام أتم الصلاة». «1»

2. روى الكليني عن موسى بن حمزة بن بزيع قال: قلت لأبي الحسن عليه السَّلام: جعلت فداك إنّ لي ضيعة دون بغداد فأخرج من الكوفة أُريد بغداد فأُقيم في

تلك الضيعة أقصر أو أتم؟ فقال: «إن لم تنو المقام عشرة أيّام فقصّر». «2»

*** الثالث:

ما يفصل بين صورة الاستيطان و غيرها، و فيه حديثان: 1. ما رواه الصدوق عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل عليه السَّلام انّه قال: «كلّ منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير». «3» و قد روي هذا المضمون عن علي بن يقطين بطرق مختلفة يستظهر منها انّ الجميع رواية واحدة لها أسانيد كثيرة. «4»

2. ما رواه حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصّر؟ قال: «يقصّر إنما هو المنزل الذي توطّنه». «5»

***

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6 و 7.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6 و 7.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(4). أُنظر الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 6، 7، 9، 10، و ما في الرواية التاسعة من التفريق بين قوله: «قد سكنه» و «ما لم يسكنه» محمول على عدم الإعراض بقرينة سائر ما روى عنه من التفصيل بين الاستيطان و عدمه، و بعبارة أُخرى كناية عن كونه مستوطناً أو لا.

(5). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 238

و قد تقدم انّه يمكن الجمع بين هذه الصنوف بجعل الصنف الثالث شاهداً على ما هو المراد من الصنفين المتقدمين و انّ الأمر بالإتمام في الصنف الأوّل محمول على صورة الاستيطان و الأمر بالقصر في الصنف الثاني محمول على عدمه.

فهذه الروايات لا توجد أي مشكلة فقهية

بالنسبة إلى ما تقدم من المسائل.

*** الرابع:

ما يدعم مضمون الصنف الثالث لكنه يعود فيفسر الاستيطان بشكل خاص، و هذا هو الذي صار منشأ للقول بالوطن الثالث المسمّى بالوطن الشرعي و ليست المشكلة إلّا في هذه الرواية: روى الشيخ بسند صحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا قال:

سألته عن الرجل يقصر في ضيعته، فقال: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه»، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: «أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها». قال: و أخبرني محمد بن إسماعيل انّه صلّى في ضيعته فقصّر في صلاته. قال أحمد: أخبرني علي بن إسحاق بن سعد و أحمد بن محمد جميعاً انّ ضيعته التي قصّر فيها الحمراء. و رواه الصدوق باسناده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع مثله إلى قوله:

متى دخلها. «1» و المهم دراسة الرواية و تحليل مفهومها، و للأعلام حول الصحيحة كلمات بين ما تحاول تطبيقها على الوطن الشرعي، أو إرجاعها إلى الوطن العرفي

؛ فلنذكر بعض ما أُفيد في المقام:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 239

1. الوطن الاتخاذي إذا أعرض عنه

قد عرفت أنّ من تفاسير الوطن الشرعي، هو الوطن الاتخاذي الذي أعرض عنه بعد ما أقام فيه ستة أشهر و له فيه ملك، هذا هو الذي أيّده صاحب الجواهر، فالظاهر منه في رسالته العملية باسم «نجاة العباد» انّه يشترط في ثبوت الوطن الشرعي تحقّق أُمور ثلاثة:

1. اتّخاذه محلًا على الدوام.

2. أن يكون له ملك.

3. يسكنه ستة أشهر.

و إليك عبارته:

الوطن هو المكان الذي يتخذه الإنسان مقرّاً و محلًّا

له على الدوام مستمراً على ذلك، غير عادل عنه من غير فرق بين ما نشأ فيه و ما استجدّه، و لا يعتبر فيه بعد الاتخاذ المزبور حصولَ ملك له فيه، و لا إقامة ستة أشهر إلى أن قال: نعم يجري عليه حكم الوطن ما دام متخذاً كذلك، أمّا إذا عدل عنه إلى غيره و لم يكن له فيه ملك، زال عنه حكم الوطنية، فإن كان له فيه ملك قد جلس فيه حال الاتخاذ المزبور، لاتخاذه مقرّاً على الدوام ستة أشهر، و لو متفرقة جرى عليه حكم الوطنية على الأقوى ما دام مالكاً، فلو أخرجه عن ملكه خرج عن حكم الوطن .... «1» و محصل كلامه:

أنّ الوطن الشرعي غالباً وليدُ الوطن الاتخاذي إذا أعرض عنه، لكن بعد حصول القيدين في حال اتخاذه وطناً، و هو الإقامة ستة أشهر في منزل يملكه.

______________________________

(1). نجاة العباد: 152. و عليها تعليقات العلمين: المجدّد الشيرازي و المحقّق الآشتياني قدّس سرّهما.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 240

و لعلّه قدَّس سرَّه استظهر ما أفاده من الصحيحة و الدالّ على القيد الأوّل قوله:

«يستوطنه» و على الثاني قوله: «منزل»، و على الثالث قوله: «يقيم ستة أشهر». يلاحظ عليه بأُمور:

1. انّ استظهار نية الدوام من جملة: «يستوطنه» في الصحيحة لا شاهد له لغة و لا عرفاً و قد عرفتَ كفاية كون الإقامة غير محدَّدة.

2. انّ استفادة شرطية الملك منها غير واضح، لأنّه جاء ذكر المنزل في كلا الموردين، أعني قوله: «إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه» و قوله: «أن يكون فيها منزل يقيم فيه» توطئةً للاستيطان في الفقرة الأُولى، و تمهيداً للإقامة في الفقرة الثانية، فلم يبق ما يكون دخيلًا في تحقّق الاستيطان

إلّا إقامة ستة أشهر، و سيوافيك وجهه عند ذكر الاحتمال الثالث، و على ذلك لا صلة للصحيحة بالوطن الشرعي الذي يدّعيه صاحب الجواهر، لأنّه مبني على أُمور ثلاثة و لم يثبت شرطية الأوّلين.

3. انّ ما ذكره من حمل الرواية على المُعْرِض عن الوطن الاتخاذي ينافيه قوله: «يستوطنه» و «يقيم» فانّ ظاهرهما كونه مستوطناً و مقيماً فيه لا معرضاً عنه.

2. مطلق من أقام في مكان ستة أشهر

قد عرفت أنّ من تفاسير الوطن الشرعي عبارة عن المحل الذي أقام فيه ستة أشهر مع كونه مالكاً للمنزل فيتم فيه كلما دخلَ أو مرّ عليه، و هو خيرة شيخنا الأنصاري، و لا يشترط في تفسيره كون إقامته مدّة ستة أشهر مقروناً بنية الدوام، بل من أقام تلك المدة و لو محدَّداً بها لكفى و حاصل ما أفاده مع إغلاق في كلامه:

إنّ قوله:

«إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه» بمعنى اتخاذه المنزلَ وطناً فهل المراد اتخاذه وطناً في الماضي أو في الحال أو في المستقبل؟

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 241

لا سبيل إلى الثاني، لأنّ التلبس بالاتخاذ ليس أمراً تدريجياً حتى يصدق التلبس بانقضاء شي ء منه و بقاء شي ء آخر منه.

كما لا سبيل إلى الثالث، لأنّ من ليس له منزل اتخذه وطناً و إنّما يتخذه بعد ذلك لا يمكن أن يكون سبباً للإتمام بالفعل فانحصر المرادُ بالماضي أي استوطن و أقام في المنزل الذي يملكه ستة أشهر، فهو يكفي في الإتمام ما دام العمر بشرط أن لا يزول ملكه.

ثمّ إنّ اتخاذ المنزل وطناً و إن كان ظاهراً في الاتخاذ الدائمي لكن في نفس الصحيحة قرينة على إنّ المراد غيره، لأنّ مفروض السائل عبور الرجل إلى الضيعة فكيف يحمل على الاستيطان الدائمي؟ فينحصر المراد منه

في أنّ كلّ مكان أقام الرجل فيه ستة أشهر مع كونه ذا منزل يملكه فيه فهو في حكم الوطن الأصلي و الوطن الاتخاذي الدائمي.

و أمّا استعمال المضارع في المقام:

أي «يستوطنه» و «يقيم» فإنّما هو بحسب فرض المسألة لا بحسب تحقّق المبدأ للموضوع و مثله في غاية الكثرة، فانّ المفروض قد يعبّر عنه بالماضي (رجل صلّى) و قد يعبّر عنها بالمستقبل (رجل يصلّي) مع كون الحكم موقوفاً على تحقّق المبدأ. «1» يلاحظ عليه:

أنّ حاصل ما ذكره في تفسير الحديث انّ قوله:

«منزل يستوطنه» و قوله: «منزل يقيم فيه» بمعنى استوطنه، و أقام فيه و لو مرة واحدة، لكنّه خلاف الظاهر لا يصار إليه إلّا بدليل، و ذلك لوجهين: ألف.

انّ المتبادر من الحديث أنّ الاستيطان و الإقامة بستة أشهر وصف

______________________________

(1). كتاب الصلاة: 420، الطبعة الحجرية.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 242

فعلي له، متلبس به فعلًا، لا انّه تلبس به سابقاً.

ب.

انّ صيغة المضارع بحكم دلالته على التجدّد و الاستمرار تدل على ثبوت تلك النسبة له مستمراً في كلّ سنة.

3. الحديث ناظر لذي الوطنين

إنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع كوفي و الكوفة سواد العراق، تتواجد في أطرافها الضياع و المزارع و الحدائق، و كان أصحاب المُكْنة يتملكون ضياعاً و في الوقت نفسه يقطنون الكوفة، و لكن يذهبون بين فترة و أُخرى إلى مزارعهم و ضياعهم للترويح تارة، و حيازة المحصول ثانياً، و بما انّ الراوي و من كان مثله كان يسافر إلى ضيعته كثيراً و يظهر من ذيل الرواية انّه كانت له ضيعة باسم «الحمراء» سأل الإمام عن الصلاة فيها فأجاب الإمام، بأنّها و غيرها سواء يُقصر فيها الصلاة ما لم ينو مقام عشرة أيّام.

و لو كان الإمام مقتصراً بكلامه

هذا كان السائل مقتنعاً بالجواب، عارفاً بواجبه. لكن لما أضاف الإمام إلى كلامه قوله:

«إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه» صار هذا سبباً لسؤال السائل انّه كيف يمكن له أن يستوطن الضيعة مع انّه مستوطن في الكوفة «1» فأجاب الإمام بأنّه يمكن تصويره إذا كان ذا وطنين يقيم ستة أشهر في الضيعة، و ستة أُخرى في الكوفة. و الدليل على ذلك:

هو انّ قوله:

«يستوطنه»، أو «يقيم» ظاهر في كونه كذلك بالفعل و متلبساً بالمادة كذلك و مقتضى دلالة فعل المضارع على التلبس و التجدّد، كونه مقيماً

______________________________

(1). لاحظ ذيل الرواية يصرّح بأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع صلّى في ضيعته فقصّر في صلاته.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 243

كذلك في كلّ سنة لا انّه تلبس به مرّة واحدة و ترك الضيعة و بدا له أن ينزل أو يمرّ عليها، فانّ كلّ ذلك مخالف لصيغة المضارع لدلالتها على تجدد المبدأ، و كونه متلبساً به بالفعل و أين هو ممن دخل منزلًا أقام فيه في سالف الأيام ستة أشهر إلّا إذا قلنا بأنّ الفعلين المضارعين بمعنى الماضي و هو كما ترى.

و عليه تكون الرواية بصدد بيان حكم ذي الوطنين، و هذا هو الظاهر من الصدوق في الفقيه في تفسير الرواية كما أومأنا إليه عند نقل عبارته.

قال الفيض:

ظاهر هذا الحديث، اعتبار تكرر إقامة ستة أشهر في الاستيطان كما يستفاد من صيغة المضارع الدالة على التجدّد في الموضعين، و بمضمونه أفتى في الفقيه و هو أصحّ ما ورد في هذا الباب و به يجمع بين الأخبار المتعارضة فيه، بحمل مطلقها على مقيدها بأحد القيدين، إمّا عزم إقامة عشرة، و إمّا الاستيطان كما فعله في الفقيه و التهذيبين. «1»

و هل يشترط أن يكون الاستيطان في الملك الشخصي كما عليه الفيض حيث قال:

و يستفاد من إضافة الضيعة إلى صاحبها في جميع الأخبار اعتبار الملك؟ الظاهر لا و يكفي الإيجار لأنّ «المنزل» في الفقرتين لأجل التمهيد لقوله «يستوطن» أو «يقيم» و المقياس كونه مقيماً ستة أشهر في ضيعته. فإن قلت:

فعلى هذا التفسير تكون الرواية راجعة إلى تفسير الوطن العرفي، مع أنّ السائل، أعني: محمد بن إسماعيل بن بزيع، أرفع من أن يجهل معنى هذا النوع من الوطن. قلت:

لا غرو في أن يكون هذا النوع من الوطن أمراً غير ظاهر لابن بزيع، و هو أن يكون الرجل ذا وطنين، و هو يعيش بين وطن صيفي و وطن شتوي.

______________________________

(1). الوافي: 5/ 162، ط مكتبة أمير المؤمنين عليه السَّلام.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 244

و على هذا فترجع الرواية إلى بيان حكم ذي الوطنين، و إنّ من كان له وطنان يُقيم في كلّ ستة أشهر فهو يتم في كلاهما إذا دخل فيهما و لو لم يقصد إقامة العشرة.

و قد عرفت أنّ الصدوق في «الفقيه» فسر الرواية بهذا النحو.

و عليه تعبير الشيخ في النهاية، و ابن البراج في المهذب، و اختاره جماعة من المتأخرين كصاحب المدارك «1» و المجلسي الأوّل «2». و قد عرفت عبارة شيخنا الفيض في الوافي.

و بذلك ظهر الفرق بين قوله:

«منزل يستوطنه» و قوله: «منزل يقيم فيه ستة أشهر» فالمراد من الأوّل هو قصد التوطن في الضيعة مقيّداً بالدوام أو مجرداً عن الحد على ما قويناه كما انّ المراد من الثاني، ما يتحقّق به الاستيطان، لمن كان له وطن.

مدخلية القيود و عدمها

اشارة

قد وردت في الرواية قيود ثلاثة:

1. كونه مالكاً للضيعة.

2. كونه مالكاً للمنزل.

3. مقيماً فيه ستة

أشهر.

فلو قلنا بأنّ الصحيحة كافلة لتفسير الوطن الشرعي بكلا التفسيرين، فلا محيص عن اعتبار جميع القيود الواردة فيها و ما تنصرف إليه، ككون الإقامة فيها

______________________________

(1). مدارك الأحكام: 4/ 444، كتاب الصلاة.

(2). ملاذ الأخيار: 5/ 392، باب الصلاة في السفر.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 245

ستة أشهر متوالية لا متفرقة، لأنّ المتبادر في كلّ مورد أخذت المدةُ موضوعاً للأحكام، كشهر أو شهرين هو التوالي.

فلأجل ذلك يجب على صاحب الجواهر، و شيخنا الأنصاري اللّذين حملا الرواية على الوطن الشرعي غير المألوف لدى العرف الأخذُ بعامة القيود الواردة و المتبادرة من لفظ الرواية. و على ما ذكرنا، من أنّها ليست بصدد بيان أمر تعبدي، بل بصدد بيان مصداق للوطن العرفي، الذي كان الراوي غافلًا عنه وقت المخاطبة، و هو أن يقسِّم الرجل فصولَ سنته إلى قسمين، فيقيمَ ستة أشهر في البلد و الستة الأُخرى في الضيعة، فيكون ذا وطنين، يُلغى من القيود ما يكون العرف مساعداً لإلغائه، و يحمل ذكر القيود لغاية أُخرى من كونها تمهيداً، و توطئة للإقامة

(كالمنزل) أو كونه الأصل في تقسيم السنة كستة أشهر، و لندرس القيود، حسب تفسيرنا:

ألف. ملكية الضيعة و المنزل

إذا كانت الصحيحة بصدد بيان الوطن العرفي، فيكون المقياس صدقه، و عليه فالإتمام يدور مدار كونه مستوطناً في المحل الثاني كاستيطانه في المحل الأوّل، سواء كان مالكاً للضيعة و المنزل أو لا، فلو انّ إنساناً يقسم فصول السنة إلى قسمين، فيقيم ستة أشهر في العاصمة و الستة الثانية في مدينة قم، و في الوقت نفسه قد وطن نفسه على الاستمرار على هذا النوع من الإقامة، فهو يتم في كلا الموردين و إن لم يملك ضيعة، و لا منزلًا، و لو افترضنا انّه

يسكن العاصمة، و لكنّه يتولى الضيعة الموقوفة للأُمور الخيرية، و لا يتمشى أمرها إلّا بالإقامة فيها ستة أشهر في كلّ سنة، فهو يتم في كلا المكانين، و إن لم يملك شيئاً، و لو كان مالكاً للضيعة، و لكنّه يقيم تحت الخيام و في الأكواخ، فالحكم في الجميع واحد و هو الإتمام.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 246

ب. مدخلية المدة المعيّنة

إذا قلنا بأنّ الرواية بصدد بيان أمر تعبدي، لم يكن محيص عن الأخذ بمدخلية المدّة المذكورة، فلو نقص يوم فضلًا عن أيّام لم يتحقّق الوطن الشرعي، على كلا التفسيرين، و أمّا لو قلنا بأنّه لبيان الفرد الخفي على الراوي من مصاديق الوطن العرفي، فالمدار صدق الاستيطان العرفي في الضيعة و إنّما حدّد في الصحيحة بالستة لأنّها الأصل في تقسيم السنة و إلّا فالوطن الثاني يحصل بالإقامة فيه في كل سنة مدّة معتداً بها، كما سيوافيك بيانه في المسألة الآتية.

نعم هنا سؤال ربما يختلج بالبال و هو انّه إذا كانت الرواية متعرضة لبيان الوطن العرفي، فقد مضى انّه لا يشترط في صدقه سوى نيّة الإقامة دائماً أو بلا قيد مع البقاء فيه أيّاماً قلائل، بحيث يصدق أنّه يسكن البلد الكذائي، و مع ذلك نرى في المقام عدم الاكتفاء بمجرّد النيّة المرفّق بالبقاء فيه أيّاماً قلائل.

و الجواب عنه واضح إذ لا فرق بين البلد المستجدّ الواحد، و الوطن الثاني غير انّه تعتبر في الأوّل نية الدوام أو نية الإقامة المجرّدة عن التحديد، و في المقام تكفي نيّة إقامة ستة أشهر، بل أقلّ في كلّ سنة، مع مرور أيّام قلائل يصدق انّه يسكن في محل كذا و لعلّ العرف يساعد في صدقه إذا استعدّ للإقامة فيه في كلّ سنة،

ستة أشهر أو خمسة أشهر أو أربعة و الذي يكشف عن أنّ الصحيحة بصدد بيان حكم الوطن الثاني هو أنّ الإمام علّق الحكم بالإتمام على الاستيطان في الطائفة الثالثة من الروايات ففي رواية علي بن يقطين المنقولة بأسانيد مختلفة قال:

كلّ منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل و ليس لك أن تتم فيه «1». و في رواية حماد بن عثمان، عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال: «يقصّر إنّما هو المنزل الذي توطنه». «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6 و 8.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6 و 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 247

ج. اشتراط التوالي و عدمه

إذا قلنا بأنّ الحديث بصدد بيان الوطن الشرعي، فلا محيص عن اعتبار التوالي لكونه المتبادر عن كل مدّة أخذت موضوعاً للحكم الشرعي كشهر أو شهرين، و أمّا إذا قلنا بأنّها بصدد بيان الوطن العرفي فالمدار الصدق العرفي فلا عبرة بالستة فضلًا عن البحث عن التوالي و التفريق، فهو يتم و إن كان يسافر على رأس تسعة أيّام، و اللّه العالم.

***

تعدّد الأوطان المستجدّة

قد عرفت أنّ الصحيحة بصدد بيان الوطن الثاني المستجد، و انّ ذكر إقامة ستة أشهر لأجل كونها الأصل في تقسيم السنة، أو انّ رعاية الضيعة و حيازة ثمراتها، لا تنفك عن إقامة ستة أشهر و إلّا فيكفي في تحقّق الاستيطان، العزم على الإقامة في كلّ سنة مدة معتدّاً بها، و بذلك تظهر صحّة ما أفاده السيد الطباطبائي حيث قال:

يمكن تعدّد الوطن العرفي بأن يكون له منزلان في بلدين أو قريتين من قصده السكنى فيهما أبداً من كلّ منهما مقدار من السنة بأن يكون له زوجتان مثلًا، كلّ واحدة في بلدة يكون عند كلّ واحدة ستة أشهر أو بالاختلاف، بل يمكن الثلاثة أيضاً بل لا يبعد الأزيد إذا ساعد العرف في صدق الاستيطان عليه. هذا ما ظهر لي في هذه المسألة التي تضاربت فيها كلمات الأصحاب و اللّه العالم.

تبعية الولد للوالد

قال السيد الطباطبائي:

لا يبعد أن يكون الولد تابعاً لأبويه أو أحدهما في

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 248

الوطن ما لم يعرض بعد بلوغه عن مقرّهما و إن لم يلتفت بعدَ بلوغه إلى التوطن فيه أبداً، فيعد وطنُهما وطناً له أيضاً إلّا إذا قصد الاعراض.

أقول:

للمسألة صور: 1. تبعية الولد للوالدين قبل البلوغ سواء كان الوطن للوالدين أصلياً أو وطناً مستجدّاً كما إذا أعرضا عن وطنهما الأصلي و اتخذا مكاناً آخر وطناً لأنفسهما و هو معهما قبل بلوغه.

2. تلك الصورة و لكن صار الولد بالغاً على هذه الحالة و لم يُعْرِض.

3. تلك الصورة و لكن إذا بلغ أعرض.

4. إذا أتيا بلدة أو قرية و توطّنا فيها و الولد معهما مع كونه بالغاً.

أمّا الصورتان الأُوليان فلا شكّ في تبعية الولد للوالد إمّا لأنّ للولد قصداً ارتكازياً نابعاً

من التبعية لوالديه من غير فرق بين البلوغ و بعده، و إمّا لأنّ العرف يعد وطنهما وطناً له لأجل التبعية و عدم التفكيك و إن لم يكن له قصد من غير فرق بين البلوغ و بعده.

و أمّا الصورة الثالثة فبما انّه مكلّف مستقل فلقصده من البقاء أو الاعراض أثر شرعي يترتب عليه، و لأجل ذلك لو أعرض يخرج عن كونه وطناً.

و أمّا الصورة الرابعة فبما انّه مكلّف مثل الوالدين فلا يصدق عليه انّه وطنه إلّا مع قصده بنفسه و إن كان قصده نابعاً عن قصد والديه.

هذا ما يرجع إلى تفسير كلام السيد الطباطبائي، و هناك أمر آخر و هو انّه لا مجال لهذا التفصيل في الولد لما عرفت انّ الإتمام لا يدور على عنوان الوطنية بل يكفي في ذلك كون الإنسان غير مسافر و من المعلوم انّ الولد تابع للوالدين إذا توطّنا و معه لا يصدق عليه انّه مسافر، سواء صدق انّه وطنه أم لا.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 249

و بذلك يعلم وجوب الإتمام في جميع الصور إلّا إذا أعرض بعد بلوغه، و هو أن يخرج عن مقرّهما بقصد عدم القرار فيه، فإذا رجع إلى مقره السابق يقصر.

و ليعلم انّ الأسباب الموجبة للتمام ثلاثة:

1. التوطّن.

2. نية الإقامة في محلّ مدّة طويلة يخرجه عن كونه مسافراً.

3. الإقامة عشرة أيّام في محلّ.

و قد احتمل المحقّق الخوئي انّ الحكم بالإتمام على الأعراب لعدم كونهم مسافرين في البادية و إن لم يكونوا متوطّنين، لأنّ المفروض انّ بيوتهم معهم، و لا مقيمين عشرة أيّام لما عرفت انّهم يقومون في البادية مدّة طويلة فليس الوجه إلّا كونهم غير مسافرين.

يزول حكم الوطنية بالإعراض

إذا أعرض عن وطنه و خرج، يزول عنوان الوطنية،

لما عرفت من أنّه عبارة عن أخذ المكان مقراً دائماً أو بلا ترديد و هو لا يجتمع معهما.

نعم لا بشرط أن يتخذ وطناً، و قد مرّت أقسامه فلاحظ. نعم لو اتخذ مقراً موقتاً، بحيث يأوى إليه كلما خرج، فهو يتم لا بملاك انّه وطن، بل بملاك انّه غير مسافر كما هو الحال في الأعراب الذين بيوتهم معهم.

خلافاً للسيد الحكيم حيث قسّم الوطن إلى شخصي و هو المتعارف، و نوعي و هو بيوت الأعراب، و منه من أعرض عن وطنه و لم يتخذ بعد وطناً آخر، لكن اتّخذ مكاناً مقراً لنفسه يأوي إليه إذا لم يكن ما يقتضي الخروج، و لعلّ ما ذكرناه أظهر عرفاً.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 250

لا يشترط في الوطن إباحة المكان

لا يشترط في الوطن إباحة المكان الذي فيه فلو غصب في بلد و أراد السكنى فيهما أبداً يكون وطناً له، و كذا إذا كان بقاؤه في بلد حراماً من جهة كونه قاصداً لارتكاب حرام، أو كان منهيّاً عنه من أحد والديه و نحو ذلك و الدليل عليه انّ العنوان أمر عرفي، يتبع حدّ نظر العرف، نعم للشارع التصرف في حكمه بأن لا يترتب على مثل هذا المتوطن حكم الإتمام و هو غير التصرف في مفهوم الوطن.

حكم التردّد بعد العزم على التوطّن

إذا تردّد بعد العزم على التوطّن أبداً.

إنّ للمسألة صوراً:

1. إذا تردّد في الوطن المستجدّ قبل أن يصدق عليه الوطن، كما إذا نوى الإقامة دائماً أو بلا تحديد، و لكن تردّد قبل أن يسكن فيه أيّاماً يصدق في حقّه انّه ساكن في بلد كذا.

2. إذا تردّد في الوطن المستجدّ بعد الصدق.

3. إذا تردّد في الوطن الأصلي.

فقد حكم السيد الطباطبائي قدَّس سرَّه بزوال الحكم من الصورتين و استشكل في الثالث و قال:

ففي زوال حكمه قبل الخروج و الإعراض، اشكال لاحتمال صدق الوطنية ما لم يعزم على العدم. أمّا الأُولى:

فلأنّ القصد كما هو معتبر حدوثاً معتبر بقاءً، و على ذلك فلو تردّد قبل أن يصدق عليه الوطن زال حكم الوطنية و إن لم يتحقق الإعراض و الخروج.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 251

يلاحظ عليه أوّلًا:

أنّ الزوال فرع صدق الوطنية و المفروض انّه لم يتحقّق إلّا أن يكون إطلاق الزوال لأجل وجود المقتضي و هو القصد حدوثاً مع البقاء فيه يوماً أو أيّاماً. ثانياً:

ما هو المراد من زوال الحكم، هل المراد هو انّه يقصر بعد ما تردّد، و إن لم يعرض و لم يخرج فهو كما ترى، لأنّه و إن زال

عنه عنوان التوطّن لكن لا يصدق عليه انّه مسافر و قد علمت أنّ الإتمام لا يدور مدار صدق الوطن، بل هو أعمّ منه و قد سبق انّ أسباب الإتمام ثلاثة: الوطن، عدم كونه مسافراً، إقامة عشرة، و إن شئت أضف إليه، رابعاً: و هو الإقامة في بلد متردّداً ثلاثين يوماً. و إن أراد انّه يقصر إذا خرج منه إلى حدّ المسافة ثمّ رجع و هو أيضاً مورد إشكال، فانّه ما لم يعرض و لم يخرج لا يصدق عليه انّه مسافر.

و بالجملة:

لا أرى لصدق الوطنية و عدمها أثراً في ذلك. و أمّا الثانية:

أعني إذا حصل التردّد بعد تحقّق الصدق المذكور فقد ذكر انّه يزول عنه الحكم في المستجد لنفس الوجه المذكور في الأُولى. و يرد عليه ما أوردناه على الصورة الأُولى، فانّه لا أثر لصدق الوطنية و عدمها إذ هو يتم ما لم يخرج منها، بل و لو خرج و عاد إلى محل الإقامة و هو متردّد بعدُ إذ لا يصدق عليه انّه مسافر.

و أمّا الثالثة:

فقد استشكل فيه السيّد الطباطبائي في زوال حكمه قبل الخروج و الاعراض، قائلًا باحتمال صدق الوطنية ما لم يعزم على العدم فحكم بالجمع بين الحكمين. فيرد عليه:

انّ التردّد لا يزيل عنوان الوطن الأصلي فضلًا عن زوال حكمه فهو يتم فيه ما دام متردّداً قبل الخروج، بل و لو خرج و عاد إلى الوطن.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 252

و منه يعلم انّ الاعراض بمجرده مثل التردّد لا يسلب حكم الوطنية أي الإتمام في جميع الصور، فهو يتم مع الاعراض لأجل انّه غير مسافر ما دام هو فيه.

نعم، لو أعرض و هاجر تزول الوطنية و حكمها و لو عاد يقصر.

اعتبار قصد التأبيد في صدق الوطنية

قال السيد الطباطبائي:

ظاهر كلمات العلماء رضوان اللّه عليهم اعتبار قصد التوطّن أبداً في صدق الوطن العرفي، فلا يكفي العزم على السكنى إلى مدّة مديدة كثلاثين سنة أو أزيد، لكنه مشكل، فلا يبعد الصدق العرفي بمثل ذلك. و الأحوط في مثله إجراء الحكمين بمراعاة الاحتياط. أقول:

إذا اتخذ محلًا للإقامة فله صور: الأُولى:

أن يتوطّن فيه بقصد التأبيد. الثانية:

أن يقصد الإقامة بلا تحديد لا بالتوقيت و لا بالتأبيد. الثالثة:

أن يعزم على السكنى محدّداً بسنة أو أربع سنوات أو ثلاثين سنة. فقد تعرفت انّ الوطن يصدق على القسمين الأوّلين و ليس عن التأبيد في كلمات اللغويين أثر إنّما الكلام فيما إذا كان محدّداً بسنة أو سنين، فالظاهر عدم صدقه إذا كان محدداً و لكن لا تترتب ثمرة عليه لما عرفت من أنّ الإتمام لا يدور مدار صدق الوطن، بل يكفي كون الرجل فيه غير مسافر، و لأجل ذلك لو سكن إنسان في بلدة مع علائقه من زوجة و أولاد و رتب لوازم المعيشة و شئونها، لا يصدق عليه انّه مسافر و إن عزم على مغادرته بعد أربع سنوات، فلأجل ذلك لو خرج و عاد، فقد عاد إلى مقره.

فلا أرى لهذا البحث ثمرة.

تمّ الكلام في القاطع الأوّل من قواطع السفر.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 253

القاطع الثاني: العزم على الإقامة

اشارة

اتّفقت كلمة فقهاء الشيعة على أنّ العزم على إقامة عشرة أيّام قاطع للسفر إمّا موضوعاً أو حكماً، و قد مرّ البحث عنه و لا نعيد.

و اختلفت آراء أهل السنّة في مقدار الإقامة بل و تفسيرها إلى أقوال تناهز الثمانية ذكرها الشيخ في الخلاف قال:

«المسافر إذا نوى المقام في بلد عشرة أيّام وجب عليه التمام، و إن نوى أقلّ من ذلك وجب عليه

التقصير، و به قال علي عليه السَّلام و ابن عباس، و إليه ذهب الحسن ابن صالح بن حيّ.

و قال سعيد بن جبير:

إن نوى مقام أكثر من خمسة عشر يوماً أتم. و عن ابن عمر ثلاث روايات:

إحداها:

إن نوى مقام خمسة عشر يوماً أتمّ، فجعل الحدّ خمسة عشر يوماً، و به قال الثوري، و أبو حنيفة و أصحابه. و الثانية:

قال: إن نوى مقام ثلاثة عشر يوماً أتم، و لم يقل بهذا أحد. و الثالثة:

إن نوى مقام اثني عشر يوماً أتم، و عليه استقر مذهبه، و به قال الأوزاعي. و قال الشافعي:

إن نوى مقام أربعة سوى يوم دخوله و خروجه أتم، و إن كان أقلّ قصر، و به قال عثمان، و سعيد بن المسيب، و في الفقهاء: مالك، و الليث

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 254

ابن سعد، و أحمد و إسحاق، و أبو ثور.

و قال ربيعة:

إن نوى مقام يوم أتم. و قال الحسن البصري:

إن دخل بلداً فوضع رحله أتم. و قالت عائشة:

متى وضع رحله أتم أيّ موضع كان، فكأنّها تذهب إلى أنّ التقصير ما دام لم يحُطّ الرحل فمتى حطّ رحلَه أيّ موضع كان أتم، و إذا كانت القافلة سائرة أو واقفة و الرحل عليها لم يحط كان له التقصير، و إن حطّ لم يقصر. دليلنا:

إجماع الطائفة، و قد بيّنا انّ إجماعها حجّة. و أيضاً روى أبو بصير قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السَّلام: «إذا عزم الرجل أن يقيم عشراً فعليه إتمام الصلاة، و إن كان في شكّ لا يدري ما يقيم فيقول اليوم أو غداً فليقصر ما بينه و بين شهر، فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتم الصلاة». «1» و هذا النوع

من تضارب الآراء في أبسط المسائل نتيجة الإعراض عن التمسك بالعترة الطاهرة أعدال الكتاب و قرناؤه في حديث الرسول، حيث إنّ أصحاب هذه الآراء تكلموا، بالمقايسة و التشبيه دون اعتماد على الدليل.

و أمّا أصحابنا فهم يستندون إلى روايات أئمّة أهل البيت التي رواها أصحابنا في كتبهم الحديثيّة.

روى الحرّ العاملي في الباب الخامس عشر من أبواب صلاة المسافر عشرين حديثاً فيه، غير انّه يجب علينا توحيد المتعدّد أوّلًا، و تصنيفه ثانياً ليسهل التدبر فيه.

أمّا توحيد المتعدّد، فالثالث و الثالث عشر في نفس الباب رواية واحدة

؛ فتارة يرويها الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة،

______________________________

(1). الطوسي، الخلاف: 1، كتاب الصلاة، المسألة 326.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 255

عن أبي بصير

(الحديث 3)؛ و أُخرى يرويها الحسين بن سعيد، عن حماد، عن يعقوب ابن شعيب، عن أبي بصير (الحديث 13). كما انّ المروي برقم الثاني عشر و السادس عشر رواية واحدة، فتارة يرويها أبو أيوب عن محمد بن مسلم

(الحديث 12)، و أُخرى يرويها حريز عن محمد بن مسلم (الحديث 16). هذا ما يرجع إلى توحيد الكثير.

ثمّ إنّ هناك رواية لا دلالة لها على ما نحن بصدده، و هي رواية عبد الرحمن ابن حجاج

(الحديث 2) و إن وردت فيه لفظ «فيقيم فيها» لكن لا تصريح فيها بالإقامة عشراً كما انّ الرواية برقم 14 معرض عنها إذ لم يقل أحد بالإتمام بالإقامة متردّداً عشرة أيّام، و بذلك ظهر انّ مجموع ما يرجع إلى عنوان الباب لا يتجاوز عن الستة عشر حديثاً. و أمّا تصنيف الروايات فهو كالتالي:

الأوّل:

ما يتكفّل لبيان انّ الموضوع هو العزم على الإقامة عشرة أيّام، و هي ثمانية

أحاديث. الثاني:

ما يتكفّل لبيان مسألة الإقامة شهراً واحداً، و هي حديثان. الثالث:

ما يتكفّل لبيان حكم الإقامة بقسميها، و هي ستة أحاديث. أمّا الصنف الأوّل فإليك بيانه:

1. روى الكليني عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن عليه السَّلام قال: سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيام في المكان، عليه صوم؟ قال: «لا، حتى يجمع على مقام عشرة أيّام، و إذا أجمع على مقام عشرة أيّام صام و أتم الصلاة». و قال: و سألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و هو مسافر

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 256

يقضي إذا أقام في المكان؟ قال:

«لا، حتى يجمع على مقام عشرة أيّام». «1» 2. روى الشيخ عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سمعته يقول: إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيّام، فأتمّ الصلاة. «2»

3. روى الشيخ عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، قال: «من أتى ضيعته ثمّ لم يُرِد المقام عشرة أيّام قصّر، و إن أراد المقام عشرة أيّام أتم الصلاة». «3»

4. روى الشيخ عن موسى بن حمزة بن بزيع قال: قلت لأبي الحسن عليه السَّلام: جعلت فداك إنّ لي ضيعة دون بغداد فأخرج من الكوفة أُريد بغداد، فأُقيم في تلك الضيعة أقصّر أو أتم؟ قال: «إن لم تنو المقام عشرة أيّام فقصر». «4»

5. روى الشيخ عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السَّلام قال: سألته عن الرجل يقصر في ضيعته، فقال: «لا بأس ما لم تنو مقام عشرة أيّام إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه». «5»

6. روى الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال:

«من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة». «6»

7. روى الصدوق عن رجاء بن أبي الضحاك انّه صحب الرضا من المدينة إلى مرو و كان إذا أقام ببلدة عشرة أيّام كان صائماً لا يفطر. «7»

8. روى عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السَّلام قال سألته عن الرجل قدم مكة قبل التروية بأيّام، كيف يصلّي إذا كان وحده أو مع إمام فيتم أو يقصر؟ قال: «يقصّر إلّا أن يقيم عشرة أيّام قبل التروية». «8»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 4، 6، 7، 8، 10، 18، 19.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 4، 6، 7، 8، 10، 18، 19.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 4، 6، 7، 8، 10، 18، 19.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 4، 6، 7، 8، 10، 18، 19.

(5). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 4، 6، 7، 8، 10، 18، 19.

(6). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 4، 6، 7، 8، 10، 18، 19.

(7). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 4، 6، 7، 8، 10، 18، 19.

(8). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 4، 6، 7، 8، 10، 18، 19.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 257

و أمّا الصنف الثاني:

أعني ما يتكفل لبيان مسألة الإقامة شهراً فقط و هي حديثان. 9.

روى الشيخ عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن عليه السَّلام عن أهل مكة إذا زاروا، عليهم إتمام الصلاة؟ قال: «المقيم بمكة إلى شهر بمنزلتهم». «1»

10. روى الشيخ عن حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السَّلام، قال: «إذا دخلت البلدة فقلت اليوم أخرج أو غداً أخرج فاستتممت عشراً فأتم».

و في رواية أُخرى:

«فاستتممت شهراً فأتمّ». «2»***

و أمّا ما يدلّ على الصنف الثالث:

أي بيان حكم الإقامة بقسميها، و هو كالتالي: 11. روى الكليني عن أبي بصير، قال: إذا قدمت أرضاً و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيّام فصم و أتم، و إن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيّام، فافطر ما بينك و بين شهر فإذا تم الشهر فأتم الصلاة و الصيام و إن قلت: ارتحل غدوة. «3»

12. روى الشيخ عن أبي ولّاد الحناط، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في حديث قال: «إن شئت فانو المقام عشراً و أتم، و إن لم تنو المقام فقصر ما بينك و بين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة. «4»

13. روى الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السَّلام، قال: قلت له: أ رأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصراً، و متى ينبغي أن يتم؟ فقال: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت انّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتم الصلاة، و إن لم تدر ما

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11، 14، 15.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11، 14، 15.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3، 5.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر،

الحديث 3، 5.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 258

مقامك بها تقول:

غداً أخرج أو بعد غد، فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تمّ لك شهر فأتم الصلاة و إن أردتَ أن تخرج من ساعتك». «1» 14. روى الشيخ عن أبي أيّوب قال: سأل محمد بن مسلم أبا عبد اللّه عليه السَّلام، و أنا أسمع، عن المسافر إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيّام فليتم الصلاة، فإن لم يدر ما يُقيم يوماً أو أكثر فلْيَعُدَّ ثلاثين يوماً، ثمّ ليتمّ، و إن كان أقام يوماً أو صلاة واحدة. «2»

15. روى الصدوق، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، أنّه قال: «إذا دخلت بلداً و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصّر، و إن أقمت تقول غداً أخرج أو بعد غد، و لم تُجْمِع على عشرة فقصر ما بينك و بين شهر، فإذا أتم الشهر فأتم الصلاة». «3»

16. روى الشيخ في أماليه، عن سويد بن غفلة، عن علي عليه السَّلام قال: «إذا كنت مسافراً، ثمّ مررت ببلدة تريد أن تقيم بها عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، و إن كنت تريد أن تقيم بها أقلّ من عشرة فقصر، «4» و إن قدمت و أنت تقول أسير غداً أو بعد غد، حتى تتم على شهر فأكمل الصلاة».

هذه دراسة أحاديث الباب، و بالإمعان فيها تتمكن من استنباط الفروع التي ذكرها السيد الطباطبائي في عروته، و إليك بيانها

[فروع ذكرها السيد الطباطبائي في عروته:]

1. اشتراط أحد الأمرين

قد عرفت انّ إقامة عشرة أيّام تقطع السفر حكماً أو موضوعاً، و لكن لها شرائط، تعرّضوا لها في التالي مُستلْهمين من النصوص السابقة:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من

أبواب صلاة المسافر، الحديث 9، 12، 17، 20.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9، 12، 17، 20.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9، 12، 17، 20.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9، 12، 17، 20.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 259

قال السيد الطباطبائي:

الثاني من قواطع السفر العزم على إقامة عشرة أيّام ... أو العلم بذلك، و إن كان لا عن اختيار، و لا يكفي الظن بالبقاء. حاصله:

انّ المعتبر في تحقّقها أحد الأمرين على سبيل منع الخلو، إمّا أن ينوي إقامة عشرة أيّام، أو العلم بالإقامة بهذا المقدار، و الداعي إلى الإقامة في الأوّل داخلي، و العامل في الثاني خارجي، و لو خلّى و طبعَه لما أقام فيه. و تعبير السيد الطباطبائي في العروة أحسن ممّا عبّر به السيد الاصفهاني حيث قال:

إنّ الإقامة مشتملة على أُمور: 1. اعتبار وقوع الإقامة عن علم بها، فمجرّد التوقف الاتّفاقي لا يكفي.

2. كفاية وقوعها اضطراراً فضلًا عن كره.

3. احتمال عروض مانع يمنعه عن الإقامة إذا كان بعيداً لا يضرّ. «1»

فإنّ ما ذكره تطويل بلا حاجة إليه.

و يدل على كفاية أحد الأمرين ما ورد في بعض النصوص:

«إذا عزم» «فانو المقام»، «تجمع» الظاهر في صدورها عن إرادة و اختيار، و في البعض الآخر: «و إذا أيقنت» الظاهر في كفاية اليقين بها، و إن لم يكن عن اختيار

2. كفاية عشرة أيّام و تسع ليال

لا شكّ انّ الليالي المتوسطة داخلة، إنّما الكلام في الليلة الأُولى و الأخيرة، فقال السيد الطباطبائي:

كفى عشرة أيّام و تسع ليال. أقول:

إنّ بين اليوم و الليل تقابل التضاد لو كانت الظلمة أمراً وجودياً، كما هو ظاهر قوله

سبحانه: (وَ جَعَلَ الظُّلُمٰاتِ وَ النُّورَ) (الأنعام/ 6) فإنّ تعلّق

______________________________

(1). صلاة المسافر: 82.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 260

الجعل بها دليل على كونها أمراً وجوديّاً

؛ أو تقابل العدم و الملكة إذا كانت الظلمة أمراً عدمياً، و على كلّ تقدير لا يدخل الليل في مفهوم اليوم، و دخولها في بعض الموارد، لأجل القرينة كقوله سبحانه: (فَعَقَرُوهٰا فَقٰالَ تَمَتَّعُوا فِي دٰارِكُمْ ثَلٰاثَةَ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) (هود/ 65) و قوله تعالى: (قٰالَ آيَتُكَ أَلّٰا تُكَلِّمَ النّٰاسَ ثَلٰاثَةَ أَيّٰامٍ إِلّٰا رَمْزاً) (آل عمران/ 41) فلو لم يكن هناك استمرار للحكم لما دخل الليل في إطلاق اليوم، فاليوم هو الزمان المحدّد بين طلوع الشمس إلى غروبها، و بما انّ الوارد في النصوص هو الأيّام، فلا تشمل الليلة الأُولى أو الليلة الأخيرة، و إن كان تجب عليه إقامة الليلة الأُولى لو نوى أوّل اللّيل، لكن الحكم به لا يدل على دخولها في ماهية الإقامة. و لأجل عدم دلالة اليوم على دخول الليالي إلّا بالقرينة، ففي كلّ مورد كان الحكم مترتباً على أربعة و عشرين ساعة يعطف الليل على النهار، كما في باب الرضاع

؛ قال أبو جعفر عليه السَّلام: لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة. «1» و مثله باب القسم، فقد ورد فيه لفظ الأيّام في بعض النصوص، و الليالي في بعضها الآخر. فيعلم منه كون المراد هو تمام الليل و النهار. و أمّا المقام فلم يرد سوى الأيّام فيقتصر عليها، نعم احتمل السيد المحقّق البروجردي، دخول الليلتين في أقلّ الحيض و أكثره لقرينة في نفس المورد، و هو انّ التحدى

«2» د في باب الحيض ليس تعبّداً محضاً، بل من باب الكشف

عن مقتضى طباعهن، و انّ أقلها حسب طبيعتهنّ هو ثلاثة أيّام و أكثرها عشرة أيّام، فإذا كان الحكم في مجال الأقل و الأكثر نابعاً عن طبائعهن، فلا معنى لكون المدة في مورد طويلة و في مورد آخر قصيرة، مثلًا لو رأت الدم أوّل الليل تحتسب الليلة مضافاً

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 14، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 15، الباب 2 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1، 2، 4، 7.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 261

إلى الأيّام و الليالي المتوسطة، و إن رؤي أوّل طلوع الشمس، يكتفى بثلاثة أيّام مع ليلتين، فإنّ هذا النوع من المحاسبة يخالف كون الحكم حسب طباعهن، فإنّ مقتضى الطبع لا يصحّ أن يختلف

3. كفاية اليوم الملفق

هل المعتبر هو اليوم التام أو يكفي اليوم الملفق؟ قال السيد الطباطبائي:

و يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر، على الأصحّ، فلو نوى المقام عند الزوال من اليوم الأوّل إلى الزوال من اليوم الحادي عشر كفى و يجب الإتمام و إن كان الأحوط الجمع. أقول:

في المسألة وجهان: أحدهما:

انّه لا يكفي التلفيق لظهور اليوم في اليوم التام و انّ النصفين من يومين لا يسمّيان يوماً. ثانيهما:

انّه يكفي التلفيق، بداهة انّ من دخل بلداً عند الزوال و خرج من غده في زواله يصدق انّه بقي فيه يوماً كاملًا، حتى لو سُئل عن مدّة إقامته، لأجاب بقيتُ يوماً، و على ضوء ذلك فمن دخل زوال أوّل الشهر و خرج زوال اليوم الحادي عشر صدق انّه بقي عشرة أيّام. على أنّه قلّما يتّفق أن يدخل المسافر أوّل النهار و يخرج في اليوم العاشر آخر النهار.

بل يدخل غالباً بعد ساعات من النهار، فإلغاء ما

بقي من ساعات اليوم أمر بعيد. نعم استدل السيد المحقّق البروجردي على عدم كفاية التلفيق بوجه آخر، و حاصله:

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 262

انّ السيرة بين المسافرين في الأعصار السابقة جارية على تقسيم اليوم و الليلة إلى قسمين:

1. كانوا يصرفون ساعات منه أو منها أو منهما في قطع الطريق حسب اختلاف الفصول و الطرق.

2. كانوا يصرفون الباقي من الساعات للنزول في المنازل و أخذ قسط من الراحة.

فإذا خوطب من كانت سيرته هذه، بأنّ إقامة العشرة تقطع السفر حكماً أو موضوعاً، يتبادر منه من أقام عشراً و كانت ساعاتها خالية عن السير، و مصروفة في الاستراحة و الانشغال بغيره، فيرجع معنى الإقامة إلى تعطيل السير في الساعات الرائجة عند الإقامة.

و على ذلك لا محيص عن القول بعدم كفاية التلفيق من اليومين، لأنّ النازل في بلدة زوال النهار و الرحيل منها في زوال الحادي عشر لم يترك السير في ساعاته لا في الأوّل و لا في الآخر.

يلاحظ عليه:

أنّها دقّة عقلية لا يلتفت إليها العرف، و لا يكون مثلها قرينة صارفة للإطلاقات الواردة في الروايات. أضف إليه أنّ المقيم لا يمارس السفر في المقدار المحسوب من اليومين، و المقدار الذي يمارس فيه السفر غير محسوب من أيّام الإقامة، و دعوى لزوم عدم الممارسة في جميع أجزاء اليوم حتى في المقدار غير المحسوب أوّل الكلام.

4. المبدأ هو طلوع الشمس، لا طلوع الفجر

إنّ المتبادر من اليوم هو البياض المتحقّق بطلوع الشمس إلى غروبها، و هو الذي يعبر عنه باليوم الإجاري، و حمله على اليوم الصومي يحتاج إلى دليل خاص،

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 263

كقوله سبحانه:

(أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ) إلى قوله: (كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ

الْفَجْرِ) (البقرة/ 184 و 187).

5. الإقامة في محلّ واحد

يعتبر في الإقامة كونها في محلّ واحد، قال السيد الطباطبائي:

فلو قصد الإقامة في أمكنة متعددة عشرة أيّام لم ينقطع حكم السفر كأن عزم على الإقامة في النجف و الكوفة أو الكاظمين و بغداد، أو عزم على الإقامة في رستاق من قرية إلى قرية، من غير عزم على الإقامة في واحدة منها عشرة أيّام، و لا يضر لوحدة المحل فصل مثل الشط بعد كون المجموع بلداً واحداً كجانبي الحلة و بغداد و نحوهما. و يدل على شرطية وحدة المكان قوله:

«إذا قدمتَ أرضاً و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيّام فصم و أتم». «1» و قوله: «إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيّام» «2» و قوله: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت انّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتم الصلاة» «3» و قوله: «إذا دخلت البلدة فقلت اليوم أخرج أو غداً أخرج» «4» و قوله: «و كان إذا أقام ببلدة عشرة أيّام كان صائماً لا يفطر». «5» و قوله: «إذا كنت مسافراً ثمّ مررت ببلدة تريد أن تقيم بها» «6» و الكلّ ظاهر في وحدة المحل و المقام. و أمّا ما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: الرجل له الضياع بعضها قريب من بعض، فيطوف فيها أ يُتمُّ أم يقصَّر؟ قال: «يُتِم»، فلا ينافي ما ذكرناه، فلأنّها محمولة على ما إذا استوطن في مركز الضياع، حسب ما مرّ في صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع، و الملاك لوحدة المحل هو العرف حيث يعد المكان الوسيع مكاناً واحداً، و ربما تعد القريتين الصغيرتين مكانين، و لأجل ذلك لا يضرّ بوحدة المحل فصل مثل الشط بعد كون المجموع

______________________________

(1).

مضت مصادر الروايات.

(2). مضت مصادر الروايات.

(3). مضت مصادر الروايات.

(4). مضت مصادر الروايات.

(5). مضت مصادر الروايات.

(6). مضت مصادر الروايات.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 264

بلداً واحداً كجانبي الحلة و بغداد و نحوهما.

و على كلّ تقدير فلا إشكال في هذا الأصل أي اتحاد وحدة محل الإقامة. و اعلم أنّ هنا مسألتين يجب فصل كلّ عن الأُخرى:

1. لو قصد الإقامة في أمكنة متعددة، عشرة أيّام لم ينقطع السفر حكماً و موضوعاً، كما لو قصد الإقامة في النجف و الكوفة، أو في قرى متعددة و لو جمعها اسم واحد، فانّ دخولها تحت جامع لا أثر له بعد كونها متعددة.

و عليه لو قصد الإقامة داخل سور البلد، و خارجه، و إن كان دون حدّ الترخّص، لا ينقطع حكم السفر بكلا المعنيين، و هذه المسألة هي التي طرحها السيد، تحت عنوان «الثاني من قواطع السفر» و قال:

فلو قصد الإقامة في أمكنة متعددة عشرة أيّام لم ينقطع حكم السفر، كأن عزم الإقامة في النجف و الكوفة و الكاظمين و بغداد، أو عزم على الإقامة في رستاق من قرية إلى قرية، من غير عزم على الإقامة في واحدة منها عشرة أيّام. 2. إذا نوى الإقامة في مكان واحد، فهل له أن يخرج خارج سور البلد و المزارع المتصلة أو المنفصلة ثمّ يرجع إلى محلّ الإقامة أو لا؟ و قد طرح السيد الطباطبائي هذه المسألة في المسألة الثامنة قائلًا: لا يعتبر في نية الإقامة قصد عدم الخروج عن خطة سور البلد. فاللازم عدم الخلط بين المسألتين.

6. ما هو الملاك لوحدة المكان؟ «1»

قد عرفت دلالة النصوص على شرطية وحدة المكان في صدق الإقامة، و من

______________________________

(1). ملاك البحث في المقام عن مقومات صدق الوحدة على مكان الإقامة، لكن

البحث فيما يأتي عن موانع تحقّقها كنية الخروج من بدء الأمر إلى خارج مكان الإقامة، أو الخروج في الأثناء من دون سبق النية. فلا يختلط عليك الأمر.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 265

المعلوم أنّه ليس المراد من الوحدة، الوحدة الحقيقية لأنّ المقيم يتردد من دار إلى دار، و من مكان إلى مكان آخر، بل المراد، الوحدة الاعتبارية العرفية و ان يعد محل الإقامة في نظر العرف مكاناً واحداً للإقامة، فلا يكفي عنوان وحدة البلد كالعراق و إيران، لأنّ الوحدة فيها بملاك آخر، و هو انّ لكلّ من البلدين نظاماً سياسياً و اقتصادياً و عسكرياً يميّز كلًا عن الآخر، و مع ذلك لا يعدّ مجموع البلد مكاناً واحداً للإقامة، بل المكان الواحد هو مدائنهما و قراهما، فلأجل ذلك يجب إمعان النظر في العامل الذي ربما يصير سبباً لعدّ المنفصلين بربع الفرسخ، تارة مكانين متعددين، و أُخرى مكاناً واحداً و ذلك لوحدتهما في المسجد و الحمام و السوق و المختار، أو اختلافهما فيها.

و من المعلوم انّ الوسائل العرفية لا يمكن تحديدها بالضبط.

7. لو شك في وحدة المحل و عدمها

لو أقام في مكانين و لكن شكّ في وحدتهما و تعددهما، فتارة يكون الشك موضوعيّاً و أُخرى حكميّاً، فالأوّل كما إذا أقام في محلتين و شكّ في كونهما منفصلتين، أو متصلتين، بحيث لو كانتا متصلتين لعدتا في نظر العرف مكاناً واحداً، بخلاف ما إذا كانتا منفصلتين.

و الثاني كما إذا علم بالانفصال و لكن كان الانفصال قليلًا بحيث يشك في أنّه مضرّ بالوحدة المكانية أو لا، كما إذا كان بين القريتين سدس الفرسخ.

أمّا الأوّل فيستصحب عنوان كونه مسافراً لا مقيماً، لأنّ الثاني عنوان حادث شك في حدوثه.

و أمّا الثاني فيتمسك فيه بعموم أدلّة القصر

لإجمال المخصص و دورانه بين الأقلّ و الأكثر، كما حقّق في محله، حيث يعلم بأنّ الفصل بأربع كيلومترات

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 266

مخلّ بالوحدة، و لكن يشك في إخلال كيلومتر واحد، فيدور أمر المخصص بين الأقل و الأكثر، فيؤخذ بالأقل و يرجع في الأكثر إلى عموم العام، أي قوله سبحانه:

(فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ). فتأمّل.

8. حكم البلاد المتسعة و الكبيرة

قال السيد الطباطبائي:

لو كان البلد خارجاً عن المتعارف في الكبر فاللازم قصد الإقامة في محلّة منه إذا كانت منفصلة، بخلاف ما إذا كانت متصلة، إلّا إذا كان كبيراً جدّاً لا تصدق عليه وحدة المحل، و كان كنيّة الإقامة في رستاق مشتمل على القرى مثل القسطنطينية و نحوها. و حاصل كلامه في البلد المتسع يرجع إلى أُمور ثلاثة:

1. إذا كان البلد واسعاً و كانت المحلات منفصلة، ينوي الإقامة في محلّه.

2. إذا كان البلد واسعاً و المحلّات متصلة، ينوي الإقامة في نفس البلد.

3. إذا كان الكبر خارجاً عن المتعارف فلا يجري عليه حكم البلد الواحد، فهو كحكم البلد الواسع إذا كانت المحلّات منفصلة، فاللازم نيّة الإقامة في محلّة واحدة منها.

يلاحظ عليه:

أنّ ما ذكره في القسمين الأوّلين صحيح لا غبار عليه، و إنّما الكلام في البلاد الكبيرة الخارجة عن حدّ التعارف كطهران و القسطنطينية و غيرهما من المدن الواسعة جدّاً، فالظاهر كفاية كونهما محلًا واحداً في نظر العرف، و إن اشتملت على خمسين محلًا إذا اطلق عليها اسم مدينة واحدة، و قد عرفت انّ الوارد في النصوص عبارة عن الألفاظ التالية: 1. «أرضاً»، 2. «بلدة»، 3. «البلدة»، 4. «المكان»، 5. «ضيعته» إلى غير

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 267

ذلك من الألفاظ المتقاربة.

و من المعلوم

انّ كلًا من هذه البلاد الواسعة تحمل اسم البلدة، و قد كان في عصر صدور الروايات مدائن كبيرة في العراق و الشام.

فالقول بعدم صحّة نيّة الإقامة في البلاد الكبيرة قول لا يساعده الذوق الفقهي و لا يعد التجوالُ في محلاته سفراً من محلة إلى محلة و لا ارتحالًا إلى غير ذلك ممّا ينافي الإقامة

9. قصد الخروج عن محل الإقامة

قال السيد الطباطبائي:

لا يعتبر في نيّة الإقامة قصد عدم الخروج عن خطة سور البلد على الأصح، بل لو قصد حالة نيّتها الخروجَ إلى بعض بساتينها و مزارعها و نحوها من حدودها على وجه لا ينافي صدق اسم الإقامة في البلد عرفاً، جرى عليه حكم المقيم حتى إذا كان من نيّته الخروج عن حدّ الترخّص إلى ما دون الأربعة إذا كان قاصداً للعود عن قريب بحيث لا يخرج عن صدق الإقامة في ذلك المكان عرفاً، كما إذا كان من نيته الخروج نهاراً و الرجوع قبل الليل. «1» قد عرفت شرطية وحدة المكان في صدق الإقامة و كان البحث هناك فيما هو المقوم في صدق الوحدة، و أمّا البحث في المقام فيرجع إلى بيان ما هو المانع عن صدق الوحدة، و لأجل ذلك طرح السيد الطباطبائي مسألتين، إحداهما ترجع إلى بيان مقتضيات الوحدة و مسوغاتها و موجباتها، و فرغنا عنها، و ثانيتهما ترجع إلى بيان المانع لصدق الوحدة.

و أمّا الأقوال فالظاهر انّها لا تتجاوز الأربعة.

______________________________

(1). العروة الوثقى، الفصل الثاني، في قواطع السفر، الثاني من القواطع الإقامة، المسألة 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 268

الأوّل:

لا يجوز الخروج عن سور البلد المحيط به أو عن حدود بنيانها أو دورها، و هذا هو المنسوب للسيد الفتوني استاذ بحر العلوم على ما حكي عنه.

الثاني:

جواز التردّد في حدود البلد و أطرافه ما لم يصل إلى محلّ الترخّص نقل عن الشهيدين في البيان و نفائح الأفكار. الثالث:

الرجوع في ذلك إلى العرف، نسب إلى الأردبيلي و صاحب المدارك و المجلسي. الرابع:

البقاء على التمام ما لم يقصد المسافة نسب إلى فخر المحقّقين. قال في الحدائق:

لو نوى الإقامة في موضع و صلّى تماماً ثمّ خرج إلى مادون المسافة مع إرادة الرجوع إلى موضع الإقامة و هذه المسألة من مشكلات المسائل و أُمّهات المقاصد لتعدّد الأقوال فيها و الاحتمالات و تصادم التأويلات و التخريجات مع خلو المسألة من الروايات حتى أنّ شيخنا الشهيد الثاني صنف فيها رسالة مستقلة، ثمّ نقل انّ الشيخ ذكرها في المبسوط و قال: من أقام في بلد و صلّى فيه تماماً فانّه يجب عليه التمام فيه حتى يقصد المسافة. «1» ثمّ إنّ الفرق بين هذه المسألة و ما سيأتي في المسألة

24 من العروة الوثقى «2» من انّه إذا تحققت الإقامة و بدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة و لو ملفقاً فما حكم صلاته ذهاباً و إياباً و عوداً، هو انّ البحث في المقام صغروي و انّ نية الخروج في أثناء العشرة مخل لتحقّق الإقامة أو لا، و قد عرفت انّ الأقوال فيها أربعة: و أمّا المسألة الآتية فالنزاع فيها كبروي مبني على القول ببطلان الإقامة إذا بدا له الخروج إلى الخارج.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ للمسألة صورتين:

______________________________

(1). البحراني: الحدائق: 11/ 483.

(2). لاحظ رقم 25 من هذا الفصل.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 269

الأُولى:

إذا نوى الإقامة في مكان و صلّى صلاة رباعية تماماً ثمّ بدا له الخروج إلى ما دون المسافة ساعة أو ساعتين أو ثلاث. فالظاهر

انّه لا يزاحم الإقامة و ذلك لصحيح أبي ولاد الحناط قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة ان أُقيم بها عشرة أيّام و أتمُّ الصلاة، ثمّ بدا لي بعدُ أن لا أُقيم بها، فما ترى لي أتمّ أم أقصّر؟ قال: «إن كنت دخلتَ المدينة و حين صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها.

..» «1» و السؤال فيه عمّن أقام و صلّى رباعية ثمّ بدا له أن لا يقيم، و قد حكم عليه السَّلام عليه بالتمام إلى وقت انشاء السفر الشرعي، مطلقاً سواء خرج إلى مادون المسافة أم لا، فحصر القصر بالإخراج و إنشاء السفر، يلازم عدم كون الخروج إلى مادون المسافة مخلًا بالإقامة. اللّهمّ إلّا أن يقال انّ الحديث ناظر إلى أنّ العدول عن الإقامة غير مخل، لا انّ الخروج إلى ما دونها كذلك. الثانية:

إذا كان من بدء الأمر ناوياً الخروج إلى ما دون المسافة في ضمن الأيّام العشرة و قد عرفت الأقوال، و إليك بيانها. استدل للقول الأوّل ما نقله المحقّق النراقي و حاصله:

القدر الثابت أنّ قصد الإقامة في البلدة و القرية موجب للإتمام، و البلدة تستعمل في معان، و القدر المعلوم أنّ قصدَها بالمعنى الأوّل، و هو ما جمعته الدور و البنيان و حفّته السور و الجدران يوجب الإتمام قطعاً و الباقي غير معلوم لنا فلا يعلم تعلق الحكم به أيضاً.

ثمّ قال:

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1418 ه ق ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر؛ ص: 269

و ما ذكرناه ليس مغايراً للقول الثالث (أي الرجوع

إلى العرف) بل هو عينه إلّا انّا نقول انّ هذا هو المعنى العرفي لإقامة البلد.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 270

نعم لا يضرّ خروج ساعة أو ساعتين أو نحو ربع يوم إلى حوالي البلد، لا لصدق البلد، على الحوالي، بل لعدم منافاته لصدق الإقامة عشرة، حتى لو قال:

أقم داخل السور عشرة أيّام لم يضر ذلك أيضاً، و بهذا ينضبط أمر الإقامة و إلّا فيحصل الاضطراب في الرستاق القريبة القرى و في نحو ذلك. فاللازم في قصد الإقامة قصد التوقف في مجتمع البنيان و الدور من بلد عرفاً، و عدم الخروج منها خروجاً عرفياً لا بنحو عشرة أقدام أو عشرين و نحوهما ممّا لا يخل بالإقامة من خروج زمان يسير. «1» يلاحظ عليه:

أنّ ما ذكره حسن لو لم يكن هناك دليل على التوسعة كما سيوافيك. استدل للقول الثاني:

انّ معنى الإقامة في البلد أن لا يخرج عن حدود ذلك البلد، و المستفاد من الأخبار انّ الحدود الفرعية لكلّ بلد منتهى سماع آذانها و رؤية بيوتها و جدرانها، و هو الذي يحصل به الترخص لا جميع أطرافها فما دام يكون فيما دون حدّ الترخص يكون في البلد و إذا تجاوز عنه يكون خارجاً عنه. يلاحظ عليه:

أنّ ما جاء في الروايات حول حدّ الترخّص لغاية بيان وظيفة المسافر و انّه لا يقصر إلّا إذا بلغ حد الترخّص و يدوم عليه في الرجوع إلّا إذا بلغ دونه، و لا صلة له بتفسير معنى الإقامة في البلد، فلعلّ الموضوع في الإقامة في البلد أضيق منه أو أوسع منه كما على القول الرابع. و بالجملة:

استفادة تحديد الإقامة في البلد

من الروايات الواردة في بيان وظيفة المسافر أشبه بالقياس. و استدل للقول الثالث:

أي الرجوع إلى العرف بأنّه لم يرد نصّ في معنى إقامة

______________________________

(1). النراقي: المستند: 8/ 253، الطبعة الحديثة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 271

الأرض و البلد فيرجع فيه إلى ما يعد إقامة البلد عرفاً، لأنّه الحاكم في أمثال ذلك، و فرعوا عليه انّه لو نوى ما يقال له في العرف انّه أقام في ذلك البلد فهو يكفي و إن انضم إليه التردّد إلى البساتين المتصلة بالبلد و المحلات الخارجة عن سوره غير المنفصلة عن البلد عرفاً ما لم يصل إلى موضع بعيد يخرجه عن المقيمين في البلد.

يلاحظ عليه:

أنّه نظر جميل لو لا انّه ليس هناك ضابطة يحدد بها الصدق العرفي. و استدل للقول الرابع، و هو جواز الخروج إلى مادون المسافة و هو الذي اختاره السيد الطباطبائي في عروته، و السيّد الاصفهاني في محاضراته المنشورة و السيد الشاهروديّ و السيد الخوئي في تعاليقهما على العروة، و غيرهما من الفطاحل الأعلام.

و يمكن الاستدلال عليه بوجوه مختلفة:

ألف.

الإقامة بمعنى محط الرحل المراد من الإقامة هو محطّ الرحل، أي إيقاف رحله و رحيله في مكان واحد، إلى أن يرتحل، و ليس بمعنى إقامة المسافر نفسه، فهو من حيث الحركة و الانتقال حرّ ما دامت تنقلاته في مادون المسافة.

و حاصل هذا الوجه انّ المسافر حسبَ طبعه ينزل أثناء السير في مكان أو أرض مع أثاثه، لكن لا لغاية الإقامة، بل لغاية الاستراحة و لما حصلت الغاية، يرتحل من فورها، و ربما ينزل لغاية الإقامة و اللبث في هذا المكان إلى مدّة، فيكون المحل محطّ رحله و رحيله و يتخذه مركزاً للإقامة فيخرج منه لقضاء حوائجه و

لما فرغ عاد إليه، فإذا اتخذه المسافر، محطاً لنزوله مع أثقاله و أمتعته، فهو محلّ إقامته فينسب إليه ما لم يخرج عن حدّ المسافة الشرعية.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 272

ب.

نفترض انّ الإقامة ليست بمحطّ الرحل، بل محلّ إقامة المسافر نفسه سواء كان له رحل أو لا، و لكن ليست للإقامة الواردة في الروايات حقيقة شرعية، بل هي بمعناها العرفي أخذت موضوعاً للحكم الشرعي و هو الإتمام، و هي حسبَ اللغة في مقابل الظعْن و الارتحال، فما دام لم يرتحل بعدُ فهو مقيم سواء توقف في المحل، أو خرج إلى أطرافه و بساتينه و مزارعه و يدل على هذا، الذكر الحكيم أوّلًا، و الأدب العربي ثانياً، و الأحاديث الشريفة ثالثاً. و إليك ما يشهد للمختار من الوجوه الثلاثة: ألف.

قال سبحانه: (وَ اللّٰهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعٰامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهٰا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقٰامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوٰافِهٰا وَ أَوْبٰارِهٰا وَ أَشْعٰارِهٰا أَثٰاثاً وَ مَتٰاعاً إِلىٰ حِينٍ) (النحل/ 80). فقد جعل الإقامة مقابلًا للظعن الذي هو بمعنى الارتحال، و المعنى تتخذون منها قُباباً و خياماً يخفّ عليكم حملها في أسفاركم يوم ظعنكم أي ارتحالكم من مكان إلى مكان و يوم إقامتكم أي اليوم الذي تنزلون موضعاً تقيمون فيه أي لا يصعب عليكم في الحالتين.

ترى أنّه سبحانه جعل الإقامة في مقابل الارتحال، فما دام المقيم لم يرتحل فهو مقيم سواء مكث في المكان أم أخذ بالتجوال. ب.

و قال ابن منظور في اللسان: «و الظعن سير البادية يقال أ ظاعن أنت أم مقيم؟». «1» و أنشأ الشاعر:

أقمنا مدّة ثمّ ارتحلنا

و هذا ما يعطيه التدبّر في مفهوم الإقامة لغة و

كونه في مقابل الظعن و الارتحال.

______________________________

(1). لسان العرب: 13/ 271، مادة ظعن.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 273

ج.

انّه قد حُددت الإقامة في بعض الروايات، بالارتحال و الخروج الذي أُريد منه إنشاء السفر الشرعي، و هذا يعرب عن بقاء الإقامة بحالها إلّا إذا كان هنا إنشاء السفر الشرعي. 1. روى أبو بصير: إذا قدمت أرضاً و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيّام فصم و أتم، و إن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيّام فأفطر ما بينك و بين شهر، فإذا تمّ الشهر فأتم الصلاة و الصيام و إن قلتَ ارتحل غدوة. «1»

ترى انّه يستعمل الإقامة في مقابل الارتحال.

2. ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: قلت له: أ رأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصِّراً و متى ينبغي أن يتم؟

فقال:

«إذا دخلت أرضاً فأيقنت انّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدر ما مقامك بها، تقول: غداً أخرج أو بعد غد ...». «2» فقد جعل الإقامة مقابلًا للتردّد في الخروج، و المراد من الخروج هو الارتحال بما معه من الأثاث و الأشياء.

3. رواية أبي ولاد الحناط، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: إنّي كنتُ نويتُ حين دخلت المدينة ان أُقيم بها عشرة أيّام و أتمّ الصلاة ثمّ بدا لي بعد أن لا أُقيم بها، فما ترى لي أتم أم أُقصّر؟ قال: «إن كنت دخلت المدينة و حين صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها». «3»

فإنّ قوله:

«فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها»، دليل على أنّ الحكم بالإتمام باق إلّا إذا أنشأ السفر فإنّ المراد من

الخروج هو إنشاء السفر و من المعلوم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 274

أنّه لا يُنشأ السفر إلّا مع الانتقال برحله و متاعه.

فإذا نوى الإقامة في محلّ عشرة أيّام، معناه نوى أن لا يخرج منه قاصداً السفرَ الشرعي فما دام هو بهذه الحالة فهو يتم إلّا إذا خرج عن تلك الحالة.

فالخروج إلى البساتين المتصلة أو المنفصلة ما لم ينته إلى المسافة الشرعية لا يزاحم مفهوم الإقامة فانّ الإقامة في مقابل الارتحال، لا في مقابل الحركة، و في مقابل الظعن، لا في مقابل الخروج منه قليلًا بنية العود، و بذلك يعلم ما في كلام سيد أساتيدنا المحقّق البروجردي، حيث إنّ الظاهر منه في تعليقته الشريفة على العروة و ما أفاده في درسه الشريف انّ الإقامة في البلد، عبارة عن ترك ما كان يمارسه أيّام سفره من السير، قليلًا كان أو كثيراً، قال:

«إنّ إقامة المسافر يوماً أو أيّاماً في منزل عبارة في العرف عن بقائه فيه متعطلًا عمّا هو شغل المسافر من كلّ يوم من طيّ مرحلة قصيرة أو طويلة لا جعل ذاك المنزل محل استراحته و نومه عند فراغه من شغل المسافرة في يومه». «1» فجعل قدَّس سرَّه الإقامة ضدّاً للحركة و التنقّل فحكم بإخلال الخروج إلى مادون المسافة بها، مع أنّها في مقابل الارتحال و ترك محل الإقامة.

أضف إلى ذلك أنّ إقامة العشرة ربما يكون لأُمور تجارية لا تنفك ممارستها عن الاشتغال بما كان يمارسه قبل الإقامة، من حمل الأمتعة

التجارية من نقطة إلى نقطة، خصوصاً إذا كان البلد متسعاً و التفريق بين الممارسة داخل البلد، و الممارسة خارجه كما ترى.

و قال السيد الاصفهاني في بيان المراد من الإقامة ما حاصله:

إنّ المراد إمّا الوقوف، أو الاستقرار في المكان، أو المقابل للارتحال و الرواح،

______________________________

(1). العروة الوثقى، الفصل الثاني في قواطع السفر، القاطع الثاني: الاقامة، المسألة 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 275

و الظاهر في باب المسافرة التي هي الرحيل من مكان إلى مكان، أن تكون الإقامة مقابلة لهذا المعنى.

فعلى هذا لا تنافي الإقامةُ الخروجَ إلى بعض البساتين، بل إلى حدّ الترخص، بل إلى مادون الأربعة و إن كان قصد هذا من أوّل الأمر، فمن قصد الإقامة في النجف الأشرف و كان من نيّته في أوّل القصد الخروجُ في أثناء الإقامة إلى مسجد الكوفة، لا تضرّ هذه النيّة بقصد من الإقامة.

نعم، لو قلنا بأنّ الإقامة عبارة عن الوقوف و السكون في محلّ فلو كان من قصده أوّل الأمر الخروج في أثنائها من خطة البلد لا يتحقّق منه القصد.

و أمّا مع ظهورها في عدم الارتحال فما لم يقصد المسافرة في أثنائها لا يضرّ بتحقّق نية الإقامة في محلّ.

«1» و قد نقل السيد العاملي هذا القول عن فخر المحقّقين

«2» و العلّامة الحلّي في أجوبة المسائل المهنائية. «3» أضف إلى ذلك انّه قلّما يتّفق لمقيم في بلد أو قرية أو ضيعة، أن لا يخرج عنها إلى الخارج لغاية من الغايات خصوصاً إذا كان نزوله للبيع و الشراء و لو كان الخروجُ مخلًا، لزم البيان

10. المبيت خارج المحل

ربما يتصور انّه إذا كانت الإقامة بمعنى اتخاذ المكان المعين مقراً لنفسه و تابعيه لا بمعنى مكث المسافر فيه فيجوز أن يكون

تمام النهار أو الليلة خارج المحل.

______________________________

(1). صلاة المسافر: 84.

(2). مفتاح الكرامة: 3/ 600، كتاب الصلاة.

(3). أجوبة المسائل المهنائية: 132 و عبارته قدَّس سرَّه غير واضحة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 276

و يمكن أن يقال:

انّ الإقامة و إن كانت بمعنى كون المحل مقرّاً للمقيم لكن الاتخاذ لغاية إقامة المسافر فيه في تلك المدّة، و على ذلك فلو كان المكث خارجه على وجه لا يصدق معه انّه أقام فيه تلك المدّة، لأضرّ بالإقامة إذا كان قاصداً من أوّل الأمر و أمّا الخروج بضع ساعات في اليوم، أو الليل أو منهما فلا يضر ما دام العرف يساعد على الصدق. و مع ذلك ففي المنع في النفس شي ء، لأنّ الملاك كونه مقراً لرحله و متاعه حتى يصدق انّه كان مقيماً فيه عشرة أيّام لأجل كون أمتعته و دابته فيه، فعلى ذلك لا يضر و إن بات خارج المحل، على وجه لا تنقطع صلته بالمحل بعوده إليه صباحاً.

11. الإقامة في برية قفراء

إذا تعلّق الغرض بالإقامة في برية قفراء لتصليح الطرق، و تدريب الجنود فحكمها حكم الإقامة في البلد و القرية و الضيعة، فلو نوى الإقامة فيها عشرة، فلا يضره الخروج عنها إذا لم يتجاوز المسافة الشرعية، فالعمّال الذين يقيمون فيها لكن يخرجون بياض النهار لأمر تصليح الطرق، أو الجنود لغاية التدريب ثمّ يعودون إليها فهؤلاء يتمون.

12. حكم الإقامة في بيوت الأعراب

قد عرفت أنّ الأعراب بيوتهم معهم ينزلون في محلّ يوجد فيه الماء و العشب، ثمّ يرتحلون منه إلى مكان آخر، فالمقيم في بيوتهم يجب أن يطمئن بعدم رحيلهم عشرة أيّام، و إلّا فلا يتمشى منه قصد الإقامة إلّا إذا كان عازماً على المكث إلى تمام العشرة و إن رحلوا.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 277

13. تعليق الإقامة على أمر مشكوك

قال السيد الطباطبائي:

إذا علّق الإقامة على أمر مشكوك الحصول لا يكفي، بل و كذا لو كان مظنون الحصول فإنّه ينافي العزم على البقاء المعتبر فيها. نعم لو كان عازماً على البقاء لكن احتمل حدوث المانع لا يضر.

حاصل كلامه:

انّه يعتبر في الإقامة العزم عليها و لا يجوز التعليق و التقدير، و ذلك لقوله عليه السَّلام: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت انّ لك بها مقام عشرة». «1» إلى غير ذلك من الروايات الدالّة على انّ الشرط هو العزم القطعي. و إذا كان عازماً من جانب نفسه على الإقامة و لكن يحتمل حدوث المانع فهو لا يضرّ بعد كونه عازماً على القطع و البت.

و لكن التفصيل غير تام لانّ التعليق في العزم كما يضر باليقين بالإقامة فهكذا احتمال حدوث المانع أيضاً مثله.

و إن شئت قلت:

إنّه لا فرق بين التعليق في المقتضي و التعليق في المانع، فكما انّ التعليق في الأوّل يضاد اليقين فهكذا الثاني، و لأجل ذلك ترى انّ المحقّقين من المعلّقين يعلّقون على المتن بقولهم: «بشرط أن يكون الاحتمال غير عقلائي».

14. حكم المجبور على الإقامة

قال السيد الطباطبائي:

المجبور على الإقامة عشراً و المكره عليها يجب عليه التمام و إن كان من نيّته الخروج على فرض رفع الجبر و الإكراه، لكن بشرط أن يكون

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 9.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 278

عالماً بعدم ارتفاعهما و بقائهما عشرة أيّام كذلك.

وجهه ما عرفت سابقاً من أنّ الإقامة تتحقّق بأحد أمرين على سبيل منع الخلو:

1. نية الإقامة، 2. العلم بالبقاء. و المجبور من قبيل الثاني.

15. حكم الزوجة و العبد

إذا علم التابع بأنّ المتبوع يقيم عشرة أيّام يتمشّى منه القصد إنّما الكلام إذا لم يعلم مقدار ما قصده لكن قصد المقام مقدار ما قصده الزوج و السيد و المفروض انّهما قصدا العشرة، فهل يكفي القصد الإجمالي أولا؟ فيه وجهان.

ذهب السيد الطباطبائي إلى الأوّل و اختار السيد البروجردي و السيد الخوئي الثاني. قال السيد الطباطبائي ما هذا خلاصته: 1. إنّ الزوجة و العبد إذا قصدا المقام بمقدار ما قصده الزوج و السيد و المفروض انّهما قصدا العشرة لا تبعد كفايته في تحقّق الإقامة بالنسبة إليهما و إن لم يعلما حين القصد أنّ مقصد الزوج و السيد هو العشرة.

2. نعم قبل العلم بذلك عليهما التقصير.

3. و يجب عليهما التمام بعد الاطّلاع و إن لم يبق إلّا يومان أو ثلاثة.

4. و الظاهر وجوب الإعادة أو القضاء عليهما بالنسبة إلى ما مضى ممّا صلّيا قصراً.

5. و كذا الحال إذا قصد المقام بمقدار ما قصده رفقاؤه و كان مقصدهم العشرة، فالمقصد الإجمالي كاف في تحقّق الإقامة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 279

6. لكن الأحوط الجمع في الصورتين بل لا يترك الاحتياط. «1»

و بما انّ السيد الطباطبائي قائل بكفاية القصد

الإجمالي من دون حاجة إلى التفصيل أفتى في المسألة الآتية

«2» أيضاً بالكفاية و هو: إذا قصد المقام إلى آخر الشهر مثلًا و كان عشرة، فقال:

كفى و إن لم يكن عالماً به حين القصد، و إن كان عالماً بالخلاف. «3» و الجامع بين المسألتين هو القصد الإجمالي بمقدار العشرة و إن لم يعلم تفصيلًا ما قصده زوجها أو سيده أو لم يعلم ما كمية الأيّام التي قصد فيها الإقامة إلى آخر الشهر.

بل ربّما يتصور انّ الباقي لا يزيد على تسعة أيّام مع أنّه في الواقع عشرة. و قد مرّ نظير المسألتين في الشرط الثاني من قصد المسافة غير انّ متعلّق القصد في المقام بالكمية الزمانية و هناك بالكمية المكانية.

قال السيد الطباطبائي في الشرط الثاني من شروط القصد، أعني: قصد المسافة، ما هذا لفظه: إذا اعتقد التابع انّ متبوعه لم يقصد المسافة، أو شكّ في ذلك و في الأثناء علم انّه قاصد لها، فالظاهر وجوب القصر عليه و إن لم يكن الباقي مسافة لأنّه قصد ما قصده متبوعه فقد قصد المسافة واقعاً فهو كما لو قصد بلداً معيناً و اعتقد عدم بلوغه مسافة فبان في الأثناء انّه مسافة، و مع ذلك فالأحوط الجمع.

«4» فالمسألتان الواردتان في شروط القصر كالمسألتين في المقام غير انّ القصد الإجمالي تارة يتعلّق بالكمية الزمانية التي هي المطلوبة في باب الإقامة، و أُخرى بالكمية المكانية كما هو المطلوب في الشرط الثاني.

و قد أوضحنا حالهما في المقام السابق، فلنرجع إلى تحليل كلام السيد الطباطبائي في المقام، فنقول في كلامه

______________________________

(1). العروة الوثقى، فصل القواطع، المسألة 13 و 14.

(2). العروة الوثقى، فصل القواطع، المسألة 13 و 14.

(3). العروة الوثقى، فصل القواطع، المسألة 13 و

14.

(4). العروة الوثقى، الشرط الثاني شروط القصر قصد قطع المسافة، المسألة 20.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 280

ملاحظات:

أمّا أوّلًا:

انّ المتبادر من الروايات هو قصد العشرة بصورة قاطعة، كما هو الظاهر من قوله: «لا حتى يجمع على مقام عشرة أيّام» «1» و قوله: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت انّ لك بها مقام عشرة أيّام». «2» فعلى ضوء ذلك يجب أن يكون قاصداً للعشرة، و لكنّهما غير قاصدين لها إلّا على شرط خاص و هو قصد المولى و الزوج إقامة العشرة.

و بعبارة أُخرى:

لو سئلا عن قصد العشرة لأجابا بأنّا تابعون للزوج و السيد، فإن قصدا العشرة فنحن أيضاً قاصدون، و إن قصدا أقلّ منه فنحن أيضاً كذلك. فعندئذ لا يصدق انّهما قاصدان للعشرة على نحو القطع و البت. نعم، هما قاصدان على نحو القطع و البت البقاء بمقدار مدّة مكث الزوج و السيد، و هذا و إن كان يلازم قصد العشرة لكن القصد لم يتعلّق أوّلًا و بالذات بقصد العشرة و إنّما تعلّق بشي ء يلازم قصد العشرة.

و إن شئت قلت:

إنّما الموضوع أحد الأمرين قصد عنوان العشرة أو قصد ما هو مصداق العشرة، و إن لم يقصد العنوان. و أمّا المقام فهما لم يقصدا لا عنوان العشرة و لا واقع العشرة، و إنّما قصدا البقاء بمقدار مدّة بقاء المتبوع، و هو يلازم قصد واقع العشرة و ليس نفسه.

و بذلك يعلم الفرق بين هذه المسألة و المسألة المذكورة بعدها:

فإنّ من قصد المقام إلى آخر الشهر و كانت المدّة بين الشهر و آخره عشرة أيّام كفى ذلك، لأنّه و إن لم يقصد عنوانَ العشرة لكنّه قصد واقع العشرة، و بذلك يفترق عن هذه المسألة فالزوجة و العبد لم يقصدا

شيئاً من العنوان و الواقع و إنّما قصدا التبعية،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 9.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 9.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 281

و التبعية ليست عنوان العشرة و لا مصداقها نعم هي ملازمة لقصد واقع العشرة و هذا بخلاف ما إذا قصدا المقام بين اليوم الحادي عشر إلى آخر الشهر الذي لا ينفك عن العشرة واقعاً.

و بذلك يعلم أيضاً وجه تفريق بعض الأعلام بين هذه المسألة و المسألة الواقعة بعدها حيث استشكل فيها و لكن لم يعلق شيئاً على المسألة الآتية.

فظهر انّ الحقّ، هو الفرق بين المسألتين، فلا تتم الزوجة و العبد في الأُولى، بخلاف الثانية أي إذا قصد المقام في البلد إلى آخر الشهر و كان عشرة كفى و إن لم يكن عالماً به حين القصد، فهو يتم. و ما ذكرنا من التفريق بين المسألتين في المقام، جار في المسألتين، المذكورتين في ضمن الشرط أي قصد المسافة، فلو قصد العبد أو الزوجة ما قصده الزوج و السيد من قطع المسافة و لم يعلما شيئاً فلا يكفي في التقصير لأنّهما لم يقصدا لا عنوان الثمانية و لا واقعها و إنّما قصدا التبعية و هي غيرهما.

بخلاف ما إذا قصد الإنسان السفر من بلد إلى بلد آخر لكن يتخيل انّ المسافة أقلّ من ثمانية مع أنّها ثمانية أو أزيد فهذا يكفي في التقصير لأنّه و إن لم يقصد عنوان العشرة لكنّه قصد واقع العشرة.

و بذلك يعلم انّ الحقّ هو التفصيل بين المسألتين في باب الإقامة و في باب قصد المسافة فلا يكفي قصد التبعية في تحقّق الإقامة

في المقام و لا في تحقّق عنوان المسافر الشرعي في الفصل السابق.

و يكفي إذا قصد الإقامة بين أوّل الشهر إلى آخره و يتخيل انّه تسعة و كان عشرة فتحقق الإقامة، كما يكفي إذا قصد المسافة بين البلدين و إن كان عالماً بالخلاف.

و أمّا ثانياً فهو قائل بوجوب التقصير عليهما قبل العلم بقصد المتبوع و لكن

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 282

الأوفق بالقواعد هو وجوب السؤال، و إلّا فالعمل بالتقصير.

اللّهمّ إلّا أن يقال بأنّه لا ملزم لإخراج نفسهما من موضوع إلى موضوع آخر و ليس هنا واقع محفوظ يجب اتباعه كما مرّ سابقاً. و ثالثاً:

فإذا وقفا على قصد الزوج و السيد فاللازم على ما ذكرناه هو التمام إذا كان الباقي بمقدار العشرة، و إلّا فالتكليف هو التقصير على خلاف ما ذكره السيد حيث قال: «و يجب عليهما التمام بعد الاطلاع و إن لم يبق إلّا يومان». و رابعاً:

قد علمت انّ العمل بالحكم الظاهري موجب للإجزاء على خلاف ما ذكره السيد و غيره فلا أرى وجهاً لوجوب الإعادة و القضاء بالنسبة إلى ما مضى كما حقّقناه في الأُصول. و بذلك يعلم الإشكال في كلام السيد المحقّق البروجردي، فإنّه قدّس سرّه جعل أساس الرأيين كون الشرط هو العزم على العنوان، أو العزم على الواقع.

فعلى الأوّل لا تنعقد الإقامة في كلتا الصورتين: صورة قصد التبعية، و صورة قصد الإقامة إلى آخر الشهر و لا يعلم انّه عشرة أيّام، لعدم العزم على العنوان بالحمل الأوّلي. و أمّا علي الثاني فتنعقد، لتحقّق العزم على واقع العشرة و مصداقها فيهما بالحمل الشائع الصناعي. مع أنّ الحقّ هو التفصيل بين الصورتين أمّا الأُولى فلم يتعلّق العزم لا على العنوان و

لا على واقعه و مصداقه، و إنّما تعلّق بعنوان، أعني:

تبعية الزوج و السيد الملازمة لما هو للإقامة في مقدار من الزمان بخلاف الثاني، فإنّ له فرضين: 1. إذا زار مشهد الرضا في اليوم الحادي و العشرين من رجب و قصد الإقامة فيه إلى آخر الشهر جازماً بالمغادرة بعد تمامه سواء أ كان الشهر تامّاً أم ناقصاً و كان الشهر في الواقع تامّاً ففي هذه الصورة لا تنعقد الإقامة لعدم الجزم على إقامة عشرة أيّام على وجه القطع، بل يلبث عشرة أيّام في «مشهد» إذا كان الشهر

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 283

تماماً و إلّا فيغادر في غروب اليوم التاسع ففي هذه الصورة و إن تعلق القصد بالعشرة

(بين اليوم الحادي عشر و اليوم الأخير في الشهر) لكن لم يتعلق على وجه القطع. 2. إذا ورد البلد و أراد الإقامة إلى غروب اليوم الخامس عشر من شعبان المعظم على وجه القطع، و لكن لا يعلم انّ اليوم الذي ورد فيه البلد هو اليوم السادس أو السابع فنوى الإقامة فتبين انّه اليوم السادس، ففي هذه الصورة يمكن القول انّه قصد واقع العشرة غير انّه غير ملتفت إلى مقصوده.

*** ما ذكرناه خلاصة ما أفاده مشايخنا في هذا المقام، و لكن في النفس من ذلك شي ء نشير إليه:

1. انّ العلمين يؤكدان على أنّ التابع قصد أوّلًا و بالذات عنوانَ التابعية و هو يلازم قصد العشرة و ليس عينه، و للتأمل فيه مجال.

إنّ التبعيّة للزوجة و العبد أمر عادي لا تحتاج إلى القصد فهما يُساقان حسبَ العادة وراء الزوج و السيد في الحضر و السفر، و ليس لها وقت معين، و لكن إذا نزل السيد أو الزوج

بلداً مع التابع يكون المرتكز في ذهن الزوجة و العبد انّهما يقيمان في البلد حسب ما أقام فيه المتبوع و لو سئلا عن مقدار اللبث لأجابا حسَب لبث الزوج و السيد، و هذا النوع من القصد تعلّق بواقع العشرة لا بعنوان التبعية، و قد عرفت انّ عنوان التبعية ليس محدّداً بوقت، بخلاف اللبث في البلد، فانّه أمر حادث يقع في أُفق القصد حسب ما يقيم المتبوع.

و كونهما قاصدين ثمانية أيّام بتخيل انّ المتبوع يلبث هذا المقدار فهو من باب الخطأ في التطبيق فكأنّ القصد الأوّل تعلّق باللبث حسب إقامة المتبوع غير انّهما يتصوران أنّ مقدار الإقامة هي ثمانية أيّام، فيكون من قبيل الخطأ في التطبيق.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 284

2. لو افترضنا وجود الفرق بين الفرعين أي ما ورد في المسألة الثالثة عشرة و المسألة الرابعة عشرة و لكن الفرق نابع من الدقة العقلية و الفلسفية، فهل هي معتبرة في استنباط الأحكام أو انّ العرف يرى الجميع من باب واحد؟

فإن قلنا انّ المسألتين من باب الخطأ في التطبيق و انّ ذهن المقيم عالق بالواقع مائة بالمائة و لكن يصور الواقع المعتقد بشكل خاطئ، و قلنا انّ ذلك كاف في قصد العشرة فيكفي في كلتا الصورتين إلّا الفرض الأوّل من المسألة الرابعة عشرة، و إلّا فلا يكفي في كلتيهما.

16. في استقرار حكم العزم

دلّت الروايات على أنّ من عزم إقامة عشرة أيّام في ملك واحد وجب عليه التمام، و ظاهر الروايات انّ الحكم معلّق على عنوان العزم و اليقين، فما دام العنوان موجوداً يحكم عليه بأنّه مقيم، فإذا زال، زال حكمه، فمثلًا قوله عليه السَّلام:

«لا حتى تجمع على مقام عشرة أيام» و قوله: «إذا قدمت أرضاً و

أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيّام» و قوله: «إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة» و نظائره يدل على دوران الحكم مدار العنوان. فمقتضى القاعدة الأوّلية انّه لو عدل و لو بعد خمسة أيّام بطل حكم الإقامة و وجب عليه القصر.

غير انّ صحيحة أبي ولّاد دلّت على خلاف هذه القاعدة، و هو انّه لو نوى و أتى برباعية تامّة فيستقر حكم التمام و يستقر حكم الإقامة و إن عدل.

روى أبو ولّاد الحناط قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: إنّي كنت نويتُ حين دخلت المدينة أن أُقيم بها عشرة أيّام و أتم الصلاة، ثمّ بدا لي بعدُ أن لا أُقيم بها، فما ترى لي أُتمّ أم أُقصّر؟ قال: «إن كنت دخلت المدينة و حين صليت بها صلاة

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 285

فريضة واحدة بتمام، فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام، حتى بدا لك أن لا تقيم، فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشراً و أتم، و إن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة».

«1» و بما انّ صريح الحديث هو الإتيان بصلاة فريضة واحدة بتمام، فلا يكفي مثل صلاة الصبح و المغرب، حتى الشروع في الرباعية إذا عدل قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، غير انّه يجب عليه هدم القيام إذا عدل حاله، و ذلك لعدم صدق فريضة واحدة بتمام فانّ المقصود من التمام هو الرباعية.

و تصور انّ المراد من قوله بتمام مقابل الفاسد فهو كما ترى.

إنّما الكلام في كفاية الأُمور التالية:

1. إذا دخل

في ركوع الركعة الثالثة و عدل حينه «2».

2. إذا أتى بنوافل الظهر أو العصر ثمّ عدل قبل الإتيان بالفريضة.

3. إذا صام و كان العدول عن قصده بعد الزوال.

فهل يستقر بها حكم التمام أو لا؟

مقتضى القاعدة الأوّلية عدم التمام إذا عدل.

أمّا الأوّل فلعدم صدق قوله:

صلاة فريضة واحدة بتمامه. فإن قلت:

فهل يجب عليه إتمام الصلاة أو لا؟ قلت:

الظاهر إتمام الصلاة لأنّه دخل في الركوع بأمر الشارع، و الأصل حرمة القطع. نعم وجوب الإتمام لا يكون ملازماً لاستقرار حكم العزم إذا عدل، لعدم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(2). سيأتي الكلام فيه أيضاً في المسألة السادسة و العشرين.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 286

صدق قوله:

«و صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام» الظاهر في بقائه على النيّة إلى آخر الصلاة و صدق قوله: «فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك» الواردين في صحيحة أبي ولّاد. و بالجملة:

هناك مسألتان صحّة الصلاة إذا عدل بعد الدخول في الركوع و استقرار حكم العزم إذا عدل لأجل هذه الصلاة و الثابت هو الأوّل دون الثاني. و مثله الثالث أي الصوم فانّه يصحّ إذا عدل بعد الظهر لحرمة إفطار صوم الواجب بعد الظهر، و لكنّه لا يكون دليلًا على استقرار حكم العزم إذا عدل به.

و ربما يقال:

إذا وجب الصوم، وجب إتمام الصلاة في هذا اليوم تمسّكاً بعكس نقيض ما في الخبر الصحيح: «إذا قصّرت أفطرت» و هو إذا لم يفطر لم يقصر، و إذا وجب الإتمام في هذا اليوم وجب في الباقي ما دام فيه لعدم الواسطة. «1» يلاحظ عليه:

أنّ القاعدة ليست كلية لانتقاضها في الموارد التالية: 1. فلو سافر في شهر رمضان

بعد الزوال فيصوم و لكنّه يقصر إذا صلّى في السفر.

2. لو رجع عن نيّة الإقامة بعد الزوال و قبل الإتيان برباعية و هو صائم في شهر رمضان، فيتم صومه و يقصر صلاته.

و أوضح منه الإتيان بالنوافل فانّ صحّتها لا يكون دليلًا على استقرار حكم العزم.

نعم، ربما يحتمل أن يكون ذكر الصلاة الفريضة التامة من قبيل ذكر الخاص و إرادة العام، و هذا على أحد نحوين:

______________________________

(1). الأردبيلي: مجمع الفائدة: 3/ 414. و الدليل للشهيد الثاني في روض الجنان و النقد للأردبيلي، فلاحظ.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 287

1. إمّا أن يكون كناية عن مطلق الشروع في العمل المشروطة صحّته بالإقامة كصلاة نافلة الظهرين و الدخول في صوم و صلاة جمعة و نحوها.

2. أن يكون كناية عن عام أضيق دائرة من السابق بأن يكون كناية عن عمل مشروط صحّته بالإقامة مع وجوب الإتمام، كما إذا صام إلى بعد الزوال ثمّ عدل عن نيّة الإقامة أو عدلت و هو في الركعة الثالثة و نحو ذلك. «1»

يلاحظ عليه:

أنّهما مجردا احتمالين لا يمكن الاعتماد عليه إلّا بقرينة قطعية على عدم إرادة الخصوص.

17. إذا صلّى رباعية مع الغفلة عن الإقامة

إذا صلّى رباعيّة بتمام بعد العزم على الإقامة لكن مع الغفلة عن إقامته أو صلّاها تماماً لشرف البقعة كمواطن التخيير مع الغفلة عن الإقامة، فهل تكفي في البقاء على التمام و إن عدل بعدها؟

و الفرق بين الصورتين واضح فانّ الصحّة في الصورة الأُولى من آثار العزم على الإقامة بخلاف الصحّة في الصورة الثانية، فإنّ الصحّة فيها لها سببان، العزم و شرف البقعة.

ربما يقال بالكفاية في الصورة الأُولى بأنّ موضوع الحكم، الإتيان برباعية صحيحة مطابقة للأمر الواقعي الفعلي مع سبق العزم على الإقامة و نيّتها بحيث تكون

الصحّة من آثار تلك النية واقعاً و إن لم يلتفت إليها تفصيلًا، و هو حاصل في المقام ما لم يكن متردداً أو عازماً على الخلاف حين العمل كما هو المفروض لاستناد الفعل حينئذ إلى تلك النية الباقية في صقع الارتكاز و إن كان غافلًا

______________________________

(1). الاصفهاني: صلاة المسافر: 115.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 288

عنها.

و حاصل كلامه أنّه لو قلنا بأنّه يشترط في استقرار حكم العزم كون الإتيان بالرباعية من آثاره و الإتيان بها مستنداً إلى العزم فلا بد من تقريب الصحّة بما سمعتَ من كفاية النيّة الارتكازية.

«1» و أمّا لو قلنا بأنّه يشترط في استقرار حكم العزم الإتيان برباعية تامّة تكون من آثاره و إن لم يكن المصلّي ملتفتاً حين الصلاة بأنّها من آثاره فعندئذ يصحّ بلا حاجة إلى التوجيه المذكور من وجود النيّة في صقع الارتكاز و ذلك، لأنّه قام بواجبه و قصد الأمر الفعلي و لا يظهر من صحيحة أبي ولاد أكثر من ذلك حيث قال:

«إن كنت دخلت المدينة و حين صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام». اللهمّ إلّا أن يقال انّ صدر الصحيحة مختص بما إذا كان في حال الصلاة ملتفتاً إلى عزمه حيث قال:

إنّي كنتُ نويتُ حينما دخلت المدينة ان أُقيم بها عشرة أيّام، فهذه العبارة و إن وردت في لسان الراوي و لكن جواب الإمام متوجه إليه فلا يعم غير تلك الصورة، و لو صحّ ما استظهرناه فلا يكفي النيّة الارتكازية، لأنّ الظاهر هو النيّة التفصيلية. و الحاصل أنّ الأمر يدور بين أُمور ثلاثة:

1. كفاية كون الرباعية من آثار العزم.

2. لزوم كون الإتيان بها مستنداً إلى العزم و لو ارتكازاً.

3. لزوم كونه مستنداً إليه تفصيلًا.

و أسوأ حالًا

هي الصورة الثانية لأنّها قامت بالرباعية لشرف البقعة لا للعزم على الإقامة.

و الأولى أن يقال: انّه لا يظهر من صحيحة أبي ولاد غير الإتيان

______________________________

(1). مستند العروة: 8/ 293.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 289

بالرباعية التي تكون من آثار العزم، و أمّا الالتفات فلا تظهر شرطيته.

و إلى ما ذكرنا ينظر قول السيد الاصفهاني حيث قال:

و ما يتخيل من أنّ ظاهر الرواية إتيان الفريضة التامة عن نية الإقامة إلّا انّه لم يأت بما هو وظيفته عن داعي كونه ناوياً للإقامة فاسد، فإنّه لم تتقيد الرواية بأن يكون الإتمام بهذا الداعي و ما أفاده في الروض من أنّ التمام كان سائغاً له بحكم البقعة، فلم تؤثر نيّة المقام «1»، غير تام.

18. عدم اشتراط التكليف في تحقّق الإقامة

هل يشترط في تحقّق الإقامة كونه مكلّفاً بالصلاة أو لا؟

و تظهر الثمرة في الصور التالية:

1. إذا نوى الإقامة و بلغ في أثناء العشرة.

2. إذا نواها و هو مجنون إذا كان ممّن يتحقّق منه القصد ثمّ أفاق في أثناء العشرة.

3. إذا نواها حال الإفاقة ثمّ جن ثمّ أفاق.

4. إذا كانت حائضاً حال النية ثمّ طهرت في أثناء العشرة.

5. إذا كانت حائضاً تمام العشرة و أرادت الصلاة بعد العشرة.

مع بقاء العزم إلى العشرة بلا عدول في جميع الصور.

قد عرفت أنّ تمام الموضوع للإقامة هو العزم، و أمّا الإتيان بالرباعية التامة فإنّما هو شرط لاستقرار حكم العزم لو عدل و إلّا فلا صلة للصلاة في تحقّق مفهوم الإقامة، و على ذلك فلو قلنا بأنّ قصد الصبي قصد واقعي و انّه موضوع للتكليف

______________________________

(1). الاصفهاني: صلاة المسافر: 121120.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 290

و لو استحباباً لمشروعية عباداته فلا فرق بين قصده و قصد غيره و

منه يظهر قصد المجنون إذا تمشّى منه القصد غير انّ الغموض في هذا الفرع هو الجمع بين القول بالعبرة بقصده، و القول بأنّه غير مكلّف.

و منه يظهر حال سائر الصور.

و حاصل المسألة أنّه إذا تحقّق القصد و لم يعدل عنه فهو داخل في المقيم، و إن لم يكن مكلّفاً بالصلاة حين القصد إمّا لقصور في القاصد كالصبي و المجنون أو لوجود المانع كالحائض و النفساء.

19. هل الرباعية القضائية تكفي في استقرار حكم العزم أولا؟

الكلام في هذه المسألة يقع في سعة دلالة صحيحة أبي ولاد على استقرار حكم العزم للرباعية القضائية و عدمها، و إليك صور المسألة:

1. إذا فاتته رباعية في الحضر، و لكنّه بعد ما نوى الإقامة أتى بتلك الرباعية قضاءً ثمّ عدل.

2. إذا فاتته الرباعية بعد العزم على الإقامة فأتى بها قضاءً ثمّ عدل.

3. إذا فاتته رباعية بعد العزم على الإقامة ثمّ عدل و أتى بها قضاءً.

4. إذا نوى و فاتته الرباعية لأجل الحيض و النفاس، ثمّ عدل، فهل يكفي مضي وقت الصلاة في البقاء على التمام أو لا؟

و إليك بيان أحكام الصور:

أمّا الأُولى:

فلا شكّ انّ الإتيان بها لا يكفي في استقرار حكم العزم إذا عدل بعد الإتيان بها ذلك لأنّ المتبادر أن يكون الإتيان بالصلاة بوصف الرباعية من آثار العزم بخلاف المقام، فانّ الإتيان بها بهذا الوصف من آثار كونه حاضراً.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 291

أمّا الثانية:

فربما يقال بالاكتفاء لأنّ الإتيان بالرباعية بهذا الوصف من آثار العزم، فلولا انّه كان ناوياً للإقامة لم تكتب عليه الصلاة رباعية. يلاحظ عليه:

أنّ المتبادر من الرواية كون الرباعية من آثار العزم على الإقامة لكن على وجه لو عدل قبل الإتيان بالرباعية لانقلبت الوظيفة إلى الثنائية، و لكن المقام ليس كذلك، لأنّه لو

عدل قبل الإتيان بالرباعية القضائية لما انقلبت الوظيفة إلى الثنائية، لأنّه استقرت عليه الرباعية و فاتت عليه كذلك، كان بعده عدول أو لا. و إن شئت قلت:

إنّ الموضوع هو الرباعية التي يكون لوجود العزم حين الإتيان بها تأثير في لزوم الإتيان بها كذلك مع أنّه ليس كذلك لأنّه استقرت عليه الرباعية من دون تأثير لوجود العزم حينها و عدمها. و الأولى أن يقال:

انّ الصحيحة ناظرة إلى الصلاة الأدائية و ليست لها أيّ نظر إلى الصلاة القضائية. و أمّا الثالثة:

فيعلم حكمها ممّا سبق فعدم كفايتها هنا أولى و أظهر. و أمّا الرابعة:

فواضحة فانّ الموضوع للإقامة و إن كان هو العزم و لكن الموضوع لاستقرار حكمه بعد العدول هو الإتيان بالصلاة لا مضي وقتها و إن لم يأت بها.

20. هل العدول قبل الإتيان بالرباعية كاشف أو ناقل؟

إذا عزم على الإقامة ثمّ بدا له قبل أن يأتي برباعية تماماً، فهل البداء يكشف عن عدم تحقّق الموضوع من أوّل الأمر أو يوجب انقلاب الموضوع إلى موضوع آخر؟

و بعبارة أُخرى:

هل العزم و القصد أخذا موضوعيّاً و اسميّاً أو أخذا طريقيّاً و حرفيّاً؟

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 292

فعلى الأوّل يكفي في ترتّب الأثر مجرّد القصد، و إن بدا له في أثناء العشرة، و على الثاني لا يكفي إلّا إذا تحقّقت معه إقامة العشرة.

و يترتب على القولين ثمرات منها:

1. صحّة النوافل غير المشروعة في السفر، إذا أتى بها بعد العزم ثمّ بدا له قبل أن يأتي برباعية تامة.

2. صحّة الصوم إذا صام ثمّ بدا له قبل أن يأتي برباعية.

3. لزوم القضاء تماماً إذا مضى الوقت و لم يصلِّ لطروء النوم أو النسيان ثمّ بدا له.

فعلى القول بأنّ العزم مأخوذ موضوعيّاً و اسميّاً، صحت النوافل و الصوم،

و يجب عليه قضاء ما فات رباعيّة، بخلاف ما إذا قلنا بأنّه مأخوذ طريقيّاً و حرفيّاً فلا يعتد بتلك النوافل و لا بالصوم و تقضى الصلاة الفائتة ثنائية، و ذلك لعدم تحقّق ذي الطريق أي إقامة العشرة أو الإتيان برباعية تامة قبل العزم.

و لكن المتبادر من الروايات هو الأوّل أي كونه مأخوذاً موضوعياً و اسمياً مثل قوله:

«لا، حتى يجمع على مقام عشرة أيام» و قوله: «إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيّام» و قوله: «فأيقنت انّ لك فيها مقام عشرة أيام» فظاهر هذه الروايات انّ اليقين تمام الموضوع للحكم، فإذا بدا له انقلب الموضوع إلى موضوع آخر. على أنّ جعل فعل الفريضة شرطاً لصحّة الإقامة يستلزم الدور.

لأنّ صحّة الصلاة و الأمر بها يتوقف على تحقّق الإقامة قبلها، و المفروض انّ الإقامة لا تتحقق إلّا بالإتيان برباعية تامة صحيحة.

على أنّ هناك مسلكاً آخر و هو إجزاء الأمر الظاهري و إن قلنا بعدم تحقّق

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 293

الإقامة إلّا بنفس العشرة أو الإتيان برباعية تامة، و المفروض انّ الشارع أمر بعد العزم حتى و لو كان طريقياً إذ غاية ذلك كون الأمر ظاهرياً لا واقعياً و قد ثبت في محلّه كفاية امتثال الأمر الظاهري.

21. التردّد في الإقامة كالعزم على العدم

التردّد في الإقامة كالعزم على عدمها في أنّه لو كان بعد الصلاة تماماً لم يؤثّر، و بقي على التمام و لو كان قبله رجع إلى القصر، و ذلك لأنّ صدر صحيح أبي ولّاد الحناط أعني قوله:

«حتى بدا لك أن لا تقيم» و إن كان مختصاً بالعادل عن الإقامة و العازم على العدم، لكن الذيل يعم المتردد حيث قال: «و إن لم تنو المقام عشراً» الصادق، للمتردِّد فيكون حكمُه،

حكمَ العازم على العدم في أنّه لو صلّى قبله صلاة تامّة يبقى على التمام و إلّا فعليه التقصير.

22. إذا صام و عدل بعد الزوال و قبل الصلاة تماماً

إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم، ثمّ عدل بعد الزوال قبل الإتيان بالصلاة تماماً، يقع الكلام في موردين:

الأوّل:

حكم صلاته بعد العدول من غير فرق بين صلاة نفس اليوم الذي عدل فيه أو الصلوات الأُخرى للأيّام القادمة ما دام في محلّ الإقامة. فلو قلنا بأنّ الصوم الصحيح يقوم مقام الصلاة تماماً فلا يضر العدول إذا قام صومه مكانها فيترتب عليه ما يترتب على الصلاة الصحيحة التامة، من كون الواجب هو التمام بعد العدول ما لم يُنْشأ السفر الجديد. الثاني:

صحّة نفس الصوم إذا صام و عدل بعد الزوال و قبل الصلاة التامة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 294

أمّا الأوّل فهو مبني على أن يكون ذكر الفريضة التامة في صحيحة «أبي ولاد» من قبيل ذكر الخاص و إرادة العام و الملاك ما إذا أتى في حال الإقامة كلّ ما لا يصح من المسافر، كالصيام و النوافل و لا أقل، من شموله للصوم الذي هو عِدْل للصلاة في باب صلاة المسافر حتى جاء في الأثر:

إذا قصرت أفطرت. «1» و لكنّه مجرّد استحسان و مقتضى القاعدة هو انّ قصد الإقامة ينهدم بنيّة العدول و لا يترتب عليها أحكامها بعده من إتمام الصلاة، خرج منه ما إذا صلّى تماماً ثمّ عدل، فيترتب عليها أحكامها مع انهدامها بالعدول، و أمّا غير هذه الصورة فيرجع فيها إلى ما دلّ على أنّ المسافر يقصر.

نعم نقل عن الشهيد في روض الجنان، و بحر العلوم في المصابيح انّه يتم صلاته إذا صحّ صوم ذلك اليوم أو اليوم السابق إذا صام و لم يصل أساساً نسياناً أو

تعمداً و لكنّه لا يخلو من إشكال. أمّا الثاني أي صحّة صومه في حدّ نفسه و إن لم يَقُم مقام الصلاة تماماً، فيمكن تصحيحه بوجهين:

1. ما يظهر من السيد الطباطبائي في العروة و هو مركّب من صغرى و كبرى، أمّا الصغرى فلما مرّ في المسألة التاسعة عشرة من أنّ العدول عن الإقامة قبل الإتيان بفريضة رباعية قاطع لها من حينه و لا يكشف عن عدم تحقّقها من أوّل الأمر، و لأجل ذلك قلنا هناك من أنّه لو صام يوماً أو أيّاماً حال العزم على الإقامة و إن لم يصل صلاة تامة صحّ صومه و إن عدل، و الفرق بينه و بين المقام انّ العدول كان هناك بعد انقضاء اليوم و في المقام بعد الزوال، و كلا المقامين مشتركان في عدم الإتيان بصلاة رباعية تامة و على هذا، فهو يصير بالعدول بعد الزوال، مسافراً بعده، لا قبله. فيدخل في الكبرى التي نشير إليها.

و أمّا الكبرى فهو ما دلّ على أنّ من صام ثمّ سافر بعد الزوال يصحّ صومه.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 17.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 295

روى محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال:

إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم، و يعتد به من شهر رمضان. «1» يلاحظ عليه:

أنّ مورد الروايات أو منصرفها هو من صام في بلده و بين أهله، و هو في بيته ثمّ خرج بعد الزوال، لا من كان مقيماً فصام و عدل عن الإقامة بعد الزوال، سواء سافر أم لم يسافر، فاستفادة حكم المقام من مورد الروايات أشبه بالقياس. و لأجل ذلك

احتاط بعض المحشين بإتمام الصوم ثمّ القضاء إذا كان له قضاء. و هناك وجه آخر للصحّة أشار إليه السيد المحقّق الخوئي قدَّس سرَّه و هو استفادة حكم المقام من الروايات بقاعدة الأولوية و انّه لو صحّ الصوم في المقيس عليه لصحّ في المقيس بطريق أولى و حاصله:

و حاصل ما أفاد بتحرير منّا، هو انّ السفر ليس كالحيض، فالثاني مانع مطلقاً قبل الزوال و بعده و أمّا السفر فليس بمانع إلّا إذا كان قبل الزوال.

فإذا كان السفر بوجوده الواقعي مع النية بعد الزوال غير مانع عن صحّة الصوم، فلا يكون مجرّد العدول عن الإقامة من غير ممارسة للسفر مانعاً بطريق أولى كما هو الحال في المقام، فإنّ البحث فيه منصبّ على مجرد العدول عن الإقامة بعد الزوال لا على ممارسة السفر بعده إذ لا تزيد النية

(نية العدول) على نفس السفر، المشتملة على النية بالضرورة، فإذا لم يكن السفر نفسه مع النية مانعاً لم تكن نيته فضلًا عن التردّد فيه مانعاً بطريق أولى. فنفس تلك النصوص تدل على حكم المقام بالفحوى و الأولوية.

«2» يلاحظ عليه:

بالفرق بين المقامين، فإنّ السفر الواقعي المشتمل على النية لا

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1 و 2.

(2). مستند العروة: 8/ 229.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 296

يكون مانعاً عن صحّة الصوم إذا خرج عن الوطن بعد الزوال، فعدم مانعية السفر في هذه الصورة لا تكون دليلًا على عدم مانعية مجرّد النية

(العدول أو التردد) في المقيم إذا عدل أو تردد بعد الزوال كما لا يخفى.

23. إذا تمت العشرة لا يحتاج إلى إقامة جديدة

إذا تمت العشرة، لا يحتاج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة أو صلّى رباعية ثمّ

عدل فكلاهما يتمان ما لم يكن هناك انشاء سفر جديد و هو الظاهر من صحيحة «أبي ولاد» حيث قال:

«فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها» و أبو ولّاد، كوفي زار المدينة، و خروجه منها إمّا إلى مكّة المكرمة أو إلى موطنه، و ليس المراد مطلق الخروج، الشامل لما إذا خرج دون المسافة ثمّ رجع. و بذلك يعلم انّه لا يصحّ التمسك بإطلاق الخروج فيما إذا خرج إلى ما دون المسافة في الفروع المذكورة في العروة ضمن المسألة الرابعة و العشرين كما لا يخفى، على أنّه لا يخرج المقيم من كونه مقيماً إذا خرج ما دون المسافة إذا استغرقت إقامته سنتين أو أزيد، فالمرجع في هذا الفرع و الفروع الآتية الدليلان التاليان:

1. صحيحة أبي ولاد الدالة على أنّ المقيم يبقى على الإتمام ما لم ينشئ سفراً جديداً، فالخروج فيها يقابل الدخول، فالدخول بمعنى الحلول في المدينة و الخروج هو تركها و الذهاب إلى مكان آخر.

2. ما مرّ في صدر الكتاب من أنّ أدنى ما يقصر فيه الصلاة هو البريد ذاهباً و البريد جائياً و إطلاقه يعم المقيم فهو يتم ما لم يذهب أربعة فراسخ أو ثمانية. «1»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 2 و 3.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 297

24. لا تسقط النوافل عن المقيم و كذا الجمعة

المقيم يُتمُّ الصلاة و يصوم، و له التطوع بالنوافل و الحضور في الجمعة و ذلك لوجوه:

1. ما دلّ على أنّ الإقامة قاطعة لموضوع السفر حكماً و تعبّداً، ففي صحيح حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر قال: «من قدم قبل التروية بعشرة أيّام، وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة» و مقتضى التنزيل هو ترتيب

جميع الآثار الشرعية من عدم سقوط النوافل و الجمعة، نعم ذيل الرواية غير معمول به، و قد سبق منّا التكلم حوله. «1»

2. ما دلّ على أنّ سقوط النوافل و عدمه دائر مدار جواز الإتمام و عدمه، و لأجل ذلك يجوز التطوع عند قبر الحسين عليه السَّلام و مكة و المدينة و إن قصَّر صلاته. «2» فإذا جاز التنفل مع القصر فمع الإتمام أولى كما في المقيم.

3. ما دلّ على الملازمة بين جواز التطوع و تمامية الصلاة روى أبو يحيى الحناط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن صلاة النافلة بالنهار من السفر؟ فقال: «يا بُنيّ لو صحّت النافلة في السفر، تمت الفريضة». «3» فيدل على الملازمة بين تمام الصلاة و جواز التطوع.

25. الخروج إلى ما دون المسافة
اشارة

إنّ المسألة معقودة لبيان حكم ما لو خرج إلى مادون المسافة، و أمّا بيان ما

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 10.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 26 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 6.

(3). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أعداد الفرائض و نوافلها، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 298

إذا خرج إلى حدّ المسافة فهو من باب الاستطراد.

و قد ذكر السيد الطباطبائي صوراً سبع و ذكر الشيخ البحراني صوراً خمس كما سيوافيك، فنقول: إذا تحقّقت الإقامة و تمّت العشرة أو لم تتم و لكن صلّى رباعية ثمّ بدا للمقيم الخروج إلى مادون المسافة و لو ملفّقة فللمسألة صور.

أقول:

هذه المسألة وصفها المحدث البحراني بأنّها من مشكلات المسائل و أُمّهات المقاصد لتعدد الأقوال فيها و الاحتمالات مع خلو المسألة من الروايات حتى أنّ شيخنا الشهيد الثاني صنّف فيها رسالة مستقلة. نعم ذكرها الشيخ في

المبسوط في فرض مخصوص على سبيل التفريع على مسألة:

من أقام في بلد و صلّى فيه تماماً فانّه يجب عليه التمام فيه حتى يقصد المسافة. قال:

إذا خرج حاجّاً إلى مكّة و بينه و بينها مسافة تقصَّر فيها الصلاةُ، و نوى أن يقيم بها عشراً قصّر في الطريق، فإذا وصل إليها أتم. فإن خرج إلى عرفة يريد قضاء نسكه لا يريد المقام عشرة أيّام إذا رجع إلى مكّة كان عليه القصر، لأنّه قد نقض مقامه بسفر بينه و بين بلد تقصر في مثله الصلاة.

و إن كان يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة أيّام بمكة أتم بمنى و عرفة و مكة حتى يخرج من مكة مسافراً فيقصر.

«1» ثمّ إنّ المتأخرين فرعوا على كلامه فروعاً و ذكر المحدث البحراني صوراً خمس، و لكنّها عند التحليل أكثر قال:

______________________________

(1). الطوسي: المبسوط: 1/ 138. و الحكم بالتمام بعرفة إذا أقام بمكة، مخالف للروايات و فتوى المشهور.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 299

إنّ الخارج من موضع الإقامة بعد نيّة الإقامة و الصلاة تماماً سواء كان في ضمن العشرة أو بعد تمامها لا يخلو أمره:

1. أن يكون مريداً للعود إلى موضع الإقامة.

2. أن لا يريد ذلك.

3. و على فرض كونه مريداً للعود إمّا أن يكون قاصداً المقام عشرة أيام.

4. أو لا يكون قاصداً لها.

5. و على فرض عدم قصده المقامَ عشرة أيّام إمّا أن يكون قاصداً للمفارقة أو ذاهلًا أو متردّداً. «1»

و قد ذكر السيد الطباطبائي فروعاً سبعة و نحن نقتفي كلامه

[فروع]
: الأوّل: إذا عزم على إقامة جديدة

إذا كان عازماً على العود إلى محل الإقامة و استئناف إقامة عشرة أُخرى، أو إذا كان عازماً على الإقامة في غير محل الإقامة الأُولى مع عدم كون ما بينهما

مسافة، فقال السيّد:

حكمه وجوبُ التمام في الذهاب و المقصد و الإياب و محلّ الإقامة الأُولى. و قال المحدّث البحراني:

هذا ممّا لا خلاف فيه و لا إشكال في كونه يُتمّ ذاهباً و آيباً و في موضع قصده، و وجهه انّ فرضه التمام سابقاً و لم يحصل له ما يوجب الخروجَ عنه، فيجب استصحابه و العمل عليه إلى أن يتحقّق المخرِج. «2» و العجب انّه مع توغله في الأخبار تمسك في المقام بالاستصحاب مع وجود

______________________________

(1). البحراني: الحدائق الناضرة: 11/ 484.

(2). البحراني: الحدائق الناضرة: 11/ 485.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 300

الدليل الاجتهادي أعني:

1. صحيحة أبي ولاد حيث علق الخروج من التمام على انشاء السفر الجديد كما أوضحناه.

2. ما دلّ على أنّ الخروج من التمام إلى القصر إنّما يتحقّق بسير بريد ذهاباً و إياباً و المفروض عدم تحقّقه في المقام.

و نقل عن المقدّس البغدادي و الشيخ محمد طه نجف، انّه يقصِّر و لعلّهم فسروا قوله عليه السَّلام في صحيحة أبي ولاد «حتى تخرج» بمطلق الخروج و قد عرفت أنّ المراد هو انشاء السفر و انّ الخطاب لأبي ولاد و هو كوفي و خروجه مقابل لدخوله فيكون المراد ترك المدينة رأساً.

الثاني: إذا أعرض عن محل الإقامة قاصداً المسافة

إذا أعرض عن محلّ الإقامة و كان بينه و بين المقصد مسافة شرعية، و قد عبّر عن هذه الصورة السيد الطباطبائي بعبارتين:

أ.

إذا كان ما بقي من محل إقامته إلى مقصده مسافة. ب.

أو كان مجموع ما بقي مع العود إلى بلده أو بلد آخر مسافة. أقول:

أمّا التعبير الأوّل فهو ناظر إلى المسافة الامتدادية و وصف المسافة بين محل الإقامة و المقصد بما بقي، إنّما هو بلحاظ سفره قبل نيّة الإقامة، فما يقطعه الآن بقية من المسافة

البعيدة التي طواها حتى وصل إلى محلّ الإقامة. و صارت المسافة بينه و بين المقصد بقية من المسافة الوسيعة التي نوى طيّها و قطعها. و أمّا التعبير الثاني فهو إشارة إلى ما إذا كانت المسافة تلفيقية، فيمكن تصويرها بالنحو التالي:

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 301

إذا خرج عن محل الإقامة ذاهباً إلى نقطة أُخرى، ثمّ عاد من الطريق الذي ذهب إلى بلده بحيث يكون جزء من الطريق مشتركاً بين الذهاب و الإياب مثلًا، فإذا كان بلده في الجانب الشرقي من مدينة قم بعيداً عنها بمقدار ستة فراسخ، فلما خرج من محل الإقامة

(مدينة قم) ذهب إلى الجنوب فرسخاً ثمّ عاد من نفس ذلك الطريق و قصد البلد الواقع في شرقيّها على وجه صار المجموع ثمانية فراسخ. هذا ما يرجع إلى تفسير العبارة، و أمّا حكمه فواضح من خلال انّه أنشأ السفر الشرعي، غاية الأمر لو قلنا بعدم كفاية المسافة التلفيقية أو باشتراط أن لا يكون الذهاب أقلّ من أربعة فراسخ، فيقتصر بمورد وجود الشرط أي كون الطريق مع قطع النظر عن التلفيق مسافة شرعية، أو كون الذهاب أربعة فراسخ.

ثمّ إن عد الصورة الثانية من صور التلفيق مبني على تفسيره بما إذا كان السير مشتملًا على الابتعاد و الاقتراب و متضمناً للذهاب و الإياب فيبعد عند الذهاب، ثمّ يقرب عند العود و لا سيما إذا كان العود في نفس الخط الذي ابتعد فيه كما في المثال الذي قلناه و هو موضع تأمل.

نعم أنكر السيد المحقّق البروجردي وجود التلفيق و قال: «لا تلفيق هنا من الذهاب و الإياب بعد عدم رجوعه إليه» و على فرض صدقه، فقد علمت أنّ التقصير منّة، منه سبحانه على عباده،

لاشتمال السفر على الجهد و الزحمة، و معه لا مجال للتفريق بين الامتدادية و التلفيقية، و في الثانية بين كون الذهاب أربعة فراسخ أو أقلّ. و إن شئت قلت:

الميزان مسيرة يوم، و كانت السيرة في تلك الأيّام متمثلة في من قطع ثمانية فراسخ من غير فرق بين أقسامه. قال المحدّث البحراني:

ظاهر الأصحاب المتعرضين للبحث في هذه المسألة، الاتفاق على التقصير و إنّما اختلفوا في أنّه يقصر بمجرّد الخروج من البلد و إن لم يتجاوز محلّ الترخّص لصدق السفر عليه و الضرب في الأرض، و اختصاص

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 302

توقفه على مجاوزة محلّ الترخّص بموضع الوفاق و هو بلد المسافر، أو يتوقف على محل الترخّص و مجاوزة الحدود لصيرورة موضع الإقامة بالنسبة إليه بعد الإقامة و الصلاة تماماً في حكم البلد.

«1» ثمّ أورد بأنّ كلامهم على الإطلاق غير صحيح، و إنّما يقصر إذا كان الطريق بمقدار المسافة.

و الحقّ عدم صحّة الإشكال، فإنّ محلّ البحث هو ما إذا كانت المسافة مسافة شرعية.

الثالث: إذا خرج عازماً على العود إلى محلّ الإقامة

إذا كان عازماً على العود إلى محلّ الإقامة من دون قصد إقامة مستأنفة، بل من حيث كونه منزلًا من منازله في سفره الجديد، كما إذا أقام في بلدة و عزم على مغادرتها فقصد موقف الحافلات التي تبعد عن تلك البلدة بفرسخ ثمّ استقلّ الحافلة و مرّت بالبلدة ثمّ إلى المقصد.

قال المحدث البحراني:

إنّ المستفاد من كلام الشيخ وجوب القصر في خروجه من موضع الإقامة و يستمر عليه في ذهابه و في مقصده و عوده و في محلّ إقامته و به قال العلّامة و جماعة. و علّله جماعة بأنّه قد خرج من محلّ الإقامة و ليس في نيّته إقامة أُخرى، فيعود إليه

حكم السفر.

و ذهب الشيخ و جملة من المتأخرين كالمحقّق الشيخ علي و الشهيد، و الظاهر انّه المشهور، و به صرّح جملة من متأخري المتأخرين إلى وجوب التمام في الذهاب و المقصد و القصر في الرجوع، ثمّ ذكر أدلّة الطرفين. «2»

______________________________

(1). البحراني: الحدائق الناضرة: 11/ 485484.

(2). البحراني: الحدائق الناضرة: 11/ 485484.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 303

و على كلّ تقدير فالأقوال ثلاثة:

1. التقصير مطلقاً ذهاباً و في المقصد، و إياباً في محلّ الإقامة. و هو خيرة صاحب العروة.

2. الإتمام في الذهاب و المقصد، و القصر في الإياب و محلّ الإقامة و بعده. و هو خيرة كلّ من قال بأنّه يشترط في التلفيق أن لا يكون الذهاب أقلّ من أربعة فراسخ، و المفروض في المقام انّه كذلك.

3. الإتمام في الذهاب و المقصد و الإياب و محلّ الإقامة.

لا شكّ انّه بخروجه عن محلّ الإقامة منشئ للسفر الجديد، و مُعرِض عن محل الإقامة، غير انّ عوده إليه لأنّه جزء من الطريق فيعمّه قوله:

«حتى تخرج»، غاية الأمر يحتاط في التقصير بالخروج إلى حدّ الترخّص. و الوجه الأوّل مبني على انضمام الذهاب إلى الإياب و إن كان الذهاب أقلّ من أربعة فراسخ، كما انّ الوجه الثاني مبنيّ على الاشتراط، فعلى الأوّل يقصر مطلقاً بعد الوصول إلى حدّ الترخّص، و على الثاني لا يقصر في الذهاب كما هو معلوم و لا في المقصد لعدم إنشاء السفر، و إنّما ينشئ بالحركة منه فيقصر إياباً و في محلّ الإقامة لكونه جزءاً من السفر.

و قد علمت أقوائية الوجه الأوّل.

و أمّا الثالث فهو مبني على شرطية كون الخروج بمعنى إنشاء السفر من نفس بلد الإقامة كما إذا كانت المسافة امتدادية، و أمّا المقام فهو

لم ينشئ السفر من محل الإقامة إلّا بعد العود إليه و أمّا ما سبقه، فهو بين ما ليس، انشاء للسفر الشرعي، كالذهاب أو إنشاء له لكن لا من محلّ الإقامة كالاياب في المقام و إنّما يتحقّق انشاء السفر الشرعي من المحل إذا عاد إليه و خرج.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 304

يلاحظ عليه:

أنّه أنشأ السفر الشرعي من نفس بلد الإقامة بالذهاب إلى المقصد، غير انّ المانع شرطية كون الذهاب أقلّ من أربعة فلو قلنا به، لأتم في خصوصه و إلّا لقصر فيه أيضاً كما قلنا. ثمّ إنّه لا ظهور للصحيحة في إنشاء السفر من نفس محلّ الإقامة إلّا ظهوراً بدائياً يزول اعتباره بالتأمل فيكفي انشاء السفر من المقصد.

الرابع: إذا خرج عازماً على العود و استكمال الإقامة

إذا خرج عن محل الإقامة بمقدار مادون المسافة، لكن باقياً على العود إليه و مقيماً فيه يوماً أو يومين بحيث لم يكن خروجه منه لغاية انشاء السفر منه بل لأجل قضاء حاجة في خارجه ثمّ العود إليه، و يكون مكثه ثانياً استمراراً لإقامته السابقة، فلا ريب انّه يُتمّ في جميع الحالات، إلّا إذا أنشأ السفر من محل الإقامة لعدم شمول الصحيحة له.

نعم ذكر السيد المحقّق البروجردي انّ الصورة الرابعة كالثالثة، و قد ذكر في الثالثة انّه ينبغي الاحتياط في الذهاب و المقصد، و يقصِّر في الإياب و محل الإقامة و تبعه بعض السادة و أضاف بأنّ الأحوط هو الجمع ما لم ينشئ السفر من محل إقامته، و لا أرى وجهاً لعطف الرابعة على الثالثة، و لا للاحتياط بعد وضوح الفرق بينهما في نظر العرف، فإنّ المقيم في نظره ينشئ السفر بالذهاب إلى المقصد في الثالثة، و لا ينشئه في الرابعة إلّا من محلّ الإقامة بعد

العود إليه.

الخامس: إذا خرج عازماً على العود متردّداً في الإقامة

إذا كان عازماً على العود إلى محلّ الإقامة، لكن مع التردّد في الإقامة بعد العود و عدمها، و الظاهر الإتمام لعدم إنشاء السفر بخروجه عن قطع و يقين، فهو كمن

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 305

خرج عن وطنه متردّداً في قطع المسافة الشرعية و هذا القول هو أحد الوجهين المحكيين عن صاحب جامع المقاصد، قال المحدث البحراني حاكياً عنه انّه يتم مطلقاً لانتفاء المقتضي للتقصير و هو عزم المسافة.

و الوجه الآخر هو الإتمام في الذهاب و التقصير في العود.«1»

السادس: أن يكون عازماً على العود ذاهلًا عن الإقامة و عدمها

إذا كان عازماً على العود مع الذهول عن الإقامة و عدمها.

و في الحقيقة هذه الصورة نفس الصورة السابقة بتفاوت أنّه كان هناك متردّداً في الإقامة و عدمها و في المقام ذاهلًا. و الحكم في الجميع واحد و هو انّه يتم في الذهاب و المقصد و الإياب و محل الإقامة ما لم ينشئ السفر الشرعي، و إلّا فيقصِّر في الجميع على المختار أو حين الإياب إلّا أن يكون ذهوله عن الإقامة موجباً للذهول عن السفر.

السابع: أن يكون متردّداً في العود و عدمه

إذا كان عازماً على الخروج إلى ما دون المسافة، و لكن كان متردداً في العود إلى محلّ الإقامة أو ذاهلًا عنه و به يُتميّز عن جميع الصور المتقدمة، فإنّ العود كان مسلّماً في الأُولى و الثالثة إلى الصورة السادسة كما كان عدمه مسلماً في الثانية، و أمّا المقام فالعود امّا مورد تردّد أو ذهول.

و حكمها يظهر ممّا ذكرناه في الصورة السادسة، لأنّه لأجل التردّد في العود أو لأجل الذهول عنه ليس منشئاً للسفر الشرعي فيقيم في الذهاب و المقصد، و لكن السيد الطباطبائي أفتى بالاحتياط بالجمع في الذهاب و المقصد و الإياب و محلّ الإقامة إذا عاد إليه إلى أن يعزم على الإقامة أو ينشئ السفر مع أنّ الملاك فيهما

______________________________

(1). البحراني: الحدائق الناضرة: 11/ 487.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 306

واحد، كما لا يخفى.

نعم يأتي فيها ما ذكرنا في الصورة السادسة من أنّه إذا لم يكن ذهوله عن العود، موجباً لذهوله عن السفر كما هو الغالب و إلّا فيقصر مطلقاً على المختار، من حين الإياب.

26. إذا سافر المقيم ثمّ بدا له العود إلى محلّ الإقامة

إذا غادر المقيم محلّ الإقامة ثمّ بدا له العود إليها، و له صور:

ألف.

بدا له العود إلى محلّ الإقامة و البقاء عشرة أيّام بعد أن قطع أربعة فراسخ. ب.

بدا له العود و البقاء عشرة أيّام و لم يقطع أربعة فراسخ. ج.

بدا له العود بدون إقامة جديدة قبل قطع المسافة الشرعية، و أمّا بعدها فحكمها واضح فهو يقصر مطلقاً. أمّا الأُولى:

فهو يقصر في الذهاب و المقصد و العود لكونه بقطع المسافة الشرعية صار مسافراً و حكمه القصر، و إن شئت قلت: إنّه داخل في الغاية الواردة في صحيحة أبي ولاد، أعني: «حتى تخرج». أمّا الثانية:

فالكلام يقع تارة في حكم

الصلاة التي صلّاها قبل البداء، و أُخرى في حكمها بعد طروء البداء، و عند العزم على الرجوع إلى محلّ الإقامة، أمّا الثاني فهو يتم لعدم تحقّق الغاية بالبداء قبل قطع الفراسخ الأربعة، إذ المفروض انّه يرجع و يعيد الإقامة فلم يتخلّل بين الإقامتين سفر شرعي موجب للقصر. و أمّا الأوّل أي حكم الصلاة التي صلّاها قبل البداء قصراً بتصور انّ السفر يدوم، فذهب السيد الطباطبائي إلى أنّه لا يجب قضاؤه و قد تقدم منه في المسألة

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 307

الرابعة و العشرين في صدر الكتاب فيمن خرج عن وطنه ثمّ رجع إليه بعد قطع فرسخين قوله:

«ما صلاه قصراً قبل العدول عن قصده لا تجب إعادته في الوقت فضلًا عن قضائه خارجه» و المقام مثله غير انّ الخروج في المقام عن محلّ الإقامة و هناك عن الوطن. و قد مرّ انّ الصحّة هي الموافق للقواعد، لما ذكرنا من أنّ مقتضى الأمر بالشي ء هو كونه مجزياً و إن كان خاطئاً مضافاً إلى صحيح زرارة قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا و انصرف بعضهم في حاجة فلم يُقضَ له الخروج ما يصنع بالصلاة التي كان صلّاها ركعتين، قال: «تمت صلاته و لا يعيد». و قد عال

«1» جنا هناك معارضتها مع صحيحة أُخرى لأبي ولّاد «2» و رواية سليمان ابن حفص المروزي «3» فراجع. «4» فإن قلت:

إنّ مقتضى قوله في صحيحة أبي ولّاد: «حتى تخرج» تعليق الحكم بالقصر على الخروج الواقعي و انشاء السفر الحقيقي، و هو غير متحقّق في المقام. قلت:

إنّه صحيح لو

لا انّ قاعدة الاجزاء حاكمة عليها، كحكومتها على أدلّة الأحكام الأوّلية. أمّا الثالثة:

فإنّ قطع المسافة الشرعية فالقصر هو المحكّم لانهدام الإقامة الأُولى بالسفر الشرعي، و المفروض عدم العزم على الإقامة الجديدة فيقصر مطلقاً

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 23 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 5 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 2 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

(4). لاحظ 85 و 214 من هذا الكتاب.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 308

و هذا الفرع خارج عن محل البحث إنّما الكلام فيما إذا لم يقطع مسافة شرعية، فذهب السيد إلى أنّه يبقى على القصر حتى في محلّ الإقامة لانهدام حكم الإقامة بالإعراض عنه.

و كذا لو ردّته الريح أو رجع لقضاء حاجة بعد الإعراض. و عليه بنى في المسألة التاسعة و الستين في صدر الكتاب و قال:

و أمّا إذا سافر من محل الإقامة و جاز عن الحد، ثمّ وصل إلى ما دونه، أو رجع في الأثناء لقضاء حاجة بقي على التقصير. و أوضحه السيد الحكيم بأنّ حدّ الترخّص إنّما يعتبر في وجوب القصر في الخروج عن محلّ الإقامة بالنسبة إلى السفر الأوّل، لا مطلقاً.

«1» فإن قلت:

إذا كان الإعراض هادماً للإقامة السابقة في هذه الصورة، فلما ذا لا يكون كذلك في الصورة الثانية، أعني: إذا خرج معرضاً و بدا له قبل قطع المسافة أن يرجع و يقيم عشرة أيّام، مع أنّه حكم فيها بالتمام عند العزم و إن لم يصل إلى محلّ الإقامة. قلت:

إنّ الحكم بالتمام فيها لأجل عدم تحقّق الغاية، أعني: «حتى تخرج» لعزمه على العود و استيناف الإقامة. و أمّا المقام فهو و إن كان مشاركاً

معه في انهدام الإقامة بالإعراض، لكن الغاية، أعني: إنشاء السفر الشرعي، قد تحقّقت في المقام، لأنّ عوده إلى محلّ الإقامة بما انّه أحد المنازل، لا لأجل الإقامة كما لا يخفى و بما ذكرنا يظهر الإشكال في كلام المحقّق الخوئي قدَّس سرَّه حيث قال: لم يدل دليل على أنّ الإعراض هادم لحكم الإقامة، و إنّما الهادم هو الخروج الواقعي، لا الاعتقادي و الحكم بالقصر لدى الخروج بقصد السفر كان حكماً

______________________________

(1). السيد الحكيم: المستمسك: 8/ 101.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 309

ظاهرياً مراعى بعدم انكشاف الواقع، و مع كشفه يتبين انّه حكم اعتقادي لا واقعي، فالمرجع هو إطلاق دليل المخصِّص لا عمومات أدلّة التقصير.

يلاحظ عليه بأنّ رجوعه إلى محلّ الإقامة في الصورة الثالثة جزء للسفر الذي أنشأه من محلّ الإقامة، غير أنّه رجع إلى محلّها لقضاء حاجة، فالرجوع جزء من السفر الذي انشأه غير انّ من يشترط في المسافة التلفيقية عدم كون الذهاب أقلّ من الأربعة، له أن يقيد الحكم بالقصر بما إذا كانت المسافة شرعية مع قطع النظر عن التلفيق.

27. لو دخل في الصلاة بنية القصر ثمّ بدا له الإقامة

لو دخل في الصلاة بنية القصر ثمّ بدا له الإقامة، أو لو دخل فيها بنية التمام لأجل قصد الإقامة ثمّ بدا له السفر، فهنا صور:

1. لو دخل بنية القصر ثمّ بدا له الإقامة في أثنائها، صحّ و أتمها رباعية و أجزأت لوجهين:

ألف.

انّ هناك أمراً واحداً متوجهاً إلى الحاضر و المسافر غير انّ الاختلاف في قصر المتعلق و طوله، فإذا بدا له الإقامة، يتعين عليه امتثال الأمر في ضمن الفرد الطويل و إليه يشير قوله سبحانه: (إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ) (النساء/ 101) فلا يستلزم البداء كون الأمر

المنويّ في بدء الصلاة غير الأمر المُمتَثل نهاية، بل المنويّ و الممتثل أمر واحد و الاختلاف في المصداق و في كلتا الحالتين ينوي امتثال قوله سبحانه: (أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (الإسراء: 78) مضافاً إلى النصوص الواردة في المورد، ففي صحيح علي بن يقطين أنّه سأل أبا الحسن عليه السَّلام عن الرجل يخرج في السفر ثمّ يبدو له في

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 310

الإقامة و هو في الصلاة قال عليه السَّلام:

«يتم إذا بدت الإقامة». «1» و مثله رواية محمد بن سهل «2» عن أبيه قال: سألت أبا الحسن عليه السَّلام عن الرجل يخرج في سفر تبدو له الإقامة و هو في صلاته أيتم أم يقصر؟ قال: «يتم إذا بدت له الإقامة». «3» ب.

لو نوى الإقامة و دخل في الصلاة بنية التمام فبدا له السفر قبل القيام إلى الركعة الثالثة فيتمها قصراً لما عرفت من وحدة الأمر المأمور به إلى نهاية التشهد، فإذا عدل يكون مأموراً بتخصيص المشترك بالفرد القصير. مضافاً إلى صحيح أبي ولاد حيث قال: «و إن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصلِّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار، إن شئت فانو المقام عشراً و أتم، و إن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك و بين شهر» «4» فيصدق في حقّه انّه «لم يصل صلاة فريضة واحدة» إذا بدا له و هو في الركعة الثالثة و لم يركع و يظهر حكمه مما مضى في الشق الأوّل. ج.

إذا بدا له و قد دخل في ركوع الركعة الثالثة، فقال السيد: بطلت و رجع إلى القصر و إن كان الأحوط إتمامها

تماماً و إعادتها قصراً و الجمع بين القصر و الإتمام ما لم يسافر. و لكن الظاهر انّ القول بوجوب الإتمام بل صحّة الصلاة ليس بملازم لاستقرار حكم الإتمام عليه فيما بعد، لإناطة الاستقرار بالإتيان بفريضة رباعية بعامة أجزائها في حال العزم على الإقامة.

حيث قال: «و صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام» و هو غير منطبق على المقام: و إناطة الحكم، بالقصر بعدم الإتيان

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 20 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 2.

(2). قال النجاشي: محمد بن سهل بن اليسع الأشعري القمي روى الرضا و أبي جعفر عليهما السَّلام له كتاب يرويه جماعة، و عليه المراد هو أبو الحسن الأوّل بقرينة رواية الأب عنه.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 20 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 2.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 311

بصلاة رباعية تامّة و هو صادق على المقام كما قال:

«فلم تصل فيهما صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم».

28. في وجوب الإقامة عند نذر الصوم و عدمه

اتّفق الفقهاء على عدم وجوب الإقامة في شهر رمضان.

و جواز السفر و وجوب التدارك بعد الانقضاء إلى رمضان القادم قال سبحانه: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ) (البقرة/ 185) و الجمع بين هذه الفتاوى يحصل: بكون الشهود و الحضور، شرطاً للوجوب لا للواجب، فلا يجب تحصيله، شأن كلّ شرط للوجوب كالاستطاعة. فإن قلت:

إذا كان الحضر شرطاً لوجوب الصوم كما يقتضيه ظاهر الآية و بعض النصوص كان السفر موجباً لعدم المصلحة في الصوم و حينئذ لا يكون ترك الصوم تفويتاً و لا عدمه فوتاً و لا وجه

لوجوب القضاء لما فات بل هو واجب آخر أجنبي عنه و هو خلاف ضرورة الفقه بل خلاف مرتكزات المتشرعة. «1» يلاحظ عليه:

أنّ جعل الحضر شرطاً للوجوب لا يكشف عن عدم المصلحة الملزمة في الصوم إذ أراد السفر بل الصوم بما هو إمساك عن الطعام و الشراب لأجله سبحانه عبادة ذات مصلحة مطلقاً، و لكن لما كان في الأمر بالصيام في حال السفر مستلزماً للحرج كما انّ في تحصيل الشرط و تحريم السفر مفسدة آكد و حرج أشدّ، قدم في مقام التزاحم، جانب دفع المفسدة، و صار الشرط أي الحضور سبباً للوجوب و لم يلزم تحصيله. و بما انّ في جانب التقديم تفويتاً للمصلحة حكم الشارع بالتدارك

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 142.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 312

بالصيام في أيّام أُخر، و بهذا حصل الجمع بين كون الحضر شرطاً للوجوب، مع لزوم القضاء إلى شهر رمضان القادم.

هذا كلّه في صوم رمضان و أمّا إذا كان عليه صوم معيّن غير رمضان، كالواجب بالنذر و اليمين و الاستئجار فهل يجب عليه الإقامة مع الإمكان أو لا؟ قال السيد الطباطبائي:

وجب عليه الإقامة مع الإمكان. أقول:

يقع الكلام تارة في مقتضى القاعدة، و أُخرى في مقتضى النصوص. أمّا الأوّل فوجوب الإقامة و عدمه يتبع كيفية النذر و الاستئجار، فلو كانا على وجه الإطلاق دون أن يقيدا بما إذا اتّفق الحضور فتجب الإقامة لأنّ مقتضى الإطلاق تحصيل شرط الصحّة، أعني:

الحضور، كسائر الشروط فيكون الحضور شرطاً للواجب دون الوجوب على خلاف صوم شهر رمضان المبارك. و أمّا لو كانا على وجه التقييد بمعنى انّه لو كان حاضراً و غير مسافر، فلا يجب تحصيل الشرط، لأنّ الحضور يعود حينئذ إلى كونه شرطاً للوجوب

و لا يجب تحصيله.

أمّا الثاني:

فقد دلّ في مورد النذر على جواز السفر و عدم لزوم الإقامة، و قد رواها الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل في كتابين. «1» و لنذكر بعض الروايات:

روى محمد بن الصفار، عن القاسم بن أبي القاسم الصيقل، قال:

كتبت إليه: يا سيدي! رجل نذر أن يصوم كلّ يوم جمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام تشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه، أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: «قد وضع اللّه عنك الصيام في

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، كتاب الصوم، الباب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم أورد فيه ما يناهز عشر روايات. و الوسائل: الجزء 16، كتاب النذر، الباب 13 أورد فيه حديثين.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 313

هذه الأيّام كلّها، و يصوم يوماً بدل يوم».

و صحيح زرارة قال:

إنّ أُمّي كانت جعلت عليها نذراً نذرتْ للّه في بعض ولدها في شي ء كانت تخافه عليه، أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه عليها، فخرجت «1» معنا إلى مكة فأشكل علينا صيامها في السفر فلم ندر تصوم أو تفطر، فسألت أبا جعفر عن ذلك فقال: «لا تصوم في السفر، إنّ اللّه قد وضع عنها حقّه في السفر، و تصوم هي ما جعلت على نفسها». «2» و الحديث الثاني معلل يرشدنا إلى كيفية استفادة حكم المقام من التعليل، فإذا وضع اللّه حقّه في السفر، و العمل بالنذر حقّ من حقوقه سبحانه قد وضعه اللّه في السفر.

و مورد النصوص هو النذر، و هل يلحق به اليمين، و الاستئجار و الشرط في ضمن العقد؟ الظاهر هو التفصيل بين الأوّل و الأخيرين،

فإنّ العمل باليمين من حقوقه سبحانه، بخلاف الأخير فلا دليل على التعدي إلّا القياس مع الفارق، فيجب عليه الحضور للصوم إذا آجر نفسه للصيام أو شرط عليه في ضمن عقد لازم.

29. إذا بقي من الوقت أربع ركعات و عليه الظهران

إنّ هنا فرعين:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2، و روى في ذلك الباب برقم 1، انّ بندار مولى إدريس كتب نفس السؤال و قرأه علي بن مهزيار، و روى في الجزء 17، في الباب 10 من أبواب كتاب النذر و العهد عن علي بن مهزيار و انّه كتب إلى أبي الحسن و السؤال و الجواب متقاربان في الموارد الثلاثة فلاحظ.

(2). الوسائل: الجزء 16، الباب 13 من أبواب كتاب النذر و العهد، الحديث 2.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 314

1. إذا بقي من الوقت أربع ركعات و عليه صلاتا الظهر و العصر، فهل تجوز الإقامة تكليفاً أو لا؟

2. إذا كان حاضراً و كان عليه الظهران فهل يجب عليه السفر لإدراك الصلاتين كما إذا كان قريباً من حدّ الترخص بحيث لو مشى أقداماً وصل إليه أو لا؟

و الكلام في الفرع الأوّل في الحكم التكليفي من حيث جوازها و حرمتها لأجل استلزامه تفويت الظهر لا في الجواز الوضعي لوضوح انّه لو أقام، تعيّنت عليه صلاة العصر، لما مرّ من عدم الفرق في ترتب آثار الإقامة بين الفرد السائغ و المحرم.

و احتاط السيد الطباطبائي في الفرع الأوّل بعدم نية الإقامة مع عدم الضرورة، و أفتى بعدم وجوب السفر في الفرع الثاني.

أمّا الأوّل:

فلأنّ الإقامة تعجيز للنفس عن القيام بتكليفين مفروضين عليه فعلًا، حيث إنّه مسافر، و الوقت يسع للظهرين معاً فيكون التكليف منجزاً فقصد الإقامة موجب لخروجه عن عنوان

المسافر و دخوله تحت الحاضر و معه لا يسع الوقت إلّا للعصر و يفوت الظهر المنجز عليه. و بذلك يظهر ما في كلام السيد الحكيم حيث قال:

التفويت المحرم هو ترك الواجب في ظرف الفراغ عن وجوبه و لا يشمل ترك تبديل الواجب الذي لا يقدر عليه المكلّف بواجب يقدر عليه لعدم الدليل على حرمة مثل ذلك. يلاحظ عليه:

أنّ وجوب الظهر في «1» حال السفر أمر فرغنا عنه، فلا يتم قوله: «هو ترك الواجب في ظرف الفراغ عن وجوبه» كيف و هو مخاطب بكلا التكليفين

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 143، و الأولى أن يقول و لا يشمل ترك تبديل الواجب الذي يقدر عليه المكلّف بواجب لا يقدر عليه.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 315

قبل نيّة الإقامة، فقصدها تبديل للمقدور بما لا يقدر معه إلّا على أحدهما.

أمّا الفرع الثاني و هو انّه كان حاضراً و عليه الظهران، فلو سافر لأدرك الصلاتين، و لو لم يسافر لم يدرك إلّا العصر، فحينئذ ليس هناك تكليف منجز إلّا الواحد، فلا دليل على تبديل الموضوع لغاية حدوث تكليف آخر.

و بذلك يظهر الفرق بين الفرعين، ففي الأوّل يريد بالإقامة، تعجيز نفسه لتكليف منجز عليه و هو صلاة الظهر، بخلاف الثاني فهو بسفره، يريد إحداثَ تكليف آخر، وراء التكليف المنجّز عليه، و الأصل البراءة.

30. إذا عدل و شكّ في الإتيان بالرباعية مع بقاء الوقت

إذا نوى الإقامة ثمّ عدل عنها و لم يدر أنّه صلّى برباعية قبل العدول أو لا، و للمسألة صورتان:

الأُولى:

إذا شكّ في الإتيان بالفريضة الرباعية مع بقاء الوقت كما إذا نوى الإقامة في أوان الظهر ثمّ عدل قبل المغرب بساعة، و شكّ في أنّه هل أتى بفريضة الوقت حتى يتم فيما بعدُ إلى زمان الخروج من المحل أم لم

يأت أصلًا؟ الثانية:

إذا نوى الإقامة في أذان الظهر، و عدل عنها بعد المغرب بساعة، و شكّ في أنّه هل أتى بفريضة الظهر أو العصر تماماً أو لم يأت أصلًا؟ و قد تعرض السيد الطباطبائي إلى الصورة الثانية:

في المسألة 33، و خص الكلام في المقام بالصورة الأُولى، و كان عليه جعلهما مسألة واحدة و نحن نقتفيه. أمّا الصورة الأُولى فحكمها واضح، لأنّ الأصل عدم الإتيان بفريضة تامة عملًا بالاستصحاب فينقّح الاستصحاب موضوع الدليل الاجتهادي، أعني:

قوله في صحيحة أبي ولاد «فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 316

تقيم».

«1» و أمّا الثانية فسيوافيك بيانها منا برقم 33.

31. إذا صلّى رباعية و عدل عن الإقامة فلم يعلم المتقدم
اشارة

لو نوى الإقامة ثمّ علم بوقوع حادثين:

العدول و الصلاة الرباعية و شكّ في المتقدم منهما. و كان كلّ من الحادثين مجهولي التاريخ (و سيوافيك وجه ذلك و انّه لو كان أحدهما معلوم التاريخ، يجري الأصل في المجهول دون المعلوم). و حينئذ يقع الكلام تارة في صحّة الصلاة السابقة، و أُخرى في حكم الصلوات الآتية فلو كان المتقدم هو العدول، بطلت الصلاة السابقة و يحمل على أنّها أُتي بها رباعية بعد العدول غفلة أو نسياناً، و يجب قضاؤها قصراً و يُقصّر الصلوات الآتية.

و إن كان المتقدّم هو الصلاة، صحّت الصلاة السابقة و يجب التمام في الصلوات الآتية في محل الإقامة. هناك أقوال: 1. ما أفاده السيد الطباطبائي من الحكم بصحّة الصلاة السابقة، و القصر فيما يأتي من الصلوات.

2. الحكم بالصحة في الصلاة السابقة و التمام فيما يأتي و عليه المحقّق الخوئي و غيره من المعلّقين على العروة.

3. الحكم بالاحتياط بإعادة الصلاة السابقة و الجمع بين القصر و الإتمام فيما

يأتي.

4. الحكم بالصحة فيما سبق، و الجمع بين القصر و الإتمام فيما يأتي.

و قد أشار السيد الطباطبائي إلى دليل مختاره و هو جريان قاعدة الفراغ في الصلاة السابقة و أمّا الحكم بالقصر فيما يأتي فلأجل عدم إحراز موضوع التمام و هو

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 317

وقوع الصلاة الرباعية حال العزم على الإقامة لأنّه مشكوك لأصالة عدم وقوع الصلاة تماماً إلى زمان العدول.

و بعبارة أُخرى:

لم يحرز الموضوع لقوله: «إن كنتَ دخلتَ المدينة و حين صلّيتَ بها صلاة فريضة واحدة بتمام» في محل الإقامة، فيكون محكوماً بالقصر لعدم إحراز الإتيان برباعية تامة الذي هو شرط استمرار حكم الإقامة.

تعارض أصالة الصحّة مع الاستصحاب

و قد أورد على هذا القول باستلزامه المخالفة القطعية العملية، لأنّ الحكم بصحّة الصلاة الرباعية السابقة مع الحكم بالقصر فيما يأتي جمع بين المتناقضين، لأنّ معنى صحتها رباعيةً، كون الصلاة متقدمة على العدول و لازمه تحقّق موضوع الحكم بالتمام فيما يأتي، لا القصر فيه كما هو صريح هذا القول، و الحكم بالقصر فيما يأتي معناه، كون العدول متقدماً على الصلاة و لازمه، بطلان الصلاة رباعية و انّه أتى بها سهواً و غفلة.

فإن قلت:

إنّ الصحّة الثابتة بقاعدة الفراغ صحّة نسبية، لا يحتج بلوازمها، من تقدم الصلاة على العدول فلا تثبت بقاعدة الفراغ أزيد من كون الصلاة السابقة صحيحة «و انّه حين العمل كان أذكر منه حين يشك» و أمّا ثبوت لازمه و هو تقدم الصلاة على العدول و تحقّق موضوعه فلا يثبت بها فلا ينافي دليل الحكم بالقصر فيما يأتي أعني: أصالة عدم تقدم الصلاة على العدول. و قد ذكر السيد الطباطبائي نظيره في من

إذا رأى نفسه في صلاة العصر و شكّ في الإتيان بالظهر فيصح ما بيده عصراً، لجريان أصالة الصحّة في إحراز الشرط للدخول في العصر، و هو تقدم العصر، و يثبت كونه واجداً لشرط الدخول في صلاة العصر لا مطلقاً، و أمّا انّه أتى بالظهر واقعاً أو لا، فلا يثبت بل يجب

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 318

عليه الإتيان بالظهر بعد الفراغ عن العصر و مثله المقام، فعند ذاك لا تعارض قاعدة الفراغ غير الناظر إلى تقدم الصلاة على العدول، الأصلَ الحاكم في الصلوات الآتية من عدم وقوع الصلاة تماماً إلى زمان العدول.

قلت:

ما ذكرته صحيح لو كان المراد من التعارض هو التعارض بين لازم أصالة الصحّة في الصلاة السابقة و مفاد نفس الاستصحاب، حيث إنّ لازم الأصل الأوّل، هو تقدم الصلاة على العدول و هو ينافي متن الاستصحاب و مفاده أعني أصالة عدم تقدم الصلاة على العدول فيرفع التنافي بما ذكرته. و أمّا إذا كان التعارض بين مفاد أصالة الصحّة و مفاد الاستصحاب حيث إنّه يعلم ببطلان إحدى الصلاتين فلو صحّت صلاته الرباعية، فالتقصير فيما يأتي باطل، و لو كان التقصر صحيحاً فيما يأتي، كانت الرباعية السابقة باطلة، و هذا العلم الإجمالي منجِّز موجب الاحتياط كما لا يخفى.

هذا كلّه حول تعارض أصالة الصحّة و مقتضى الاستصحاب أي أصالة عدم تقدم الصلاة على العدول.

تعارض الاستصحابين

إنّ هنا استصحابين متعارضين و هما:

أصالة عدم تقدم العدول على الصلاة الّتي تقتضي التمام فيما بعد، و أصالة عدم تقدم الصلاة على العدول التي تقتضي القصر فيما يأتي. لأنّ تقدم الصلاة إلى زمان العدول موضوع للتمام فيما يأتي.

و تقدم العدول إلى زمن الصلاة موضوع للحكم بالقصر فيما يأتي.

كلّ ذلك بفضل

ما في صحيحة أبي ولاد من الفقرتين:

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 319

يدل على الأوّل قوله:

إن كنتَ دخلتَ المدينة و حين صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام (ثمّ بدا لك) فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها. و يدل على الثاني قوله:

«و إن كنتَ حين دخلتَها على نيّتك التمام، فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم». فأصالة عدم الإتيان بالصلاة إلى زمان العدول التي تنقّح موضوع القصر، تعارض أصالة عدم العدول إلى زمان الإتيان بالصلاة التي تنقّح موضوعَ التمام.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي قدَّس سرَّه فصّل بين الأصلين و قال بجريان أحدهما دون الآخر، و ذلك لترتّب الأثر على أحدهما دون الآخر و حاصل ما أفاده مع الإطناب:

إنّ الأثر الشرعي أعني الصحّة، يترتب على ثبوت وقوع الصلاة حال وجود نيّة الإقامة.

و يكفي في ذلك استصحاب أصالة عدم العدول عن نيّة الإقامة إلى زمان الإتيان بالصلاة تامة، حيث إنّ لازمه اقتران الصلاة مع النية، و مثل هذا لا يعدّ أصلًا مثبتاً و إلّا يدخل أكثر الأُصول تحت الأُصول المثبتة، كاستصحاب الطهارة و إقامة الصلاة بعده، فيثبت كون الصلاة مع الطهارة الذي يدل عليه قوله: لا صلاة إلّا بطهور مع الاتفاق على جريانه. و أمّا الأثر الشرعي الآخر أي البطلان فلا يترتب على نفس الأصل الآخر أي أصالة عدم إقامة الصلاة إلى زمان العدول عن النية، إذ ليس عدم إقامة الصلاة إلى زمان العدول موضوعاً للبطلان و إنّما الموضوع له هو تأخّر الصلاة الرباعية عن العدول عن الإقامة، فالصحة في الأوّل تترتب على نفس الأصل و البطلان في الآخر يترتب على لازم الأصل و هو التأخر، و الأوّل ليس بمثبت،

و الثاني مثبت بالاتفاق.

«1»

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 8/ 325.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 320

يلاحظ عليه:

أوّلًا: أنّ الموضوع للصحة أو لبقاء حكم الإقامة فيما بعد و إن عدل، هو الإتيان بالرباعية في زمان الإقامة بحيث يكون زمانها ظرفاً للاتيان، و هذا ما يعبر عنه بالظرفية، و من المعلوم انّ استصحاب عدم العدول إلى زمان الإتيان بالرباعية لا يثبت وقوعها في زمانها و اقترانها به إلّا على القول بالأصل المثبت، فأصبح الأصلان متماثلين في أنّ الصحّة تترتب في الأوّل على الاقتران الذي هو لازم عقلي كما انّ البطلان في الثاني مترتب على التأخر، و الاقتران و التأخر من اللوازم العقلية التي لا تثبت بالأصل.

و ما أفاده من أنّ الموضوع مركّب من جزءين، أي الإتيان بالصلاة في زمان يكون ناوياً للإقامة في ذلك الزمان من غير دخل شي ء آخر وراء ذلك من وصف الاقتران غير تام، لأنّ ما ذكره عبارة أُخرى عن كون الموضوع مركّباً من ثلاثة:

1. الصلاة، 2. زمان الإقامة، 3. كونها فيه و استصحاب عدم العدول إلى زمان الإقامة يلازم كونها واقعة فيه كما لا يخفى. نعم لو كان الموضوع مركباً من جزءين:

1. ذات الصلاة الصحيحة، 2. زمان الإقامة، و إن لم يكن ربط بينهما لكان لما ذكره وجه. و لكنّه غير صحيح، لأنّ الموضوع الواحد يستدعي أن يكون بين أجزائه، نوع ربط وصلة و وحدة حرفية تجعل الأجزاء المتشتتة شيئاً واحداً كما أوضحنا حاله عند البحث في استصحاب العدم الأزلي. اللّهمّ إلّا أن يقال:

انّ الاقتران من اللوازم البيّنة للمستصحب بحيث لا انفكاك بينه و بين المستصحب عرفاً كما هو الحال في استصحاب الطهارة و الصلاة معه، فإنّ استصحاب بقائها يستلزم عقلًا تقارن

الصلاة معها فينطبق عليه قوله: «لا صلاة إلّا بطهور».

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 321

ثانياً:

لو كان الميزان في رفع التعارض هو تعرض أحد الأصلين لحال الصلاة السابقة، دون الآخر كما في المقام لكان لما ذكره من تقديم أحد الأصلين على الآخر وجه، و أمّا لو كان كلّ واحد، موضوع حكم بالنسبة إلى غير الصلاة السابقة، كالصلوات الآتية، لكان التعارض باقياً بحاله، لأنّ أحد الأصلين ينقّح موضوعَ التمام ما دام في المحل، و الآخر ينقح موضوع القصر كذلك. و بعبارة أُخرى:

«أصالة عدم العدول قبل الصلاة الرباعية» ينقح موضوع قوله: «و إن كنت دخلت المدينة و حين صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر ...» كما انّ أصالة عدم الصلاة قبل العدول عن الإقامة ينقِّح موضوع قوله: «و إن كنت دخلتها على نيتك التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام». و على ذلك فبما انّ لكلّ من الأصلين أثراً شرعياً و لو في غير مورد الصلاة السابقة، يكون الأصلان متعارضين ساقطين.

فيجب تنقيح حكم المسألة بطريق آخر. إذا عرفت ما ذكرنا فالحقّ جريان أصالة الصحّة فيما أتى من الرباعية، و سقوط الأصلين المتعارضين.

و لكنّه يتم ما دام في المحل و ذلك بوجهين: 1. انّه مقتضى استصحاب الحكم الشرعي بعد سقوط الاستصحاب الموضوعي لأجل التعارض، فقد وجب عليه التمام عند نيّة الإقامة، فالأصل بقاؤه إلى العلم بالزوال و ليس العلم بالإتيان برباعية شرطاً في انعقاد الإقامة، و إنّما هو شرط لاستمرار حكمها بعد العدول، و ليس المستصحب إلّا الخطاب الحادث بالتمام لدى نية الإقامة و الشكّ في بقائه.

هذا إذا نوى الإقامة بعد دخول الوقت و أمّا إذا كان قبله، فيستصحب على وجه التعليق

و قد قلنا بحجّية الاستصحاب التعليقي فيقال كان الإتمام واجباً عليه

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 322

قبل الدخول و الأصل بقاؤه بعد دخوله، و منشأ الشكّ حدوث أمرين يشكّ في تقدم أحدهما و تأخّر الآخر.

2. التمسّك بقاعدة المقتضي و المانع، فإنّ نيّة الإقامة مقتض للتمام، و العدول رافع مشكوك فيؤخذ بحكم المقتضي إلى أن يعلم المانع.

فإن كان ما ذكرنا مقنعاً للفقيه و إلّا فيحتاط ما دام في المحل بين القصر و الإتمام.

و قد ذكر السيد الحكيم رضوان اللّه عليه وجهاً ثالثاً و هو «انّ موضوع وجوب التمام على من عدل عن نيّة الإقامة» هو نية الإقامة مع الصلاة تماماً، فإذا ثبت صحّة الصلاة بأصالة الصحّة فقد تحقّق موضوعه، و عدم العدول قبل الصلاة تماماً لا دخل له في وجوب التمام إلّا من حيث اقتضائه صحّة الصلاة، لا انّه شرط آخر في قبال الصلاة تماماً فليس الشرط في وجوب التمام إلّا صحّة الصلاة تماماً، و يمكن إثبات ذلك بأصل الصحّة.

يلاحظ عليه:

أنّ الثابت بالأصل، هو صحّة الصلاة، و أمّا وقوعها في زمان نيّة الإقامة فلا يثبت إلّا على القول بالأصل المثبت، و ذلك لأنّها لا تكون صحيحة تماماً إلّا إذا أتى بها في زمانها لا بعدها. إلّا أن يقال إنّ التقارن من اللازم البيّن للصحة، بحيث لا ينفك في نظر العرف عن صحّة الصلاة.

هذا كلّه إذا كانا مجهولي التاريخ، و أمّا إذا كان أحدهما معلوماً و الآخر مجهولًا، فقد حقّقنا في محلّه جريان الأصل في المجهول دون المعلوم، فلو كانت الصلاة معلومة التاريخ و أنّه أتى بها بعد الزوال بساعتين، كانت أصالة عدم العدول إلى ذلك الوقت هي المحكَّمة و يترتب عليها أثرها، و

يثبت وقوع الصلاة في زمان النيّة، و يتم ما دام في المحل و لو كان العدول معلوم التاريخ فاستصحاب

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 323

عدم الصلاة إلى زمان العدول و إن لم يثبت تأخر الصلاة عن زمان العدول حتى يحكم ببطلانها، لكنّها كافية في تنقيح موضوع الدليل الاجتهادي و هو «و إن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم» و يكون محكوماً بالتقصير ما دام في المحل لكونه داخلًا في الفقرة الثانية لصحيحة أبي ولاد.

32. إذا صلّى تماماً ثمّ عدل و تبيّن بطلان الصلاة

إذا صلّى تماماً ثمّ عدل، و لكن تبين بطلان صلاته رجع إلى القصر و كان كمن لم يصل و يدخل تحت قوله في الصحيحة:

«و إن كنتَ حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم» و الصلاة فيها منصرفة إلى الفرد الصحيح و إن قلنا بأنّها موضوعة للأعم. نعم يكفي في استمرار حكم الإقامة كونها محكومة بالصحّة شرعاً ظاهراً و إن لم تكن في الواقع كذلك و لذا لو صلّى بنيّة التمام، و بعد السلام شكّ في أنّه سلم على الأربع أو على الاثنين أو الثلاث، بنى على أنّه سلّم على الأربع لقاعدة الفراغ، فهي محكومة شرعاً بأنّها أربع، و الصلاة تماماً مع نيّة الإقامة موضوع للحكم ببقاء حكم الإقامة فيما بعد و إن عدل.

الظاهر انّ الحكم بالصحّة لأجل قاعدة الفراغ، لا لإطلاق قوله:

«إذا شككت فابن على الأكثر» كما عليه صاحب المستمسك إذ لا إطلاق له، بل هو راجع إلى الشاك ما دام في الصلاة.

33. لو عدل بعد خروج الوقت و شكّ في الإتيان بالرباعية

قد عرفت في الفرع المتقدم انّ قاعدة الفراغ تكفي في تنقيح موضوع الحكم

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 324

باستمرار حكم الإقامة.

إنّما الكلام في كفاية قاعدة الحيلولة و خروج الوقت، و ذلك إذا نوى الإقامة في الوقت و عدل بعد خروج الوقت و شكّ في الإتيان بالرباعية و انّه صلّى في الوقت حال العزم على الإقامة أو لا، قال السيد الطباطبائي قدَّس سرَّه: بنى على أنّه صلّى لكن في كفايته في البقاء على حكم التمام إشكال و إن كان لا يخلو من قوّة خصوصاً إذا بنينا على انّ قاعدة الشكّ بعد الفراغ أو بعد الوقت إنّما هي من باب

الأمارات لا من الأُصول العملية. المسألة حسب ما ذكره السيّد مبنيّة على أنّ قاعدة الحيلولة، هل هي أمارة على انّه صلّى في الوقت، أي في الفترة التي كان ناوياً للإقامة فيدخل في قوله:

«إن كنت دخلت المدينة و حين صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر» أو هي أصل تدل على عدم القضاء و رفع التكليف فقط. و ليس فيها تعبداً بأنّه صلّى. ذهب السيّد المحقّق الخوئي إلى الأوّل، قائلًا بأنّه المفهوم من لسان الدليل حيث قال:

«و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتى تستيقن». «1» فانّ عدم اقتصاره عليه السَّلام على مجرّد نفي الاعادة حتى أضاف إليه قوله عليه السَّلام: «من شك» ظاهر في أنّ عدم الإعادة لأجل عدم الاعتناء بالشكّ و فرضه كلا شك، و لذلك لا يعيد، فتكون العناية التعبّدية مصروفة أوّلًا و بالذات إلى إلغاء الشكّ الراجع إلى التعبد بالوجود، و من شئون هذا التعبد، عدم الإعادة. «2» يلاحظ عليه:

أنّ الميزان بين لسان الأمارة، و الأصل، هو نفي الشكّ و يتبعه نفي الحكم، أو حفظ الشكّ و الحكم عليه. و يتجلّى الأوّل في قوله: «العمري

______________________________

(1). الوسائل، الجزء 3، الباب 60، أبواب المواقيت الحديث 1 و لاحظ الحديث 2.

(2). مستند العروة: 8/ 334.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 325

و ابنه ثقتان ما أديا عني فعنّي يؤدّيان».

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1418 ه ق ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر؛ ص: 325

«1» و يتجلّى الثاني، في قوله: «إن شككت بعد ما خرج

الوقت» ثمّ يقول: «فلا إعادة عليك من شكّ حتى تستيقن» أي الشكّ الموجود المفروض غير مؤثر في الإعادة بمعنى القضاء، لا أنّه ليس بشاك و كم فرق بين أن يقول: «الشكّ لا يؤثر في الإعادة» و بين أن يقول: «أنت لست بشاكّ» و أمّا جعله من شعب قاعدة الفراغ فلا يؤثر أيضاً، لأنّها أيضاً أصل، و ليست بأمارة. نعم ذهب السيد الاصفهاني إلى كفاية جريان القاعدة في المقام في ترتيب الأثر قائلًا بأنّ الأثر مترتب على إتيان ذات الصلاة لا على لوازمها و الصلاة بعد فرض كونها مأتيّاً بها بحكم القاعدة يتحقّق موضوع آثار الإقامة، لأنّها مترتبة على نيّة الإقامة المحرزة بالوجدان و الصلاة تماماً عن نيّة الإقامة، المحرزة بالتعبد فتحقّق كلا الجزءين.

«2» أقول:

الظاهر انّ كلامه بقرينة ما قبله فيما إذا شكّ بعد الوقت في أنّه صلّى ركعتين أو أربع، فيجري فيه ما ذكره، و لكن الكلام فيما إذا شكّ في أصل الإتيان بالصلاة و لسان الدليل ليس التعبد بأنّه صلّى بل لسانه هو التعبد على أنّه ليس عليه الإعادة من جانب الشكّ، و أين هو من أنّه صلّى؟!.

34. إذا عدل بعد الإتيان بالسلام الواجب

إذا عدل عن الإقامة بعد الإتيان بالسلام الواجب فله صور:

1. إذا عدل قبل الإتيان بالسلام الأخير الذي هو مستحب.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي.

(2). صلاة المسافر: 126.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 326

2. إذا عدل قبل الإتيان بسجدتي السهو إذا كانتا عليه.

3. إذا عدل قبل الإتيان بقضاء الأجزاء المنسيّة كالسجدة و التشهد المنسيّين.

4. إذا عدل قبل الإتيان بصلاة الاحتياط أو في أثنائها إذا شكّ في الركعات.

الظاهر التفصيل بين الأُوليين و الأخيريتين، فلا يضر العدول في الأوّل للخروج عن الصلاة بالسلام

الواجب فيصدق انّه بدا بعد ان صلّى فريضة تامّة و لا في الثاني، لأنّ سجدتي السهو، واجبتان خارج الصلاة، و لأجل ذلك لو تركهما سهواً أو عمداً لا يضر بالصلاة.

إنّما الكلام في الأجزاء المنسية، فهل هي واجبة بنفس الأمر بالصلاة، غاية الأمر تغيّر محلها، أو هي واجبة على وجه الاستقلال و إن حدث موجبها في نفس الصلاة؟

فعلى الأوّل حدث العدول بعد الإتمام بخلاف الثاني و منه يعلم حال صلاة الاحتياط فهل هي جزء متم للصلاة على فرض النقص، و تخلل التشهد و التسليم ليس بقادح للترخيص من جانب الشارع، أو هو واجب مستقل و إن كان السبب، ترك واجب آخر و المرتكز في أذهان المتشرعة انّ ما يتدارك به، واجب بنفس وجوب الصلاة التي صلّاها و انّه جزء له.

و على ضوء ذلك لو عدل قبل التدارك. لا يصدق انّه أتى بفريضة تامّة ثمّ عدل بل هو الظاهر من رواية عمّار بن موسى الساباطي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن شي ء من السهو في الصلاة فقال: «أ لا أُعلّمك شيئاً إذا فعلتَه ثمّ ذكرت انّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوتَ فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمتَ فقم فصلِّ ما ظننت انّك نقصت، فإن كنت أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 327

ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت».

«1» و معناها انّ صلاة الاحتياط تتم ما نقص، أي تقع جزءاً للصلاة و ان تخلّل بينهما شي ء مثل التشهد و التسليم فيكون مأموراً بأمرها. فالعدول المتوسط بين الصلاة و متمها، يكون عدولًا قبل الاتيان بها.

35. إذا قصد الإقامة باعتقاد انّ الرفقة قصدوها

إذا اعتقد انّ الرفقة قصدوا الإقامة فقصدها، ثمّ تبين انّهم لم يقصدوها.

قد فصل السيد الطباطبائي بين كون قصد الرفقاء داعياً له لقصد الإقامة من دون أن تكون نيّة الإقامة مقيّدة به و بين كونه قيداً لنية الإقامة و منوطة به على سبيل الشرط و المشروط، فيتمّ في الأوّل و يقصر في الثاني.

أمّا الأوّل فلأجل صدق القصد و تحقّقه، و إن كان الداعي إليه قد تخلف لكن تخلفه لا يؤثر في إطلاقه و لو كان قادحاً.

لزم القول بالقصر في أكثر موارد العدول التي لا وجه له إلّا تبين خلاف ما دعاه إلى العدول، كالربح في التجارة، و الوصول إلى المتمنى. إنّما الكلام في الثاني فلكلامه قدَّس سرَّه تفسيران:

1. إذا قصد نفس ما قصده الرفقاء بحيث يكون قصدهم موضوعاً لقصده سواء كان عشرة أو أقلّ منها، لكن زعم انّهم قصدوا العشرة فلا شكّ انّه يقصر لعدم قصده العشرة، لأنّ المقصود الجدي واقع ما قصده رفقاؤه و المفروض انّهم قصدوا التسعة لا العشرة.

و هذا نظير ما إذا قصد الإقامة من اليوم العاشر إلى يوم الغدير، بزعم انّ

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 8 من أبواب الخلل، الحديث 3.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 328

المبدأ تاسع ذي الحجة، فبان انّه كان عاشرها فلا شكّ انّه يقصر، لأنّه قصد الإقامة بين الحدّين و ليس عشرة أيّام، و إن زعم هو انّه عشرة بزعم انّ المبدأ هو التاسع، و قد مرّ نظيره فيما إذا قصدت الزوجة أو العبد نفس ما قصده الزوج أو السيد من المسافة و لكنّهما زعما انّ المسافة ثمانية فراسخ و الحال انّها أقلّ من ذلك، فلا شكّ انّهما يقصران لتعلّق النيّة بما بين الحدّين، و

هو أقل لكن هذه الصورة بعيدة عن كلامه.

2. إذا قصد العشرة، لكن متقيدة بقصدهم العشرة بحيث لو لا قصدهم العشرة، لما قصد العشرة، غاية الأمر يتصوّر وجود المعلّق عليه و كان الواقع على خلافه، ففي هذه الصورة، أفتى السيد في العروة بالتقصير لأنّ انكشاف عدم المعلّق عليه كاشف عن عدم المعلّق، غاية الأمر انّه كان مشتبهاً لجهله بفقد المعلق عليه.

و هذا القسم أنكره أكثر المعلّقين على العروة قائلين بأنّ القصد من الأُمور التكوينية أمره دائر بين الوجود و العدم، فهو إمّا قاصد للعشرة أو غير قاصد، فعلى الأوّل يتم و ان تبيّن عدم المعلق عليه، و على الثاني يقصر كذلك، و المدار هو تمشي القصد منه و عدمه من غير فرق بين كونهم ناوين العشرة أو ناوين عدمها، أو متردّدين.

و على ضوء ذلك فلو كان مذعناً بإقامتهم العشرة، يتمشى منه القصد، فيجب عليه الإتمام و ان تبين انّهم متردّدون أو قاصدون إقامة ثمانية أيّام، و إن كان متردّداً في قصدهم و نيّتهم، فهو يقصر، و ان تبيّن انّ الرفقاء قصدوا العشرة، فكيف إذا كانوا متردّدين أو قاصدين الخلاف؟

و الحاصل انّ له حالات ثلاث:

الأُولى:

أن يكون مذعناً بأنّهم يقصدون الإقامة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 329

الثانية:

أن يكون مذعناً بأنّهم لا يقصدون الإقامة. الثالثة:

أن يكون متردّداً في أنّهم يقصدون أو لا يقصدون. فهو قاصد قطعاً في الأُولى، و التعليق صوري.

و غير قاصد قطعاً في الثانية، و التعليق لا موضوع. و غير قاصد في الثالثة، لأجل تردده في قصدهم و إن ظهر بعد أنّهم كانوا قاصدين. لأنّ المفروض استقلاله في القصد، لا انّه قصد نفس ما قصدوه كما مرّ.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 330

القاطع الثالث: التردّد في البقاء ثلاثين يوماً

اشارة

من قواطع السفر بعد ما قطعَ مسافة شرعية التردد في البقاء و عدمه ثلاثين يوماً إذا كان بعد بلوغ المسافة.

و يقع الكلام في أُمور:

1. في حكم المسألة

الحكم بالتمام اتّفاقي بين علمائنا قال الشيخ:

إذا أقام في بلد و لا يدري كم يقيم، له أن يقصّر ما بينه و بين شهر، فإن زاد عليه وجب عليه التمام. و قال الشافعي:

له أن يقصّر إذا لم يعزم على مقام شي ء بعينه ما بينه و بين سبعة عشر يوماً، فإن زاد على ذلك كان على قولين: أحدهما انّه يقصّر أبداً، و الثاني انّه يتم. و قال أبو إسحاق:

يقصر ما بينه و بين أربعة أيّام، فإن زاد على ذلك كان على قولين: أحدهما يتم، و الثاني: يقصر أبداً إلى أن يعزم أربعة أيام. و قال أبو حنيفة:

له أن يقصر أبداً إلى أن يعزم ما يجب معه التمام. ثمّ قال الشيخ:

دليلنا إجماع الفرقة بأنّهم لا يختلفون فيه، و حديث أبي بصير في المسألة الأُولى تضمن ذلك صريحاً، فلا وجه لإعادته. «1»

______________________________

(1). الخلاف: كتاب الصلاة، المسألة 327.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 331

و في الجواهر:

بلا خلاف صريح أجده بين القدماء و المتأخرين كما اعترف به في الرياض. «1»

2. الإقامة متردداً قاطع لموضوع السفر
اشارة

كما انّ المرور على الوطن و قصد الإقامة على قول قاطعان لموضوع السفر، فهكذا الإقامة ثلاثين متردداً قاطع له، لأجل طول الإقامة القادح لعنوان السفر خلافاً للمحكي عن المقدّس البغدادي حيث قال بأنّه قاطع لحكم السفر و هو القصر لا لموضوعه مدعياً خلو نصوص الثلاثين عن الدلالة على القطع بوجه بل غايتها الاتمام في ذلك المكان، فيرجع فيما عداه إلى عمومات القصر، و تظهر الثمرة فيما إذا كانت المسافة بينه و بين المقصد أقلّ من المسافة حيث إنّه على هذا القول يضمّ ما بقي إلى ما سبق من السفر و يكون المرجع هو إطلاقات أدلّة القصر بخلافه على القول

الآخر، فلا يقصر إلّا إذا كانت المسافة بينه و بين المقصد مسافة.

و يمكن استظهار قول المشهور من وجهين:

1. انّ الإمام عطف المتردّد ثلاثين على الجازم بالإقامة عشرة أيّام، فاكتفى في الثاني بعشرة، و في الأوّل بثلاثين، و مقتضى العطف المشاركة في القاطعية، ففي موثق أبي بصير: «إذا قدمت أرضاً و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيّام فصم و أتمّ و إن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيّام فافطر ما بينك و بين شهر، فإذا تم الشهر فأتمّ الصلاة».

و قد مرّ موثق إسحاق بن عمّار قال:

سألت أبا الحسن عليه السَّلام عن أهل مكّة إذا زاروا، عليهم إتمام الصلاة؟ قال: «المقيم بمكّة إلى شهر بمنزلتهم». «2»

______________________________

(1). الجواهر: 14/ 315.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 332

2. قوله فيها: «و إن قلت ارتحل غدوة» «1» فإنّه منصرف إلى أنّ المرتحل إليه مسافة شرعيّة فلا يقصر إذا كانت المسافة بينه و بين المقصد أقل من المسافة.

أضف إليه ما يستفاد من مجموع الأدلّة و الفتاوى انّ كلّ من حكم عليه بالتمام لجهة من الجهات لا يعود إلى القصر إلّا بسفر جديد، و عندئذ لا فرق بينه و بين قصد الإقامة.

2.

هل الموضوع هو التردّد ثلاثين يوماً أو شهراً؟

هل الموضوع للتمام هو التردّد ثلاثين يوماً أو يكفي كونه شهراً و إن اتّفق نقصانه، تظهر الثمرة لو كان ابتداء تردده من أوّل يوم من الشهر الهلالي إلى هلال الشهر الآخر و اتّفق نقصانه، فعلى القول باعتبار الثلاثين لم يتم في صلاته حتى يكمله من الشهر الآخر يوماً.

و قد ورد لفظ الشهر في غالب الروايات،

«2» و ورد لفظ الثلاثين في رواية واحدة. «3» و هناك

احتمالات:

1. المدار على الشهر مطلقاً نقص أم كمل.

2. المدار على ثلاثين مطلقاً.

3. المدار على الشهر الهلالي ان اتّفق، و إلّا فعلى الثلاثين.

و الأخير هو خيرة المحقّق الأردبيلي قدَّس سرَّه قال:

و يحتمل الاكتفاء بالشهر الهلالي

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3، 5، 9، 11، 13، 15، 16، 17، 20.

(3). لاحظ نفس المصدر، الرواية 12.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 333

على تقدير الاتّفاق، و الثلاثين على تقدير عدمه، كما هو الظاهر من الشهر و كون الحكم كذلك في أمثالها و للعمل بهما و لوقوعهما في الأخبار الصحيحة، و الشهر هو في الأكثر و هو حقيقة في الهلالي أيضاً، و قد لا يتّفق فيكون كلّ في مادة و ليست المنافاة الحاصلة، بحيث لا يمكن الجمع حتى يحمل المطلق على المقيد، على أنّه يحتمل التخيير بينهما.

«1» و حاصل كلامه انّه ليس رفع المخالفة منحصراً بحمل المطلق على المقيد، لإمكان الحمل على التخيير.

يلاحظ عليه:

أنّه لو صحّ، لصحّ في عامة المقيدات و هو كما ترى و الظاهر هو الأخذ بالثلاثين تقديماً للأظهر على الظاهر أي مطلق الشهر. فعلى كلّ تقدير، فما في رواية حنان

(بن سدير) عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: إذا دخلت البلدة فقلت: اليوم أخرج أو غداً أخرج فاستتممت عشراً، فأتم. «2» و هي بظاهرها متروكة و يحتمل تصحيف «عشراً» و «شهراً» لقرب كتابتهما.

التردّد قبل بلوغ المسافة

قد عرفت انّ التردّد في البقاء و عدمه ثلاثين يوماً بعد بلوغ المسافة قاطع للسفر، فهو يتم من اليوم الواحد و الثلاثين.

إنّما الكلام إذا تردّد قبل بلوغها فيختلف حكمه عن الصورة الأُولى إذ

يكون نفس التردد قاطعاً من حينه و إن لم يمض عليه ثلاثون يوماً، بخلافه في الصورة الأُولى فالقاطعية فيها رهن مضي المدّة المذكورة و يعلم وجه الفرق بذكر صورها التي جمعها السيد المحقّق الخوئي قدَّس سرَّه.

______________________________

(1). مجمع الفائدة: 3/ 406.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 334

1. أن يتردّد قبل البلوغ إلى المسافة الشرعية بين الأُمور الثلاثة: البقاء أو الاسترسال في السفر أو الرجوع إلى الوطن، فالحكم هو التمام لانتفاء شرط القصر و هو اشتراط استمرار قصد قطع المسافة.

2. أن يكون عازماً على عدم العود إلى الوطن، لكنّه تردّد بين الخروج أو البقاء لحاجة مسّته و يحتمل أن يطول إلى ثلاثين يوماً فهو أيضاً يتم، لأنّه إذا كان نفس بقاء ثلاثين يوماً متردداً قاطعاً للسفر فاحتماله من أوّل الأمر احتمال وجود قاطع من ذلك الحين فيوجب زوال القصد الموجب للقصر شرعاً.

3. تلك الصورة، لكنّه متردد بين الذهاب أو البقاء عشرة أيّام لا أقلّ فحكمها حكم الصورتين، لانّه إذا كان قاصداً للعشرة يكون قاطعاً، فيكون احتمال البقاء بهذا المقدار، احتمال عروض قاطع قبل قطع المسافة فيختلّ استمرار القصد بنفس ذاك الاحتمال.

4. أن يتردّد بين الذهاب أو البقاء لكن دون العشرة، فاتّفق بقاؤها إلى ثلاثين، فبما انّه لم يحتمل وجود القاطع من حين البقاء بل انجر إليه، فهو يقصر إلّا إذا حصل القاطع.

العزم على الخروج إلى ثلاثين يوماً

إذا عزم على الخروج غداً بعد غد ثمّ لم يخرج إلى أن مضى ثلاثون يوماً.

أو عزم على الإقامة تسعة أيّام و الخروج بعدها لكن لم يخرج و عزم إقامة تسعة أيّام أُخرى و هكذا إلى أن مضى ثلاثون يوماً.

فهل حكم هذا النوع

من العزم، حكم التردّد في الإقامة ثلاثين يوماً أو لا؟ الظاهر هو الأوّل لأنّ الوارد في النصوص و إن كان هو التردّد لكن المتبادر انّ الملاك هو التقصير في مكان ثلاثين، من أيّ سبب كان.

و إن شئت قلت:

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 335

الملاك هو المقام في مكان ثلاثين يوماً بدون قصد الإقامة.

ففي صحيحة أبي ولاد:

«و إن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتم». «1» فيصدق على المورد انّه «لم تنو المقام» سواء كان متردداً أو عازماً على الإقامة بأقلّ من عشرة، و في صحيحة معاوية بن وهب «و إن أقمت تقول غداً أخرج أو بعد غد و لم تجمع على عشرة فقصِّر ما بينك و بين شهر فإذا أتم الشهر فأتم الصلاة». و وجه الاستظهار من الصحيحتين واحد.

في كفاية بين الهلالين إذا كان ناقصاً

«2» إذا ورد أوّل الشهر مكاناً و تردد في الإقامة إلى آخره و كان ناقصاً ففي كفايته ما مرّ و الظاهر عدم كفايته لتحكيم الأظهر على إطلاق الشهر و الأحوط هو الجمع يوم الثلاثين بين القصر و الإتمام.

فإن قيل:

إنّ الظاهر أنّ ما رواه أبو أيّوب عن ابن مسلم «3» الذي فيه لفظ الثلاثين (فليعد ثلاثين) متحد مع ما رواه نفس ابن مسلم على وجه الاضمار «4» الذي ورد فيه لفظ الشهر، فلم يبق هنا اعتماد على ورود لفظ الثلاثين عن المعصوم. قلت:

مضافاً إلى بعد اتحادهما لاختلافهما في المضمون حيث إنّ الأوّل يشتمل على سؤال محمد بن مسلم، الإمامَ عن كفاية إقامة خمسة و انّه حكم بكفايتها، و إنكار الإمام انّ الوحدة لا تضرّ، لحجّية فهم الراوي على فرض صدور لفظ الشهر منه، حيث عبّر عن الشهر،

بثلاثين و هذا دليل على أنّه فهم من الشهر،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 15، من أبواب صلاة المسافر، الحديث 17.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 12 و 16.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 12 و 16.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 336

الشهر الكامل.

في كفاية التلفيق في الثلاثين

لفظ اليوم و إن كان منصرفاً إلى ما بين الطلوع و الغروب و لكن المتبادر في هذه الموارد هو مقدار الزمان، من غير فرق بين كون المبدأ أوّل الطليعة، أو نصف النهار، فلو تردّد زوال اليوم الأوّل و استمر التردّد إلى زوال اليوم الحادي و الثلاثين صدق عرفاً انّه أقام متردداً ثلاثين يوماً، كما هو الحال في منزوحات البئر، و مقدار الطمث، و الإقامة، فانّ العرف يساعد على أنّ الاعتبار بنفس المقدار الموجود بين ثلاثين يوماً، من غير التزام بكون المبدأ أوّل اليوم.

اشتراك المقيم متردّداً مع المقيم عشرة

قد عرفت انّه قد عطف المتردّد، على المتم في غير واحد من الروايات.

«1» و مقتضى العطف اشتراكهما في الأحكام. و منه يظهر حكم ما يلي: 1. لا فرق في مكان التردّد بين أن يكون بلداً أو قرية أو مفازة، لإطلاق الأدلّة في البابين، فلو أقام في قاعدة عسكرية ثلاثين يوماً متردداً، فهو يتم و إن كانت القاعدة في مفازة.

2. تشترط وحدة المكان كما هو الحال في الإقامة، فلو كان بعض الثلاثين في مكان و بعضه الآخر في مكان آخر لم يقطع حكم السفر، لظهور الأدلّة في اعتبار وحدة المحل، و كذا لو كان مشتغلًا بالسير و هو متردد فانّه يبقى على القصر إذا كان قطع المسافة قبل التردّد، لعدم صدق الإقامة متردّداً في محل.

______________________________

(1). لاحظ الباب 15، الحديث 3، 5، 12، 16، 17، 20.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 337

3. لا يضرّ بوحدة المكان مثل باب الإقامة إذا خرج عن محلّ تردده إلى مكان آخر و لو ما دون المسافة بقصد العود إليه قريباً إذا كان بحيث يصدق عليه عرفاً انّه بقي متردّداً في ذلك المكان ثلاثين يوماً. نعم يشكل

لو بات ليلته و رجع في غده و قد مرّ في باب الإقامة.

4. تأتي الصور المتقدمة في المسألة الرابعة و العشرين من الصور السبع للخروج عن محل الإقامة و قد ذكر السيد في المقام صورتين:

أ.

إذا خرج المقيم متردداً إلى ثلاثين يوماً إلى مادون المسافة مع قصد العود إليه حيث يتم ذهاباً و في المقصد و الإياب و محلّ التردد. ب.

إذا خرج معرضاً عن محلّ التردد و عاد إليه بما انّه منزل من منازله فيقصر كلّ ذلك لوحدة حكم البابين و انّ الإقامة جازماً أو متردّداً قاطع لموضوع السفر. 5. إذا تردد في مكان تسعة و عشرين يوماً أو أقل، ثمّ سار إلى مكان آخر و تردد هناك أيضاً و هكذا، بقي على القصر لعمومات القصر و عدم صدق المخصص.

6. المتردد ثلاثين يوماً إذا أنشأ سفراً بقدر المسافة لا يقصر إلّا بعد الخروج عن حدّ الترخّص كالمقيم على الأحوط، فلو صلّى بين المحلّ و حدّ الترخّص، فالأحوط الجمع. و قد عرفت عدم الدليل القاطع على اعتبار حدّ الترخّص في غير الوطن، فلاحظ.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 339

الفصل الرابع أحكام صلاة المسافر

اشارة

1. التقصير عزيمة لا رخصة

2. الإفطار في السفر عزيمة

3. سقوط النوافل النهارية

4. لا تسقط نوافل المغرب و الفجر و صلاة الليل

5. جواز الإتيان بالنافلة إذا خرج بعد الزوال

6. التنفّل في السفر إذا أخّر الفريضة

7. إذا أتمّ في موضع القصر و له صور

8. حكم العالم و الجاهل في الصيام في السفر

9. إذا قصّر في موضع التمام

10. إذا لم يصلّ الجاهلُ بالحكم ثمّ علم به

11. إذا تذكر الناسي في أثناء الصلاة

12. إذا قصر اتّفاقاً لا عن قصد

13. إذا كان في بعض الوقت مسافراً و له صور

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 341

وقع السفر في الشرع موضوعاً لعدّة أحكام

اشارة

مضى بعضها، و نشير إلى بعضها الآخر في المقام:

1. التقصير في الصلاة عزيمة لا رخصة:

و قد تقدم الكلام في الصلاة في أوّل الكتاب.

2. الإفطار في الصوم الواجب و المستحب عزيمة إلّا ما استثني:

أ.

صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتع لقوله سبحانه: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ) (البقرة/ 196). ب.

صوم بدل البدنة ممن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً، و هو ثمانية عشر يوماً. ج.

صوم النذر المشترط فيه سفراً خاصاً أو سفراً و حضراً دون النذر المطلق. د.

لا يجوز الصوم المندوب في السفر إلّا ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة. و التفصيل موكول إلى كتاب الصوم.

3. سقوط النوافل النهارية:

تسقط النوافل النهارية كنافلة الظهرين، ففي صحيح محمد بن مسلم، عن

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 342

أحدهما عليهما السَّلام قال:

سألته عن الصلاة تطوعاً في السفر، قال: «لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئاً نهاراً». «1» أمّا نافلة المغرب فلا تسقط لقوله:

«الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب، فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهن في سفر و لا حضر». «2» كما انّه لا تسقط نافلة الفجر، روى زرارة، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال:

«كان رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر و ركعتا الفجر في السفر و الحضر». «3» إنّما الكلام في سقوط نافلة العشاء، فقد اختلفت كلمتهم في سقوطها و عدمه.

قال الشيخ:

و ليس على المسافر شي ء من نوافل النهار، فإذا سافر بعد زوال الشمس قبل أن يصلّي نوافل الزوال فليقضها في السفر بالليل أو بالنهار، و عليه نوافل الليل كلّها حسب ما قدمناه. «4» و المراد ممّا قدّمه ما ذكره في أوائل كتاب الصلاة من أنّ سنن السفر سبع عشرة ركعة:

أربع ركعات بعد المغرب، كحالها في الحضر، و إحدى عشرة ركعة

صلاة الليل، و ركعتا صلاة الفجر، فهذه سبع عشرة ركعة. ثمّ قال: و يجوز أن يصلّي الركعتين من جلوس التي يصليها في الحضر بعد العشاء الآخرة. «5» ترى انّه لم يجعلهما من سنن السفر، و إن حكم بجواز الإتيان و هذا يدل على وجود التفاوت

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها، الحديث 1 و 7.

(2). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها، الحديث 1 و 7.

(3). الوسائل: الجزء 3، الباب 25 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها، الحديث 6 و لاحظ روايات الباب.

(4). النهاية: 125، صلاة المسافر.

(5). النهاية: 51.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 343

بين الحكمين من حيث الوضوح و الخفاء.

قال ابن إدريس:

و عليه نوافل الليل كلّها حسب ما قدّمناه إلّا الوُتيرة. «1» و قال المحدّث البحراني:

الأظهر عندي هو القول بما صرّح في النهاية من بقاء استحبابها في السفر كما في الحضر لعدّة من الأخبار. «2» أقول:

السقوط هو الموافق للقاعدة لسقوط الفرع بسقوط الأصل إلّا أن يدلّ دليل على التخصيص و هو ليس ببعيد. 1. روى الصدوق في الفقيه عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السَّلام أنّه قال: «إنّما صارت العتمة مقصورة و ليس تترك ركعتاها، لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين، و إنّما هي زيادة في الخمس تطوعاً ليتم بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع». «3»

و قال الصدوق:

و ما كان فيه عن الفضل بن شاذان من العلل التي ذكرها عن الرضا عليه السَّلام فقد رويته عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي اللّه عنه عن علي بن «4» محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان عن

الرضا عليه السَّلام و كلاهما لم يوثقا. أقول:

إنّ عبد الواحد بن عبدوس من مشايخ الصدوق الذين أخذ منهم الحديث و المعروف في لسانهم عدم الحاجة إلى توثيقهم، لأنّ اعتماد المشايخ المتقدّمين على النقل عنهم و أخذ الأخبار منهم و التتلمذ عليهم يزيد على قولهم في كتب الرجال «فلان ثقة».

______________________________

(1). السرائر: 1/ 344.

(2). البحراني: الحدائق: 6/ 46.

(3). الوسائل: الجزء 3، الباب 29 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 3.

(4). الوسائل: الجزء 19، خاتمة الكتاب في ذكر طرق الصدوق، رقم 251.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 344

و أمّا علي بن محمد بن قتيبة فهو من مشايخ الكشي الذي أكثر الرواية عنه

«1» في كتابه المشهور في الرجال. أضف إلى ذلك انّ الدليل غير منحصر بذلك، و يمكن استظهار عدم السقوط من روايات أُخرى كما سيوافيك تالياً.

2. ما تضافر عنهم عليهم السَّلام بأظهر تأكيد على الحثّ على الإتيان بهما حتى عُدّ عدم الترك من لوازم الإيمان باللّه و اليوم الآخر. و هذه الروايات و إن كانت مطلقة قابلة للتخصيص بالحضر لكن لسانها يأبى عن التخصيص، بل يعد حاكماً على ما دلّ على سقوط النوافل إثر سقوط الركعتين.

روى الشيخ بسند صحيح عن زرارة قال، قال أبو جعفر عليه السَّلام:

من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يبيتن إلّا بوتر «2» و المراد منه حسب ما ورد في رواية أبي بصير هو الركعتان بعد العشاء الآخرة. «3» ثمّ إنّ النسبة بين هذه الروايات و ما دلّ على سقوط النافلة عند سقوط الفريضة الرباعية، عموم و خصوص من وجه.

فهي خاص بالوتيرة، و عام لأجل شمولها السفر و الحضر، و ما دلّ على الملازمة بين السقوطين خاص لأجل اختصاصها بالسفر، و

عام لأجل شمولها الوتر و نوافل الظهرين و مقتضى القاعدة سقوطهما في مورد الاجتماع و هو الوتر في السفر، لكن لسان القسم الأوّل، يأبى عن التخصيص فيقدم على الثاني و تكون النتيجة اختصاصه بنوافل الظهرين. فإن قلت:

إنّ مفهوم الروايات أنّ من بات بلا وتر، فليس بمؤمن باللّه و اليوم الآخر و لذلك لا بدّ من تفسير الوتر بصلاة العشاء و تسميته وتراً، لأجل انّها الصلاة

______________________________

(1). المامقاني: تنقيح المقال: 2/ 308.

(2). الوسائل: الجزء 3، الباب 29 من أبواب اعداد الفرائض، الحديث 1 و 8 و لاحظ الحديث 2، 4، 8.

(3). الوسائل: الجزء 3، الباب 29 من أبواب اعداد الفرائض، الحديث 1 و 8 و لاحظ الحديث 2، 4، 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 345

الخامسة.

قلت:

إنّ هذه التعابير واردة في المكروهات و المستحبات لبيان شدة الكراهة أو الاستحباب قال الصادق عليه السَّلام: «لا يحل لامرأة تؤمن باللّه و اليوم الآخر أن تدع ذلك (عانتها) فوق عشرين «1» يوماً». و ورد انّ من سافر وحده فهو شرّ الناس.

«2» و ورد اللعن على من أكل زاده وحده، و النائم في بيته وحده، و الراكب في الفلاة وحده.

«3» و أمّا تفسير الوتر بالعشاء فغير صحيح إذ لم يرد في حديث تسميتُها وتراً، و لكن سمى نافلة العشاء وتراً في غير واحد من الروايات. 3. يظهر من بعض الروايات انّ الفرائض و النوافل كانت خمسين ركعة، فأضاف النبيُّ ركعة عليها ليكون عدد النوافل ضعف الفرائض:

ففي صحيح معاوية بن عمّار قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السَّلام يقول: «كان في وصية النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم لعلي عليه السَّلام: ... أمّا الصلاة فالخمسون ركعة». «4» و في

صحيح الفضيل بن يسار قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السَّلام يقول: «الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر». «5» و معناه انّه لا صلة له بصلاة العشاء، غير انّها تقع بعدها شُرِّعت لتدارك احتمال فوت الوتر. و مثله خبر المفضل عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال:

قلت: أُصلي العشاء الآخرة، فإذا صليتُ، صليتُ ركعتين و أنا جالس فقال: «أما إنّها واحدة، لو متُّ، متُّ على وتر» «6».

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 86 من آداب الحمام، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 8، الباب 30 من آداب السفر، الحديث 4 و 7.

(3). الوسائل: الجزء 8، الباب 30 من آداب السفر، الحديث 4 و 7.

(4). الوسائل: الجزء 3، الباب 13 من أبواب اعداد الفرائض، الحديث 1، 2.

(5). الوسائل: الجزء 3، الباب 13 من أبواب اعداد الفرائض، الحديث 1، 2.

(6). الوسائل: الجزء 3، الباب 29 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 7.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 346

و في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال:

«... نعم انّهما بركعة فمن صلّاهما ثمّ حدث به حدث مات على وتر، فإن لم يحدث به حدثُ الموت يصلّي الوتر في آخر الليل». «1» إلى هنا تمّ دليل القائل بعدم السقوط، و في مقابله ما يمكن الاستدلال به على السقوط كالتالي:

1. حذيفة بن منصور، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السَّلام انّهما قالا: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء». «2»

2. روى عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب ثلاث».

«3»

3. روى أبو يحيى الخياط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر، فقال: «يا بُنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة». «4» و التقييد بالنهار في سؤال الراوي لا في كلام الإمام.

يلاحظ على الأُولى و الثالثة بأنّهما محمولتان على النوافل النهارية بقرينة صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السَّلام قال:

سألته عن الصلاة تطوعاً في السفر قال: «لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئاً نهاراً». «5» نعم يظهر من رواية أبي بصير كرواية ابن سنان المذكورة انّ السقوط يعم النهاريّة و الليليّة:

عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب، فانّ بعدها أربع ركعات لا تدعهن في سفر و لا حضر، و ليس عليك قضاء صلاة النهار و صلّ صلاة الليل و اقضه». «6» فإنّ الاستثناء دليل على عموم قوله: «ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء».

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 3، الباب 29 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 8.

(2). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 2، 3، 4، 1، 7.

(3). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 2، 3، 4، 1، 7.

(4). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 2، 3، 4، 1، 7.

(5). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 2، 3، 4، 1، 7.

(6). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 2، 3، 4، 1، 7.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 347

و لكن لو تمّ العموم، يخصص بالوتيرة و أمّا على القول بأنّها تقديم للوتر الوارد في صلاة الليل

فيكون تخصصاً.

و منه يظهر الجواب عن التعليل الوارد في قوله:

«لو صلحت النافلة تمت الفريضة فانّ الوتيرة إمّا خارج تخصصاً إذا قلنا بأنّها شرعت لتدارك احتمال فوت الوتر، نعم بما انّ التعليل، تعليل بأمر ارتكازي يشكل القول بتخصيصه و بما انّ المسألة لا تخلو عن شوب إشكال فالأولى الإتيان به برجاء المطلوبية.

4. عدم سقوط نافلة المغرب و الصبح و صلاة الليل

اتّفقت كلمتهم على عدم سقوط نافلة المغرب و الفجر و صلاة الليل.

أمّا الأوّل فقد تضافرت الروايات على عدم سقوطها قال أبو عبد اللّه عليه السَّلام:

«أربع ركعات بعد المغرب لا تدعهن في حضر و لا سفر». «1» و أمّا الأخيران فعن رجاء بن أبي الضحاك، عن الرضا عليه السَّلام انّه كان في السفر يصلّي فرائضه ركعتين ركعتين إلى أن قال: و لا يدع صلاة الليل و الشفع و الوتر و ركعتي الفجر من سفر و لا حضر. «2» و أمّا النوافل غير الرواتب فيجوز، لإطلاق أدلّتها.

5. جواز الإتيان بالنافلة إذا خرج بعد الزوال

قد عرفت تضافر الروايات على سقوط نافلتي الظهر و العصر في السفر، غير انّه ورد الاستثناء في موردين أشار إليهما السيد الطباطبائي في المسألة الأُولى و الثانية، و إليك البيان، قال السيد:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 3، الباب 24 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 348

1. إذا دخل عليه الوقت و هو حاضر، ثمّ سافر قبل الإتيان بالظهرين يجوز له الإتيان بنافلتهما سفراً و إن كان يصلّيهما قصراً و إن تركها في الوقت يجوز له قضاؤها».

و يدلّ على ما ذكره موثقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال:

سُئل عن الرجل إذا زالت الشمس، و هو في منزله ثمّ يخرج في السفر، فقال: «يبدأ بالزوال فيصليها ثمّ يصلي الأُولى بتقصير ركعتين، لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضر الأُولى» و سُئل: فإن خرج بعد ما حضرت الأُولى، قال: «يصلّي الأُولى أربع ركعات، ثمّ يصلّي بعدُ النوافلَ ثماني ركعات، لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الأُولى، فإذا حضرت العصر، صلّى العصر بتقصير

و هي ركعتان، لأنّه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر». «1» و السند نقيّ قابل للاحتجاج و الدلالة واضحة إنّما الكلام في تطبيق المضمون على القواعد المعتبرة و آراء الأصحاب ففيها:

أوّلا:

انّه قد جمع في الإجابة عن السؤال الأوّل بين الإتيان بالنوافل في السفر، و الإتيان بالفريضة قصراً و علّل بأنّه خرج من المنزل و قد دخل وقت النوافل، و لم يدخل وقت الفريضة بمعنى انّه إذا زالت الشمس يدخل وقت النوافل دون الفريضة و إنّما يدخل وقتها بعد مضي شي ء كالقدم و الذراع. و هو مخالف لما تضافر من الروايات من انّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان إلّا انّ هذه قبل هذه.

«2» و ثانياً:

فقد حكم في الإجابة عن السؤال الثاني بأنّه إذا خرج بعد ما حضرت الأُولى (وقت صلاة الظهر) يصلّي الظهر في السفر أربع ركعات، و معناه انّ المناط

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 3، الباب 23، من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 3، الباب 4 من أبواب المواقيت.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 349

في التقصير و الإتمام هو وقت الوجوب، لا وقت الأداء و هو خلاف المشهور بين الأصحاب.

و ثالثاً:

لم يعلم وجه تقديم الفريضة الرباعية في السفر، على نوافلها حيث قال: ثمّ يصلى بعد النوافل ثماني ركعات، مع أنّها متأخّرة في الحضر و المفروض انّ الإتيان بها رباعية لأجل انّه دخل وقتها و هو في الحضر، فيلزم أن يعامل معها مثل الحضر و من المعلوم انّ نوافل الظهر متقدّمة على الفريضة في الحضر من غير فرق بين قراءة «بعد» في الحديث مضموماً غير مضاف أو منصوباً مضافاً فتأمل. و رابعاً:

انّ مفاد الموثقة أضيق ممّا جاء في العروة لأنّه يخص الإتيان

بنوافل الظهر بما إذا لم يدخل وقت الظهر و هو قبل بلوغ الظل إلى قدر القدم أو الذراع مع أنّ كلامه مطلق، يعم كلّ من خرج عن البلدة بعد الزوال و إن دخل وقت صلاة الظهر و زاد الظل عن القدم أو الذراع.

6. التنفّل في السفر إذا أخّر الفريضة

هذا هو المورد الثاني الذي استثني من سقوط النافلة في السفر و هو إذا دخل عليه الوقت و هو مسافر و لكنّه ترك الإتيان بالظهر أو العصر حتى يدخل المنزل أو محلّ الإقامة فيأتي بها تماماً، فهل يجوز الإتيان بنوافلها حال السفر.

هذا في نافلتي الظهرين، و أمّا نافلة العشاء فبأن يقال: إذا صلّى العشاء في الحضر «1» ثمّ سافر، فهل يجوز له الإتيان بالنافلة في السفر، فقد أفتى السيد بالجواز في الجميع اعتماداً على التعليل الوارد في رواية الحسن بن محبوب و علي بن الحكم جميعاً، عن أبي يحيى الحناط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال: «يا

______________________________

(1). اختلافهما في التصوير لأجل تقدّم نافلتي الظهرين عليهما و تأخّر نافلة العشاء عنه، فلذلك اختلف تصويرهما.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 350

بني لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة».

«1» و السند لا غبار عليه إلّا في آخره، أعني:

أبا يحيى الحنّاط فقد ذكره النجاشي في باب الكنى برقم 1237 و لم يذكر فيه شيئاً من المدح و الذم و ذكر سنده إلى كتابه عن طريق شيخه الحسين بن عبيد اللّه الغضائري المتوفى عام 411 ه، والد ابن الغضائري و يروى كتابه عنه الحسن بن محمد بن سماعة «2» و ذكره الشيخ في الفهرست و ذكر سنده إليه المنتهي إلى الحسن بن محبوب عنه. و نقلت

الرواية في التهذيب و الاستبصار و الفقيه عن الحسن بن محبوب، عن أبي يحيى، و عناية المشايخ بذكر السند إلى كتابه، و نقل الحسن بن محبوب و علي بن الحكم عنه، يورث اطمئناناً بوثاقته خصوصاً إذا كثرت الرواية عنه، و المضمون غير بعيد عن كلمات المعصومين إنّما الكلام في دلالتها، و الظاهر عدمها بوجهين: 1. انّها تدل على أنّه لو صلحت النافلة، لتمّت الفريضة، لا العكس أي لا انّه لو تمت الفريضة، لصلحت النافلة.

2. سلمنا انّها تدل على الملازمة بين تمامية الفريضة، و صلاحية النافلة، لكنّها فيما إذا تمت الفريضة في السفر، تكون ملازماً لصلاحية النافلة لا مطلقاً كما في المقام حيث إنّه يتم الفريضة في الحضر. فالأقوى عدم مشروعية النافلة في هذه الفروض.

7. إذا أتم في موضع القصر

اشارة

إذا أتم في المورد المستجمع لشرائط القصر، فله صور نشير إليها:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 3.

(2). النجاشي: الرجال: 2/ رقم 1237.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 351

1. إذا أتم في موضع القصر عامداً عالماً بالحكم و الموضوع و انّ المسافة ثمانية فراسخ.

2. إذا أتم في موضع القصر عامداً لكن جاهلًا بالحكم و أنّ المسافر يقصّر صلاتَه.

3. إذا أتم في موضع القصر عامداً لكن لا جاهلًا بالحكم أو الموضوع بل ببعض الخصوصيات، مثلًا انّ المسافة التلفيقية توجب القصر، و السفر إلى أربعة فراسخ مع قصد الرجوع يوجب القصر، أو انّ كثير السفر إذا أقام في بلده أو غيره عشرة أيّام يقصر في السفر الأوّل، أو انّ العاصي بسفر إذا عاد إلى الطاعة يقصّر، أو انّ المسافة الشرعية هي ثمانية فراسخ، أو انّ من عدل عن الإقامة يتم و إن لم يأت بالرباعية، و نحو

ذلك.

4. إذا أتم في موضع القصر عامداً لكن عالماً بالحكم و جاهلًا بالموضوع و انّ المسافة ثمانية فراسخ.

5. إذا أتم في موضع القصر عامداً ناسياً لحكم السفر أو موضوعه.

6. إذا أتم في موضع القصر غافلًا.

***

الصورة الأُولى: إذا أتم في موضع القصر عن عمد

إذا أتم في موضع القصر عن علم و عمد، أعاده على كلّ حال في الوقت و خارجه، و الحكم اتّفاقي كما يظهر من مفتاح الكرامة

«1» و صاحب الجواهر «2» و غيرهما.

______________________________

(1). مفتاح الكرامة: 4/ 601.

(2). الجواهر: 14/ 342.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 352

و قال الشيخ:

و من تمم في السفر، و قد تليت عليه آية التقصير، و علم وجوبه، وجبت إعادة الصلاة، فإن لم يكن علم ذلك فليس عليه شي ء. «1» و قال ابن زهرة:

فإن تمم عن علم بذلك و قصد إليه لزمته الإعادة على كلّ حال. «2» و قال ابن إدريس:

و من تعمّد الإتمام في السفر بعد حصول العلم بوجوبه عليه وجبت عليه الإعادة لتغييره فرضه. «3» إلى غير ذلك من الكلمات. و يمكن الاستدلال عليه بوجوه مختلفة:

1. ما أشار إليه ابن إدريس من أنّه لم يأت ما أمر به، و ما أتى به غير مأمور به، فالإجزاء يحتاج إلى الدليل.

2. عدم تمشي القربة، فانّه من أفعال أهل البدع و التشريع، مضافاً إلى اتصاف نفس العمل بالحرمة لأجل كونه مصداقاً للتشريع إذا قام به خفاء، و البدعة إذا قام به جهراً لدعوة الناس إليه.

3. انّها زيادة في الفريضة كما جاء في رواية الأعمش، عن جعفر بن محمد: «و من لم يقصر في السفر لم تجز صلاته، لأنّه قد زاد في فرض اللّه عزّ و جلّ» «4». و في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه

عليه السَّلام قال: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة». «5»

4. ورود النص في المورد كما في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السَّلام: رجل صلّى في السفر أربعاً أ يعيد أم لا؟ قال: «إن كان قرئت

______________________________

(1). النهاية: 123.

(2). الغنية: 74.

(3). السرائر: 1/ 328.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8.

(5). الوسائل: الجزء 5، الباب 19 من أبواب الخلل، الحديث 2.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 353

عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه».

«1» و رواه العياشي في تفسيره كما في الوسائل «2» و الحديث دليل على أنّ وجوب التقصير واجب ذكري لا واقعي، و المراد من التفسير تبيين مفاد الآية و انّ قوله: «لا جناح» لا ينافي اللزوم كما أوضحناه في صدر الكتاب. و أمّا صحيحة عبيد اللّه بن علي الحلبي قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: صليت الظهر أربع ركعات و أنا في سفر؟ قال: «أعد». «3» فربما تحمل على العامد و تكون دليلًا على المقام، و ربما يقال بأنّ جلالة الحلبي تصدّنا عن حملها عليه، إذ كيف يصح لمثله أن يتم عامداً في السفر و هو من أجلة أصحاب الإمام الصادق عليه السَّلام، و لأجله يحمل على الناسي أو عليه و على الجاهل.

يلاحظ علي الوجه الثاني، بأنّ جلالته تمنع عن كونه مباشراً لما جاء في السؤال و لا تمنع عن فرض المسألة ليعرف حكمه و ينقله إلى الآخرين، و قد كان هذا هو الدارج بين أصحابهم عليهم السَّلام.

فإنّ قوله: «صلّيت» كناية عن وجود الحادثة في الخارج، و إنّما

نَسَبَه إلى نفسه ليقف على الجواب، و مع ذلك كلّه فكونها ظاهراً في خصوص العمد أو شاملًا له بعيد لندرة الموضوع و وضوح الحكم، فانّه بمنزلة من لم يمتثل بل هو خاص بالناسي أو يعمه و الجاهل. ثمّ إنّ مقتضى إطلاق صحيحة الفاضلين عدم الفرق بين الإعادة في الوقت و القضاء خارجه و ربما يتوهم المعارضة بينه و صحيح العيص بن القاسم قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن رجل صلّى و هو مسافر فأتم الصلاة قال: «إن كان في وقت فليعد و إن كان قد مضى فلا».

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4 و 5 و 6. و ابن أبي نجران هو عبد الرحمن بن أبي نجران، قال النجاشي: ثقة ثقة.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4 و 5 و 6. و ابن أبي نجران هو عبد الرحمن بن أبي نجران، قال النجاشي: ثقة ثقة.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4 و 5 و 6. و ابن أبي نجران هو عبد الرحمن بن أبي نجران، قال النجاشي: ثقة ثقة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 354

توضيح المعارضة انّ صحيح الفاضلين خاص لأجل اختصاصه بالعامد، مطلق من حيث عمومه للوقت و خارجه.

و ذيل صحيح العيص أعني قوله:

«و إن كان الوقت قد مضى فلا» خاص لأجل اختصاصه بخارج الوقت مطلق من حيث شموله للعالم و الجاهل، فيتعارضان في العالم إذا علم خارج الوقت، فعلى الأوّل يعيد و على الثاني لا يعيد. و الظاهر عدم عمومه بالعامد لأنّ معنى قوله:

«و إن كان في وقت فليعد» انّه لو انكشف الواقع له و

الوقت باق فليعد و الانكشاف آية عدم شموله للعامد إذ لا انكشاف في العامد أبداً و لو حاولنا عمومه للعالم أيضاً فلا بدّ أن تفسر الجملة بصورتين مختلفتين فيقال، في العالم إذا أراد أن يعيد فإن كان الوقت باقياً فليعد و إلّا فلا، و يقال في غيره: إن انكشف في الوقت فليعده و إلّا فلا و الجملة لا تحتمل ذينك المعنيين كما لا يخفى.***

الصورة الثانية: إذا أتم عن جهل بأصل الحكم

و الأقوال فيه ثلاثة:

1. عدم الإعادة مطلقاً داخل الوقت و خارجه، و هو القول المشهور.

2. التفصيل بين الوقت و خارجه فيعيد في الأوّل دون الثاني، و هو المنسوب إلى الاسكافي و الحلبي.

3. الإعادة مطلقاً في الوقت و خارجه. نسب إلى العماني.

أمّا الأوّل فيدل عليه صحيح زرارة حيث قال:

و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها، فلا إعادة عليه. «1»

______________________________

(1). البدر الزاهر: 344.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 355

و لا ينافيه صحيح الحلبي:

صليت الظهر أربع ركعات و أنا في سفر قال: أعد لما تقدم من احتمال رجوعه إلى العامد و إن استبعدناه، و على فرض إطلاقه العامد و الجاهل و الناسي يخصص مورد الجاهل بصحيح زرارة. استدل للقول الثاني من التفصيل بين الوقت و خارجه فيعيد في الأوّل دون الثاني، بصحيح العيص قال:

«إن كان في وقت فليعد و إن كان الوقت قد مضى فلا» و قد مضى أنّ معنى قوله: «إن كان في وقت» هو انّه «إن كان انكشاف الواقع في وقت» و هو لا يشمل العامد قطعاً، و يشمل الجاهل و الناسي فيُخصّص به إطلاق صحيح زرارة الدالّ على عدم الإعادة مطلقاً في وقت كان أو خارجه. ربما يقال في رفع التنافي بأنّ ظاهر رواية زرارة كون الجهل

بنحو الإطلاق تمام الموضوع لسقوط الإعادة، و ظاهر رواية العيص كون مضيّ الوقت تمام الموضوع بحيث لا يحتاج في كونه معذوراً إلى ضمّ الآخر فيكون للعذر علّتان مستقلتان، غاية الأمر انّه تجتمع علتان في الجاهل بالنسبة إلى خارج الوقت.

«1» يلاحظ عليه:

أنّه إنّما يصحّ إذا كان صحيح العيص ساكتاً عن الإعادة في الوقت و مقتصراً بأنّ العذر هو مضي الوقت فلا ينافي أن يكون هنا عذر آخر و هو الجهل، لكنّه متعرض للإعادة في داخل الوقت حيث يقول: «فإن كان في وقت فليعد» فيعارض، صحيح زرارة. و الحاصل انّ هنا تعارضاً بين الشقّ الثاني لصحيح الفاضلين أعني قوله:

«و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه» و الشق الأوّل لصحيح العيص أعني قوله: «إن كان في وقت فليعد» و النسبة بين المفادين، عموم من وجه فالأوّل خاص لاختصاصه بالجاهل، عامّ لشموله داخل الوقت و خارجه، و الثاني خاصّ لاختصاص الحكم بالإعادة بداخل الوقت، عام لشموله الجاهل و الناسي

______________________________

(1). البدر الزاهر: 271.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 356

بل الغافل، فيتعارضان في الجاهل داخل الوقت، فيتساقطان، فيرجع إلى العمومات و المطلقات الدالة على عدم الاجزاء إذا لم يكن هناك أمر شرعي ظاهري.

و لكن يمكن القول بتقديم صحيح الفاضلين بوجوه ثلاثة:

1. إنّ النسبة بينهما و إن كان ما ذكره لكن مادة الاجتماع و هو الجاهل المتوجه إلى الحكم الشرعي في الوقت داخل في الصحيحة، لاتّفاق الأصحاب عدا الإسكافي و الحلبي على عدم وجوب الإعادة على الجاهل مطلقاً. و التفريق بين الجاهل و الناسي، فالأوّل لا يعيد مطلقاً، بخلاف الثاني فهو يعيد في الوقت دون خارجه.

2. إنّ الحكم بعدم الإعادة في صحيح الفاضلين منصرف

إلى داخل الوقت، و لو قلنا بعدمها خارج الوقت فمن باب الأولوية لا من باب الدلالة اللفظية، فتنقلب النسبة من العموم من وجه إلى الخصوص المطلق، فصحيح الفاضلين خاص لاختصاصه بالجاهل المتوجّه داخل الوقت، و صحيح العيص عام لشموله الجاهل و الناسي و العاقل المتوجّه في الوقت فيخصص بالأوّل.

3. إنّ صحيح العيص محمول على خصوص الناسي، و لا صلة له بالجاهل أصلًا بقرينة رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سألته عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات قال: «إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتّى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه». «1» و سيوافيك الكلام فيه و إن كان السيّد المحقّق الخوئي عمّمه إلى الجاهل و الناسي بكلا قسميهما.

***

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 357

الصورة الثالثة: إذا أتمَّ عن جهل ببعض الخصوصيات

إذا جهل ببعض الخصوصيات مثل أنّ السفر إلى أربعة فراسخ مع قصد الرجوع يوجب القصر و قد مرت أمثلته، وجهان مبنيان على أنّ المراد من قوله:

«إن قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له» هو العالم بأصل الحكم، فيدخل في الشقّ الأوّل من صحيح الفاضلين، فتجب عليه الإعادة و القضاء، أو أنّه كناية عن العلم بالأحكام الشرعية الواردة في حقّ المسافر، و المفروض أنّ الجهل بالخصوصيات، جهل بأحكام صلاة المسافر في مختلف الصور. و بعبارة أُخرى:

هل الحديث بصدد التفريق بين العالم بالأحكام الشرعية في مورد القصر و الإتمام و الجاهل بها، أو أنّه بصدد التفريق بين العالم بأصل الحكم و الجاهل به؟ و ظاهر الحديث هو الثاني دون الأوّل، و جعله كناية عن المعنى الأوّل، مشكل جدّاً، و على

ذلك فهو داخل تحت العالم يعيد في الوقت و يقضي خارجه. و مع ذلك كلّه فللمحقّق الأردبيلي في المقام كلام نأتي به قال:

إنّ الظاهر أنّ الجاهل في وجوب القصر معذور سواء كان عن وجوب القصر رأساً، أو بوجه دون وجه، لصدق الجهل و اشتراك العلّة بل أنّه أولى لكثرة الخفاء، بخلاف أصل القصر فإنّه قليلًا ما يخفى على الناس. «1» و لا يخلو عن وجه، فلو قيل بوجوب الإعادة فمن باب الاحتياط.***

الصورة الرابعة: إذا أتم عن جهل بالموضوع

إذا توهم أنّ المسافة ليست مسافة شرعية فأتمّ ثمّ تبيّن خلافه:

فيه وجهان،

______________________________

(1). الأردبيلي: مجمع الفائدة: 3/ 435.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 358

فلو قلنا بأنّ المستفاد من صحيح الفاضلين انّ للاعتقاد موضوعيّة في المقام، فيلحقُ الجاهلُ بالموضوع بالجاهلِ بالحكم، و أمّا لو قلنا بأنّ المستفاد هو كون الجهل بالحكم الشرعي عذراً فقط، فيدخل الجاهل بالموضوع تحت الشقّ الأوّل لصحيح الفاضلين، و صحيح الحلبي، لو قلنا بعمومه للعامد و الجاهل للحكم و الموضوع، خرج منه الجاهل بالحكم و بقي الباقي تحته، و من المعلوم انّ استظهار الوجه الأوّل من الحديث مشكل كالاستظهار السابق.

نعم ما ذكر من إلحاق الجاهل بالموضوع بالعامد، هو الذي أفتى به السيد الطباطبائي في العروة، و قد عرفت وجهه، و لكن الظاهر من السيد المحقق الخوئي في محاضراته و تعليقته، و بعض آخر، هو التفصيل بين الوقت و خارجه، مستدلًا بصحيح العيص السابق، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة قال: «إن كان في وقت فليعده و إن كان الوقت قد مضى فلا». بناء «1» على عمومه للجاهل بأصل الحكم و خصوصياته، و الموضوع، و الناسي، خرج منه الجاهل بأصل الحكم على

وجه الإطلاق، كما عرفت و بقي الباقي تحته. نعم صدر حديث الفاضلين و إن دلّ على لزوم الإعادة مطلقاً داخل الوقت و خارجه إذا كان المتمّ ممّن قرئت عليه آية التقصير و المفروض انّ الجاهل بالموضوع ممّن قُرئت عليه آية التقصير، لكنّه يخصص بصحيح العيص، و النسبة بينهما عموم و خصوص مطلق، لأنّ صدر حديث الفاضلين يعمُّ العامد، و الجاهل بالخصوصيات و الموضوع و الناسي، و صحيح العيص لا يعمّ الأوّل لقوله:

«فإن كان في وقت فليعد» أي إن كان الانكشاف، و العامد ليس فيه انكشاف، و إنّما يعم الثلاثة الجاهلين بالحكم و الموضوع، و الناسي، فيخصص صدر حديثهما به.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 17، من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 359

و الذي يمكن أن يقال انّ استظهار الإطلاق من صحيح العيص بالنسبة إلى الجاهل مشكل، بل لا يبعد انصرافه إلى الناسي، لموافقته لمضمون حديث أبي بصير الوارد في الناسي كما سيوافيك و غاية ما يمكن أن يقال انّ الإعادة و القضاء خارج الوقت هو الأحوط، لو لم يكن الأقوى.

***

الصورة الخامسة: إذا أتمّ عن نسيان بالموضوع

المشهور بين الأصحاب انّه إن كان ناسياً أعاد في الوقت دون خارجه.

قال الشيخ:

فإن كان قد علم، غير انّه نسي في حال الصلاة، فإن كان في الوقت أعاد الصلاة و إن كان قد مضى وقتها، فليس عليه شي ء. «1» و قال ابن زهرة:

و إن كان اتمامه عن جهل أو سهو، أعاد إن كان الوقت باقياً، بدليل الإجماع المشار إليه «2». و لعلّه أراد من السهو، النسيان لا الغفلة، و قد عرفت أنّ الجاهل لا يعيد مطلقاً. و قال ابن إدريس:

من نسي في السفر فصلّى صلاة مقيم، لم تلزمه الإعادة،

إلّا إذا كان الوقت باقياً. «3» و قال المحقّق:

و إن كان ناسياً أعاد في الوقت، و لا يقضي إن خرج الوقت. «4» و يدل عليه، صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات، قال: «إن ذكر في ذلك اليوم فليعد

______________________________

(1). الطوسي، النهاية: 123.

(2). الغنية: 74.

(3). السرائر: 1/ 345.

(4). الشرائع: 1/ 135، طبعة دار الأضواء، بيروت.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 360

و إن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه».

و أمّا رجال السند:

فقد اشتمل على عدّة ثقات: «1» 1. علي بن النعمان النخعي، قال النجاشي: ثقة، وجه، ثبت، صحيح.

2. سويد القلّاء، و هو سويد بن مسلم القلّاء، مولى شهاب عن عبد ربّه. قال النجاشي: ثقة، نقله عن شيخه أبي العباس السيرافي قال: و له كتاب.

3. أبو أيّوب الخزاز، و هو إبراهيم بن عيسى بن أيّوب، و هو ثقة بلا كلام. وثّقه النجاشي و الكشي. «2»

4. أبو بصير و هو منصرف إلى يحيى بن القاسم الأسدي الذي عدّه الكشي من أصحاب الإجماع و وثّقه النجاشي، و إلى ليث بن البختري المرادي، و «المراد» قبيلة في اليمن و هو مراد بن مَذْحِجْ ذكره النجاشي و لم يذكر في حقّه شيئاً، و قال الكشي عند البحث في أصحاب الإجماع: «و قال بعضهم مكان «أبو بصير» الأسدي، «أبو بصير» المرادي، و هو ليث بن البختري»، و نقل العلّامة المامقاني في تنقيح المقال توثيق ابن الغضائري إيّاه، و على ذلك فالرواية صحيحة و إن عبر عنه في الجواهر بالخبر لمكان «أبو بصير» المردّد بين البختري و الأسدي و كلاهما ثقتان.

و ظاهر الفتاوى و النص عدم

الفرق بين نسيان الحكم و الموضوع، و اختاره السيد الطباطبائي في العروة، غير أنّ المتأخرين عنه خصّوا الناسي بناسي الموضوع دون الحكم، قال السيد الاصفهاني:

ذهب السيد في العروة في أغلب المسائل إلى اتحاد حكم ناسي الموضوع و الحكم، ثمّ اختار هو بأنّ ناسي الحكم داخل فيمن قرئت عليه آية التقصير و نسيها، فليس معذوراً، فيجب عليه الإعادة في الوقت

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

(2). كما في رجال الكشي برقم 212، و النجاشي برقم 24 و رجال الشيخ برقم 240، و لكن في فهرست الشيخ إبراهيم بن عثمان برقم 13، و قد وثقه فسواء أ كانا رجلين أو رجلًا واحد، فكلاهما ثقتان.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 361

و القضاء خارجه فليس له حكم الجاهل البدوي و لا الناسي، بل هو قسم خاص من الجاهل بالحكم.

«1» و قال السيد المحقّق البروجردي: الناسي للحكم يجب عليه القضاء كالعامد على الأقوى. و مع ذلك كلّه فإطلاق النص في صحيح العيص و أبي بصير، و إطلاقات كلمات الأصحاب يقتضي عطف الناسي بالحكم على الموضوع، مع كثرة الأوّل و قلّة الثاني و لو كان هناك فرق لكان التنبيه عليه فيما ذكر من النصوص لازماً، و التفريق بين الناسين بأنّ ناسي الموضوع يمتنع توجه الخطاب إليه لعجزه عن الامتثال، بخلاف ناسي الحكم فإنّ توجه التكليف إليه لا محذور فيه.

غير تام، لأنّ امتناع الخطاب الشخصي لا يأبى عن شمول غيره كما أوضحناه في محلّه.***

الصورة السادسة: إذا أتم عن سهو

قال السيد: أمّا إذا لم يكن ناسياً للسفر و لا لحكمه، و مع ذلك أتم صلاته ناسياً، وجب عليه الإعادة و القضاء، و الظاهر أن يقول: «غافلًا» و «ساهياً» مكان

«ناسياً» أو كثيراً ما يدخل المسافر الصلاة بنيّة القصر مع العلم بحكمه، غير انّه يسهو في أثناء الصلاة و يغفل عن حاله فيتم الصلاة. فلا وجه للإجزاء، لأنّه داخل في العالم و من قرئت عليه آية القصر، و ليس بجاهل بالحكم أو الموضوع، و لا ناسي الموضوع و لا الحكم، و إنّما هو ساه. فتلخص ممّا ذكرنا انّ العالم بالحكم يعيد، و الجاهل به يعيد، و الجاهل بالخصوصيات يعيد على الأحوط، و الناسي مطلقاً حكماً أو موضوعاً يعيد في الوقت دون خارجه، و المتم عن سهو يعيده، و اللّه العالم.

______________________________

(1). كتاب الصلاة: 221.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 362

إكمال

قد يقال إنّ الجاهل بالحكم لو أتم، تصح صلاته، و لا يعيد داخلَ الوقت و خارجه، و لكنّه في الوقت نفسه معاقب، فيطرح هنا سؤالان:

1. انّ العلم بالحكم من الحالات التي لا يمكن أخذها في موضوع الحكم فلا يصح أن يقال: العالم بوجوب القصر يتم، حتى يكون الواجب في حقّ الجاهل هو التمام، و ذلك لأنّ فعلية الحكم تتوقف على وجود الموضوع، و المفروض انّ جزء الموضوع و هو العلم يتوقف على تشريع الحكم أوّلًا حتى يتعلّق به العلم.

و قد أُجيب عنه بوجوه أوضحها ما أفاده المحقّق النائيني و حاصله:

انّ العلم بالحكم لما كان من الانقسامات اللاحقة للحكم فلا يمكن فيه التقييد لاستلزامه الدور، و إذا امتنع التقييد امتنع الإطلاق، لأنّ التقابل بين الإطلاق و التقييد تقابل العدم و الملكة. و من جانب آخر انّ الاهمال الثبوتي لا يعقل، بل لا بدّ إمّا من نتيجة الإطلاق أو نتيجة التقييد، فانّ الملاك إمّا أن يكون محفوظاً في كلتا حالتي العلم و الجهل فلا بدّ من

نتيجة الإطلاق، و إمّا أن يكون محفوظاً في حالة العلم فقط فلا بدّ من نتيجة التقييد، و حيث لم يمكن أن يكون الجعل الأوّلي متكفلًا لبيان ذلك، فلا بد من جعل آخر يستفاد منه نتيجة الإطلاق و التقييد، و هو المصطلح عليه بمتمّم الجعل، فاستكشاف كلّ من نتيجة الإطلاق و التقييد يكون بدليل آخر.

و قد دلت الأدلّة على اشتراك الأحكام في حقّ العالم و الجاهل، كما دلّ الدليل في مورد على اختصاصها بالعالم كما في مورد الجهر و الإخفات و القصر و الإتمام.

«1»

______________________________

(1). الكاظمي: فوائد الأُصول: 3/ 6، ط النجف الأشرف.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 363

و يمكن أن يقال:

إنّ الواجب في حقّ الجاهل أيضاً هو القصر، و لكن إجزاء ما أتى به من الرباعية لأجل اشتماله على الملاك، و على ذلك فالواجب في حقّ العالم و الجاهل واحد. و لذلك لو قصر الجاهل بالحكم من باب الاتفاق صحّت صلاته. فإن قلت:

إنّه نوى امتثال الأمر المتعلق بالتمام دون المتعلق بالمقصورة فيكون من باب ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد. قلت:

إنّ هنا أمراً واحداً، و هو: (أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) و إنّما الاختلاف في المصداق كصلاة القائم و الجالس، فالمتم و المقصّر يقصدان أمراً واحداً. 2. كيف يعاقب، مع أنّه لا تجب عليه الإعادة و لا القضاء، و هل هو أشبه بالأمر الخارج عن الطاعة؟

أقول:

قد تخلص عنه كاشف الغطاء في كشفه و جعل المقام من مصاديق الأمرين المترتبين لا بالمعنى المعروف في مبحث الضد، و حاصله انّ الحكم الواقعي أوّلًا هو القصر، و لو قصر في التعلّم فحكمه الإتمام، و بذلك يصح الجمع بين الصحّة و العقاب. يلاحظ عليه:

أنّه يلزم إذا

ترك الجاهل الصلاة، أصلًا «1» أن يعاقب بعقابين، أحدهما لترك التعلّم، و الآخر لترك صلاة التمام. و الذي يمكن أن يقال انّ الصلاة صحيحة، و لا إعادة و لا قضاء و لم يثبت انّ هنا عقاباً.

توضيحه:

الظاهر من الروايات اشتمال الرباعية على المصلحة التامة القائمة

______________________________

(1). الرسائل: 409408، مبحث الاشتغال، طبعة رحمة اللّه.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 364

بنفس الصلاة المقصورة، و انّهما متساويتان في المصلحة، و إنّما أمر المسافر بالثنائية لأجل مصلحة خارجية و هي مسألة التخفيف.

روى الصدوق باسناده عن الفضل ابن شاذان في حديث العلل التي سمعها من الرضا عليه السَّلام قال: «إنّ الصلاة إنّما قُصّرت في السفر، لأنّ الصلاة المفروضة أوّلًا إنّما هي عشر ركعات، و السبع إنّما زيدت فيها بعد، فخفّف اللّه عزّ و جلّ عن العبد تلك الزيادة، لموضع سفره و تعبِه و نَصَبه، و اشتغاله بأمر نفسه، و ظعْنِه و إقامته، لئلّا يشتغل عمّا لا بدّ له منه من معيشته، رحمة من اللّه عزّ و جلّ و تعطفاً عليه، إلّا صلاة المغرب، فانّها لم تقصّر لأنّها صلاة مقصّرة في الأصل» إلى آخر الحديث. و على ذلك فالصلاة الرباعية لم تكن من حيث المصلحة القائمة بنفس الصلاة بأقل من المصلحة القائمة بالثنائية

«1»، و لكن أمر بالمقصورة لأجل مصلحة خارجية، و هي تخفيف الأمر على المسافر حتى يشتغل بأمر نفسه. إذا وقفت على ذلك فالاشكال يندفع.

أمّا حديث الاكتفاء بالرباعية فلاشتمالها على المصلحة التامة فلا تنقص من المصلحة القائمة بالثنائية لو لم تكن بأزيد منها من حيث هي قائمة بنفس العمل.

أمّا عدم الأمر بالإعادة و إن كان الوقت باقياً، فلأنّه يستلزم نقضَ الغرض، لأنّ المطلوب للشارع هو التخفيف و الأمر

بالإعادة بالإتيان بالمقصورة، بعد الإتيان بالرباعية نقض له.

و أمّا عدم كفاية الرباعية للعالم بالحكم مع اشتمالها على نفس المصلحة التامة القائمة بالثنائية، فلأجل انّ المطلوب للشارع هو تخفيف الأمر للمسافر،

______________________________

(1). الوسائل: ج 3، الباب 24 من أبواب اعداد الفرائض و نوافلها، الحديث 5.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 365

و رفضها و التوجه إلى الرباعية يناقض ذلك المطلوب أوّلًا، و يوجب ردّ هدية الشارع ثانياً، كما في بعض روايات الباب.

«1» و أمّا العقاب بعد الوقوف على الحكم، مع إمكان الإعادة و القضاء فلم نقف على دليل صالح، و إن ادّعي عليه الإجماع و ليس في الروايات منه عين و لا أثر، و الأصل في ذلك صحيحة زرارة و محمد بن مسلم قالا:

قلنا لأبي جعفر عليه السَّلام: رجل صلّى في السفر أربعاً أ يعيد أم لا؟ قال: إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسرت له فصلّى أربعاً أعاد، و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه. «2»

8. حكم العالم و الجاهل في الصوم

اتّفقت الإمامية على أنّ صيام شهر رمضان في السفر حرام، و انّ الافطار عزيمة، و ظاهر الآية يدل على أنّ واجبَ من شهد الشهر، هو الصيام، و واجبَ من لم يشهده، هو صيام أيّام أُخر من أوّل الأمر و لو قيل بالقضاء، فلأجل وجود المقتضي للصيام في حقّ كلّ المكلّفين، و إلّا فبالنظر إلى المانع فالواجب في حقّ غير الشاهد هو صيام العدّة قال سبحانه:

(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ) (البقرة/ 185) (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

(البقرة/ 184). فإن قلت:

إنّ قوله سبحانه في آخر الآية: (وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) دليل على كون الإفطار رخصة. قلت:

إنّه راجع إلى مجموع ما جاء في الآية، فانّه سبحانه ذكر قبل هذه

______________________________

(1). الوسائل: ج 5، الباب 22 من أبواب الصلاة المسافر، الحديث 3، 4، 8، 11.

(2). المصدر نفسه: الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 366

الجملة أُموراً:

1. انّ عناء الصيام قليل، لأنّه ليس إلّا أيّاماً معدودات.

2. انّ المكتوب في حقّ المريض و المسافر، هو الصيام في أيّام أُخر.

3. المفروض على الذين يطيقونه، فدية طعام مسكين.

4. و من تطوّع بزيادة الطعام أو بكلّ خير، فهو خير له.

5. انّ صيامكم خير لكم كما قال: (وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) مشيراً، إلى أهمية الصيام و كونه الركن الثاني بعد الصلاة، و انّه لا يصحّ لمسلم التخطّي عنه بالحجج الواهية.

فقوله:

هذا (وَ أَنْ تَصُومُوا) خطاب للمخاطب الوارد في صدر الآية حيث قال: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) و لا صلة له بالمسافر، لأنّه غير شاهد، و أمّا المريض أو المطيق، فالرجوع إليهما باطل بالاتفاق، و لم يقل أحد انّ صيام المريض، خير من إفطاره، أو صيام الشيخ و الشيخة المطيقين خير من إفطارهما لأنّ المفروض أنَّ صومهما حرجي، و التكليف الحرجي مرفوع بقوله سبحانه: (وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج/ 78). و قد حضرت في مؤتمر فقهي لأهل السنّة حول أحكام السفر، فكان الحاضرون من الأحناف القائلين بصحّة الصوم في السفر و قد أوضحت مفاد الآية.

فلم أسمع منهم شيئاً قابلًا للذكر إلّا التمسك بذيل الآية: (وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) زاعمين انّه راجع إلى خصوص

المسافر و هو كما ترى. و على ذلك فصيام العالم بالحكم باطل بلا شكّ مضافاً إلى الروايات الواردة، إنّما الكلام في الجاهل بالحكم أوّلًا، و الجاهل بالخصوصيات ثانياً، و الجاهل بالموضوع ثالثاً.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 367

أمّا الأوّل:

فيصحّ لصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال: «إن كان لم يبلغه انّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء و قد أجزأ عنه الصوم». «1» و صحيح الحلبي قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: رجل صام في السفر فقال: «إن كان بلغه انّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه». و صحيح

«2» العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «من صام في السفر بجهالة لم يقضه». «3» و مثله صحيح ليث بن البختري المرادي. «4» إنّما الكلام في الجاهل، و هو على أقسام:

1. جاهل بأصل الحكم، 2. جاهل بالخصوصيات، 3. جاهل بالموضوع.

قال في الجواهر:

و لا يبعد إلحاق الصوم بالصلاة كما نصّ عليه في الدروس، إلى أن قال: و يؤيده في الجملة تلازم القصر و الإفطار و الصيام و التمام و انّهما سواء. «5» و قال السيد الطباطبائي:

حكم الصوم فيما ذكر حكم الصلاة فيبطل مع العلم و العمد و يصحّ مع الجهل بأصل الحكم، دون الجهل بالخصوصيات و دون الجهل بالموضوع. أقول:

كان عليه أن يستثنى صورة النسيان لأنّ مقتضى قوله: «حكم الصوم فيما ذكر حكم الصلاة» أن يكون الناسي في باب الصوم

مثل الناسي في مورد الصلاة، مع اختصاص دليل الناسي بباب الصلاة.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث: 3، 5، 6.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث: 3، 5، 6.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث: 3، 5، 6.

(5). الجواهر: 14/ 345.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 368

و على كلّ تقدير فمن قائل باختصاص الاجزاء بالجهل بأصل الحكم، إلى قائل آخر بشمول الحكم لعامة صور الجهل حتى الخصوصيات و الموضوع ذهب إليه السيد الخوئي و بعض آخر.

و أمّا الروايات فعلى أقسام ثلاثة:

1. ما يدلّ على عدم الاجزاء كصحيح معاوية بن عمّار قال: سمعته يقول: «إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه و عليه الإعادة». «1» و نظيره صحيح الفضل، عن الرضا عليه السَّلام. «2»

2. ما يفصِّل بين بلوغ نهي الرسول و عدم بلوغه ففي صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: رجل صام في السفر فقال: إن كان بلغه انّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه. «3» و في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه البصري، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال: «إن كان لم يبلغه انّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء و قد أجزأ عنه الصوم». «4»

3. ما يفصِّل بين الجهالة و

عدمها، ففي صحيح عيص بن القاسم «5» و أبي بصير ليث بن البختري المرادي: «و إن صامه بجهالة لم يقضه». «6»

لا شكّ انّ الصنف الأوّل يخصص أو يقيّد بما في الصنفين الأخيرين، إنّما الكلام في عموميتهما لعامة صور الجهل:

قال السيد الحكيم قدّس سرَّه ما هذا حاصله:

أنّ الصنف الثالث و إن كان يعمّ جميعَ صور الجهل، لكن مخصص بالصنف الثاني الذي هو أخصّ منه، و يدل على المعذورية في صورة الجهل بالحكم فيقدم للأخصية، و لو سلم التساوي و عدم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 4، 3، 2، 5، 6.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 4، 3، 2، 5، 6.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 4، 3، 2، 5، 6.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 4، 3، 2، 5، 6.

(5). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 4، 3، 2، 5، 6.

(6). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 4، 3، 2، 5، 6.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 369

الترجيح في الظهور، فالمرجع إطلاق ما دلّ على بطلان الصوم في السفر.

«1» أقول:

الظاهر انّ المراد من الجهالة ليس مطلق الجهل بل ما ذكره الراغب «من فعل الشي ء بخلاف ما حقّه أن يفعل» «2» و استشهد لقوله: (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ)، و يدل عليه قوله تعالى: (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهٰالَةٍ) (النساء/ 7) و قوله سبحانه: (مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهٰالَةٍ) (الأنعام/ 54)

و قوله تعالى: (لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهٰالَةٍ) (النحل/ 119) فلا يصدق إلّا على ما إذا كان هناك تقصير فيخرج منه الجهل بالموضوع و الجهل بالخصوصيات إذا كان المورد ممّا لا يبتلى به المكلّف غالباً و عليه فيتحد مفاد الصنفين من دون أن يكون بينهما تناف حتى يخصص أحدهما بالآخر. إنّ هنا نكتة مهمة و هي كما انّ للآيات شأن نزول، فهكذا للأحاديث المروية أسبابَ صدور، لو رجع الفقيه إليها لزال الإبهام، فهذه الروايات، مشيرة إلى ما ورد في الباب الأوّل من أبواب ما يصحّ منه الصوم متضافراً و نقتصر بذكر واحدة روى العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال:

إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافراً أفطر، و قال: إنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان و معه الناس و فيهم المشاة، فلما انتهى إلى كراع الغميم «3» دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر و العصر فشربه و أفطر، ثمّ أفطر الناس معه، و تم ناس على صومهم فسماهم العصاة، و إنّما يؤخذ بآخر أمر رسول اللّه. «4» فالمراد من نهي رسول اللّه هو هذا النهي الوارد في سفره إلى فتح مكة فأفطر

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 166.

(2). المفردات: 120.

(3). موضع بناحية الحجاز بين مكة و المدينة و هو واد أمام عسفان بثمانية أميال. معجم البلدان: 4/ 443.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 7.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 370

في «كراع الغميم» فأفطر أكثر الصحابة و صام قليل منهم و سماهم رسول اللّه عصاة، فإذا كان المراد منه هذا النهي، فلا شكّ انّه

مشير إلى الجهل بأصل الحكم، روى زرارة قال:

قلت لأبي عبد اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قوله عزّ و جلّ: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) قال: «ما أبينها من شهد فليصمه، و من سافر فلا يصمه» «1» فالروايات الأربعة من غير فرق بين قوله: إن كان بلغه انّ رسول اللّه نهى عن ذلك، و قوله: «و إن صام بجهالة كلها» مشيرة إلى هذا النهي الوارد في الواقعة الخاصة، و تعم كلّ واقعة مثلها كالعلم بأصل الحكم لا إلى غير مثلها كالجهل بالخصوصيات أو الجهل بالموضوع، إذ لم يرد نهي عن النبي في ذينك الموردين حتى يتعلق به العلم و الجهل. و بذلك يعلم عدم تمامية ما ذكره المحقّق الخوئي، فقال في كلام مسهب حاصله:

انّ نهي النبي عن الصوم في السفر انحلالي كما في سائر النواهي ينحل إلى نواهي عديدة بعدد أفراد الصيام الواقعة في الأسفار فلكل، نهي يخصه مغاير لغيره و من المعلوم انّ هذا الفرد الشخصي الصادر من الجاهل بالخصوصية لم يبلغ نهيُه، فيكون محكوماً بعدم وجوب القضاء بمقتضى صحيح الحلبي و غيره. و مع التنزل و الشكّ في أنّ مرجع الشكّ هل هو الطبيعي أو الصنف الخاص، فغايته إجمال صحيحي عبد الرحمن و الحلبي، و يرجع إلى إطلاق

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 8، و لاحظ روايات الباب.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 371

صحيح العيص الدال على نفي القضاء عن مطلق الجاهل من غير معارض.

«1» يلاحظ عليه:

ما عرفت من أنّ روايات الباب، ناظرة إلى النهي الصادر عن النبي في فتح مكة، و لم يكن النهي فيها إلّا نهياً في واقعة خاصة

غاية الأمر يعم الحكم كلّ واقعة مثلها، لا غيرها، و أمّا ما أفاده أخيراً من أنّ المرجع إطلاق صحيح العيص الدالّ على نفي القضاء عن مطلق الجاهل، فقد عرفت من أنّ لفظ الجهالة، غير لفظ الجهل، و انّ الأوّل يستعمل في المورد الذي من حقّه أن لا يفعل و هو يلازم العمل الصادر عن تقصير و غرور فلا يعم الجهل بالموضوع أولا، و لا الجهل بالخصوصيات التي ليس من شأن المكلّف أن يتعلمها قبل الابتلاء. ثمّ إنّ له قدَّس سرَّه بياناً آخر لشمول الحكم للجهل بالموضوع، و هو لا يخلو من تأمّل و إشكال نتركه للقارئ الكريم.

9. لو قصّر في موضع التمام

كان البحث في السابق مركّزاً على من أتمّ في موضع القصر، و قد عرفت التفصيل و بقي البحث فيمن عكس، و قصّر في موضع التمام، كما ربّما يتّفق للمسافر بعد نيّة الإقامة الموجبة للتمام، فلا شكّ في البطلان إذا كان عالماً، إنّما الإشكال في الجاهل بالحكم أو الموضوع، و المشهور هو البطلان، و إن ذهب ابن سعيد الحلي إلى الصحّة في جامعه قال:

و إن نوى مقام عشرة، و قصّر لجهل فلا إعادة. «2» و هو خيرة صاحب العروة قال:

إذا قصّر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد إلّا في المقيم المقصِّر للجهل بأنّ حكمه التمام. و قال المحقّق الأردبيلي:

و أمّا القصر ممّن وجب عليه التمام ... مع الجهل فلا يبعد الصحّة و كونه عذراً لبعض ما مرّ، و نقله الشارح عن يحيى بن سعيد و يدل عليه صحيحة منصور بن حازم ... إلى أن قال: و احتط مهما أمكن فإنّ الأمر صعب و لا يمكن القول بكلّية شي ء، بل تختلف الأحكام باعتبار الخصوصيات

______________________________

(1). مستند العروة: 8/

375.

(2). ابن سعيد الحلي: الجامع: 93.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 372

و الأحوال و الأزمان، و الأمكنة و الأشخاص، و هو ظاهر، و باستخراج هذه الاختلافات و الانطباق على الجزئيات المأخوذة من الشرع الشريف، امتياز أهل العلم و الفقهاء شكر اللّه سعيهم و رفع درجتهم.

«1» قال المحدّث البحراني:

و يدل عليه ما رواه الشيخ الحر في الصحيح عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام، فأتمّ الصلاة، فإن تركه رجل جاهلًا فليس عليه إعادة». «2» و قد وصفه البحراني بالصحّة، مع أنّ في سنده موسى بن عمر، و هو مردد بين شخصين:

1. موسى بن عمر بن بزيع الثقة الذي هو من الطبقة السادسة. «3»

2. موسى بن عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل، الذي عنونه الشيخ في الفهرست، و النجاشي في الرجال «4» و لم يذكرا في حقّه شيئاً. و هو من الطبقة السابعة. و المراد منه في السند هو الثاني لروايته في المقام عن علي بن النعمان، الذي هو من الطبقة السادسة. نعم يمكن استظهار حسن حاله من بعض القرائن كما ذكره العلّامة المامقاني، و لعلّ المحدّث البحراني لم يميّز بين موسيين، فحكم عليها بالصحّة. و قد سبقه في الوصف المحقّق الأردبيلي قدَّس سرَّه.

و أمّا تصحيح الرواية بكون موسى بن عمر من رواة كامل الزيارات كما عليه المحقّق الخوئي، فقد أوضحنا حاله في كتابنا «كليات في علم الرجال» فراجع.

______________________________

(1). المحقق الأردبيلي: مجمع الفائدة: 3/ 436، و ذيل كلامه جدير بالإمعان، فتدبر.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 3.

(3). البحراني: الحدائق الناضرة: 11/ 436.

(4). النجاشي: الرجال: برقم 1090.

ضياء الناظر

في أحكام صلاة المسافر، ص: 373

إلّا انّ الكلام في إعراض الأصحاب عنها، و وصفها السيد البروجردي بكونها معرضاً عنها، و لكن لم يثبت الإعراض غاية الأمر عدم التعرض للمسألة، فلو كان السند ممّا يعتمد عليه، فما ذهب إليه السيد الطباطبائي هو الأقوى، و من هنا اجترى بعض المحقّقين و قال:

إنّ الظاهر من الأخبار كون الجاهل معذوراً في هذا المقام مطلقاً، أعني: في جميع ما يتعلّق بالقصر و الإتمام في السفر حتى القصر في مواضع التمام، و التمام في بعض مواضع القصر. «1» نعم ليس كلّ من قصّر معذوراً حتى من قصر في صلاة المغرب التي لم يكتب عليها القصر و لا التمام، فما رواه محمد بن إسحاق بن عمّار قال:

سألت أبا الحسن عن امرأة كانت معنا في السفر و كانت تصلّي المغرب ركعتين ذاهبة و جائية قال: «ليس عليها قضاء». «2» و الرواية معرض عنها، و تأويله بما نقله الحرّ عن الشيخ في التهذيب لا يخلو عن بعد، فلاحظ. ثمّ إنّ هنا مسألة أُخرى، كان المناسب التعرض لها هنا و هو لو قصّر المسافر الجاهل بالحكم اتّفاقاً لا عن قصد و هي المسألة الثامنة في العروة الوثقى و سيأتي حكمها في محلّها.

10. إذا لم يصلّ الجاهل بالحكم ثمّ علم

إذا كان جاهلًا بأصل الحكم و لكن لم يصلّ في الوقت، ثمّ علم بوجوب القصر على المسافر، فهل يقضيه قصراً أو يقضيه تماماً.

و مثله ما إذا لم يصلّ ناسي الحكم أو الموضوع ثمّ خرج الوقت فهل يقضيه قصراً أو تماماً؟

______________________________

(1). البحراني: الحدائق: 11/ 436 نقلًا عن بعض المحقّقين.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 7.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 374

لا شكّ انّ مقتضى قاعدة:

«اقض ما

فات كما فات» هو القضاء قصراً، و إنّما احتمل خلافه لأجل انّه لو صلّى تماماً، لكان صحيحاً فيحتمل أن يكون الواجب في حقّه هو التمام فتقضى تماماً. و الظاهر هو القضاء قصراً لما عرفت:

انّ الواجب في حقّ المكلّفين قاطبة هو القصر، و انّ الشارع تقبل التمام مكان القصر، لمصلحة يراها من دون انقلاب التكليف الواقعي في حقّه إلى التمام، لعدم دلالة الأدلّة الماضية خصوصاً رواية الفاضلين عليه، و على ذلك فيختص التقبّل بظرف الجهل فإذا علم بواجبه يرتفع العذر، فيجب عليه القضاء حسب ما فات. و بعبارة أُخرى:

القضاء في الحقيقة توسعة في وقت الفعل بدليل غير دليل الأداء، فهو في الحقيقة كمن علم في الوقت قبل أن يُصلّي و قوله عليه السَّلام: «كما فاتته» يراد منه كيفيات الفعل الّتي قررها الشارع له في الواقع لا بحسب زعم المكلّف. «1» نعم لو بقي على جهله و قضاها تماماً خارج الوقت، لكان للقول بالصحّة وجه، لإطلاق رواية الفاضلين و غيرهما و انّ الجهل ما دام موجوداً فهو عذر في حقّه.

و منه يعلم حكم الناسي فلو ارتفع النسيان قبل القضاء فيقضي قصراً، و إلّا فيكفي قضاؤها تماماً جرياً على النسيان.

11. إذا تذكّر الناسي في أثناء الصلاة

قد ذكر السيد الطباطبائي في هذه المسألة فروعاً لا بأس بالإشارة إليها ثمّ بيان حكمها:

______________________________

(1). الجواهر: 14/ 352، وجه التأمل احتمال كون الفريضة عليه في نفس الأمر هو التمام فلا وجه لقوله: «بحسب زعم المكلف».

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 375

1. إذا تذكّر الناسي للسفر أو لحكمه في أثناء الصلاة و كان التذكر قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، أتم الصلاة قصراً.

2. إذا تذكّر بعد الدخول بطلتْ و وجبت عليه الإعادة مع سعة الوقت و لو

بإدراك ركعة.

3. إذا تذكّر بعد الصلاة تماماً و قد بقي من الوقت مقدار ركعة، فتجب إعادتها قصراً.

4. إذا شرع الجاهل بالموضوع أو بالخصوصية بنيّة التمام، ثمّ علم بذلك في الأثناء أنّ حكمه القصر، فحكمه في جميع الصور حكم الناسي.

5. من كان وظيفته التمام إذا شرع في الصلاة بنيّة القصر جهلًا كما هو الحال في المقيم الجاهل ثمّ تذكّر في الأثناء، يعدل إلى التمام و لا يضرّه انّه نوى من الأوّل ركعتين مع أنّ الواجب عليه أربع ركعات، لأنّه من باب الاشتباه في التطبيق و المصداق لا التقييد.

هذه هي الفروع المذكورة في هذه المسألة و لنأخذ كلّ واحد بالبحث.

أمّا الأوّل:

أي تذكّر قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، أي في مورد يمكن العود إلى القصر لعدم فوت محلّ العدول، فوجوب إتمامها قصراً بهدم القيام، يتوقف على ثبوت أمرين: أ.

انّ عنوان التمامية و القصرية ليس من العناوين القصدية، فلو نوى التمام مكان القصر فلا يضرّ تخلف قصد العنوان، و ذلك لعدم الدليل على ذلك و إنّما الواجب نيّة فرض الوقت من الصلاة، و قد صرح به الشيخ في الخلاف و قال: القصر لا يحتاج إلى نيّة القصر، بل تكفي نيّة فرض الوقت. و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي: لا يجوز القصر إلّا بثلاثة شروط: أن يكون سفراً تقصِّر فيه الصلاة، و أن ينوي القصر مع الإحرام، و أن تكون الصلاة أداء لا قضاء، فإن لم ينو القصر

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 376

مع الإحرام لم يجز له القصر.

قال المزني: إن نوى القصرَ قبل السلام جاز له القصر. دليلنا: انّه قد ثبت بما دللنا عليه انّ فرضه التقصير، و إذا ثبت ذلك لم يحتج

إلى نيّة القصر، و يكفي أن ينوي فرض الوقت، فإن فرض الوقت لا يكون إلّا مقصوراً، و أيضاً: الأصل براءة الذمّة فمن أوجب عليها هذه النية فعليه الدلالة «1». و كفانا الشيخ في إقامة الدليل على عدم وجوب نيّة القصر، و حاصله:

أنّ واجبه هو مصداق القصر و واقعه لا عنوانه، و يكفي في قصد الواقع، قصد فرض الوقت فهو عنوان مشير إلى القصر بالحمل الشائع. ب.

مشكلة قصد الأمر المخالف: إذ هو قصد الأمر المتعلّق بالتمام و لم يقصد الأمر المتعلّق بالقصر، فما قصد لم يكن واجباً و ما وجب لم يقصده. و حلّها بما عرفت، من أنّ هنا أمراً واحداً متعلّقاً بصلاة الظهر مثلًا، و إنّما الاختلاف في المصداق كاختلاف الصحيح و المريض فيه، فالمكلّف حاضراً كان أو مسافراً، صحيحاً كان أم مريضاً يقصد الأمر الواحد المتعلّق بفرض الوقت من الظهر و العصر، و إنّما الاختلاف في المصداق المحقِّق لها، فالواجب على الحاضر، الإتيان بها في ضمن الفرد التام، و الواجب على المسافر الإتيان بها في ضمن الفرد المقصور.

نعم الأمر الثاني أمر إرشادي لا مولوي، لبيان الفرد المطلوب من المكلّف في هذه الحالة، و على ذلك فالأمر المقصود لكلّ من الصنفين أمر واحد، غير أنّ الاختلاف في المصداق و المحقّق للطبيعة و قد عُيّن المصداق بأمر إرشاديّ، فقد فرض على الحاضر امتثال الأمر المتعلّق بفرض الوقت في ضمن الفرد التام كما فرض على المسافر امتثال نفس ذلك الأمر في ضمن الفرد القصير. و بذلك يظهر مقصود السيد الطباطبائي من قوله:

«إنّه لا يضر كونه ناوياً من الأوّل التمام، لأنّه من باب الداعي و الاشتباه في المصداق لا التقييد، فيكفي

______________________________

(1). الطوسي: الخلاف، كتاب الصلاة، المسألة 335.

ضياء

الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 377

قصد الصلاة و القربة بها».

و حاصله:

أوّلًا: أنّ نيّة القصر ليست بواجبة، فلا تكون نيّة التمام مُخلّة. و ثانياً:

أنّ نيّة التمام عنوان مشير إلى قصد الأمر المتعلّق بفرض الوقت وداع إلى التوجه إليه. بتصور انّه يجب امتثاله في ضمن الفرد التام مع كونه تصوراً خاطئاً. و ثالثاً:

انّ نية التمام ليس تقييداً في مقام الامتثال بأن ينوي انّه إنّما يمتثل الأمر المتعلّق بفرض الوقت، إذا أمكن امتثاله في ضمن الفرد التمام و إلّا، فليس قاصداً لامتثاله. ثمّ إنّ للسيد المحقّق الحكيم رضوان اللّه تعالى عليه عبارة لا تخلو من تأمّل قال:

إنّ الحاضر و المسافر يأتيان بفعل واحد ممتثلين أمراً واحداً، غير انّ الحاضر يقصد امتثال ذلك الأمر في ضمن امتثاله للأمر المنبسط على الركعات الأربع، و المسافر يقصد «1» الأمر المتعلق بالركعتين مستقلًا بلا ضمّ امتثال الآخر إليه، بل يقصد امتثال الأمر بهما بقيد عدم زيادة عليهما. «2» و لا يخفى ما فيه مضافاً إلى الغموض في التعبير أنّ الأمر الثاني، ليس أمراً مولوياً بل إرشادي، أي انّ فرد الطبيعة المطلوب منه في هذه الحالة هو ذاك الفرد، دون الفرد الآخر فليس للأمر الثاني امتثال، حتى يكون له امتثال في ضمن امتثال الأمر الأوّل كما هو ظاهر كلامه.

أمّا الثاني:

إذا تذكر بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة، فقد قال السيد: «بطلت صلاته و وجبت عليه الإعادة مع سعة الوقت و لو بإدراك ركعة». و ذلك

______________________________

(1). لعلّ الصحيح لا يقصد.

(2). المستمسك: 8/ 169.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 378

لأنّه تذكر و الوقت باق و لو بعناية إذا تذكر

«1» و قد بقي من الوقت ركعة فيدخل تحت قوله: «من

أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت جميعاً» و هذا النص و إن لم يرد في موسوعاتنا الروائية لكن نقله المحقّق في المعتبر و يؤيّده سائر روايات الباب من أدرك ركعة من الصلاة، أو من العصر .... إنّما الكلام إذا تذكر و قد ضاق الوقت فهل يتمّه

«2» اتماماً و يجتزأ به أو يُحْكَم ببطلانها و يقضيها؟ وجهان من أنّ قوله: «إن ذكر في ذلك اليوم فليعد» «3» كناية عن إمكان الإتيان بها في الوقت و المفروض عدمه فيدخل في الشّق الثاني: «و إن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه» و من انّ ما دلّ على الصحّة مختص بما لو ذكر و فرغ من الصلاة المفروض انّه بعدُ فيها. و الأقوى هو الثاني لما ذكر في الوجه الثاني من انّ مورد الرواية فيما لو تذكر و قد فرغ من الصلاة، فتكون الزيادة سهوية مغتفرة، و أمّا المقام فقد تذكر و هو في ركوع الركعة الرابعة

«4» فإنّ اتمامها تعدّ زيادة عمدية و لا دليل على كونها مغتفرة فلا محيص عن القول بالبطلان و القضاء. و أمّا الثالث:

أي إذا تذكر بعد الصلاة تماماً و قد بقي من الوقت ركعة فيجب إعادتها قصراً، لدخول المورد في الشقّ الأوّل من رواية أبي بصير: «إن ذكر في ذلك اليوم فليعد» بناء على أنّ اليوم كناية عن بقاء الوقت كما في الظهرين. أمّا الرابع:

أي إذا شرع الجاهل بالموضوع أو بالخصوصية بنيّة التمام ثمّ علم بذلك انّ حكمه القصر، فحكمه في جميع الصور حكم الناسي، و ذلك لأنّ الجاهل

______________________________

(1). المعتبر: الطبعة الأُولى 139، و الحديثة 2/ 47: قال في من أدرك ركعة من آخر الوقت انّه مؤد

لا قاض لقوله عليه السَّلام: من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت.

(2). الوسائل: الجزء 3، الباب 30 من أبواب المواقيت.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

(4). لأنّ المفروض عدم بقاء الوقت و لو بإدراك ركعة فلا بدّ من تغيير الفرض إلى ما في المتن.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 379

يفترق عن الناسي في نفس الوقت إذا أتم، فلا يعيد الجاهل بخلاف الناسي، و أمّا إذا صار عالماً في الأثناء فهو مثل ما إذا تذكر فيه الناسي، فتجري فيه الصور المذكورة مع ما فيها من النقض و الإبرام.

و أمّا الخامس:

أي من كان وظيفته التمام إذا شرع في الصلاة بنيّة القصر جهلًا كما هو الحال في المقيم الجاهل ثمّ تذكر في الأثناء فهو يعدل إلى التمام في جميع الحالات، و يشترك الفرع مع الفرع الأوّل في الإشكال و الدفاع، لما عرفت من أنّ التمام و القصر ليسا من العناوين القصدية و لا تضره نيّة القصر مع كون المفروض عليه واقع التمام، إلى آخر ما ذكرناه.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1418 ه ق ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر؛ ص: 379

12. لو قصّر المسافر اتّفاقاً لا عن قصد

ذكر السيد الطباطبائي صورتين للمسألة:

1. لو قصّر المسافر اتّفاقاً لا عن قصد (مع العلم بالحكم و الموضوع).

2. لو كان جاهلًا بأنّ وظيفته القصر فنوى التمام لكنّه قصّر سهواً.

و لكن الظاهر من الشيخ و المحقّق انّ محلّ البحث هو الصورة الثانية قال الأوّل:

إذا قصّر المسافر مع الجهل بجواز التقصير بطلت صلاته لأنّه صلّى صلاة يعتقد أنّها باطلة. «1» و قال المحقّق:

و لو قصّر المسافر

اتّفاقاً لم تصح، و حمله في الجواهر «2» على صورة الجهل حيث استدلّ للبطلان بما استدل به الشيخ كما سيوافيك. و ذكر السيّد العاملي صوراً ثلاث للمسألة

«3» و ذكر نظيرها السيد المحقّق

______________________________

(1). الطوسي: المبسوط: 1/ 139.

(2). الجواهر: 14/ 350.

(3). العاملي: مفتاح الكرامة: 3/ 604.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 380

الخوئي في مستنده

«1» و إليك بيانها: 1. إذا شرع في الصلاة و لم يكن ملتفتاً إلى شي ء من التمام و القصر، كما لو اقتدى المسافر بإمام في ركعته الثالثة و سلّم بتبعته في الرابع و التفت بعد السلام.

2. إذا شرع في الصلاة بنيّة التمام و قد نسي الموضوع أو حكم صلاة المسافر فسلّم على الركعتين اتّفاقاً.

3. إذا شرع في الصلاة بنيّة التمام جهلًا بالموضوع أو بالحكم و لكنّه قصّر سهواً.

و لندرس حكم صورة الجهل و يعلم منها حكم الصورتين الأُوليين إذ لو صحّت الصلاة في صورة الجهل، تكون الصحّة فيهما أولى، و لأجل ذلك جعل السيد الطباطبائي الاحتياط في صورة الجهل آكد من غيرها.

نقول:

قد تقدم انّ الأمر المتعلّق بفريضة الوقت، واحد في حقّ الحاضر و المسافر و الكلّ مخاطبون بقوله سبحانه: (أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ) (الأسراء/ 78) و إنّما الاختلاف في الأمر الإرشادي إلى ايجاد الكلي في ضمن فرد خاص و يشير إلى وحدة الأمر قوله سبحانه: (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ) (النساء/ 101) فكأنَّ صلاة المسافر، نفس صلاة الحاضر إلّا أنّها مقصورة و مقطوعة من الآخر. فإذا كان كذلك فقصد التقرب حاصل، بلا كلام و نيّة التمام ليست مخلّة، إذ ليست هي و القصر من العناوين القصدية حتى يُخِلَّ قصدُ الضد، و إنّما هي مشيرة إلى ما هو

الواجب في وقت الفريضة، خاطئاً في التطبيق، مع القصد الجدي إلى إفراغ الذمة ممّا هو الواجب عليه بلا كلام، و قد مرّ توضيح كلّ ذلك.

______________________________

(1). مستند العروة: 8/ 388.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 381

نعم المشهور هو البطلان، و قد نقله في مفتاح الكرامة عن الشرائع و التحرير، و الهلالية و غاية المراد و غيرها

«1» و بما انّ المسألة ليست من الفقه المنصوص بل من الفقه المستنبط، فلا أثر لفتوى المشهور أبداً. و قد استدل صاحب الجواهر على البطلان بوجوه أربعة:

1. انّه صلّى صلاة يعتقد فسادها و أنّها غير المأمور به.

2. لم يكن الصلاة المقصورة، مقصودة بحال.

3. لم يقصد التقرب.

4. انّ ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد. «2»

و الجميع منظور فيه:

أمّا الأوّل:

أي قوله: «صلّى صلاة يعتقد فسادها و انّها غير المأمور به»، فإنّما يضر إذا صلّى مع هذا الاعتقاد و المفروض انّه قصّر غافلًا عن هذه العقيدة، فلا تكون مخلة. أمّا الثاني:

فيلاحظ عليه بما مرّ من وحدة الأمر فهو قصد الأمر المتعلّق بفريضة الوقت و هو كاف في حصول القربة. و به تظهر الإجابة عن الثالث من انّه لم يقصد التقرب.

و أمّا ما أفاده من أنّ ما قصده لم يقع و ما وقع لم يقصد، فإن أراد به عنوان التمامية فهو حقّ، و قد عرفت انّه ليس من العناوين القصدية، و أراد الأمر المتعلق بفريضة الوقت فقد قصده و وقع.

و بما ذكرنا يظهر وجه قول السيد الطباطبائي من أنّ الاحتياط بالإعادة في

______________________________

(1). مفتاح الكرامة: 3/ 604.

(2). الجواهر: 14/ 350.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 382

صورة الجهل آكد و أشدّ، من الصورة الأُولى أي ما قصّر اتّفاقاً

لا عن قصد.

و ذلك لأنّه في صورة الجهل قصد الخصوصية

(التمامية) المغايرة لما هو الواقع بخلاف الأُولى فقد قصد نفس الأمر بلا خصوصية. نعم تشترك صورة النسيان مع صورة الجهل، في نيّة الخصوصية المغايرة. و يحتمل أن يكون وجه الآكدية احتمال انقلاب الواجب في حقّ الجاهل إلى التمام، مع أنّه أتى بخلافه و قد عرفت ضعفه و انّ الثابت، إجزاء التمام عن الواجب، لا انقلابه إليه.

13. من كان في بعض الوقت حاضراً

اشارة

إذا كان في بعض الوقت حاضراً، و في البعض الآخر مسافراً، كما إذا كان في أوّل الوقت حاضراً و لم يصلّ و صار في آخر الوقت مسافراً، أو كان أوّل الوقت مسافراً و لم يصلّ و صار في آخره حاضراً، فهل الملاك في التمام و القصر، حال تعلّق الوجوب فيُتمّ في الأوّل و يقصّر في الثاني، أو حال الأداء فينعكس.

و لو افترضنا انّه لم يصل في تمام الوقت مع كون الحال كذلك، فهل الملاك في القضاء هو مراعاة حال الوقت، أو وقت تعلّق الوجوب، أو مخير بين التمام و القصر؟

فيقع الكلام في صور ثلاث
الصورة الأُولى: فيما إذا كان أوّل الوقت حاضراً و آخره مسافراً
اشارة

و المسألة من الفقه المنصوص و قد تضاربت فيها الأقوال و اختلفت النصوص بادئ بدء، فلنذكر الآراء قبل النصوص و هي أربعة:

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 383

1. لزوم رعاية حال الأداء و الامتثال. و هو خيرة علي بن بابويه «1» و المفيد في المقنعة، و السيد المرتضى في المصباح «2»، و الشيخ في التهذيب، و ابن إدريس، و نقله الشيخ في الخلاف عن الشافعي.

2. لزوم رعاية حال تعلّق الوجوب. و هو خيرة الصدوق في المقنع و ابن أبي عقيل. «3»

3. التخيير بين الأمرين. و هو خيرة الشيخ في الخلاف.

4. أو حال الوجوب، ما دام الوقت باقياً و إلّا فيقصر. و هو مختاره في النهاية و المبسوط و نقله العلّامة عن ابن البراج. «4»

إذا وقفت على الأقوال فلنذكر قسماً من عباراتهم:

1. قال الصدوق: و إذا خرج من مصره بعد دخول الوقت فعليه التمام. «5»

2. قال المفيد: و إذا دخل وقت صلاة على الحاضر فلم يصلِّها حتى صار مسافراً و كان الوقت باقياً صلّاها على التقصير. «6»

3. قال الشيخ: فإن خرج من منزله و

قد دخل الوقت وجب عليه التمام إذا كان قد بقي من الوقت مقدار ما يصلي فيه التمام، فإن تضيّق الوقت قصّر و لم يتمم. «7»

______________________________

(1). نقله العلّامة في المختلف عنه لاحظ: 2/ 541.

(2). نقله ابن إدريس عنه في السرائر لاحظ: 1/ 235، و سيوافيك نصوص الباقين.

(3). نقله العلّامة عنه في المختلف: 2/ 541.

(4). لاحظ المختلف: 2/ 541.

(5). الصدوق: المقنع: 125.

(6). المفيد: المقنعة: 211.

(7). الطوسي: النهاية: 123.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 384

4. و قال أيضاً: فإن خرج من منزله و قد دخل الوقت وجب عليه التمام إذا بقي من الوقت مقدار ما يصلي فيه على التمام، فإن تضيق الوقت قصر و لم يتمم. «1» هذا هو القول الأوّل للشيخ.

5. و قال في الخلاف: إذا خرج إلى السفر و قد دخل الوقت إلّا انّه مضى مقدار ما يصلي فيه أربع ركعات جاز له القصر و يستحب له الإتمام.

و قال الشافعي:

إن سافر بعد دخول الوقت فإن كان مضى مقدار ما يمكنه أن يصلّي فيه أربعة كان له التقصير قال: هذا قولنا و قول الجماعة إلّا المُزنَي فإنّه قال: عليه الإتمام و لا يجوز له التقصير. «2» و هذا هو القول الثاني للشيخ، فقد أفتى بالتخيير مع كون الإتمام مستحباً.

و يظهر من الشيخ في التهذيب قول ثالث و هو كون المعيار زمان الأداء نقله عنه ابن إدريس في السرائر و اختاره و إليك نصّه:

6. قال ابن إدريس: الروايات مختلفة فيمن دخل عليه وقت صلاة و هو حاضر فسافر، أو دخل عليه الوقت و هو مسافر فحضر، و الأظهر بين محصلي أصحابنا انّه يصلّي حسب حال الأداء فيتم الحاضر و يقصر المسافر ما دام في وقت من

الصلاة، و إن كان أخيراً، فإن خرج الوقت لم يجز إلّا قضاؤها بحسب حاله عند دخول أوّل وقتها.

ثمّ ذكر ابن إدريس عبارة الشيخ في النهاية و ردّ عليه بأنّه ممّا لم يذهب إليه أحد و لم يقل به فقيه، و لا مصنف ذكره في كتابه لا منّا و لا من مخالفينا، ثمّ ذكر ما نقلناه عن الخلاف من التخيير و كون الإتمام مستحبّاً و ردّ عليه ثمّ قال:

و الصحيح ما ذهبنا إليه أوّلًا و اخترناه لأنّه موافق للأدلّة، و أُصول المذهب و عليه الإجماع، و هو

______________________________

(1). الطوسي: المبسوط: 1/ 141.

(2). الطوسي: الخلاف: صلاة المسافر، برقم 332.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 385

مذهب السيد المرتضى، ذكره في مصباحه، و الشيخ المفيد و غيرهما من أصحابنا و مذهب شيخنا في تهذيبه فانّه حقّق القول في ذلك، و بالغ فيه، و رجع عمّا ذكره في نهايته و مسائل خلافه في تهذيب الأحكام في باب أحكام فوائت الصلاة.

«1» 7. قال ابن سعيد: و إذا دخل الوقت حاضراً ثمّ سافر و هو باق قصّر. «2»

8. و قال المحقّق: و إذ دخل الوقت و هو حاضر ثمّ سافر و الوقت باق، فالتقصير أشبه.

9. و قال السيد الطباطبائي: إذا دخل عليه الوقت و هو حاضر متمكن من الصلاة و لم يصلِّ ثمّ سافر وجب عليه القصر.

10. و قال سيد مشايخنا البروجردي بالجمع في تعليقته على العروة. لكنّه عدل عنه في درسه الشريف.

و قد وردت الرواية على وفق القولين الأوّلين و سيوافيك نصوصهما.

إذا عرفت ذلك فلنذكر مقتضى القاعدة قبل سرد الروايات.

ما هو مقتضى القاعدة في المقام؟

لا شكّ انّ قوله سبحانه:

(أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) يخاطب كلًا من الحاضر و المسافر بما تقتضي حاله من الإتمام

و التقصير في الجزء الأوّل من الوقت على وجه يتمكن من إقامة الفريضة. إنّما الكلام في أنّه مختص بالجزء الأوّل غاية الأمر يدوم التكليف الثابت فيه إلى آخر الوقت و إن تغيرت حاله، أو انّه في كلّ جزء مخاطب بما هو مقتضى حاله فيتغير التكليف حسب توالي الحالات، فهو

______________________________

(1). السرائر: 1/ 334، لاحظ التهذيب، الجزء 1، الباب 10 من أحكام قراءة الصلاة، الحديث 14.

(2). ابن سعيد الحلي: الجامع: 93.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 386

في كلّ جزء مخاطب و مكلّف بإيجاد الطبيعة حسب حاله و ظرفه.

فعلى الأوّل يكون المعيار هو حال تعلّق الوجوب، بخلاف الثاني إذ يكون المعيار عندئذ زمان الامتثال. و مقتضى إطلاق الدليل هو الثاني و عدم اختصاص الخطاب بالجزء الأوّل و إن شئت قلت:

قوله: «قصر» مطلق يعم ما لو كان أوّل الوقت، حاضراً، كما انّ قوله: «اتمم» مطلق يعم ما لو كان أوّل الوقت مسافراً، و معنى الإطلاقين، انّه يتبع في امتثال التكليف ظروفه و حالاته التي يريد التأدية فيها. «1» هذا هو مقتضى القاعدة إنّما الكلام في الأدلّة الواردة في المقام مع قطع النظر عنه، و مجموع ما ورد في المقام لا تتجاوز عن تسع روايات أربعة منها، صريحة في القول المشهور، و إليك دراستها:

1. صحيحة إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أُصلّي حتى أدخل أهلي، فقال: «صلّ و أتم الصلاة» قلت: فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي أُريد السفر فلا أُصلّي حتى أخرج، فقال: «فصلّ و قصّر، فإن لم تفعل، فقد خالفت و اللّه رسول اللّه». «2» و الرواية متعرضة لحكم كلتا

الصورتين، و الظاهر انّ الذيل «فإن لم تفعل فقد خالفت رسول اللّه» راجع إلى أصل الإتمام في السفر كما هو مورد الشقّ الثاني فانّه من مصاديق الإتمام في السفر الذي قصّر فيه الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و وصف المخالف بالعاصي كما مرّ.

2. صحيح محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: الرجل يريد السفر

______________________________

(1). التقرير للسيد المحقّق البروجردي حسب تحريري من دروسه الشريفة.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 387

فيخرج حين تزول الشمس، فقال:

«إذا خرجت فصلّ ركعتين». «1» 3. صحيح محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة فقال: «إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتم ...». «2» لكن لو قلنا بعدم الفصل بين الصورتين تكون من روايات المسألة و سيوافيك نقلها أيضاً في المقام الثاني.

4. خبر الحسن بن علي الوشاء قال: سمعت الرضا عليه السَّلام يقول: «إذا زالت الشمس و أنت في المصر و أنت تريد السفر، فأتم، فإذا خرجت بعد الزوال قصّر العصر» «3» و ليس بين الفقرتين تعارض، لأنّ الأُولى ناظرة إلى ما إذا أراد السفر و هو بعدُ لم يخرج فيُتمّ الصلاة فيه، و الغرض ردع توهم انّ مجرّد قصد السفر يوجب القصر، و الفقرة الثانية هي المطلوبة في المقام بناء على ما هو المقرّر من أنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان، فقد خرج عن المصر و قد دخل وقت العصر.

5. ما في الفقه الرضوي: «و إن خرجت من منزلك، و قد دخل عليك وقت الصلاة، و لم تصل حتى

خرجت، فعليك التقصير، و إن دخل عليك وقت الصلاة و أنت في السفر، و لم تصلّ حتى تدخل أهلك، فعليك التمام». «4»

و الفقه الرضوي تأليف فقيه عارف بالأخبار، مطلقها و مقيدها، عامّها و خاصّها، فيأتي بالحكم بعد اعمال الاجتهاد كما هو واضح لمن طالعه.

هذه مجموع ما ورد في المقام ممّا يدل على أنّ الميزان، هو وقت الامتثال فيما إذا خرج من بيته و قد زالت الشمس و لم يصل، و هي من التصريح بمكان خصوصاً

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 8.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 8.

(3). الوسائل: ج 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 12. و في سنده الحسين بن محمد بن عامر الأشعري، لم يوثق، و معلى بن محمد، و هو أيضاً مثله.

(4). المستدرك: الجزء 6، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 388

رواية إسماعيل بن جابر.

*** و اعلم انّ لمحمد بن مسلم روايات أربع، اثنتان منها تدلان على القول المشهور و قد مرّتا و اثنتان منها ما يستظهر منها خلاف المشهور، و لا بدّ من دراسة الروايات المخالفة، و المهم منها الثانية و الرابعة لمحمد بن مسلم.

من الباب 1. 21. صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن الرجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق، فقال: «يصلي ركعتين، و إن خرج إلى سفره و قد دخل وقت «1» الصلاة فليصلّ أربعاً».

يلاحظ عليه:

أنّه غير ظاهر في المقصود لو لم يكن ظاهراً في خلافه، أمّا الشقّ الأوّل فهو و

إن كان راجعاً إلى المقام الثاني و لكن قوله: «يصلّي ركعتين» بعد قوله: «و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق» ظاهر إلى انّه يصلّي ركعتين في الطريق و إن قرب المصر إفهاماً بأنّ القرب من الوطن، ليس موضوعاً للحكم بالتمام، و بذلك يعلم معنى الشقّ الثاني الذي ورد في حكم هذه الصورة و مفاده انّ الاستعداد للسفر أو المشي نحو حدّ الترخص لا يكون مجوزاً للتقصير، و كأنّه يقول: «و دخل وقت الصلاة و هو في البلد» و يعلم وجه هذا التقدير بالقياس إلى الشقّ الأوّل. 2. صحيحه الآخر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن رجل يدخل مكة من سفره و قد دخل وقت الصلاة؟ قال: «يصلّي ركعتين، و إن خرج إلى سفر و قد دخل وقت الصلاة، فليصلّ أربعاً». «2»

يلاحظ عليه:

أنّه يعبّر عن الدخول في مكة بصيغة المضارع و يقول: «يدخل

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5 و 11.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5 و 11.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 389

مكة» و يعبِّر عن دخول الوقت بصيغة الماضي، و هذا قرينة على المراد من الشقّ الأوّل هو القرب من مكة و هو في الطريق، و لذلك قال:

«يصلّي ركعتين» و به يعلم حال الشقّ الثاني الذي هو المطلوب في المقام، و كأنّه بالقياس إلى الشق الأوّل يقول: «و إن يخرج إلى سفره ...». أضف إلى ذلك لو افترضنا عدم ظهور الروايتين فيما حملناهما عليه لكن ما نقلنا عن محمد بن مسلم من الرواية الثانية دليل على القول الأوّل، كاف في رفع الإجمال، أعني:

ما رواه عن أبي

عبد اللّه عليه السَّلام في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال: «إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتم، و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ و ليقصر». «1» و هذه إذا انضمت إلى الروايتين ترفع الإجمال و انّ الأمر بالقصر لأجل إقامة الصلاة في الطريق لغاية ضيق الوقت، و الأمر بالتمام لأجل إقامة الصلاة بعد الدخول في البلد لغاية سعة الوقت.

هذا و من المعلوم انّ محمد بن مسلم لم يسأل الإمام عن المسألة، أربع مرات، و إنّما سأله مرّة واحده، و أجاب الإمام بوضوح، و إنّما طرأ الإجمال من جانب الرواة.

3. خبر بشير النبال قال: خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السَّلام حتى أتينا الشجرة، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السَّلام: «يا نبال» قلت: لبيك، قال: «إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعاً غيري و غيرك، و ذلك انّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج». «2»

و بشير، أخو «شجرة»، لم يرد فيه توثيق، و هو قليل الرواية، و قد ذكر سيدنا

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 10.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 390

المحقّق البروجردي انّه له في الكتب الأربعة روايات ثلاث، فلا يعادل رواية إسماعيل الفقيه، و يحتمل أن يكون المراد وجوب الأربعة للإتيان بها في المحل قبل الخروج من المحل، دفعاً لما تتوهم من انّ قصد السفر، يجوز التقصير و إن لم يخرج، و لذلك قال في الوسائل:

«ليس فيه أنّهما صلّيا بعد الخروج و يحتمل كونهما صلّيا في المدينة». 4.

ما رواه ابن إدريس في «مستطرفات السرائر» نقلًا عن كتاب جميل بن دراج، عن زرارة، عن أحدهما عليهما السَّلام و هو مركّب من فقرات ثلاث:

أ.

انّه قال في رجل مسافر نسى الظهر و العصر في السفر حتى دخل أهله قال: «يصلّي أربع ركعات». ب.

و قال لمن نسي صلاة الظهر و العصر و هو مقيم حتى يخرج قال: «يصلّي أربع ركعات في سفره». ج.

و قال: إذا دخل على الرجل وقت صلاة و هو مقيم ثمّ سافر صلّى تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه و هو مقيم أربع ركعات في سفره. «1» و الفقرة الثالثة صريحة في أنّ المناط هو وقت تعلّق الوجوب على وجه غير قابل للتأويل.

و أمّا الفقرتان الأُوليان، فهما راجعتان إلى الفرع الثالث أي قضاء ما فات في السفر، و سيوافيك الكلام فيه. إنّما الكلام في اعتبار ما وصل إلى ابن إدريس من كتاب جميل، و الظاهر انّه نقله بالوجادة من دون أن يقرأ النسخة على أُستاذه و هو على أُستاذه حتى يكون أثراً معتبراً.

5. ما رواه في البحار و المستدرك عن كتاب محمد بن المثنى الحضرمي، عن

______________________________

(1). السرائر: 3/ 568. و رواه العاملي في الوسائل بصورة روايتين مع أنّهما رواية واحدة. راجع الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 13 و 14.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 391

جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي، قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام:

إن خرج الرجل مسافراً و قد دخل وقت الصلاة كم يصلّي؟ قال: «أربعاً»، قال: قلت: و إن دخل وقت الصلاة و هو في السفر؟ قال: «يصلّي ركعتين قبل أن يدخل أهله، فإن دخل المصر فليصلّ أربعاً». «1»

و الحديث يفصل بين الذاهب إلى السفر، فالمناط وقت التعلّق و لذلك قال:

يصلّي أربعاً؛ و بين الآيب منه، فالمناط وقت الأداء و لذلك قال: «فيصلّي أربعاً إذا دخل». و يمكن حمل الفقرة الأُولى بالإتيان بالصلاة قبل حدّ الترخص و إن كان خلاف الظاهر و بما انّ الرواية منقولة عن طريق الوجادة، فلا عبرة بها في مقابل المرويات عن الكتب الأربعة التي لم تزل الدراسة و القراءة فيها دارجة بين المشايخ.

6. رواية معاوية بن عمّار و هي مضطربة جدّاً. «2»

إلى هنا تبيّن انّ الأربعة الأخيرة ابتداء من خبر بشار، و انتهاء إلى مضطربة عمّار، ممّا لا يصحّ الاستناد إليه من حيث السند لكونه امّا خبراً وارداً في واقعة خاصة أو مرويّاً في كتب تصلح للتأييد لا للاحتجاج.

و القابل للاحتجاج هو صحيحا محمد بن مسلم و قد روى عن الإمام رواية واحدة ثمّ تسرب الاختلاف إلى مضمونه، من جانب الرواة عنه مع إمكان حملهما على ما لا ينافي الصنف الأوّل. و بذلك تبيّن وجه القول و انّ دليل القول بأنّ المناط هو زمان تعلّق الوجوب لا يعادل دليل القول بأنّ المعيار هو زمان الامتثال.

______________________________

(1). المستدرك: الجزء 6، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 3، الباب 23 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 1.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 392

دراسة سائر الأقوال

إذا عرفت مدارك القولين بقي الكلام في دراسة سائر الأقوال:

منها:

ما يظهر من الشيخ من التخيير بين القصر و الإتمام. إذا مضى وقت يتمكن فيه من الإتيان بصلاة تامّة، مع كون الإتمام أفضل. و قد استدل الشيخ على مدعاه بصحيح ابن جابر الدالّ على تعين القصر و خبر بشير النبال الدالّ على تعيّن التمام،

بحمل الأوّل على الاجزاء و الآخر على الاستحباب.

يلاحظ عليه:

بأنّه لا يصح حمل صحيح ابن جابر على الإجزاء دون التعيّن، لقوله: «صلّ و قصّر فإن لم تفعل فقد و اللّه خالفت رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم» و هل يمكن حمل مثل هذا الكلام على الإجزاء مع كون الندب في خلافه، و المفروض فيه هو مضي مقدار من الوقت يتمكن فيه من إقامة الصلاة لقول جابر: «فلا أُصلّي حتى أخرج» و معناه انّه كان متمكناً من الصلاة و لم يصلّ و خرج و عندئذ كيف يكون مخيراً، و يكون الإتمام مستحباً. و قال السيد العاملي: الخلاف في المسألة مقصور على ما إذا مضى وقت الصلاة كاملة الشرائط كما هو مفروض في عبارات جماعة، و بذلك صرح الشهيدان في الذكرى و الدروس و البيان و المسالك و المحقّق الثاني، و في الروض هو شرط لازم اتّفاقاً و في الذكرى و إذا لم يسع ذلك تتعين بحال الأداء قطعاً. «1» منها:

التخيير مطلقاً، نقله السيد البروجردي و نسبه إلى الخلاف، و الموجود في الخلاف هو التخيير بالنحو الماضي لا مطلقاً و لم يعلم قائله، و ليس له دليل ظاهر سوى تصور انّ كلًا من الصنفين متعرض لواحد من شقي التخيير، و بعبارة

______________________________

(1). العاملي: مفتاح الكرامة: 3/ 487.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 393

أُخرى، يرفع اليد عن تعيّن كل بقرينة الشقّ الآخر و تكون النتيجة، هو تخيير المكلّف بين القصر و الإتمام، و لكنّه لا تساعده صحيحة ابن جابر حيث قال:

«فإن لم تفعل فقد خالفت و اللّه رسول اللّه». و إن أراد منه التخيير الظاهري بحجّة

«1» انّ الروايات المتعارضة، متعادلة فلا ترجيح بينهما،

فيكون المكلّف مخيراً في الظاهر في الأخذ بأحدهما، فهو فرع كونهما متعادلتين، و قد عرفت أنّ ما يدلّ على أنّ الملاك هو زمان الامتثال أصحّ سنداً و أقوى دلالة. و منها:

التفصيل بين سعة الوقت للإتمام فيتم في الطريق و إلّا فيقصر، و هو الظاهر من الشيخ في النهاية و المبسوط و قد مضى نصُّهما، و ربما يستدل له بموثقة إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا الحسن عليه السَّلام يقول: في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال: «إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتم، و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر». حيث إنّ ظاهره هو الإتمام في البلد إذا كان الوقت وسيعاً، و التقصير فيه إذا كان ضيّقاً. يلاحظ عليه:

أنّ المتبادر منه هو التفصيل بين الدخول في البلد، و الإتمام فيه، إذا كان الوقت وسيعاً، و عدمه و التقصير في الطريق، إذا كان «2» الوقت ضيّقاً، و يشهد له صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السَّلام في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة فقال: «إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل و ليتمّ، و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل و ليقصّر». يقول السيد العاملي في تفسير الحديث:

إنّ الذي يقدم من سفره حتى لم يخف خروج وقت الصلاة يؤخر فيدخل وطنه فيتم و لا يصلّي في الطريق قصراً

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6 و 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 394

إلّا أن يخاف خروج الوقت، فحينئذ

«1» يصلّي في الطريق قصراً.***

الصورة الثانية: فيما إذا كان أوّل الوقت مسافراً و آخره حاضراً

، و المشهور كون المناط

وقت الأداء و لنذكر الأقوال فيه: 1. ذهب المفيد إلى ما ذهب إليه المشهور و قال: فإن دخل على المسافر وقت صلاة، فتركها لعذر ذاكراً أو نسيها حتى صار حاضراً و الوقت باق صلّاها على التمام «2» و وافقه ابن إدريس و قد مضى نصّه في المقام الأوّل.

2. و قال الشيخ في النهاية و المبسوط بعد الدخول في البلد بالتفصيل الماضي بين بقاء الوقت فيتم و عدمه فيقصر قال: و إن دخل من سفر بعد دخول الوقت و كان قد بقي من الوقت مقدار ما يتمكن فيه من أداء الصلاة على التمام فليصلِّ وليتم، و إن لم يكن قد بقي مقدار ذلك قصر. «3» و لم يذكر في الخلاف هذه الصورة.

3. و قال ابن الجنيد بالتخيير بين القصر و الإتمام، حكاه السيد العاملي عنه في مفتاح الكرامة. «4»

و على كل تقدير فالأقوال ثلاثة و إن حكى القول بتعيّن القصر، و لكن لم يعرف قائله.

و المشهور هو القول الأوّل.

قال السيد العاملي في ذيل قول العلّامة: «و كذا لو حضر من السفر في أثناء الوقت أتم على رأي». هذا خيرة المفيد و علي بن الحسين على ما نقل عنهما و الفقة المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السَّلام، و السرائر، و الشرائع، و النافع، و كشف الرموز، و التحرير، و التذكرة، و نهاية الأحكام، و المنتهى،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6 و 8.

(2). المفيد: المقنعة: 211 باب أحكام فوائت الصلاة.

(3). الطوسي: النهاية: 123، و لاحظ المبسوط: 1/ 141.

(4). السيد العاملي: مفتاح الكرامة: 3/ 490.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 395

و الإرشاد، و التبصرة، و الإيضاح، و الدروس، و البيان، و

الموجز الحاوي، و جامع المقاصد، و فوائد الشرائع، و تعليق النافع و الجعفرية و الغرية و الميسية، و إرشاد الجعفرية، و الروضة، و الروض، و المسالك، و المدارك، و رسالة صاحب المعالم، و النجيبيّة، و الكفاية و المفاتيح، و المصابيح، و الرياض، و الحدائق، و هو المشهور بين المتأخرين.

«1» إذا عرفت الأقوال، فلندرس الروايات و هي بين ما تتعرض لحكم كلا المقامين و ما تتعرض لحكم أحدهما و يدل على القول المشهور لفيف من الروايات:

1. صحيح إسماعيل بن جابر «2» و قد مرّ نصه. و هو من الروايات المتعرضة لحكم كلا المقامين.

2. صحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثمّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها، قال: يصلّيها أربعاً و قال: «لا يزال يقصر حتى يدخل بيته». «3»

3. صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السَّلام في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة فقال: «إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتم، و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل و ليقصّر». «4»

و هذه الروايات الثلاث، صريحة في أنّ المتبع وقت الأداء غير انّ الأُولى متضمنة لحكم كلتا الصورتين بخلاف الأخيرتين، فهما تتضمنان حكم الصورة الثانية فقط.

و أمّا الروايات الثلاث الباقية لمحمد بن مسلم، فالرواية الأُولى في الباب

21 متعرضة لحكم الصورة الأُولى، و أمّا الأُخريان أي الرواية الخامسة و الحادية عشرة

______________________________

(1). العاملي: مفتاح الكرامة: 3/ 490.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 4، 8.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 4، 8.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب

21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2، 4، 8.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 396

من الباب، فقد عرفت مفادهما و انّهما متعرضتان لحكم كلتي الصورتين و انّ مفادهما هو كون المناط هو وقت الأداء فلا نعيد.

و في ضوء رواية محمد بن مسلم المذكورة، يستوضح بعض ما يمكن أن يكون شاهداً على فتوى الشيخ القائل بالتفصيل بعد الدخول في البلد بين بقاء الوقت فيتم و عدمه فيقصر، و قد استند في تفصيله هذا و الذي أفتى به في النهاية و المبسوط إلى الروايتين التاليتين: 4. معتبرة إسحاق بن عمار «1» سمعت أبا الحسن عليه السَّلام يقول: في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال: «إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتم، و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر». «2»

و الرواية بقرينة رواية ابن مسلم ليست ناظرة إلى سعة الوقت أو ضيقه بعد الدخول في البلد، بل ناظرة إلى سعته و ضيقه و هو في السفر، فلو كان هناك سعة في الوقت يدخل البلد و يتم و إلّا فيقصر في الطريق.

5. صحيح منصور بن حازم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السَّلام يقول: «إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله، فإن شاء قصر و إن شاء أتم و الإتمام أحبّ إليّ». «3»

و أمّا سند الحديث فقد رُوي عن:

1. محمد بن أحمد بن يحيى، صاحب نوادر الحكمة.

2. عن محمد بن عبد الحميد الذي قال النجاشي في حقّه: «محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر، روى عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى عليه السَّلام

______________________________

(1). إسحاق بن عمار مردد بين بن حيان الإمامي و الساباطي

الفطحي و إن كانا ثقتين و ربما احتمل وحدتهما، و فيه تأمل كما هو واضح لمن لاحظ كلمة النجاشي في رجاله في حقّ الرجل.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6 و 9.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6 و 9.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 397

و كان ثقة من أصحابنا له كتاب النوادر».

«1» و استظهر بعض الأعاظم من المعاصرين انّ التوثيق راجع إلى عبد الحميد، و لكن الظاهر انّه راجع إلى محمد لرجوع الضمير في «له كتاب» إليه، و هذا هو الذي فهمه صاحب الوسائل و نقل وثاقته عن رجال النجاشي. 3. عن سيف بن عميرة الذي عرفه النجاشي بقوله: عربي، كوفي، ثقة و إن قيل انّ النسخ الخطية للرجال خال عن التوثيق، لكن نقله المامقاني في تنقيح المقال 2/ 79، و القهبائي في مجمع الرجال: 3/ 187، كما وثقه الشيخ في الفهرست برقم 164.

4. عن منصور بن حازم أبي أيّوب البجلي، كوفي، ثقة، عين كما في رجال النجاشي، فالرواية صحيحة.

و لكن المضمون، قابل للحمل على ما في صحيح محمد بن مسلم لأنّ قوله:

«فسار حتى يدخل أهله» بمعنى أخذ بالسير نحو البلد و بعدُ لما يدخل و عند ذلك يخيّره الإمام بين الصلاة في الطريق فيقصر و الصبر حتى يدخل أهله فيتم و الإتمام أحبّ إلى الإمام، و لعلّه لأنّه يصلّي في المنزل بقلب هادئ و ليست الرواية دالّة لما نسب إلى ابن الجنيد. و بهذا ظهر انّ ما ذهب إليه المشهور، هو المنصور، و ليس لما يدل على القول الآخر، دليل صالح للاعتماد.

*** هذا كلّه في حكم الصورتين، أعني:

ما إذا كان حاضراً

في أوّل الوقت و صار مسافراً بعده و بالعكس، و قد عرفت أنّ المتبع هو وقت الأداء بقي الكلام في

______________________________

(1). النجاشي: الرجال: رقم 907.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 398

الصورة الثالثة و هو حكم من فاتته الصلاة و له إحدى الحالتين، و هي التي تعرض لها السيد الطباطبائي في المسألة العاشرة.

***

الصورة الثالثة: إذا فاتته فريضة
اشارة

إذا كان في أوّل الوقت حاضراً و في آخره مسافراً أو بالعكس و مع ذلك فاتته الصلاة لعذر أو لغيره، فهل يقضيها حسب ما فاتته، أو يقضيها حسبَ ما تعلّق به الوجوب أو يتخير بين الأمرين، قال السيد الطباطبائي:

إذا فاتت منه الصلاة و كان في أوّل الوقت حاضراً و في آخره مسافراً أو بالعكس فالأقوى انّه مخيّر بين القضاء قصراً أو تماماً، لأنّه فاتت منه الصلاة في مجموع الوقت و المفروض انّه كان مكلّفاً في بعضه بالقصر و في بعضه بالتمام، و لكن الأحوط مراعاة حال الفوت و هو آخر الوقت و أحوط منه الجمع بين القصر و الإتمام. أقول:

إنّ في المسألة أقوالًا خمسة: 1. مراعاة حال الفوت، و هو المشهور، و هو آخر الوقت.

2. مراعاة حال التعلّق و هو أوّل الوقت. و هو خيرة ابن إدريس في السرائر.

3. التخيير بين الأمرين. و هو خيرة المحقّق الهمداني و السيد الطباطبائي قدّس سرّهما.

4. تعيّن الإتمام. و هو الظاهر من الشهيد في الذكرى. «1»

5. العمل بالاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام. و هو خيرة السيد البروجردي.

______________________________

(1). الشهيد: الذكرى: 136، المسألة 9.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 399

و قبل سرد أدلّة الأقوال نذكر أمرين:

ألف.

اتّفقت كلّمتهم على أنّ الفائت في الحضر يُقضى تماماً و لو في السفر، و الفائت في السفر يُقضى

قصراً و لو في الحضر، و عليه استقرت الفتوى و تضافر النص. ففي صحيح زرارة قال:

قلت له رجل فاتته صلاة من صلاة السفر، فذكرها في الحضر، قال: «يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاةَ السفر، أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر، فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته». «1» ب.

لو قلنا بأنّ الاعتبار في المسألة السابقة هو حال تعلّق الوجوب، يتعيّن رعايتُه في القضاء بلا كلام، لأنّ الواجب عليه أداءً مطلقاً إلى آخر الوقت هو ما يجب عليه في أوّل الوقت، مثلًا لو كان أوّل الوقت حاضراً، فالواجب عليه هو التمام إلى آخر الوقت و إن صار في أثنائه مسافراً؛ و لو كان فيه مسافراً، فالواجب عليه هو القصر إلى آخر الوقت و إن صار في أثنائه حاضراً، و عليه فالفائت آخر الوقت هو الواجب في أوّله، فيجب قضاء ما وجب عليه أوّل الوقت أخذاً بقولهم: «اقض ما فات كما فات». و إنّما يتمشى النزاع إذا قلنا بأنّ المعيار هو حال الأداء، فلو كان في تلك الحال حاضراً فيتم و إن صار مسافراً فيما بعد، و إن كان مسافراً فيقصر و إن صار حاضراً بعدها، فعندئذ يأتي النزاع في القضاء لأنّه وجب عليه الصلاة بكيفيتين مختلفتين و لم يتعين إحداهما لأجل الإتيان و الأداء، فيقع الكلام في أنّ المعيار هو حال تعلّق الوجوب، أو حال تحقّق الفوت الذي هو آخر الوقت.

[دليل قول المشهور]

إذا عرفت الأمرين: فالمشهور هو المنصور، و ذلك لأنّ المكلّف موظف

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 1 و غيره.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 400

بالإتيان بها في المدّة المضروبة لها من الزوال

إلى الغروب، فهو مخيّر عقلًا بين الأفراد العرضية و الطولية، و يجوز له ترك فرد بالعدول إلى فرد آخر، كما انّه مخير بين الثنائية و الرباعية إذا تواردت عليه الحالتان من السفر و الحضر و لكن التخيير يتضيق شيئاً فشيئاً حسبَ انقضاء الوقت و مع ذلك فلا يصدق عليه فوت الطبيعة مهما تضايق الوقت إلّا إذا لم يبق من الوقت إلّا مقدار صلاة واحدة مع الخصوصية المعتبرة فيها حسب حال المكلّف في ذلك الوقت، فلو تركها صدق عليه انّه فاتت تلك الصلاة أداءً، و من المعلوم انّ القضاء تابع للأداء فيجب قضاؤها لا قضاء غيرها.

«1» و بالجملة لما كان ترك سائر الأفراد مع خصوصياتها بالعدول إلى بدل، تركاً بإذن شرعي فلا يستند الفوت إلى تركها، و إنّما يستند إلى الترك غير المأذون منها، و هو ترك الطبيعة مع خصوصياته في الوقت الذي لا يسع إلّا لصلاة واحدة.

فإن قلت:

لا نسلم انّ الفوت مستند إلى تركها في آخر الوقت، بل مستند إلى تركها في جميع أجزاء الوقت و لذا لو أتى به في أوّل الوقت أو أثنائه لما صدق الفوت. قلت:

إنّ الإتيان بها في أوّل الوقت أو أثنائه و إن كان مانعاً عن صدق الوقت لكنّه لا يكون دليلًا على استناد الفوت إلى عدم الإتيان بها في جميع أجزاء الوقت بشهادة انّه لو أتى بها في آخر الوقت لما صدق عليه الفوت. و إن شئت قلت:

ليس الكلام في صدق الإتيان و عدمه، فلو أتى بها أوّل الوقت فقد أتى بها و لم يصدق انّه لم يأت بها، إنّما الكلام في صدق الفوت و عدمه و ليس له محقّق إلّا تركها في آخر الوقت. فالذي فات في ذلك

الوقت هو الذي يجب

______________________________

(1). من إفادات السيد المحقّق البروجردي على ما حررته في سالف الزمان أي عام 1369 ه. ق عن دروسه الشريفة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 401

قضاؤه و تكون النتيجة هي لزوم مراعاة آخر الوقت.

فإن قلت:

ما ذكرته هو مقتضى القاعدة و لكن النص الموجود في المسألة لا يوافقه، ففي خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السَّلام انّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر فأخّر الصلاة حتى قدم و هو يريد يصليها إذا قدم إلى أهله فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها. قال: «يصليها ركعتين صلاة المسافر، لأنّ الوقت دخل و هو مسافر، كان ينبغي له أن يصلّي عند ذلك». «1» و هو صريح في أنّ المناط رعاية وقت تعلّق الوجوب كما هو مقتضى قوله: «لأنّ الوقت دخل و هو مسافر». قلت:

إنّ الرواية لا يمكن الاعتماد عليها لوجهين: 1. انّه و إن وردت فيمن فاتته الصلاة و قد تواردت عليه حالتان من السفر و الحضر و انّه تجب عليه مراعاة حال تعلّق الوجوب، لكن تعليل قضائها قصراً بقوله: «لأنّ الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي له أن يصلّي عند ذلك»، يعرب عن أنّه لو أتى بها أداءً في آخر الوقت يقصر و إن كان حاضراً و هو مخالف لما مرّ من أنّ المعيار، هو ملاحظة حال الأداء لا زمان تعلّق الوجوب.

و بذلك يعلم وجه إيراد الحديث في الوسائل في كلا المقامين، أي في المقام و في باب القضاء لصلته بكلا البابين:

2. وقوع موسى بن بكر الواسطي في طريق الرواية، و قد وصفه الشيخ بكونه واقفياً «2».

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 21 من

أبواب صلاة المسافر، الحديث 3 و رواه في الباب 6 من أبواب صلاة القضاء، الحديث 3.

(2). الشيخ الطوسي: الرجال: أصحاب الإمام الكاظم، برقم 9.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 402

نعم الظاهر من الكشي

«1» بل النجاشي كونه إماميّاً حيث لم يتعرض لمذهبه و قال: «له كتاب يرويه جماعة» «2»، و لكن يمكن استظهار وثاقته بنقل المشايخ عنه. منهم: ابن أبي عمير كما في فهرس الشيخ و صفوان و علي بن الحكم في سند النجاشي إلى كتابه، و نقل المامقاني عن الكاظمي رواية العلاء بن رزين، و النضر ابن سويد، و فضالة بن أيّوب و نقل عن جامع الرواة نقل كثير من الأكابر عنه، منهم: أحمد بن محمد بن أبي نصر، و يونس بن عبد الرحمن، و عبد اللّه بن المغيرة، و جعفر بن بشير، و غيرهم. و على هذا فلا يصحّ ردّ رواية راو روى عنه المشايخ بكثرة خصوصاً مثل ابن أبي عمير و صفوان، و ليس اعتمادهم عليه بأقلّ من توثيق واحد من الرجاليين، و قد قلنا في محلّه انّ الملاك هو كون الخبر موثوق الصدور، لا خصوص كون الراوي ثقة. و أمّا تصحيح الرواية بوقوع موسى بن بكر في اسناد تفسير علي بن إبراهيم أو في اسناد كتاب «كامل الزيارات» لابن قولويه، فليس مفيداً لما أوضحنا حال الكتابين في كتابنا «كليات في علم الرجال».

و المهم هو الإشكال الأوّل.

دليل القول الثاني

مع أنّ ابن إدريس ذهب في المسألتين السابقتين إلى أنّ العبرة بحال الأداء، لا حال تعلّق الوجوب، اختار في المقام بأنّ العبرة بحال تعلّقه قال ما هذا نصّه:

فأمّا إذا لم يصلّ، لا في منزله و لا لما خرج إلى السفر وفاته أداء الصلاة،

فالواجب عليه قضاؤها حسب حاله عند دخول وقتها إلى أن قال: لأنّ العبادات تجب بدخول الوقت و تستقر بإمكان الأداء، كما لو زالت الشمس على المرأة طاهرة

______________________________

(1). الكشي، الرجال: 305.

(2). النجاشي: الرجال: برقم 1082.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 403

فأمكنها الصلاة فلم تفعل حتى حاضت استقر القضاء.

«1» قد عرفت أنّ الواجب، هو قضاء ما فات، و ليس الفائت إلّا الصلاة بين الزوال و الغروب غير انّ تركها في غير الجزء الأخير القابل لإيجاد الطبيعة فيه حسب مقتضى حال المصلّي، ليس محقّقاً للفوت و إنّما المحقّق له، هو تركها في ذاك الجزء فيكون الواجب هو رعاية آخر الوقت لا أوّله و إن شئت قلت:

إنّ تركها في غير ذاك الجزء لمّا كان مقروناً بالعدول إلى البدل و مأذوناً من العقل و الشرع لا يكون محقّقاً له، فيكون المحقّق له، هو الترك في الجزء الأخير الذي ليس الترك فيه تركاً مأذوناً و لا مقروناً بالبدل، فيتعين قضاء ما فات فيه. و بذلك يظهر ضعف الاستدلال بالمرأة التي حاضت بعد مضي وقت أداء الصلاة، فإنّ القضاء فيها يتبع أوّل الوقت و ذلك لتعيّن صلاة واحدة عليها من التمام أو القصر إذ المفروض أنّها لم تسافر وقت كونها طاهرة بل كانت باقية في بلدها إلى أن حاضت.

نعم لو توالت عليها حالتان من الحضر و السفر حال كونها طاهرة ثمّ حاضت يأتي فيها الكلام أيضاً. و هذا بخلاف المقام فقد وجبت الصلاة بين الحدّين و له إيقاعها، في أفراد عرضية و أفراد طولية مختلفة حسب اختلاف حالها.

فإنّ القضاء يتبع وقت الفوت.

دليل القول بالقضاء تماماً

ذهب الشهيد إلى أنّه يقضي مطلقاً تماماً.

«2» و أوضحه صاحب الجواهر بقوله: لكن ظاهرهم بل هو كصريح

الشهيد منهم انّ التمام متى تعيّن في وقت من أوقات الأداء، كان هو المراعى في القضاء و إن كان المخاطب به حال الفوت،

______________________________

(1). ابن إدريس: السرائر: 1/ 335334.

(2). الذكرى: 136، المسألة 9.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 404

القصر، و عليه فمن كان حاضراً وقت الفعل ثمّ سافر فيه و فاتته الصلاة المخاطب بقصرها حاله، وجب عليه التمام في القضاء، كما انّه يجب عليه ذلك لو كان مسافراً في الوقت ثمّ حضر.

و استدل عليه في الجواهر بقوله:

و لعلّه لأنّ الأصل في الصلاة التمام، و فيه بحث إن لم يكن منع بل في المفتاح انّ الأكثر على مراعاة حال الفوات بالنسبة للسفر و الحضر لا الوجوب، و يؤيّده انّه الفائت حقيقة لا الأوّل الذي قد ارتفع وجوبه في الوقت عن المكلّف برخصة الشارع له في التأخير. و لا يخفى انّ ما ذكره الشهيد مجرّد احتمال و لم يذكر له دليلًا، و أمّا ما احتمله صاحب الجواهر من

«1» الوجه، فقد كفانا كلامه في نقده.

دليل القول بالتخيير
اشارة

قد تقدم انّه خيرة السيد الطباطبائي و استدل له المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه ما لفظه:

«انّ الفوت و إن لم يتحقّق صدق اسمه إلّا في آخر الوقت عند تضيّقه عن أداء الفعل، و لكن الملحوظ في صدقه هو ترك الفعل في مجموع الوقت، المضروب له لا خصوص جزئه الآخر، فالذي فاته في الحقيقة هو فعل الصلاة في هذا الوقت المضروب له الذي كان في بعضه حاضراً، و في بعضه مسافراً، و ليس اجزاء الوقت موضوعات متعددة لوجوبات متمايزة كي يصحّ أن يقال انّ الجزء الأوّل ارتفع وجوبه في الوقت برخصة الشارع له في التأخير بل هو وجوب واحد متعلق بطبيعة الصلاة

في وقت موسع تختلف كيفية أدائها باختلاف أحوال المكلّف سفراً و حضراً فليس لها بالمقايسة إلى شي ء في اجزاء الوقت من حيث هو، وجوب شرعي و إنّما يتعيّن فعله في آخر الوقت بواسطة تركه فيما سبق لا لكونه

______________________________

(1). الجواهر: 13/ 114.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 405

بخصوصه مورداً للوجوب فلو قيل بكون المكلّف مخيراً بين مراعاة كلّ من حالتيه لكان وجهاً.

«1» و حاصل ما أفاده يرجع إلى أمرين:

1. انّ الفوت و إن كان يصدق بترك الصلاة آخر الوقت، لكن المحقِّق لتركها عبارة عن ترك الطبيعة في جميع أجزاء الوقت فهو مستند إلى تركها فيها، لا إلى تركها في الجزء الأخير.

2. انّ اجزاء الوقت ليست موضوعات متعددة لوجوبات متمايزة بل وجوب واحد متعلّق بطبيعة الصلاة (من دون أن يسري إلى حيثية التمام و القصر) في وقت موسع تختلف كيفية أدائها باختلاف أحوال المكلّف سفراً و حضراً و تعينه في آخر الوقت ليس لكونه بالخصوص مورداً للوجوب، بل لكونه مقتضى أحواله.

و على ضوء ذلك يكون المكلف، لأجل ترك طبيعة الصلاة التي يختلف أداؤها حسب اختلاف حالات المكلّف مخيراً بين مراعاة أيّ واحدة من حالاته.

يلاحظ عليه بأمرين

: 1. إذا كان الواجب هو طبيعة الصلاة بين العدمين، و تختلف كيفية أدائها حسب اختلاف أحوال المكلّفين، يتعين الإتمام، لأنّ الأصل في الصلاة هو الرباعية و هي لا تحتاج إلى البيان، بخلاف الثنائية فهي تحتاج إليه، فمقتضى إطلاق الأمر بالطبيعة هو الإتيان بما لا يحتاج إلى البيان الزائد و هو التمام دون القصر، فلا يكون نتيجة التقريب ما يدعيه من التخيير.

2. انّ الأمر و إن تعلق بالطبيعة المجردة عن القيدين، لكن ما دلّ على أنّ ما فات في الحضر

يُقضى في السفر تماماً و ما فات في السفر يُقضى في الحضر قصراً،

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 769، كتاب الصلاة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 406

يدل على كون المطلوب هو إيجادها في ضمن فرد خاص حسب اختلاف حالات المكلّف و اعتبارها في مقام القضاء، و على ضوء ذلك يجب إمعان النظر في تشخيص ما فات من الخصوصية المأمور بها و قد عرفت انّ الصدق العرفي، يساعد، مراعاة آخر الوقت.

و أمّا وجه القول بالجمع، فهو لأجل الاحتياط.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 407

خاتمة المطاف

اشارة

* 1. الصلاة في الأماكن الأربعة

* 2. في تحديد الأماكن الأربعة

* 3. التخيير فيها استمراريّ

* 4. استحباب التسبيح ثلاثون مرّة عقيب كلّ صلاة

* 5. حكم التنفّل بالرواتب في الأماكن الأربعة

* 6. إذا فاتت فريضة في تلك الأماكن

* 7. لو كانت في ذمته صلاة قضاء

* 8. إذا ضاق الوقت إلّا عن أربع ركعات

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 409

الصلاة في الأماكن الأربعة

اشارة

اتّفقت الإمامية على أنّ القصر عزيمة على المسافر إلّا الصلاة في الأماكن الأربعة، أعني:

المسجد الحرام و مسجد النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و مسجد الكوفة و الحائر الحسيني عليه السَّلام، ففيها اختلاف و أقوال: 1. التخيير بين القصر و الإتمام مع كون الإتمام أفضل. و هو خيرة الأكثر.

2. تعيّن القصر و عدم جواز الإتمام. و هو خيرة الصدوق في الفقيه. «1» و حمل ما دلّ على جواز الإتمام على ما إذا قصد العشرة، و تبعه ابن البراج في المهذب «2» و حكاه في الجواهر عن المحقّق البهبهاني و بحر العلوم قدّس سرّهما.

3. تعيّن الإتمام، و هو خيرة السيّد المرتضى في جمل العلم «3» و ابن الجنيد على ما نقله العلّامة عنه في المختلف. «4»

4. ما نقله ابن إدريس «5» عن السيد المرتضى من أنّه قال باستحباب الإتمام في السفر عند مشهد كلّ إمام.

5. اختصاص الحكم بالتخيير بالحرمين الشريفين و هو مختار صاحب

______________________________

(1). الصدوق: الفقيه: 1/ 442، في ذيل الحديث 1283.

(2). ابن البراج: المهذب: 1/ 110.

(3). المرتضى: جمل العلم و العمل المطبوع في ضمن رسائله 47.

(4). العلّامة: المختلف: 3/ 135.

(5). ابن إدريس: السرائر: 1/ 342.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 410

المدارك.

«1» و

إليك نقل نبذ من كلماتهم:

1. قال الشيخ: يستحب الإتمام في أربعة مواضع: مكة و المدينة، و مسجد الكوفة، و الحائر على ساكنه السلام، و لم يخص أحد من الفقهاء موضعاً باستحباب الإتمام فيه، دليلنا إجماع الفرقة المحقّة و ذكر رواية حماد بن عيسى. «2»

2. و قال في النهاية: و يستحب الإتمام في مواطن أربعة في السفر بمكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحائر إلى أن قال: و لو أنّ إنساناً قصّر في هذه المواطن كلّها لم يكن عليه شي ء إلّا أنّ الأفضل ما «3» قدمناه.

و قال ابن إدريس و يستحب الإتمام في مواطن في السفر:

في نفس المسجد الحرام، و في نفس المدينة، و في مسجد الكوفة، و الحائر على متضمّنه السلام إلى أن قال: و ذهب السيد المرتضى إلى استحباب الإتمام في السفر عند قبر كلّ إمام من أئمّة الهدى، و قال بعض أصحابنا: لا يجوز التقصير في حال السفر في هذه المواضع، و ما اخترناه هو الأظهر بين الطائفة و عليه عملهم و فتواهم «4» و لعلّ المراد من البعض هو الصدوق و ابن البراج، و قد عرفت انّ ظاهر عبارة السيد في جمل العلم و العمل، و ظاهر المحكي عن ابن الجنيد، هو لزوم الإتمام. ثمّ إنّ الظاهر من صحيح علي بن مهزيار، و رواية سعد بن عبد اللّه انّ الاختلاف في جواز الإتمام و عدمه كان موجوداً بين أصحاب الأئمة يوم ذاك و انّ سعداً و صفوان و ابن أبي عمير كانوا يقصرون

«5» و انّ عليّ بن مهزيار كان يتم،

______________________________

(1). السيد محمد: المدارك: 4/ 468.

(2). الطوسي: الخلاف، كتاب الصلاة، المسألة 330.

(3). الطوسي: النهاية: 124.

(4). ابن إدريس: السرائر: 1/ 343.

(5). ابن

قولويه: كامل الزيارات، الباب 18، الحديث 7، ص 248.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 411

و لكن أشار إليه فقهاء الأصحاب إلى التقصير و عندئذ ضاق بذلك ذرعاً

«1» إلى أن كتب إلى الإمام فوافاه الجواب بما يأتي. و تحقيق المسألة يتوقف على الكلام في مقامين في إثبات أصل الحكم أوّلًا، و تحديد الموضوع ثانياً. و إليك الكلام في الأوّل منهما:

المقام الأوّل: في إثبات جواز الإتمام
اشارة

دلّت الروايات المستفيضة على جواز الإتمام في الأماكن الأربعة أو تعيّنه، بألسنة مختلفة:

أ. الإتمام من مخزون علم اللّه سبحانه

1. صحيح حماد بن عيسى قال: قال أبو عبد اللّه عليه السَّلام: «من مخزون علم اللّه الإتمام في أربعة مواطن: حرم اللّه، و حرم رسوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، و حرم أمير المؤمنين، و حرم «2» الحسين بن علي». و قد ورد هذا المضمون في غير واحد من الروايات و لو كان الإتمام فيها من العلم المخزون فلا يصحّ تقييد روايات الإتمام بالإقامة عشرة، إذ عند ذاك لا يكون هناك فرق بينها و بين غيرها.

ب. كثرة السؤال عن المسألة

إنّ كثرة السؤال عن حكم المسألة دليل على صدور الحكم بجواز الإتمام عنهم عليهم السَّلام و إلّا فلا يخطر ببال أحد، انّ الإتمام في الأماكن الأربعة مستثنى عن كون القصر عزيمة.

من غير فرق بين الجواب بالجواز أو عدمه، لأنّ ملاك الاستدلال

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 2، 20، 26 و الأخير مرسلة الصدوق، و لعلّها ليست برواية مستقلة، بل ترجع إلى واحدة من الثلاثة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 412

هو نفس السؤال، و هذا

الصنف من الروايات كثير نقتصر ببعض ما أُجيب فيه بالجواز:

1. صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن التمام بمكة و المدينة فقال: «أتم و إن لم تصل فيهما إلّا صلاة واحدة». «1»

2. خبر عمر بن رياح قال: قلت لأبي الحسن عليه السَّلام أقدم مكة أُتم أم أُقصّر؟ قال: «أتم». «2»

3. و خبره الآخر، قال: قلت: و أمرّ على المدينة فأتمّ الصلاة أو أُقصّر قال: «أتم». «3»

و بما انّ الأمر في مقام توهم الحظر فلا يستفاد منه الوجوب، بل يحمل على الجواز فلا ينافي ما دلّ على التخيير.

4. صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السَّلام في الصلاة بمكة قال: «من شاء أتمّ، و من شاء قصّر». «4»

5. خبر عمران بن حمران قال: قلت لأبي الحسن عليه السَّلام: أُقصّر في المسجد الحرام أو أتم؟ قال: «إن قصّرت فلك، و إن أتممت فهو خير». «5»

ج. عرض الصنفين من الروايات على الإمام و ترجيح الإتمام

إنّ علي بن مهزيار عرض الصنفين من الأخبار الآمرة بالإتمام و التقصير على أبي جعفر الثاني عليه السَّلام فأمر الإمام بأخذ ما يأمر بالإتمام رواه الكليني و الشيخ، و المنقول في الوسائل مضطرب، و نحن ننقل الرواية عن الكافي.

قال كتبت إلى أبي

______________________________

(1). الوسائل: الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، 8، 9، 10، 11، و بهذا المضمون الحديث: 12، 16، 17، 18، 19، 28، 30، 31.

(2). الوسائل: الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، 8، 9، 10، 11، و بهذا المضمون الحديث: 12، 16، 17، 18، 19، 28، 30، 31.

(3). الوسائل: الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، 8، 9، 10، 11، و

بهذا المضمون الحديث: 12، 16، 17، 18، 19، 28، 30، 31.

(4). الوسائل: الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، 8، 9، 10، 11، و بهذا المضمون الحديث: 12، 16، 17، 18، 19، 28، 30، 31.

(5). الوسائل: الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، 8، 9، 10، 11، و بهذا المضمون الحديث: 12، 16، 17، 18، 19، 28، 30، 31.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 413

جعفر الثاني عليه السَّلام:

انّ الرواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السَّلام في الإتمام و التقصير في الحرمين فمنها أن يُتم الصلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصّر ما لم ينو مقام عشرة أيّام، و لم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتقصير إذ كنت لا أنوي مقام عشرة أيّام فصرتُ إلى التقصير و قد ضُقتُ بذلك حتى أعرف رأيك. فكتب إليّ بخطه:

«قد علمت يرحمك اللّه فضلَ الصلاة في الحرمين على غيرهما، فإنّي أُحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر و تكثر فيهما الصلاة». «1»

د. جواز الإتمام موجب للجمع بين الروايات

إنّ روايات الباب على أصناف ثلاثة:

منها:

ما يظهر منه تعيّن الإتمام كما هو الظاهر من كون الإتمام من الأمر المذخور، و قد أشار إليه علي بن مهزيار بقوله: «أن يتم الصلاة و لو صلاة واحدة» و رواه عبد الرحمن بن الحجاج أيضاً قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن التمام بمكة و المدينة فقال: «أتم و إن لم تصلِّ فيهما إلّا صلاة واحدة». «2» و منها:

ما يدلّ على تعين التقصير، كما سيوافيك و قد اعتمد عليه من قال بوجوب التقصير كالصدوق و ابن البراج. و

منها:

ما يدلّ على التخيير ففي صحيح علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السَّلام في الصلاة بمكة قال: «من شاء أتم، و من شاء قصر». «3» و عند ذلك فروايات التخيير شاهدة للجمع بينهما و إن كان الإتمام أفضل.

______________________________

(1). الكافي: 4/ 525؛ الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5، و لاحظ الحديث 4.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 10، و لاحظ الحديث 11 و 16.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 414

هذه هي الوجوه التي يمكن بها، دعم القول المشهور من عصر الشيخ إلى يومنا، و مع ذلك كلّه فيمكن الاستدلال على قول الصدوق بالوجوه التالية:

حجّة القول بالقصر

يمكن الاستدلال على تعيّن القصر بوجوه:

الأوّل:

الظاهر من رواية علي بن مهزيار الماضية «1» و من صحيح سعد بن عبد اللّه الآتية، انّ الشهرة الفتوائية بين قدماء الأصحاب أي بطانة علوم العترة، كانت على القصر روى سعد بن عبد اللّه قال: سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد: مكة و المدينة و الكوفة و قبر الحسين عليه السَّلام و الذي رُويَ فيها فقال: أنا أُقصر، و كان صفوان يقصر، و ابن أبي عمير و جميع أصحابنا يقصرون. «2» و لا يخفى انّ لسان صحيح سعد، هو عدم جواز الإتمام و ما نقل عن العلّامة المجلسي في كتاب البحار بأنّه لا ينافي التخيير فإنّهم اختاروا هذا الفرد، غير تام، إذ لو كان جائزاً و كان أفضل الأفراد، فما هو الوجه في اتّفاقهم على تقديم المرجوح على الراجح. يلاحظ عليه:

أنّ الشهرة الفتوائية و إن كانت محقّقة في المقام

و لكنّها إنّما توهن إذا كانت غير مردودة، و قد عرض علي بن مهزيار فتوى فقهاء الأصحاب على الإمام، و لم يوافقها و قال: «فأنا أُحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر و تكثِّر فيهما من الصلاة» كما مرّ. و توهم انّ الشهرة الفتوائية على القصر تختص بالحرمين دون جامع الكوفة و الحائر، لعدم ذكر منهما في رواية علي بن مهزيار، مدفوع بورودهما في صحيح حماد

______________________________

(1). المستدرك: الجزء 6، الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4 و 3.

(2). المستدرك: الجزء 6، الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4 و 3.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 415

و رواية سعد بن عبد اللّه فالجميع محكوم بحكم واحد جوازاً و منعاً.

الثاني:

الروايات الآمرة بالتقصير الدالّة على لزوم التقصير ما لم يعزم على إقامة عشرة، و هي روايات مستفيضة نذكر بعضها: 1. صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن التقصير في الحرمين و التمام، فقال: «لا تُتِمَّ حتى تجمع على مقام عشرة أيّام». «1»

2. صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت الرضا عليه السَّلام عن الصلاة بمكة و المدينة تقصير أو تمام؟ قال: «قصّر ما لم تعزم على مقام عشرة أيّام». «2»

خبر محمد بن إبراهيم الحضيني قال:

استأمرت أبا جعفر في الإتمام و التقصير قال: «إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيّام و أتم الصلاة ...». «3» و لا يصحّ حملها على بيان أحد فردي التخيير، و ذلك لأنّها تنهى عن الفرد الآخر كما في صحيحة معاوية بن وهب كما لا يصح حملها على التقيّة، لأنّ أبا حنيفة كان قائلًا بالتقصير، و أمّا غيره فقائلون بالتخيير، فكان جواز التقصير أمراً مجمعاً

عليه.

الثالث:

ما يدل على أنّ الأمر بالإتمام كان لدفع المفسدة. روى معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: مكة و المدينة كسائر البلدان؟ قال: «نعم». قلت: روى عنك بعض أصحابنا أنّك قلت لهم: أتموا بالمدينة لخمس، فقال: «إنّ أصحابكم هؤلاء كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة، فكرهت ذلك لهم، فلهذا قلته». «4»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 34، 32، 15 و لاحظ الحديث 33، و لاحظ رواية أبي ولاد الحناط في الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 34، 32، 15 و لاحظ الحديث 33، و لاحظ رواية أبي ولاد الحناط في الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 34، 32، 15 و لاحظ الحديث 33، و لاحظ رواية أبي ولاد الحناط في الباب 18 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 27 و هو موحد مع الحديث 34.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 416

و لعلّ الأصحاب كانوا مقصرين و إمام المسجد كان متمّاً، فكانوا لا يأتمون بالمتم لوجود الاختلاف بين صلاتي الإمام و المأموم فيصلّون و يخرجون من المسجد حينما كان الناس يدخلون إلى المسجد، فأمرهم بالإتمام لكي يبقوا في المسجد و يأتموا بالمتم.

هذا غاية ما يمكن الاستدلال به لهذا القول.

و لكن الظاهر عدم وجود جمع دلالي بين الصنفين، و ذلك لأنّ حمل روايات التقصير على بيان أحد فردي التخيير كما ارتكبه الشيخ الطوسي لا يتم مع النهي عن الإتمام حسب ما مرّ

من رواية معاوية بن وهب و ابن بزيع و غيرهما، بل لا يتم في مثل رواية علي بن حديد الصريحة في نفي الإتمام إلّا إذا قصد العشرة.

«1» كما انّ حمل ما دلّ على الإتمام على صورة عزم العشرة لا يتم مع الأمر بالتقصير، و إن كانت صلاة واحدة

«2» و هذا يُعرِب عن وهن أيّ جمع دلالىّ فلا بدّ من إعمال المرجحات، و لكن الترجيح مع ما دلّ على جواز الاتمام و ذلك: أوّلًا:

ما دلّ على جواز الإتمام (بعد حمل ما يدل على تعيّنه على الجواز لكونه وارداً في مقام توهم الحظر) أكثر عدداً ممّا دلّ على تعيّن القصر، و قد أنهاها المحدّث البحراني إلى خمسة و عشرين رواية و قد جمع الشيخ الحر العاملي روايات المسألة في البابين الخامس و العشرين و السادس و العشرين.

«3» و ثانياً: انّ بعض الأخبار يدلّ على أنّ الأمر بالتقصير كان من باب إخفاء الحقّ عن بعض الشيعة الذين لا يتحمّلون علوم الأئمّة عليهم السَّلام كما في خبر أبي شبل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام: أزور قبر الحسين؟ قال: «نعم، زر الطيب و أتم

______________________________

(1). وسائل الشيعة: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 33.

(2). وسائل الشيعة: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5.

(3). البحراني: الحدائق: 11/ 447438.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 417

الصلاة عنده».

قلت: بعض أصحابنا يرى التقصير؟ قال: «إنّما يفعل ذلك الضعفة من الناس». «1» و المراد من الضعفة، هم ضعفة العقول و الأفهام، الذين ليس لهم استعداد تحمل العلم المخزون لا الضعفة من حيث الطاقة، إذ لو كان كذلك لكان أن يوجَّه الأمر بالتقصير إلى الشيوخ و

المرضى، لا إلى الجميع.

و الحاصل ليس كلّ شيعي صالحاً لأن يباح له بكلّ ما لدى الأئمّة في الأحكام المخزونة، و لأجل ذلك نرى أنّ الإمام و آباءه كلّ ما وردوا مكة المكرمة استتروا عن الناس لأجل الإتمام.

روى عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي الحسن عليه السَّلام: إنّ هشاماً روى عنك انّك أمرته بالتمام في الحرمين و ذلك من أجل الناس؟ قال عليه السَّلام: «لا، كنتُ أنا و مَن مضى من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة و استترنا من الناس». «2» و الحاصل انّ عبد الرحمن بن الحجاج تصوّر انّ الأمر بالإتمام لأجل المجاراة مع أهل المسجد المتمين كما هو المتبادر من قوله:

«و ذلك لأجل الناس» فردّ الإمام ذلك و قال: ليس الأمر كذلك، و إنّما أمرته بحكم واقعي و إن كان لا يتحمله غالب الشيعة، و لأجل ذلك إذا وردنا الحرم الشريف نستتر الناس و نتمّ في غير أنظارهم و هذا حكم لا يبوح به الإمام إلّا للأخصاء. و الحاصل انّ الشيعة يوم ذلك كانوا مختمرين في وجوب القصر و حرمة الإتمام، فتجويز الإتمام للمسافر في أماكن خاصة ربما كان يثير السؤالَ و البحثَ، و صار ذلك سبباً للإفتاء بتعين القصر لكثير منهم لا لجميعهم.

و ممّن حقّق الروايات و فسره على النحو الماضي شيخ مشايخنا العلّامة

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 12.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 418

الحائري قدّس اللّه سرّه حيث أورد على نفسه بأنّه لا يصحّ حمل أخبار تعيّن التقصير على التقية حيث إنّ جمعاً من

«1» المخالفين ذهبوا إلى التخيير بين

القصر و الإتمام، فأجاب بأنّ المقصود من التقية في هذا المقام إظهار عدم خصوصية لهذه الأمكنة الشريفة و إخفاء العلم المخزون و انّ هذه الأمكنة كسائر البلاد. بقي هنا تحليل الدليل الثالث و هو أنّ الأمر بالإتمام كان لدفع المفسدة كما هو اللائح من رواية معاوية بن وهب، فلا مانع من أن يكون للإتمام في الحرم الشريف سببان:

أحدهما: كون جواز الإتمام حكماً واقعياً فيه و في نظائره و كان الإمام يبوح به لبعض أصحابه كهشام و غيره، و ثانيهما: دفع المفسدة كما أشار إليه الإمام من انّهم كانوا يخرجون من المسجد حال وفود الناس إليه، فخروجهم عند ذاك كان مورِثاً للفتنة بمعنى انّ أصحاب الأئمّة لا يعتنون بصلاتهم، فأمرهم بالإتمام حتى يقطع العذر لهم حيث كان عذرهم لعدم الاقتداء بأنّهم مقصرون، و أهل المسجد متمون. إلى هنا تبيّن انّ الترجيح مع ما دلّ على جواز الإتمام و كونه أفضل.

دليل القول الثالث

ذهب المرتضى إلى تعيّن الإتمام، و لعلّه اعتمد على ما دلّ على الإتمام و لو كانت صلاة واحدة.

«2» و لكن الدلالة غير تامة، لأنّ الأمر ورد في مقام توهم الحظر، فلا يفيد سوى الجواز، مضافاً إلى تضافر التخيير و جواز الإتمام.

______________________________

(1). الحائري: الصلاة: 447.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 5 و لاحظ الحديث 9 حيث سئل عن صورة المرور على المدينة.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 419

دليل القول الرابع

ذهب صاحب المدارك إلى اختصاص الجواز بالحرمين الشريفين قائلًا بأنّ الأخبار الواردة في غيرهما ضعاف فالتقصير في الغير أقرب للبراءة و التقصير فرض المسافر.

يلاحظ عليه:

بأنّ صحيح حماد بن عيسى «1» يدلّ على الجواز في الأماكن الأربعة، و في سنده الحسن بن النعمان و هو ثقة كما ذكره النجاشي أضف إليه حديث سعد بن عبد اللّه القمي الذي رواه ابن قولويه في كامل الزيارات. «2»

المقام الثاني: في تحقيق المكان الذي يستحب فيه الإتمام
اشارة

يقع الكلام تارة في الحرمين الشريفين، و أُخرى في مسجد الكوفة، و ثالثة في الحائر الشريف، و إليك الكلام في كلّ واحد:

الأوّل: في الحرمين الشريفين:
اشارة

و للأصحاب في المقام أقوال ثلاثة:

الاقتصار على المسجدين.

و هو خيرة ابن إدريس في السرائر، «3» و العلّامة في المختلف، «4» و الشهيدين في اللمعة و شرحها «5».

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(2). كامل الزيارات: 248، الباب 81، الحديث 7، ط النجف الأشرف.

(3). السرائر: 1/ 343.

(4). المختلف: 3/ 138، مؤسسة النشر الإسلامي.

(5). اللمعة الدمشقية: 1/ 375.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 420

إسراء الحكم إلى البلدين.

نسبه في الحدائق إلى المشهور. اسراؤه إلى الحرم الذي نسب إلى الشيخ في التهذيب حيث قال:

و يستحبّ إتمام الصلاة في الحرمين، فإنّ فيه فضلًا كثيراً، ثمّ قال: و من حصل بعرفات فلا يجوز له الإتمام على حال. «1» و لنذكر بعض النصوص:

قال الشيخ في النهاية:

و يستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر بمكة، و المدينة، و مسجد الكوفة و الحائر على ساكنه السلام. و قد رويت رواية بلفظة أُخرى و هو: أن يُتمّ الصلاة في حرم اللّه، و في حرم رسوله، و في حرم أمير المؤمنين، و في حرم الحسين عليهم السَّلام. و على هذه الرواية جاز التمام خارج المسجد بالكوفة، و على الرواية الأُولى لم يجز إلّا في نفس المسجد. «2» 2. و قال ابن إدريس: و يستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر: في نفس مسجد الحرام، و في نفس مسجد المدينة، و في مسجد الكوفة، و الحائر على متضمّنه السلام. «3»

3. و قال المحقّق: و أمّا القصر فإنّه عزيمة: إلّا في أحد المواطن الأربعة: مكة، و المدينة، و المسجد

الجامع بالكوفة، و الحائر، فانّه مخيّر «4».

أقول:

إنّ اختلاف الفتاوى لأجل اختلاف لسان الروايات بالنحو التالي: 1. الحرمان أو حرم اللّه و حرم رسوله، و قد ورد هذا العنوان في ما يناهز عشرة أحاديث، أربعة منها صحاح.

______________________________

(1). التهذيب: 5/ 425 و 432.

(2). النهاية: 124.

(3). السرائر: 1/ 342.

(4). الشرائع: 1/ 103.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 421

2. مكة و المدينة، و قد ورد في ما يناهز ستة أحاديث: و فيها صحيحان أو أكثر.

3. المسجدان، و قد ورد في ما يناهز ثلاثة أحاديث: كلّها أخبار.

لا وجه للاعتماد على لسان الصنف الأوّل بعد تفسير الحرمين بالبلدين في الصنف الثاني.

نعم ورد البلدان في غير واحد من الروايات في سؤال السائل، و هو لا يصلح دليلًا على التقييد، و الصالح عبارة عمّا يلي: 1. صحيحة مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: قال لي: «إذا دخلتَ مكة فأتم يوم تدخل». «1»

2. ما رواه صاحب كامل الزيارات عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن بمكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحائر». «2»

يلاحظ على هذا انّه يحتمل أن يكون متحداً مع ما رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن علي بن مهزيار و أبي علي بن راشد جميعاً، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام انّه قال:

«من مخزون علم اللّه الإتمام في أربعة مواطن: حرم اللّه، و حرم رسوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و حرم أمير المؤمنين عليه السَّلام و حرم الحسين بن علي عليه السَّلام» «3». و فيه مكان البلدين، حرم اللّه و حرم رسوله، و يحتمل سقوط

لفظة «عن بعض أصحابنا» عن آخر السند، لأنّ حماد بن عيسى لم يرو عن أبي عبد اللّه بلا واسطة إلّا عشرين حديثاً. و قد سمع منه سبعين حديثاً لكن ترك الخمسين لأجل دخول الشكّ على نفسه، فاقتصر على العشرين، و قد توفي في الجحفة سنة

209 أو 208 و له من العمر نيف و تسعون «4» فسقوط الواسطة أقوى و عندئذ لا يمكن الاعتماد بالمتن

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 7، 29، 1.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 7، 29، 1.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 7، 29، 1.

(4). النجاشي: الرجال: 1/ 337 برقم 368.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 422

الذي ورد في كامل الزيارات، لأنّه لم يصدر من الإمام إلّا نصّ واحد و هو مردّد بين الحرمين أو البلدين.

3. ما رواه علي بن مهزيار: فقال فقلت: أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: «مكة و المدينة» «1» و احتمال انّ سؤاله عن الحرمين ليس لأجل تحديدهما، بل لتعيين المراد منهما لاحتمال أن يكون المراد منهما، غير مكة و المدينة، كحرم أمير المؤمنين و الحسين عليهما السَّلام، مدفوع بما في صدر الرواية، أعني قوله: «إنّ الرواية اختلفت عن آبائك في الإتمام و التقصير للصلاة في الحرمين» إلى أن قال: و لم أزل على الاتمام فيها إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا. و هذا دليل على أنّ مراده منهما هو المكانان المعروفان و انّ السؤال للتحديد، لا لتعيين المراد. على أنّ لفظ الحرمين من الألفاظ الدارجة في ألسن المسلمين و من البعيد أن لا يعرفه فقيه مثل ابن

مهزيار أو يحملهما على غيرهما مع أنّه جاء في الذكر الحكيم (حَرَماً آمِناً)* «2» كما جاء: (الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ)* «3» و (الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ) «4» و (الشَّهْرُ الْحَرٰامُ)* «5» و (الْبَيْتَ الْحَرٰامَ)* «6» كل ذلك يعرب عن انصراف «الحرم» إلى الحرم المعهود بين المسلمين.

و الرواية الأُولى و الثالثة تصلحان لتحديد الحرمين بالبلدين، و لعلّ لفظ الحرمين يوم ذاك كان منصرفاً إليهما.

و توهم انّه لا وجه للتفسير و تقييد المطلق (الحرم) بالمقيد، و ذلك لعدم إحراز وحدة الحكم لجواز أن يكون للاستحباب مراتب، مختلفة فالإتمام في المسجد آكد من البلد، و فيه أفضل من الحرم، مدفوع

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

(2). القصص: 57.

(3). البقرة: 144.

(4). البقرة: 198.

(5). المائدة: 97.

(6). المائدة: 2.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 423

لأنّ المتبادر من المجموع انّ هنا حكماً واحداً ذا مرتبة واحدة و له موضوع واحد، لا انّ هنا أحكاماً متفاضلة لها موضوعات متعددة، و على ذلك لا وجه للتوقف في التحديد.

و قد ذكرنا في محله انّ ملاك حمل المطلق على المقيد، فرع وجود التعارض و التخالف بينهما و هو فرع وحدة الحكم، و إلّا فلا مانع من أن يكون هناك حكمان مختلفان موضوعاً.

و الظاهر انّ الشرط محرز، و انّ هنا حكماً واحداً و هو جواز الإتمام و كونه أفضل و الاختلاف في سعة الموضوع و ضيقه، فلا محيص من الحمل.

ما تضمن التعبير بالمسجد

جاء في غير واحد من الروايات، التعبير بالمسجد و هو مثل الصنف السابق، فتارة جاء التعبير في كلام الراوي، و أُخرى في كلام الإمام، و الذي يصلح للاستدلال هو ما جاء في كلام نفس الإمام، و لنقتصر عليه، و لنشير إلى غيره في

الهامش.

«1» 1. خبر عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: تُتمّ الصلاة في أربعة مواطن: في المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، و مسجد الكوفة، «2» و حرم الحسين عليه السَّلام.

2. مرسلة إبراهيم بن أبي البلاد، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «تتم الصلاة في ثلاثة مواطن: في المسجد الحرام، و مسجد الرسول، و عند قبر الحسين عليه السَّلام». «3»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 11 و 28.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14، 22.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14، 22.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 424

3. مرسلة حذيفة بن منصور، عمن سمع أبا عبد اللّه عليه السَّلام يقول: «تتم الصلاة في المسجد الحرام، و مسجد الرسول، و مسجد الكوفة، و حرم الحسين عليه السَّلام». «1»

4. خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: سمعته يقول: «تتم الصلاة في أربعة مواطن: في المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، و مسجد الكوفة، و حرم الحسين عليه السَّلام».

فالقائل بالقول

«2» الثالث جعلها مقيداً لما دلّ على كون الموضوع هو البلدين، و يؤيّده أمران: ألف.

انّ المتعارف للمسافر هو إقامة الصلاة في المسجد دون البيوت و هذا يكون قرينة على أنّ المراد من البلدين هو المسجدان اعتماداً على السيرة فتصلح للقرينية. ب.

انّ التمسك بإطلاق البلدين فرع كون الروايات الواردة في مقام البيان مع أنّها بصدد بيان أصل الحكم دون التحديد. هذا غاية ما يمكن أن يذكر

في تأييد القول الثالث، و مع ذلك كلّه فالقول الثاني لا يخلو من قوّة و ذلك لوجوه:

1. وجود الروايات الصحيحة في الصنف الثاني دون الصنف الثالث، و القول بعدم كونها واردة في مقام البيان لو صحّ في بعضها غير صحيح في صحيح ابن مهزيار حيث ورد فيه فقلت: أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: مكة و المدينة.

2. روى عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السَّلام من أنّه قال: «كنت أنا و من مضى من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة و استترنا في الناس». «3» و لعلّ

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 23، 25.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 23، 25.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 6.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 425

الاستتار بمعنى إقامة الصلاة في خارج المسجد.

3. ما جاء في باب الاعتكاف من صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «المعتكف بمكة يصلّي في أيّ بيوتها شاء، سواء عليه صلّى في المسجد أو في بيوتها». «1»

4. انّ ذكر المسجد لمزيد الشرف و لأجل كونه الغالب، و إلّا فالموضوع أوسع.

و لعلّ الوجه الثاني أقوى و إن كان الثالث أحوط، و لأجل ذلك يقول السيد الطباطبائي:

فلا يبعد كون المدار على البلدان الأربعة و هو مكة و المدينة و الكوفة و كربلاء، و إن استبعده السيد الخوئي في الأخيرين و استشكله السيد الحكيم و احتاط بعضهم مطلقاً. و على فرض اختصاصه بالمسجد هل يختص الحكم بالقسم الأصلي من المسجد في عصر الرسول، أو يعمّ الزيادات الحاصلة بعد عصر الرسول إلى زمن صدور

الروايات، أو يعم ما حدث أخيراً في عصر العثمانيين و السعوديين؟

روى الطبري في حوادث عام

(188 ه): قدم كتاب الوليد على عمر بن عبد العزيز يأمره بهدم المسجد النبوي و إضافة حجرة رسول اللّه و أن يوسِّعه من قبلته و سائر نواحيه باشتراء الأملاك المحيطة به «2» فقام بعملية التوسعة في العام المزبور أيّام إمامة علي بن الحسين السجاد عليمها السَّلام و الرواية الآمرة بالإتمام صدرت عن الإمام الصادق عليه السَّلام بعد وفاة أبيه عام 114 ه، و ليس فيها أيّ إشارة إلى اختصاص الحكم بالقسم الأصلي في عصر الرسول، و لعلّ هذا دليل على أنّ المعيار هو الصدق العرفي و إن توسع عَبْر الأجيال. و اللّه العالم.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1.

(2). تاريخ الطبري: 5/ 222، و تاريخ ابن كثير: 8/ 65.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 426

الثاني: تحديد موضوع الجواز في الكوفة

و هل التخيير يختص بالمسجد أو يعمّ البلد، بل الحرم، فالظاهر انّ الأقوال ثلاثة:

1. قال الشيخ: و قد روي الإتمام في حرم اللّه و حرم الرسول، و حرم أمير المؤمنين و حرم الحسين. فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام خارجَ المسجد بالكوفة و بالنجف، و على الرواية الأُولى لا يجوز إلّا في نفس المسجد، و لو قصر في هذه المواضع كلّها كان جائزاً. «1»

2. نقل المحقّق الأردبيلي عن الشيخ انّه قال: إذا ثبت الاستحباب في الحرمين من غير اختصاص بالمسجد يكون الحكم كذلك في الكوفة لعدم القائل بالفرق، و هو مذهب المصنف في المنتهى و جماعة. «2»

3. و قال المحقّق في المعتبر: ينبغي أن ينزل الخبر المتضمن لحرم أمير المؤمنين عليه السَّلام، على مسجد الكوفة أخذاً بالمتيقن. «3» و يظهر

من الشيخ في المبسوط انّ الموضوع أوسع من المسجد و البلد و انّه يجوز الإتمام في الغري.

و على هذا فالأقوال ثلاثة، و قد اختلف التعبير عن مكان الجواز في النصوص، فتضمن في بعضها التعبير بحرم أمير المؤمنين

«4». و البعض الآخر التعبير بالكوفة. «5» و في البعض الثالث منها بالمسجد «6». و التعابير بأقسامها الثلاثة واردة في كلامهم، فيأتي هنا احتمالان:

______________________________

(1). الطوسي: المبسوط: 1/ 141.

(2). الأردبيلي: مجمع الفائدة: 3/ 426.

(3). نجم الدين: المعتبر: 1/ 254، الطبعة الأُولى.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1 و 24.

(5). المصدر نفسه، الحديث 13.

(6). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 14، 23، 25، 26، 29.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 427

1. انّ الموضوع أعمّ من البلدة و المسجد و لا داعي للتقييد، لاحتمال تعدد الأحكام باختلاف مراتب الفضيلة في المواضع الثلاثة، فتأمل.

2. الحكم مختص بالمسجد لأنّ التعبير به أكثر، و اعتياد إقامة الصلاة في المساجد ربما سوّغ تعليق الحكم على الأعمّ، و لأجل ذلك صار الثاني أقوى و أحوط، و حكي أنّ مسجد الكوفة كان أوسع من الموجود فعلًا، و بما انّه لم يثبت، فالأحوط هو الاقتصار على الموجود.

الثالث: تحديد الجواز في الحائر

و قد اختلفت الروايات في التعبير عن الموضوع هي بين معبر بلفظ الحرم

«1» إلى آخر بلفظ الحائر «2» إلى ثالث بالقبر. «3» أمّا لفظ الحرم فقد روى المجلسي في تقدير الحرم روايات مختلفة من أنّه فرسخ من كلّ جانب أو خمسة فراسخ من أربعة جوانب

«4» و لكن الروايات ضعاف لا يعتمد عليها و لذلك صار الحرم مجملًا، و المرجع إلى اللفظين الأخيرين: الحائر و قبر الحسين عليه السَّلام.

أمّا الأوّل فقد فسّره ابن إدريس أنّه ما دار سور المشهد و المسجد عليه قال:

لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة، لأنّ الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 14، 23، 24، 25.

(2). المصدر نفسه: الحديث 26، 29.

(3). المصدر نفسه: الحديث 13 و 22، و قد جاء التعبير بقبر الحسين في باب جواز التطوع للمسافر عند قبر الحسين، لاحظ الباب 26، الحديث 1.

(4). المجلسي: البحار: 101/ 106، الباب 15 في الحائر و فضله ...، ح 25 ح 28 و راجع بقية روايات الباب.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 428

يحار فيه الماء.

«1» و نقل المجلسي عن الشهيد في الذكرى أنّ في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل لعنه اللّه بإطلاقه على قبر الحسين عليه السَّلام ليعفيه، فكان لا يبلغه.

«2» و مع ذلك فيحتمل أن يراد منه مقدار ما يقع تحت القبة الشريفة و يحتمل أن يراد الروضة المقدسة من الرواق و المقتل و المسجد و المخزن، و يحتمل أن يضاف إليه الصحن، و لأجل عدم دليل واضح على التعيين، فليكتف بالقدر المتيقن، و هو ما يقع تحت القبة السامية، أو أوسع منها بقليل.

إذا كان بدن المصلّي داخلًا في الأماكن

إذا كان بعض بدن المصلّي داخلًا في أماكن التخيير و بعضه خارجاً، كما إذا كان نصف قدميه داخلًا في المسجد، و النصف الآخر خارجاً، لا يجوز له التمام لعدم دخوله في الأدلّة.

نعم لو كان في منتهى الخط في جانب القبلة و كانت قدماه داخلتين إلّا انّ بعض بدنه يخرج حال الركوع و السجود و لكنّه يتأخر حالهما حتى يدخل تمام البدن في المسجد، يدخل في موضوع الدليل.

عدم لحوق الصوم بالصلاة في الأماكن الأربعة

لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المزبور فلا يصحّ له الصوم إلّا إذا نوى الإقامة، أو بقي متردّداً ثلاثين يوماً.

وجهه مضافاً إلى عدم الخلاف وجود الدليل في الصلاة دون الصوم، بل يظهر من صحيح عثمان بن عيسى اختصاص الحكم بها، حيث إنّ السائل سأل عن الأمرين فأجاب الإمام بالجواز في خصوص الصلاة، قال:

سألت أبا الحسن عليه السَّلام

______________________________

(1). المجلسي: البحار: 101/ 117.

(2). المجلسي: البحار: 101/ 117.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 429

عن إتمام الصلاة و الصيام في الحرمين، فقال:

«أتمها و لو صلاة واحدة». «1» و ما في بعض النسخ من تثنية الضمير «2» لا يتلائم مع قوله: «و لو صلاة واحدة». و مثله في الدلالة على الاختصاص صحيح البزنطي حيث دلّ على عدم جواز الصوم تطوعاً في مكة و المدينة في حال السفر، و لو كان جائزاً و كان أفضل من الإفطار لما منع من الصيام، قال:

سألت أبا الحسن عن الصيام بمكة و المدينة و نحن في سفر، فقال: «فريضة؟» فقلت: لا و لكنّه تطوع كما يُتطوعُ بالصلاة قال: فقال: «تقول اليوم و غداً؟!» فقلت: نعم، فقال: «لا تصم». «3» و قد استدل صاحب الحدائق به و قال:

إنّ المنع عن التطوع مستلزم للمنع عن الواجب بطريق

أولى. «4» يلاحظ عليه:

أنّه و إن كان صحيحاً في نفسه بدليل أنّه ربما يجوز الصوم المستحب في السفر دون الواجب، فإذا منع المستحب كان الواجب ممنوعاً بطريق أولى، و لكن ظاهر النصّ خلاف هذا الأمر المسلّم حيث سأله الإمام و قال: «أ فريضة؟ فقلت: لا و لكنّه تطوع كما يتطوع بالصلاة» و كأنّ ظاهره انّه لو كان فريضة لكان سائغاً فلو كانت الفريضة مثل المندوب في الحكم الوارد في الرواية لما كانَ وجه للسؤال و إنّما يوجّه السؤال، إذا كان حكم الأوّل مغايراً مع الثاني بأن يجوز في الفريضة دون الندب. اللّهمّ إلّا أن يقال:

المقصود من الفريضة هو الواجب بالعرض كالمنذور في السفر، فلا صلة لها بالواجب بالذات، فجواز الصوم في المنذور لا يكون دليلًا على

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 17.

(2). حكاه المحدث البحراني في حدائقه: 11/ 466.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 12 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 2.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1418 ه ق ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر؛ ص: 429

(4). البحراني: الحدائق: 11/ 466.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 430

جوازه في الواجب بالذات، فعندئذ يصحح استدلال صاحب الحدائق.

بقي الكلام في الملازمة الواردة في صحيح معاوية بن وهب حيث قال:

إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت. «1» فيمكن أن يقال انّ مفهوم الجملة الأُولى هو الملازمة بين الإتمام و الصيام و انّه إذا لم تقصر فلا تفطر، فيلزم ذلك انّه إذا أتم الصلاة و لو بعنوان عرضي، لصح منه الصوم. يلاحظ عليه:

أنّ الراوي، سأل مرة

عن الصلاة و أجاب الإمام بأنّه يتم عند قصد العشرة، و يقصر في غيره إلى شهر، فإذا تم الشهر، يتم. ثمّ سأل عن الصيام فأجاب الإمام بنفس هذا الجواب، ثمّ عاد فأعطى ضابطة كلية و هي انّ الصلاة و الصوم يرتضعان من ثدي واحد و انّ الموضوع في التقصير و الإتمام، و الصوم و الإفطار واحد، و انّك إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت. و بذلك يظهر انّ مركز التسوية، هو ما سبق بمعنى انّ موضوعها واحد، و إنّ ناوي العشرة يتم و يصوم و غيره يقصر و يفطر، و أمّا الخارج عن هذا الإطار، كما إذا أتم لا لقصد العشرة بل لخصوصية في المكان، فخارج عن مورد التسوية فلا يكون جواز الإتمام دليلًا على جواز الصيام لخروجه عمّا هو هدف الرواية من التسوية فلاحظ.

التخيير في هذه الأماكن استمراري

كون التخيير استمرارياً يتصور على وجوه:

1. أن يتم يوماً و يقصر يوماً آخر.

2. أن يقصد القصر فيعدل إلى التمام، أو بالعكس ما لم يتجاوز

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 17.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 431

محلّ العدول.

3. أن ينوي الصلاة من غير تعيين أحد الأمرين من الأوّل، فإذا تشهد، ينوى التمام أو يقصر.

4. أن ينوي القصر و لكنّه أتمّ غفلة من غير التفات إلى القصر و التمام، كما إذا اقتدى بإمام يتم فخرج معه عن الصلاة.

5. أن ينوي القصر لكن أتم بزعم انّ الرابعة هي الثانية.

6. أو ينوي التمام فقصر غفلة بزعم ان الركعة الثانية هي الرابعة.

وجه الصحّة في الثلاثة الأُولى:

و هو اتحاد الصلاتين في الطبيعة، و إنّما الاختلاف في القصر و الطول، و إن شئت قلت: الاختلاف في الكيفية، أوّلًا

و وحدة الأمر ثانياً فكلّ من الحاضر و المسافر يقصد امتثال قوله سبحانه: (أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ)، غير انّ الدليل الخارجي دلّ على أنّ الحاضر، يأتي بالفرد الطويل و الآخر بالفرد القصير، فإلى أين انتهى الأمر، فقد امتثل، شريطة عدم التجاوز عن محلّ العدول. و أمّا صحّة الوجوه الثلاثة الأخيرة:

ففي الرابع أتى بالركعتين الأخيرتين بلا قصد، لكن يكفي كون الأمر و أصل العمل مقصودين غاية الأمر

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 432

فات منه قصد التمام و القصر، و قد قلنا في محلّه من أنّهما ليسا من العناوين القصدية.

و صرّح به المحقق في المعتبر و تبعه الأردبيلي و قال: الظاهر عدم وجوب نيّة الإتمام و القصر فيها و عدم دليل يقتضيها. «1» و في الخامس أتى بالركعتين الأخيرتين بنية القصر بزعم انّهما الأُوليان، و الاشتباه في وصفها لا يضر بعد كونه قاصداً لامتثال الأمر الواقعي، غاية الأمر يزعم انّه يمتثل الأمر الواقعي بالفرد القصير، مع أنّه في الواقع يمتثله بالفرد التام.

و منه يظهر حال السادس، فيزعم انّه يمتثل الأمر الواقعي بالفرد التام مع أنّه يمتثله بالفرد القصير و الخطأ في التطبيق غير مخل بعد كون المقصود هو امتثال الأمر الواقعي.

***

التسبيح ثلاثون مرّة

يستحب أن يقول عقيب كلّ صلاة مقصورة ثلاثين مرّة سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر.

و قد ورد في المقام حديثان

«2» أحدهما عن سليمان بن حفص المروزي و لم يوثق، و الآخر عن رجاء بن أبي الضحاك انّه صحب الرضا و كان مأموراً لجلبه إلى خراسان و الاعتماد عليهما في مقام الإفتاء مشكل. نعم ورد استحبابه عقيب كلّ فريضة من غير فرق

بين المقصورة و غيرها، إلّا أنّ الكلام تكرارها مرّتين، مرّة من باب التعقيب، و مرّة من حيث بدليّتها عن الركعتين الساقطتين.

مسائل

اشارة

بقيت هنا مسائل لم يتعرض لها صاحب العروة، و قد تعرض لها المحقّق الأردبيلي و المحدث البحراني و نحن نقتفي أثرهما:

الأُولى: جواز التنفل بالرواتب في الأماكن

يظهر من الشهيد و المحقّق الأردبيلي و بعض من تأخر عنهما جواز التنفل

______________________________

(1). الأردبيلي: مجمع الفائدة: 3/ 427.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 24 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 2.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 433

بالرواتب، و قال:

الظاهر استحباب فعل النافلة الساقطة فيها لأنّ المعلوم سقوطها بوجوب القصر و ليس بمعلوم في غيره فيبقى للأصل، و لشرف البقعة و التحريض و الترغيب على كثرة الصلاة فيها، و لما في بعض الأخبار من أنّ زيادة الصلاة خير، و زيادة الخير خير، و صلِّ النافلة ما شئت، و غير ذلك، فافهم. و لا فرق في الجواز بين اختيار القصر و الإتمام صرح بما ذكرناه في الذكرى. «1» و في كلامه إشارة إلى وجوه من الاستدلال:

1. إطلاق أدلّة الرواتب يقتضي التطوع بها في الحضر و السفر خرجت منه صورة واحدة و هي ما إذا وجب القصر، و بقي الباقي تحته.

2. شرف البقعة.

3. ما ورد في الروايات من إكثار الصلاة بألسن مختلفة.

يلاحظ على الأوّل:

بأنّ ما دلّ على سقوط النوافل و إن كان ظاهراً فيما إذا تعين القصر حيث ورد الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء «2» إلّا انّ الشكّ في وجود الإطلاق في أدلّة النوافل حتى يعم السفر و الحضر، فلاحظ. و يلاحظ على الثاني:

أنّ شرف البقعة لا يكون دليلًا، و إلّا فالمسجد الأقصى له من الشرف ما لا يخفى، فلا يجوز فيه الإتمام و لا التنفل. و أمّا الروايات فقد ورد في صحيح علي بن مهزيار:

«فأنا أُحب لك إذا دخلتهما

أن لا تقصّر و تكثر فيهما من الصلاة» «3» كما ورد في رواية إبراهيم بن شيبة: «كان رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يحب إكثار الصلاة في الحرمين، فأكثر فيهما و أتم». «4» و من

______________________________

(1). الأردبيلي: مجمع الفائدة: 3/ 427.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 16 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 2.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4 و 18.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4 و 18.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 434

المعلوم انّهما ليسا ظاهرين في التنفّل بالرواتب، بل الظاهر الإكثار بالتنفّل المطلق.

و أمّا ما أورده صاحب الوسائل في الباب

26، فإليك بعض ما يمكن الاستظهار منه: 1. روى علي بن أبي حمزة سألت العبد الصالح عليه السَّلام ... قلت: و ما ترى في الصلاة عنده (قبر الحسين) و أنا مقصر؟ قال: «صلّ في المسجد الحرام ما شئت تطوعاً ...». و سألته عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسين عليه السَّلام و مشاهد النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و الحرمين تطوعاً و نحن نقصر فقال: «نعم ما قدرت عليه». «1»

2. روى ابن أبي عمير، عن أبي الحسن قال: سألته عن التطوّع عند قبر الحسين عليه السَّلام و بمكة و المدينة و أنا مقصّر؟ فقال: «تطوع عنده و أنت مقصر ما شئت». «2»

و يقرب من هذين ما ورد في رواية صفوان

«3» و إسحاق بن عمّار. «4» و لعلّ السؤال عن الصلاة بالنهار، في الرواية الأُولى، و تصريح الراوي بأنّه مقصر، ربما يعطيان ظهوراً لها في أنّ مورد السؤال هو التنفّل بالرواتب، و إلّا فلو كان

السؤال عن مطلق التنفل، فما معنى تقييد الصلاة بالنهار، و كون المتطوع، مقصراً، فإذا جاز التطوع بالرواتب في حال القصر، فيجوز في حال الإتمام بطريق أولى.

نعم احتاط صاحب الحدائق فيما إذا كان مقصراً حيث قال:

الأحوط ترك الراتبة النهارية مع اختيار القصر لعدم صراحة هذه الأخبار (مع غض الطرف عمّا في أسانيدها) في جوازها على التعيين و عدم تبادرها من حاق ألفاظها على اليقين، و دخولها في مطلق التطوع معارض بما دلّ على سقوطها على الخصوص. «5»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 26 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 2، 4، 5.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 26 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 2، 4، 5.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 26 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 2، 4، 5.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 26 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1، 2، 4، 5.

(5). البحراني: الحدائق: 11/ 468.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 435

أقول:

إنّ مورد الروايات هو ما إذا قصّر، فإذا لم يكن لها ظهور في الرواتب، تبقى تحت المنع مطلقاً و إن أتم، إذ ليس لنا دليل بالخصوص على الجواز في صورة الإتمام، و إنّما قلنا به لأجل الأولوية، فإذا سقط الحكم في الأصل لم يبق دليل على الفرع بوجه أولى. و أمّا الاستدلال على الجواز برواية أبي يحيى الحناط، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال: «يا بُنيّ لو صلحتْ النافلة في السفر تمّت الفريضة». «1» فقاصر الدلالة لما سبق من أنّها تدل على الملازمة بين جواز النافلة و تمامية الصلاة، لا على العكس كما هو المفروض في المقام، حيث نريد أن نستنتج من تماميتها، جواز الرواتب

و قد مرّ.***

الثانية: إذا فاتته فريضة

إذا فاتته الفريضة في تلك الأماكن، فهل يتخير أيضاً في قضائها بين الإتمام و القصر أو لا، سواء قضاها فيها أو في خارجها؟ وجهان:

نعم لو فاتته في خارجها و أراد قضاءها فيها ليس له التخيير، بل يتبع كيفية ما فات منه، حضراً أو سفراً.

الظاهر عدم التخيير لوجهين: الأوّل:

انّ القول به فرع أن يكون الفائت هو الصلاة المخير في امتثالها بين التمام و القصر، و لا يتحقّق إلّا بالقول بأوسعية الموضوع من المسجد، و إلّا فلو قلنا باختصاص التخيير بالمسجد، و فاتت منه الصلاة و هو في البلد، فلم يَفت منه إلّا القصر، و كونه قادراً على الإتيان بها تماماً بالذهاب إلى المسجد لا يكون مصححاً للقول بأنّ الفائت هو المخير إلّا إذا فاتت منه و هو في المسجد.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 3، الباب 21 من أعداد الفرائض و نوافلها، الحديث 4.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 436

و ثانياً:

سلّمنا و لكن الفائت منه هو القصر، لأنّه بضيق الوقت يتعين عليه الامتثال بالقصر، لا بالتمام، و سيوافيك انّ قاعدة «من أدرك»، منحصرة بالمضطر، و لا تعم المختار، فليس له أن يجعل نفسه مضطراً بالإتيان بها تماماً، حتى يقال انّ الفائت بهذا الاعتبار هو التمام. نعم لو قلنا بمقالة المحقّق الهمداني في المسألة السابقة من أنّ من كان مسافراً في بعض الوقت و حاضراً في البعض الآخر، و فاتت منه الصلاة، انّه يتخير في القضاء بين التمام و القصر، لأنّ الفائت هو الجامع بين القصر و الإتمام لصحّ القول بالتخيير في المقام أيضاً، لكنّك قد عرفت ضعفه.

***

الثالثة: لو كانت في ذمته صلاةُ قضاء

لو كانت في ذمّته صلاة قضاء، فعلى القول بالمواسعة، يصحّ القول بالتخيير فيما يصلّي أداءً، و أمّا على القول

بالمضايقة، فكذلك، لأنّه امتثال للواجب بالفرد الأفضل، فهو مع كونه أفضل مصداق للواجب و ليس متنفّلًا حتى يصادمه القول بالمضايقة و قد أوضحنا في البحوث الأُصولية انّ المشخصات الفردية المستحبة، ليست أُموراً مستحبة في الواجب، بل هو كنفس الطبيعة، تتصف بالوجوب.

***

الرابعة: إذا ضاق الوقت

لو ضاق الوقت إلّا عن أربع ركعات و عليه الظهر و العصر، فلا

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 437

يصحّ الإتيان بالظهر تماماً لوقوع بعضه في الوقت المختص العصر، بل يأتي بها قصراً إنّما الكلام في جواز الإتيان بالعصر تماماً، أو يتعين عليه القصر ربما يقال بالأوّل اعتماداً على عموم قوله:

«من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت جميعاً». «1» يلاحظ عليه:

بأنّ المتبادر من قوله: «من أدرك» هو المضطر، لا المختار الذي يحتال ليجعل نفسه مضطراً كما في المقام، و إن شئت قلت: إنّ الحكم لا يُثبت موضوعه، و إنّما يترتب الحكم للموضوع الثابت قبله. وصل الكلام إلى هنا مساء يوم الأربعاء الثالث و العشرين من شهر ذي الحجة الحرام من شهور عام

1417 من الهجرة النبوية، و تمّ تحريره بيد مؤلفه الآثم جعفر السبحاني ابن الفقيه الزاهد الشيخ محمد حسين الخياباني التبريزي تغمده اللّه بواسع رحمته و المرجو من فضله سبحانه، أن ينتفع به طلاب الفقه، و روّاده انّه خير مجيب و خير معين، و صلّى اللّه على سيّدنا محمد و آله الطاهرين، و سلّم تسليماً كثيراً. و الحمد للّه رب العالمين

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 3، الباب 30 من أبواب مواقيت الصلاة، و النصّ المذكور في المتن، هو ما رواه المحقّق في المعتبر كما مرّ.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 439

فهارس الكتاب

اشارة

1. فهرس مصادر الكتاب 2. فهرس المواضيع

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 441

فهرس مصادر الكتاب

1. القرآن الكريم.

حرف الألف

2. أجوبة المسائل المهنائية: العلّامة الحلّي: الحسن بن يوسف بن المطهر (726648 ه) منشورات مطبعة الخيام، قم المقدسة 1401 ه.

3. أحكام الصلاة: محمد حسين السبحاني (13921299 ه) منشورات مكتبة أمير المؤمنين عليه السَّلام، اصفهان 1404 ه.

4. أحكام القرآن: الجصاص: أحمد بن علي (م 370 ه) دار الكتاب العربي، بيروت 1401 ه.

5. إرشاد الأذهان: العلّامة الحلّي: الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (726648 ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة 1410 ه.

6. الاستبصار: الشيخ الطوسي: محمد بن الحسن (460385 ه) دار الكتب الإسلامية، طهران 1390 ه.

7. إشارة السبق: علاء الدين الحلبي.

8. إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: قطب الدين البيهقي الكيدري (من أعلام القرن السادس الهجري) منشورات مؤسسة الإمام الصادق عليه السَّلام، قم المقدسة 1416 ه.

9. الأمالي: الصدوق: محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (م 381 ه) المكتبة الإسلامية، طهران.

10. الانتصار: الشريف المرتضى: علي بن الحسين الموسوي (436355 ه) منشورات المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف 1391 ه.

حرف الباء

11. بحار الأنوار: محمد باقر المجلسي (م 1110 ه) مؤسسة الوفاء، بيروت 1403 ه.

12. بداية المجتهد: ابن رشد القرطبي: محمد بن أحمد (595520 ه) دار المعرفة، بيروت 1403 ه.

13. البدر الزاهر في صلاة الجمعة و المسافر: حسين علي المنتظري تقريرات لأبحاث أُستاذه السيد حسين البروجردي، مطبعة الحكمة، قم المقدسة 1378 ه.

14. البيان: الشهيد الأوّل: محمد بن مكي العاملي (786734 ه) منشورات مجمع الذخائر الإسلامية، قم المقدسة، إيران.

حرف التاء

15. تاريخ الأُمم و الملوك: الطبري: محمد بن جرير (م 310 ه) مؤسسة الأعلمي، بيروت.

16. تحرير الوسيلة: الإمام الخميني:

روح اللّه الموسوي (14091320 ه) مطبعة الآداب، النجف الأشرف.

17. تنقيح المقال: عبد اللّه المامقاني (13511290 ه) النجف الأشرف 1350 ه.

18. تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي: محمد بن الحسن (460385 ه) دار الكتب الإسلامية، طهران 1390 ه.

حرف الجيم

19. جامع أحاديث الشيعة: المؤلّف تحت إشراف السيد حسين الطباطبائي البروجردي، طبع في المطبعة العلمية، قم المقدسة 1399 ه.

20. الجامع للشرائع: يحيى بن سعيد الحلّي (690601 ه) منشورات مؤسسة سيد الشهداء، قم المقدسة 1405 ه.

21. جامع المقاصد: المحقّق الثاني: الشيخ علي بن الحسين الكركي (940868 ه) مؤسسة آل البيت عليهم السَّلام لإحياء التراث، قم المقدسة 1408 ه.

22. جمل العلم و العمل: الشريف المرتضى: علي بن الحسين الموسوي (436355 ه) المطبوع ضمن رسائله.

23. جواهر الكلام: الشيخ محمد حسن النجفي (م 1266 ه) دار إحياء التراث العربي، بيروت 1981 م.

حرف الحاء

24. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: الشيخ يوسف البحراني (11861107 ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، إيران.

حرف الخاء

25. الخلاف: الشيخ الطوسي: محمد بن الحسن (460385 ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة 1407 ه.

حرف الدال

26. الدروس: الشهيد الأوّل: محمد بن مكي العاملي (786733 ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة 1412 ه.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 442

حرف الذال

27. ذخيرة العباد في شرح الإرشاد: محمد باقر السبزواري، مؤسسة آل البيت عليهم السَّلام، طبعة حجر.

28. الذكرى: الشهيد الأوّل: محمد بن مكي العاملي (786733 ه) طبعة حجر، إيران.

حرف الراء

29. الرجال: الطوسي: محمد بن الحسن (460385 ه) النجف الأشرف 1381 ه.

30. الرجال: النجاشي: أحمد بن علي (450372 ه) بيروت 1409 ه.

31. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: الشهيد الثاني:

زين الدين العاملي (965911 ه) منشورات جامعة النجف الدينية، الطبعة الثانية 1395 ه.

32. روض الجنان: الشهيد الثاني: زين الدين العاملي (965911 ه) طبعة حجر.

حرف الزاء

33. زاد المعاد: ابن قيّم الجوزية: محمد بن أبي بكر (751691 ه) دار إحياء التراث العربي، بيروت.

حرف السين

34. السرائر: ابن إدريس: محمد بن منصور الحلي (م 598 ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة 1417 ه.

حرف الشين

35. شرائع الإسلام: المحقّق الحلّي: أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (676602 ه)، منشورات استقلال، طهران 1409 ه.

حرف الصاد

36. الصحيح: مسلم بن الحجاج القشيري (م 261 ه) دار إحياء التراث العربي، بيروت.

37. الصلاة: الشيخ مرتضى الأنصاري (12811212 ه) طبعة حجر.

38. الصلاة: الشيخ عبد الكريم الحائري (م 1355 ه) إيران، الطبعة الثانية 1379 ه.

39. صلاة المسافر: حسين الموسوي العلوي الخوانساري، تقرير أبحاث السيد أبي الحسن الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة 1415 ه.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 443

حرف العين

40. العروة الوثقى: السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337 ه) دار الكتب الإسلامية، طهران.

حرف الغين

41. الغنية: ابن زهرة: السيد حمزة بن علي الحلبي (585511 ه) منشورات مؤسسة الإمام الصادق عليه السَّلام، قم المقدسة 1417 ه.

حرف الفاء

42. الفهرست: الشيخ الطوسي: محمد بن الحسن (460385 ه) جامعة مشهد، إيران 1351 ه.

43. فوائد الأُصول: الكاظمي: محمد علي الخراساني (م 1365 ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة 1404 ه.

حرف القاف

44. القاموس المحيط: الفيروزآبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب، دار المعرفة، بيروت.

45. قواعد الأحكام: العلّامة الحلّي: الحسن بن يوسف بن المطهر (726648 ه) طبعة حجر.

حرف الكاف

46. الكافي في الفقه: أبو الصلاح

الحلبي (447374) منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السَّلام، أصفهان، إيران.

47. الكافي: الكليني: محمد بن يعقوب (م 329 ه) دار الكتب الإسلامية، طهران، 1388 ه.

48. كامل الزيارات: جعفر بن محمد بن قولويه (م 367 ه) طهران 1406 ه.

49. الكليات: أبو البقاء: أيوب بن موسى الحسيني الكفوي (10941028 ه)، منشورات دار الكتاب الإسلامي، القاهرة 1413 ه.

50. كليات في علم الرجال: السبحاني: جعفر بن محمد حسين (تولد 1347 ه) مركز مديرية الحوزة العلمية، قم المقدسة 1410 ه.

حرف اللام

51. لسان العرب: ابن منظور: محمد بن مكرم (م 711 ه) قم 1405 ه.

حرف الميم

52. المبسوط: الشيخ الطوسي: محمد بن الحسن (460385 ه) منشورات المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 444

الجعفرية، الطبعة الثانية، طهران

1387 ه. 53. مجمع البحرين: الطريحي: فخر الدين بن محمد علي (1085979 ه) المكتبة المرتضوية، طهران.

54. مجمع البيان: الطبرسي: الفضل بن الحسن (548471 ه) دار المعرفة، بيروت 1408 ه.

55. مجمع الفائدة و البرهان: المحقّق الأردبيلي: أحمد بن محمد (م 993 ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة 1402 ه.

56. المختصر النافع: المحقّق الحلّي: أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (676602 ه)، منشورات مؤسسة البعثة، قم المقدسة 1416 ه.

57. مختلف الشيعة: العلّامة الحلّي: الحسن بن يوسف بن المطهر (726648 ه) منشورات مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية التابع لمكتب الأعلام الإسلامي في الحوزة العلمية، قم المقدسة 1415 ه.

58. مدارك الأحكام: السيد محمد بن علي الموسوي العاملي (1009946 ه) مؤسسة آل البيت عليهم السَّلام لإحياء التراث، قم المقدسة 1410 ه.

59. المراسم العلوية في الأحكام النبوية: سلّار الديلمي: أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز (م 448 ه)، منشورات المعاونية

الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السَّلام، قم المقدسة 1414 ه.

60. مروج الذهب: المسعودي: علي بن الحسين (م 345 ه) منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت 1965 م.

61. مسالك الأفهام: الشهيد الثاني: زين الدين بن علي العاملي (965911 ه) مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة 1413 ه.

62. مستدرك الوسائل: المحدث النوري: الحسين بن محمد تقي (13201254 ه) مؤسسة آل البيت عليهم السَّلام، قم المقدسة 1407 ه.

63. مستمسك العروة الوثقى: السيد محسن الطباطبائي الحكيم (م 1390 ه) منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم المقدسة 1404 ه.

64. مستند الشيعة: النراقي: المولى أحمد بن محمد مهدي (12451185 ه) مؤسسة آل البيت عليهم السَّلام لإحياء التراث، قم المقدسة 1415 ه.

65. مستند العروة الوثقى: الشيخ مرتضى البروجردي تقرير لأبحاث السيد أبي القاسم الخوئي (م 1413 ه) المطبعة العلمية، قم المقدسة، الطبعة الأُولى 1414 ه.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 445

66. مصباح الفقيه: الشيخ رضا بن محمد هادي الهمداني (حدود 13221250 ه) المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث، قم المقدسة 1417 ه.

67. المصباح المنير: أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي (م 770 ه) تصحيح محمد محي الدين عبد الحميد المدرس بالجامع الأزهر، مصر 1347 ه.

68. المعتبر في شرح المختصر: المحقّق الحلي: نجم الدين جعفر بن الحسن (676602 ه) منشورات مؤسسة سيد الشهداء عليه السَّلام، قم المقدسة 1405 ه.

69. معجم البلدان، الحموي: ياقوت بن عبد اللّه (م 262 ه) دار إحياء التراث العربي، بيروت 1399 ه.

70. معجم رجال الحديث: أبو القاسم الخوئي (م 1413 ه) منشورات مدينة العلم، بيروت، الطبعة الثالثة 1403 ه.

71. المغني: عبد اللّه بن قدامة (620541 ه) مطبعة الإمام، مصر.

72. مفتاح الكرامة: السيد محمد جواد الحسيني العاملي (م حدود 1226

ه) مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم المقدسة، إيران.

73. المفردات: الراغب الاصفهاني: الحسين بن محمد (م 502 ه) مطبعة الميمنية، القاهرة 1403 ه.

74. مقاييس اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (م 395 ه) القاهرة 1366 ه.

75. المقنع: الشيخ الصدوق: محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (م 381 ه) مؤسسة الإمام الهادي عليه السَّلام، قم المقدسة 1415 ه.

76. المقنعة: الشيخ المفيد: محمد بن محمد بن النعمان (413338 ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة 1410 ه.

77. ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار: محمد باقر المجلسي (م 1110 ه) منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي، قم المقدسة 1406 ه.

78. من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق: محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (م 381 ه)، دار الكتب الإسلامية، طهران 1390 ه.

79. المهذب: القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي (481400 ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة 1406 ه.

ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر، ص: 446

حرف النون

80. نجاة العباد: الشيخ محمد حسن النجفي (م 1266 ه).

81. النهاية: ابن الأثير الجزري: مبارك بن محمد (م 606 ه) مؤسسة إسماعيليان، قم المقدسة 1405 ه.

82. النهاية: الشيخ الطوسي: محمد بن الحسن (460385 ه) دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1400 ه.

83. نهج البلاغة: جمع الشريف الرضي (406359 ه) بيروت، الطبعة الأُولى 1387 ه.

حرف الهاء

84. الهداية: الشيخ الصدوق (م 381 ه) منشورات المكتبة الإسلامية و مؤسسة المطبوعات الدينية، طهران 1377 ه.

حرف الواو

85. الوافي: الفيض الكاشاني (م 1091 ه) منشورات مكتبة أمير المؤمنين، اصفهان 1406 ه.

86. وسائل الشيعة: الحر العاملي: محمد بن الحسن (11041033 ه) دار إحياء التراث العربي، بيروت 1403

ه.

87. الوسيلة: ابن حمزة: محمد بن علي (من علماء القرن السادس الهجري) نشر مكتبة المرعشي النجفي، قم المقدسة 1408 ه.

حرف الياء

88. الينابيع الفقهية: جمع علي أصغر مرواريد، دار التراث و الدار الإسلامية، بيروت 1410 ه.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.